أجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الجمعة، جولة محادثات مغلقة مع ستيف ويتكوف، المبعوث الخاص للرئيس الأميركي دونالد ترمب، ركَّزت على ملفات العلاقة الثنائية وجهود دفع تسوية سياسية في أوكرانيا.
وعلى الرغم من تأكيد الكرملين أنه لا ينتظر «اختراقات سريعة» من المفاوضات المكوكية مع المبعوث الأميركي الذي يزور روسيا للمرة الثالثة في غضون شهرين، لكن الرئاسة الروسية كشفت أن اللقاء تضمن «نقل محددات وعناصر الموقف الروسي، ومخاوف موسكو إلى الرئيس الأميركي».
وعَدَّ الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الجمعة، أن الحرب في أوكرانيا «عبثية»، داعياً موسكو لأن «تتحرك» نحو إبرام تسوية، في موقف تزامن مع زيارة مبعوثه ويتكوف إلى روسيا. وكتب ترمب على منصته «تروث سوشيال»، «على روسيا أن تتحرك»، مشيراً إلى أن الحرب التي اندلعت مطلع عام 2022 «عبثية» و«كان يجب ألا تقع».

وجرى اللقاء مع بوتين خلف أبواب مغلقة، ولم ينشر الطرفان بعده بيانات توضح مضمون النقاشات. وفي إشارة لافتة قال الناطق الرئاسي الروسي ديمتري بيسكوف إن محادثات بوتين مع ويتكوف ربما تكون «استمرت ساعتين أو ثلاث ساعات، وفق حاجة الرئيس الروسي». وحذَّر من التسرع في إعطاء تقييم لمسار المحادثات مع واشنطن، على خلفية تسارع وتيرة زيارات المبعوث الأميركي، وقال إنه «لا ينبغي توقع أي اختراقات سريعة»، مضيفاً أن عملية تطبيع العلاقات تجري بشكل جيد.
وكشف بيسكوف أن اللقاء بين بوتين وويتكوف مثَّل «فرصة لروسيا لنقل عناصر موقفها ومخاوفها إلى الرئيس الأميركي».
وسُئل الناطق عن مغزى توقيت الزيارة مباشرة بعد جولة محادثات روسية أميركية في إسطنبول، فأكَّد عدم وجود رابط بين المسارين. في إشارة إلى أن حوارات إسطنبول «فنية، وتهدف إلى حلحلة مشكلات البعثات الدبلوماسية ومسائل استئناف الطيران المدني بين البلدين»، في حين أن زيارات ويتكوف تناقش الملفات السياسية الرئيسية في شؤون العلاقات الثنائية والتسوية الأوكرانية. وقال بيسكوف للصحافيين: «إنهما مساران مختلفان لعملية مشتركة واحدة».
وفي هذا الإطار كان لافتاً التلميح إلى أن زيارة ويتكوف هذه المرة قد تكون تطرقت لتحديد موعد للقاء مقبل بين بوتين وترمب، وهو أمر تحدَّث عنه الطرفان مرات كثيرة في السابق ولم يتم حتى الآن إعلان اتفاق بشأنه.

وكانت الولايات المتحدة وروسيا، قد أجرتا، الخميس، في إسطنبول الجولة الثانية من المحادثات بشأن استئناف العمليات الكاملة لبعثاتهما الدبلوماسية. وفي أعقاب المشاورات، أعلنت وزارة الخارجية الروسية أن الوفدين تبادلا مذكرات تؤكد الاتفاق الذي تم التوصل إليه بشأن الالتزامات المتبادلة لتسهيل الخدمات المصرفية والمالية دون انقطاع للبعثات الدبلوماسية الروسية والأميركية، فضلاً عن تنفيذ إسهامات الاتحاد الروسي في ميزانيات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى.
وقبل لقائه ببوتين، أجرى المبعوث الأميركي جولة محادثات في عاصمة الشمال الروسي سان بطرسبورغ مع الممثل الخاص للرئيس الروسي للاستثمار والتعاون الاقتصادي مع الدول الأجنبية، رئيس صندوق الاستثمار المباشر الروسي كيريل دميترييف، وهو شخصية مقربة جدّاً من بوتين. كما قام بزيارة إلى كنيس يهودي في المدينة.

