زيلينسكي إلى واشنطن للتوقيع على صفقة المعادن... واستمرار مناقشة الضمانات الأمنية

الأوروبيون يناقشون بحث احتمال إعلان هدنة قصيرة الأمد في النزاع تناولها اجتماع ترمب وماكرون

أرشيفية للرئيسين الأميركي دونالد ترمب والأوكراني فولوديمير زيلينسكي في نيويورك (رويترز)
أرشيفية للرئيسين الأميركي دونالد ترمب والأوكراني فولوديمير زيلينسكي في نيويورك (رويترز)
TT

زيلينسكي إلى واشنطن للتوقيع على صفقة المعادن... واستمرار مناقشة الضمانات الأمنية

أرشيفية للرئيسين الأميركي دونالد ترمب والأوكراني فولوديمير زيلينسكي في نيويورك (رويترز)
أرشيفية للرئيسين الأميركي دونالد ترمب والأوكراني فولوديمير زيلينسكي في نيويورك (رويترز)

توقع مسؤولون أن يصل الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إلى واشنطن، الجمعة، للقاء نظيره الأميركي دونالد ترمب وتوقيع اتفاق يمنح الولايات المتحدة حقوق استثمار استثنائية بالمعادن النادرة وغيرها من الموارد الطبيعية في أوكرانيا، كجزء من مفاوضات أوسع لإنهاء غزو روسيا لأراضيها، في حين اجتمع قادة الدول السبع والعشرين الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، عبر الفيديو، الأربعاء، لبحث احتمال إعلان هدنة في النزاع مع روسيا، وللاطلاع على أهم ما دار في الاجتماع الذي ركز على أوكرانيا بين الرئيسين الفرنسي إيمانويل ماكرون والأميركي ترمب، يوم الاثنين الماضي، في واشنطن. ويأمل حلفاء كييف في نقطة تحول بعد أكثر من ثلاث سنوات من الحرب، مع التحذير من دفع أوكرانيا إلى «الاستسلام» بعد أن تناول اجتماع واشنطن إعلان هدنة قصيرة الأمد والحصول على موافقة روسيا على دور أوروبي في تسوية النزاع.

وقال وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، في مقابلة مع شبكة «فوكس نيوز» التلفزيونية، إن الولايات المتحدة أوشكت على إتمام صفقة المعادن الأرضية النادرة مع أوكرانيا.

ولم تتضح حتى الآن الشروط النهائية للصفقة وحجمها، وما إذا كانت أوكرانيا ستحصل على ضمانات أمنية لطالما سعت إليها خلال أيام المفاوضات الصعبة والمتوترة، التي وصلت إلى حد تراشق ترمب وزيلينسكي بالاتهامات والإهانات. ولم تتضمن مسودات الاتفاق السابقة أي التزام أمني من الولايات المتحدة. وأصر ترمب على أنه يريد مقابلاً للمساعدات العسكرية الأميركية التي تلقتها كييف، مما يحوّل تحالف الولايات المتحدة مع أوكرانيا في اتجاه تجاري محض.

وأفاد مسؤول أميركي بأن مسودة نهائية للاتفاق أُرسلت إلى أوكرانيا، الثلاثاء، متوقعاً أن يوقِّع عليها أولاً كل من وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت، ونظيره الأوكراني سيرغي مارتشينكو، على أن يتوجه زيلينسكي إلى واشنطن للتوقيع مع ترمب.

الرئيس الأميركي دونالد ترمب موقِّعاً على أحد قراراته التنفيذية (أ.ب)

كان ترمب قد أشار إلى زيلينسكي، مساء الثلاثاء، من المكتب البيضاوي في واشنطن، قائلاً: «سمعت أنه سيأتي الجمعة. بالتأكيد، لا بأس بالنسبة إليّ، إذا كان يرغب في ذلك. ويود التوقيع عليه معي. وأنا أفهم أن هذه صفقة كبيرة، كبيرة للغاية».

