حذر تحليل نشرته وكالة «بلومبرغ» للأنباء من أن سياسات الرئيس الأميركي دونالد ترمب من شأنها أن تدفع المزيد من الدول إلى تشكيل شبكات وتحالفات ضدها.
وأضاف التحليل الذي كتبه أندرياس كلوث، الذي يغطي الشؤون الدبلوماسية الأميركية وقضايا الأمن القومي، أن الولايات المتحدة تحت قيادة ترمب تتحول من قوة خيرية إلى قوة مهددة، وتابع أنه بسياسة «أميركا أولاً»، التي يمارسها ترمب في ولايته الثانية، سوف تتحول بدلاً من ذلك وربما عاجلاً وليس آجلاً إلى أميركا المعزولة، أو حتى المكروهة.
وتابع أنه فيما يتصل بالسياسة الخارجية، خاض ترمب حملته الانتخابية على وعد بأنه سوف يكون، من خلال الاعتماد على «القوة»، صانع سلام، ينهي الحروب، مثل حرب روسيا ضد أوكرانيا، في غضون 24 ساعة، ويمنع اندلاع حروب جديدة، ولكن منذ إعادة انتخابه، وخاصة منذ تنصيبه، تبنى ترمب لهجة جديدة، وهي لهجة اعتاد استخدامها في الشؤون الداخلية: لهجة البلطجة.

حيث هدد الدنمارك لأنه يريد جزيرة غرينلاند، وبنما لأنه يريد قناتها، وكندا لأنه يريد ضمها إلى الولايات المتحدة باعتبارها الولاية رقم 51، وكولومبيا لأنها رفضت لفترة وجيزة استقبال بضع طائرات محملة بالمهاجرين، وجنوب أفريقيا لأنه أصبح مقتنعاً بأن حكومتها عنصرية، أي معادية للبيض.
ولفت التحليل إلى أن ترمب هدد بشكل غير مباشر شريكين أميركيين آخرين، مصر والأردن، لأنه يريد «السيطرة» على قطاع غزة، الأمر الذي يتطلب إعادة توطين مليوني شخص قسراً في بلدان أخرى في المنطقة. كما هدد ترمب بفرض تعريفات تجارية على شركاء أميركا التجاريين، بما في ذلك كندا والمكسيك والاتحاد الأوروبي.
وقال التحليل إن من الغريب أنه لم يتحدث حتى الآن بنفس القدر من القسوة مع خصوم أميركا، وخاصة روسيا والصين.
وطرح كاتب التحليل سؤالاً حول كيف من المرجح أن تستجيب هذه الدول وغيرها، لأن العالم بأسره يراقب؟
وقال إنه في ثمانينات القرن العشرين طور ستيفن والت، وهو باحث في المدرسة الواقعية للعلاقات الدولية، نظرية للإجابة عن هذا السؤال، حيث حدث المفهوم التقليدي القائل بأن الدول أو الإمبراطوريات تسعى عموماً إلى «توازن القوى» من خلال تشكيل تحالفات ضد أي منها هو الأقوى.

وذكر والت أن هذا لا يمكن أن يكون صحيحاً، لأن الكثير من الدول كان ينبغي لها أن تتكتل ضد الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية عندما تحولت أميركا إلى الأقوى بين القوتين العظميين. وبعد الحرب الباردة، عندما أصبح العالم لفترة وجيزة أحادي القطب، ولم يكن هناك من يتحدى الولايات المتحدة، كان ينبغي لعدد أكبر من الدول أن تتحد ضدها، ولكن ما حدث هو العكس، فقد استمرت الولايات المتحدة في جذب المزيد من الأصدقاء بمرور الوقت، حيث يبلغ عدد حلفائها اليوم نحو 70، وعدد أكبر بكثير من الشركاء التجاريين.
وقال إن السبب يرجع لوقوف أميركا إلى جانب الهيمنة الخيرية وليس العدائية، حيث ضبطت طواعية قوتها ونشرتها لحماية نظام تجاري مفتوح، ومعايير القانون الدولي، فيما أصبح يُعرف باسم النظام الدولي «القائم على القواعد».
وشعرت دول أخرى، وخاصة الصغيرة منها، بأمان أكبر تحت القيادة الأميركية، وأرادت الانتماء إلى هذه الشبكات التي تقودها الولايات المتحدة.
وافترض والت أن الدول لا تشكل تحالفات جديدة ضد دولة مثل الولايات المتحدة إلا عندما تصبح تلك القوة عظيمة وخطيرة، كما فعلت ألمانيا في أواخر القرن التاسع عشر على سبيل المثال.
واقترح أن أفضل تسمية لتفسير العلاقات الدولية ليست توازن القوى، بل توازن التهديد.
وذكر التحليل أن أميركا في عصر ترمب الجديد يبدو أنها تحولت من قوة خيرة إلى قوة تهديد، فترمب يحتقر السلام الأميركي ويعتبره خدعة، ويبدو أنه يتوافق مع الإمبريالية طالما أنه مستفيد، حتى لو كان ذلك يعني السماح للعالم بالعودة إلى الفوضى.
وكما تتنبأ نظرية والت، يبدو أن الدول تعمل على تسريع جهودها لإيجاد ترتيبات بديلة في التجارة والأمن تستبعد الولايات المتحدة.
وبالفعل يتحدث الاتحاد الأوروبي إلى دول في أميركا اللاتينية وآسيا؛ وتنضم المزيد من الدول إلى مجموعة «البريكس» التي ترى نفسها بديلاً لمجموعة الدول السبع التي تقودها الولايات المتحدة؛ ولكن هل كان هذا التغيير مفاجئاً؟
وحذر التحليل من تداعيات استعراضات القوة غير الناضجة، مثل إيذاء الأصدقاء الأضعف، وقال إن اكتساب المجد يأتي من استخدام القوة لجعل العالم أكثر أماناً وأفضل، من خلال تقريب الأصدقاء، وإبقاء الأعداء بعيداً.
وقال إن أميركا في عهد ترمب أصبحت تشكل تهديداً، ولا ينبغي لأحد أن يفاجأ عندما يبحث العالم مرة أخرى عن التوازن، وتنتهي أميركا إلى أن تصبح وحيدة.