وهذه الزيارة الثالثة للمبعوث الخاص ويتكوف إلى روسيا. وكانت زيارته الأخيرة لموسكو في 13 مارس (آذار) الماضي. والتقى المبعوث الخاص بعد ذلك بممثلين روس رفيعي المستوى، وفي المساء استقبله بوتين.
وحسبما أفاد بيسكوف، قدَّم ويتكوف للجانب الروسي معلومات إضافية بشأن أوكرانيا، وقام الرئيس الروسي من خلاله بنقل معلومات وإشارات إضافية إلى نظيره الأميركي.
وفي أوائل فبراير (شباط) زار ويتكوف روسيا للتفاوض على تبادل الأميركي مارك فوجل، المُدان بتهريب المخدرات وحيازتها، ثم شارك في مفاوضات روسية أميركية رفيعة المستوى في الرياض.

لافروف يُحذّر من نشاط معارضي التقارب
في غضون ذلك، حذَّر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف خلال مشاركته في اجتماع وزراء خارجية رابطة الدول المستقلة في العاصمة الكازاخية، ألماتي، من صعوبات تعترض تطبيع العلاقات الروسية الأميركية، خصوصاً بسبب وجود معارضة قوية في واشنطن للتقارب مع موسكو.
وقال لافروف إنه «في الولايات المتحدة هناك كثير من الناس، سواء بين الديمقراطيين أو الجمهوريين، الذين لا يريدون استئناف الحوار بين موسكو وواشنطن». وأشار الوزير إلى أن الثقة بين الطرفين «قُوِّضت ودُمّرت على يد إدارة (الرئيس جو) بايدن».
وأضاف: «حتى الآن في الولايات المتحدة نفسها، سواء بين الديمقراطيين أو الجمهوريين، هناك عدد من الناس الذين لا يريدون أن يسود تركيز الرئيس (دونالد) ترمب وفريقه على تطبيع العلاقات (مع الاتحاد الروسي) واستئناف الحوار حول أي قضايا، على الرغم من الخلافات». ودعا الوزير إلى عدم المبالغة في التوقعات بشأن الاتصالات الجارية، لكنه استدرك أن «الأمر يستحق أن نسعى إلى تطبيع العلاقات».
وأوضح: «أعتقد أنه ينبغي لنا ألا نخدع أنفسنا، لكن السعي إلى التطبيع القائم على الاعتراف المتبادل واحترام المصالح الوطنية لكل دولة أمر واقعي وضروري تماماً».
ورأى أن عمليات تبادل الأسرى التي جرت بين موسكو وواشنطن تُساعد على تعزيز الثقة، لكن استعادتها بشكل نهائي سيستغرق وقتاً طويلاً.
وأفاد لافروف -خلال مؤتمر صحافي أعقب اجتماع وزراء الخارجية- بأن بلاده اقترحت على الولايات المتحدة رفع العقوبات المفروضة على شركة «إيروفلوت» الناقل الحكومي الأهم.
وقال ردّاً على سؤال حول ما إذا كانت استعادة الحركة الجوية ستستلزم رفع العقوبات المفروضة على شركة «إيروفلوت»: «قدمنا مثل هذا الاقتراح قبل الاجتماع في الرياض بنحو شهر. ووافق عليه الأميركيون. وحتى الآن، لم نشهد أي خطوات متبادلة». وحسب الوزير فإن «استئناف الحركة الجوية يجب أن يكون نتيجة رفع العقوبات عن شركة (إيروفلوت)».

وأشار لافروف إلى أن الخبراء الروس ذكَّروا بهذا الاقتراح خلال الجولة الثانية من المشاورات مع الولايات المتحدة في إسطنبول.
وفي شأن التسوية الأوكرانية شدَّد لافروف على موقف بلاده الرافض تقديم أي تنازلات ميدانية، وقال إن «عودة أوكرانيا إلى حدودها لعام 1991 أمر مستحيل، وإدارة الرئيس الأميركي تُدرك ذلك جيداً».

وأوضح أن «العودة إلى حدود عام 1991، كما يطالب (الرئيس فولوديمير) زيلينسكي، أمرٌ مستحيل، ولو لمجرد الحفاظ على من يعدّهم زيلينسكي (مخلوقات) يعيشون في هذه الأراضي. وقد وصفهم بهذا الشكل مراراً وتكراراً حتى قبل بدء العملية العسكرية الخاصة... حسناً، هل يمكن التفكير ولو افتراضياً في التخلي عن هؤلاء الأشخاص؟ مستحيل، أبداً. وإدارة ترمب تُدرك هذا أيضاً، إذ صرّحت علناً مراراً وتكراراً بأن على زيلينسكي أن يُعالج مسألة الأراضي».