أمن أوكرانيا

وقال: «تفاوضنا إلى حد كبير على صفقتنا بشأن المعادن النادرة وأشياء أخرى مختلفة»، مضيفاً: «سننظر في» الأمن المستقبلي لأوكرانيا «لاحقاً». وأضاف: «لا أعتقد أن هذا سيكون مشكلة (...) تحدثت مع روسيا حول هذا الأمر. لم يبدُ أن لديهم مشكلة في ذلك. لذلك أعتقد أنهم يفهمون... بمجرد أن نفعل ذلك، لن يعودوا».

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي خلال مؤتمر صحافي في كييف (أ.ف.ب)

وأعرب زيلينسكي، الأربعاء، عن أمله في زيارة واشنطن، الجمعة، ولقاء الرئيس الأميركي للتوصل إلى اتفاق-إطار لاستغلال الموارد الطبيعية الأوكرانية، وبحث معه مسألة المساعدات المستقبلية لبلاده. وقال مسؤول أوكراني كبير لوكالة الصحافة الفرنسية، مساء الثلاثاء، إن كييف وافقت على شروط صفقة تطوِّر الولايات المتحدة بموجبها بشكل مشترك الموارد المعدنية في أوكرانيا، وأن زيلينسكي قد يوقِّع عليها الجمعة، في واشنطن. وقال زيلينسكي للصحافيين، الأربعاء: «أود بشدّة فعل هذه الزيارة». وأضاف: «هذه مجرد البداية وقد تحقق نجاحاً كبيراً. النجاح رهن بمحادثتنا مع الرئيس ترمب». وقال زيلينسكي إن عائدات صفقة الموارد سيجري إيداعها في صندوق مملوك بشكل مشترك من أوكرانيا والولايات المتحدة، وأن كييف لن تكون «مدينة» للمساعدات المقدمة في عهد بايدن. وأوضح زيلينسكي: «سيكون هذا غير عادل لنا». وتابع أنّه سيسأل ترمب إن كان سيوقف المساعدات الأميركية المستقبلية لأوكرانيا، وفي هذه الحالة إذا كانت كييف ستتمكن من شراء أسلحة من الولايات المتحدة. وتأمل أوكرانيا في أن يؤدي الاتفاق إلى تحسين العلاقات مع إدارة ترمب التي توترت على وقع انتقادات وهجمات كلامية من ترمب على زيلينسكي. وتريد كييف أيضاً ضمانات أمنية، على الرغم من أن المسودة الحالية للاتفاق لا تنص على أي التزامات أمنية محددة على الولايات المتحدة، حسبما صرح مسؤول أوكراني كبير لوكالة الصحافة الفرنسية.

وأكد القادة الأوروبيون ضرورة وجود ضمانات أمنية لأوكرانيا شرطاً لأي محادثات سلام مستقبلية بين موسكو وكييف. وفي أعقاب اجتماعه مع ترمب، اقترح الرئيس ماكرون تعزيز القدرات العسكرية لأوكرانيا، ونشر قوات بريطانية وفرنسية للحفاظ على السلام إذا طلب ذلك.

وكان زيلينسكي يضغط منذ أيام لإتمام أي اتفاق مع ترمب شخصياً. لكنه رفض مسودة من الاتفاق لأنها تفتقر إلى ضمانات أمنية أميركية محددة. وأبدى المسؤولون الأوكرانيون ارتياحهم للصفقة بعدما أزال الأميركيون بعض الشروط الأكثر إرهاقاً لأوكرانيا. وقال مسؤول أوكراني إن الشروط اتُّفق عليها بعد «حذف كل ما هو غير مقبول من النص، والآن جرى توضيح كيف سيسهم هذا الاتفاق في أمن أوكرانيا وسلامها بشكل أكثر وضوحاً».

ولم تعد مسودة الاتفاق تتضمن الطلب بأن تسهم أوكرانيا بمبلغ 500 مليار دولار في صندوق تملكه الولايات المتحدة. كما لم تتضمن طلباً أن تسدد أوكرانيا للولايات المتحدة ضِعف المبلغ على أي مساعدات أمريكية مستقبلية -وهو الطلب الذي قارنه زيلينسكي بفرض دين طويل الأجل على أوكرانيا.

صندوق مشترك

وبدلاً من ذلك، يفيد مشروع الاتفاق بأن أوكرانيا ستسهم في الصندوق بنصف عائداتها من تسييل الموارد الطبيعية في المستقبل، بما في ذلك المعادن الحيوية والنفط والغاز. وستمتلك الولايات المتحدة الحد الأقصى من المصلحة المالية في الصندوق المسموح به بموجب القانون الأميركي، وإن لم يكن بالضرورة كلها. وسيصمَّم الصندوق لإعادة استثمار بعض العائدات في أوكرانيا. كما ستلتزم الولايات المتحدة بدعم التنمية الاقتصادية المستقبلية لأوكرانيا.

ودارت المناقشات حول حقوق المعادن في أوكرانيا مع حصول روسيا على مزايا في ساحة المعركة. كما انحاز ترمب إلى نظيره الروسي فلاديمير بوتين، في حين انتقد زيلينسكي، واصفاً إياه بأنه «ديكتاتور». كما قال إن أوكرانيا بدأت الحرب رغم أنها بدأت بغزو روسيا الشامل في فبراير (شباط) 2022.

الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال اجتماعه بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في البيت الأبيض يوم الاثنين (أ.ب)

وتعد الصفقة شهادة على نهج ترمب القائم على المعاملات في الشؤون الخارجية، وهي تتبِّع خطوات مماثلة من الرئيس الأميركي؛ للإفادة من القوة الاقتصادية للولايات المتحدة في الضغط على حلفاء مثل كندا وكولومبيا للامتثال لمطالبه أو التفاوض عليها على الأقل.

يقول المنتقدون إن مسودة سابقة للاتفاق لم تأخذ في الاعتبار التكلفة في الأرواح التي دفعتها أوكرانيا بالفعل من أجل الأمن الأوسع لأوروبا -من خلال هزيمة الغزو الروسي الأوّلي، ومنع الوجود العسكري الروسي على حدود حلف شمال الأطلسي «الناتو» في الغرب.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى جانب الرئيس دونالد ترمب ويظهر في الصورة نائب الرئيس جي دي فانس ووزير الخارجية ماركو روبيو خلال اجتماع الاثنين في المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض (أ.ب)

وطرح زيلينسكي فكرة صفقة الموارد في الخريف الماضي لتوفير حافز لمزيد من الدعم العسكري الأميركي. لكنه رفض الشروط التي قدمتها إدارة ترمب عندما زار وزير الخزانة بيسنت العاصمة الأوكرانية في 12 فبراير (شباط) الماضي. وقال في مؤتمر صحافي: «أنا لا أوقع على شيء سيتعين على عشرة أجيال من الأوكرانيين سداده». لكنه اعترف بأنه قد لا يكون لديه خيار في النهاية. وزعم البيت الأبيض أنه حتى من دون ضمانات أمنية محددة، فإن مجرد وجود المصالح الاقتصادية الأميركية في أوكرانيا من شأنه أن يردع العدوان الروسي في المستقبل. وخلال الأسبوع الماضي، تساءل مستشار الأمن القومي الأميركي مايك والتز: «ما الذي يمكن أن يكون أفضل بالنسبة إلى أوكرانيا من الدخول في شراكة اقتصادية مع الولايات المتحدة؟».


مقالات ذات صلة

جولة جديدة من محادثات أوكرانيا في لندن استكمالاً لـ«لقاء باريس»

أوروبا الرئيسان الأميركي دونالد ترمب والأوكراني فولوديمير زيلينسكي في البيت الأبيض خلال زيارة الثاني واشنطن يوم 28 فبراير الماضي (أ.ف.ب)

جولة جديدة من محادثات أوكرانيا في لندن استكمالاً لـ«لقاء باريس»

تبدأ الأربعاء في لندن جولة جديدة من المحادثات بشأن أوكرانيا، استكمالاً لـ«لقاء باريس»، مع استباق الكرملين لها وتحذيره من التسرع بشأن إمكانية وقف الحرب.

«الشرق الأوسط» (كييف - موسكو - لندن)
جنود روس (أ.ب)

روسيا: إعلان حالة الطوارئ في منطقة شرق موسكو بعد انفجار

قالت وكالة تاس الروسية للأنباء نقلاً عن خدمات الطوارئ إنه تم إعلان حالة الطوارئ في منطقة فلاديمير شرق موسكو في أعقاب انفجار وقع اليوم الثلاثاء.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
تحليل إخباري قصف إسرائيلي قرب خيام نازحين فلسطينيين في خان يونس (أرشيفية - أ.ف.ب)

تحليل إخباري حين لا يخدم التكتيك الاستراتيجية المنشودة

كانت الاستراتيجية الروسية الكبرى إلغاء ما يُسمّى بدولة أوكرانيا. لكن التكتيك الأوكراني، بمساعدة أميركيّة مباشرة، أسقط معادلة النصر الروسية.

المحلل العسكري
أوروبا صورة التقطتها ونشرتها الخدمة الصحافية الرئاسية الأوكرانية في 20 أبريل 2025 تظهر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في مناسبة احتفالات عيد الفصح في كييف وسط الغزو الروسي لأوكرانيا (أ.ف.ب)

زيلينسكي: الاقتراح الأوكراني بوقف الهجمات على البنية التحتية ما زال مطروحاً

أكد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الثلاثاء، أن مقترح بلاده لوقف الهجمات على البنية التحتية المدنية ما زال مطروحاً.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف عند وصوله إلى قصر الإليزيه في باريس 17 أبريل 2025 (أ.ب)

ويتكوف يزور روسيا في إطار مساعي واشنطن لوقف إطلاق النار في أوكرانيا

يتوقع أن يزور المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف روسيا خلال الأسبوع الحالي على ما أفاد مسؤول روسي فيما حذرت موسكو من التسرع في المحادثات الرامية لإنهاء الحرب.

«الشرق الأوسط» (كييف)

تاريخ متأرجح من الود والتوتر بينهما… هل سيشارك ترمب في جنازة البابا فرنسيس؟

البابا فرنسيس يلتقي الرئيس دونالد ترمب في الفاتيكان عام 2017 (أ.ب)
البابا فرنسيس يلتقي الرئيس دونالد ترمب في الفاتيكان عام 2017 (أ.ب)
TT

تاريخ متأرجح من الود والتوتر بينهما… هل سيشارك ترمب في جنازة البابا فرنسيس؟

البابا فرنسيس يلتقي الرئيس دونالد ترمب في الفاتيكان عام 2017 (أ.ب)
البابا فرنسيس يلتقي الرئيس دونالد ترمب في الفاتيكان عام 2017 (أ.ب)

قدم الرئيس دونالد ترمب تعازيه في وفاة البابا فرنسيس وأمر بتنكيس الأعلام الأميركية في جميع المباني الحكومية؛ حداداً على رحيل بابا الفاتيكان، وأعلن أنه سيشارك مع زوجته ميلانيا ترمب في الجنازة السبت المقبل.

ولطالما كانت العلاقة بين البابا وترمب متوترة آيدلولوجياً؛ بسبب انتقادات البابا الصريحة والعلنية لسياسات ترمب في ولايته الأولى، وأيضاً في الشهور القليلة الماضية من ولايته الثانية. وتركزت الانتقادات على قضايا الهجرة والتغير المناخي ودور القومية في السياسة العالمية.

ففي بداية تولي البابا فرنسيس منصبه في عام 2013 أشاد به ترمب ووصفه بأنه رجل متواضع، وقال: «إنه يشبهني كثيراً». وحينما قام البابا فرنسيس بأول زيارة رسمية إلى الولايات المتحدة في سبتمبر (أيلول) 2015 توقف في كاتدرائية القديس باتريك الشهيرة في نيويورك قبل ثلاثة أشهر من إعلان ترمب ترشحه للرئاسة وخوضه سباقاً ساخناً مع منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون. وخلال هذه الزيارة، أدلى البابا فرنسيس بتصريحات تقدمية حول قضايا الهجرة والتغير المناخي والعدالة الاجتماعية، كما أثار الجدل حول دعوته للرحمة والتسامح مع مجتمع المثليين.

البابا فرنسيس يلتقي الرئيس الأميركي دونالد ترمب والسيدة الأولى ميلانيا في الفاتيكان (أ.ب)

الجدار الحدودي

وكان أول خلاف علني بينهما في فبراير (شباط) 2016، عندما تحدث البابا فرنسيس ضد حملة ترمب الانتخابية التي وعدت ببناء جدار بين الولايات المتحدة والمكسيك. وقال البابا للصحافيين أثناء عودته إلى روما من المكسيك: «إن الشخص الذي يفكر فقط في بناء الجدران، أينما كانت، وليس بناء الجسور، ليس مسيحياً». وغضب ترمب غضباً شديداً من هذه التصريحات، ورد عليها قائلاً: «إذا تعرض الفاتيكان لهجوم من جانب تنظيم (داعش)، فإنني أعدكم بأن البابا كان ليتمنى ويصلي فقط أن يصبح دونالد ترمب رئيساً».

وعلى الرغم من تأكيد ترمب أنه «مسيحي فخور»، فإن ترمب ألقى باللوم على المكسيك بسبب تصريحات البابا، ووصف كلمات البابا البالغ من العمر 79 عاماً آنذاك بأنها «مخزية»، ووفقاً لمنشور على «فيسبوك» في فبراير 2016. قال ترمب: «لا يحق لأي زعيم، وبخاصة زعيم ديني، التشكيك في دين أو معتقد رجل آخر. إنهم يستخدمون البابا أداةً، ويجب أن يخجلوا من أنفسهم لفعلهم هذا، بخاصة في ظل هذه الأرواح الغفيرة وانتشار الهجرة غير الشرعية بهذا الشكل».

وبعد توليه السلطة في يناير (كانون الثاني) 2017، كان ترمب ينفذ سياسات تستهدف ترحيل ما يقرب من 11 مليون مهاجر غير شرعي من الولايات المتحدة.

وعلى الرغم من الانتقادات الأولية التي وجهها فرنسيس لترمب خلال دورة الانتخابات عام 2016، فقد التقى البابا والرئيس وجهاً لوجه لأول مرة في الفاتيكان في عام 2017. وبدا الاجتماع الذي استمر نحو 30 دقيقة ودياً على الرغم من الاختلافات الواضحة في وجهات نظرهما. وتبادل الطرفان الهدايا المعتادة، فقدم البابا فرنسيس لترمب رمزاً لشجرة زيتون ترمز إلى السلام ونسخاً من كتاباته، في حين قدم الرئيس للبابا مجموعة من الكتب لأيقونة الحقوق المدنية مارتن لوثر كينغ جونيور.

وتكهن الكثير من المراقبين أن البابا فرنسيس، الذي وقف متجهماً بجوار ترمب المبتسم، لم يكن يريد مقابلة الرئيس الأميركي. لكن ترمب كتب عبر «تويتر» (إكس) في 24 مايو (أيار) 2017. وقال: «شرفٌ عظيمٌ لي أن ألتقي قداسة البابا فرنسيس. إنني أغادر الفاتيكان وأنا أكثر تصميماً من أي وقت مضى على تحقيق السلام في عالمنا».

وانتقد ترمب تواضع البابا فرنسيس وطالبه باحترام بروتوكولات الفاتيكان وكتب في مارس (آذار) 2013: «لا أحب رؤية البابا واقفاً عند مكتب الاستقبال في فندق لدفع فاتورته. هذا ليس من شيم البابا!».

في الولاية الثانية

قبل ساعات من تنصيب ترمب مرة أخرى في البيت الأبيض في العشرين من يناير 2025، أرسل البابا فرنسيس رسالة إلى الرئيس القادم، متمنياً له الرخاء والازدهار في الولايات المتحدة، التي وصفها بأنها «أرض الفرص والترحيب بالجميع»، وطلب من ترمب «بناء مجتمع أكثر عدلاً، حيث لا يوجد مجال للكراهية أو التمييز أو الإقصاء».

لكن سرعان ما عاد البابا فرنسيس إلى إصدار توبيخات جديدة لسياسات ترمب في مجال الهجرة بعد أقل من شهر من تولي ترمب منصبه، وحذَّر البابا الأساقفة الأميركيين في رسالة من أن خطط إدارة ترمب للترحيل الجماعي «ستنتهي بشكل سيئ». كتب البابا في الحادي عشر من فبراير: «إن ما يتم بناؤه على أساس القوة، وليس على أساس الحقيقة حول الكرامة المتساوية لكل إنسان، يبدأ بشكل سيئ وسينتهي بشكل سيئ».

ألمح توم هومان، كبير مستشاري ترمب لشؤون الحدود، إلى أن البابا منافق وقال «لديهم جدار حول الفاتيكان. إذا دخلت الفاتيكان بشكل غير قانوني، فإن الجريمة خطيرة. ستُتهم بارتكاب جريمة خطيرة».

وقال ديفيد لانتيجوا، المدير المشارك لمركز كوشوا لدراسة الكاثوليكية الأميركية وأستاذ اللاهوت المساعد في جامعة نوتردام، لمجلة «نيوزويك» إن الكنيسة الكاثوليكية ترى أن حملة إدارة ترمب على الهجرة في ولايته الثانية «أكثر فظاعة» من ولايته الأولى. وتابع لانتيجوا: «مع التهديدات بالترحيل الجماعي، رفع أساقفة الولايات المتحدة بالفعل دعاوى قضائية ضد الإدارة الحالية بسبب خفض الدعم لبرنامج إعادة توطين اللاجئين».

وقال المؤرخ الكنسي ماسيمو فاجيولي إن التوتر الذي كان قائماً بين ترمب والبابا لم يكن له علاقة بالتقدمية التي يتبناها فرنسيس، بل كان له علاقة أكبر بخلفيته كونه يسوعياً من أميركا اللاتينية. وقال: «إنها تأتي من ثقافة كاثوليكية تنتقد بشدة القوة الأميركية في العالم، والفاتيكان، وبخاصة (أثناء حبرية فرنسيس)، اتخذ موقفاً لصالح الجانب الآخر من العالم».

وقد اختار ترمب أحد المنتقدين اللاذعين للبابا ليكون ممثله لدى الفاتيكان في ديسمبر (كانون الأول)، حيث اختار بريان بيرش، رئيس مجموعة الدعوة السياسية CatholicVote.org؛ ما زاد من التوترات بين الفاتيكان وواشنطن، حيث انتقد بيرش في قرار البابا عام 2023 الذي سمح للكهنة بمباركة المثليين جنسياً، وقال إن ذلك خلق «ارتباكاً» داخل الكنيسة. وتوقع السفير أيضاً أن البابا لن يظل في منصبه لفترة أطول، ووصف قيادة البابا فرنسيس بأنها تتسم «بنمط من الانتقام».

كامالا هاريس والإجهاض

واعترض الباب فرنسيس أيضاً على آراء نائبة الرئيس كامالا هاريس خلال انتخابات عام 2024، قائلاً إنه لا يوجد فرق كبير بين الشخص الذي يريد ترحيل المهاجرين (ويقصد ترمب) والشخص الذي يدافع عن حق الوصول إلى الإجهاض.

وبعد فوز ترمب بالانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 قال البابا إن الفاتيكان سوف يراقب من كثب كيف يؤثر ترمب على التحالف عبر الأطلسي بين الولايات المتحدة وأوروبا؛ لأن ذلك من شأنه أيضاً أن يؤثر على علاقة أميركا بالكنيسة الكاثوليكية.

وخلال الشهور الماضية انتقد البابا فرنسيس مراراً الحرب الوحشية التي تشنها إسرائيل ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، وفي كلمته الأخيرة يوم الأحد قبل وفاته، دعا البابا إلى وقف إطلاق النار في غزة ووصف الوضع في القطاع بأنه مأساوي ومؤسف، وقال البابا في كلمته التي قرأها أحد مساعديه بمناسبة عيد الفصح: «أدعو الأطراف المتحاربة إلى وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن وتقديم المساعدة لشعب جائع يتطلع إلى مستقبل من السلام».

الرئيس دونالد ترمب يلتقي البابا فرنسيس في الفاتيكان برفقة زوجته ميلانيا وابنته إيفانكا (أ.ب)

والاثنين، بعد وفاة البابا عن 88 عاماً، نشر دونالد ترمب رسالةً قصيرةً على منصته «تروث سوشيال»، كتب فيها: «ارقد بسلام البابا فرنسيس! ليباركه الله وليبارك كل الذين أحبّوه».

ثم أعلن أيضاً، عبر المنصة، نفسها أنه سيشارك مع زوجته في الجنازة التي ستُقام السبت في الفاتيكان، في أول رحلة دولية له في ولايته الثانية. وكتب ترمب: «سأذهب مع ميلانيا إلى جنازة البابا فرنسيس في روما. نتشوَّق لذلك!».

واعتمد نائب الرئيس جي دي فانس، الذي اعتنق الكاثوليكية في عام 2019 والتقى رئيس الكنيسة الكاثوليكية الأحد، قبل ساعات من وفاته، أسلوباً مختصراً في رثاء البابا الراحل. وكتب عبر منصة «إكس»، «قلبي يتَّجه إلى ملايين المسيحيين في كل أنحاء العالم الذين أحبوه».

«رد فاتر»

وقال جون كار، مؤسس برنامج الفكر الاجتماعي الكاثوليكي والحياة العامة في جامعة جورج تاون، وهي مؤسسة يسوعية، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «من المستحيل أن نتخيل زعيمين عالميَّين أكثر اختلافاً عن بعضهما بعضاً من ترمب وفرنسيس، في كل شيء، الأنانية مقابل التواضع، والاهتمام بالفقراء مقابل الاهتمام بالسلطة (...)، وهذا يتجلى في رد الفعل الفاتر من البيت الأبيض تجاه وفاته».

وكان الرئيس الأميركي الذي يصف نفسه بأنه مسيحي «دون انتماء» إلى مذهب محدد، أكّد في يوم تنصيبه أن الله «أنقذه» من محاولة اغتيال حتى يتمكَّن من وقف الانحدار العام الذي تعانيه أميركا.

وأنشأ «مكتب الإيمان» في البيت الأبيض، ونشر أخيراً صورةً يظهر فيها وهو يصلي في المكتب البيضاوي، محاطاً بقادة روحيِّين إنجيليِّين.

فانس والقديس أوغسطينوس

وقال توم هومان، الذي كلفه دونالد ترمب إدارة سياسات ترحيل واسعة النطاق للمهاجرين، والذي يعرّف عن نفسه بأنه كاثوليكي مثل جي دي فانس والناطقة باسم البيت الأبيض كارولاين ليفيت: «أود منه أن يركز على الكنيسة الكاثوليكية ويتركنا نتعامل مع الحدود».

وكان البابا فرنسيس يدعو في رسائله إلى ممارسة «أخوّة مفتوحة للجميع، دون استثناء»، بصرف النظر عن «الهوية الشخصية أو المجتمعية أو الوطنية».

وانتقد الحبر الأعظم خصوصاً التفسير القومي الذي كان يعتمده جي دي فانس لأحد مبادئ العقيدة الكاثوليكية المسمى «ordo amoris (نظام الحب)».

واستشهد نائب الرئيس بهذا المبدأ الذي وضعه اثنان من أهم علماء اللاهوت الكاثوليك، القديس أوغسطينوس والقديس توما الأكويني؛ لتبرير سياسة مكافحة الهجرة، مؤكداً أن الأعمال الخيرية يجب أن تفيد في المقام الأول المواطنين الأميركيين وليس الأجانب.

وقال جون كار: «لم أرَ قط بابا يصحِّح لسياسي بهذه الدقة»، مضيفاً: «لقد كان أمراً لا يُصدَّق».

ووصل الصراع بين إدارة ترمب ورجال الدين الكاثوليك إلى المحاكم أيضاً، فقد أقام «مؤتمر الأساقفة الأميركي» دعوى بسبب وقف تمويل برامج دعم اللاجئين التي تديرها الكنيسة.