تصريحات ترمب عن غرينلاند تدق ناقوس الخطر في أوروبا

علم غرينلاند يرفرف في مستوطنة إيجاليكو (رويترز)
علم غرينلاند يرفرف في مستوطنة إيجاليكو (رويترز)
TT

تصريحات ترمب عن غرينلاند تدق ناقوس الخطر في أوروبا

علم غرينلاند يرفرف في مستوطنة إيجاليكو (رويترز)
علم غرينلاند يرفرف في مستوطنة إيجاليكو (رويترز)

ألقى الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب بخطاب توسعي في وجه حلفاء بلاده، بل وخصومها المحتملين، وقال إن حدود القوة الأميركية يجب أن تمتد لتشمل كندا وإقليم غرينلاند الدنماركي، وإلى الجنوب حتى قناة بنما.

وقد أثارت اقتراحات ترمب بأنه يمكن إعادة ترسيم الحدود الدولية - بالقوة حال لزم الأمر - استفزازات في أوروبا، على نحو خاص.

وتتعارض كلماته مع الحجة التي يحاول قادة أوروبا والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إقناع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بها.

واتسمت ردود فعل العديد من قادة القارة - وقد تعلموا أن يتوقعوا من ترمب ما هو غير متوقَّع، ورأوا أفعاله لا تنطبق على أقواله بشكل دائم - بالحذر، وقد تبنى بعضهم وجهة نظر «لا يوجد شيء هنا»، بدلاً من الدفاع بقوة عن الدنمارك، وهي دولة عضو في الاتحاد الأوروبي، وفقاً لما ذكرته وكالة «أسوشيتد برس» الأميركية.

ورغم ذلك، يقول محللون إن الكلمات من شأنها أن تضرّ بالعلاقات الأميركية الأوروبية قبل بدء ولاية ترمب الثانية، يوم 20 الشهر الحالي.

وأكدت ردود الفعل الدبلوماسية التي صدرت عن العديد من المسؤولين في أوروبا اعتقادهم بأن ترمب لا يعتزم الزحف بقواته للاستيلاء على غرينلاند.

يُشار إلى أن الحكومات الأوروبية تعتمد على الولايات المتحدة بشكل كبير في التجارة والطاقة والاستثمار والتكنولوجيا والتعاون الدفاعي من أجل الأمن.

وقالت رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني: «أعتقد أننا يمكننا استبعاد أن تحاول أميركا خلال السنوات المقبلة اللجوء للقوة من أجل ضم الأراضي التي ترغب فيها».

وقال المستشار الألماني أولاف شولتس - ولكن بحذر: «يجب عدم تحريك الحدود بالقوة»، دون أن يذكر ترمب بالاسم.

ولاحقاً قال شولتس، أمس السبت، خلال المؤتمر العام لحزبه الاشتراكي الديمقراطي، في برلين: «مبدأ حرمة الحدود ينطبق على كل دولة»، مضيفاً: «يجب على كل دولة الالتزام بهذا المبدأ، بغض النظر عما إذا كانت صغيرة أو كبيرة وقوية للغاية».

وسعى الرئيس الأوكراني زيلينسكي إلى الضغط على إدارة ترمب المقبلة، في وقت سابق هذا الأسبوع، من أجل مواصلة دعم أوكرانيا؛ حيث قال: «بغض النظر عما يجري في العالم، يريد الجميع أن يتأكدوا من أن بلادهم لن تُمحى من على الخريطة».

ومنذ أطلق بوتين قواته عبر الحدود إلى أوكرانيا في عام 2022، يكافح زيلينسكي وحلفاؤه - بتكلفة باهظة - للدفاع عن المبدأ الذي قام عليه النظام الدولي منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، ومفاده: «لا يمكن للدول القوية، ببساطة، التهام الآخرين».

وقال وزيرا خارجية بريطانيا وفرنسا إنهما لا يتوقعان أن تقدم أميركا على غزو غرينلاند. ومع ذلك، وصف وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو تصريحات ترمب بأنها جرس إنذار.

وقال بارو: «إذا كان السؤال هل دخلنا حقبة زمنية يكون فيها البقاء للأقوى؟ فإن إجابتي هي: نعم».

وقال رئيس وزراء غرينلاند، موتي إيجيد، إن شعبها لا يريد أن يصبح أميركياً، لكنه منفتح على مزيد من التعاون مع الولايات المتحدة.

وغرينلاند منطقة شبه مستقلة تقع في القطب الشمالي، وليست جزءاً من الاتحاد الأوروبي، ولكن سكانها البالغ عددهم 56 ألف نسمة يُعدّون من مواطني التكتل؛ كونهم جزءاً من الدنمارك.

وقال إيجيد: «التعاون يعني الحوار».

ووصفت رئيسة وزراء الدنمارك ميته فريدريكسن الولايات المتحدة بأنها «أقرب حليف لنا... وعلينا أن نقف معاً».

كلمات ترمب مثيرة للإزعاج

واتفق محللون أمنيون أوروبيون على أنه لا يوجد احتمال حقيقي لاستخدام ترمب قوة الجيش ضد الدنمارك، وهي حليف لبلاده داخل حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ولكنهم أعربوا عن قلق عميق، رغم ذلك.

وحذر المحللون من اضطرابات مقبلة في العلاقات عبر الأطلسي، وللأعراف الدولية وللتحالف العسكري الغربي، لدواعٍ ليس أقلها الخلاف المتنامي بين أميركا وكندا، العضو في الحلف، على خلفية اقتراحات ترمب المتكررة بأنها يجب أن تصبح ولاية أميركية.

ويقول فليمينغ سبليدسبول هانسن، وهو متخصص في السياسة الخارجية وروسيا وغرينلاند لدى المعهد الدنماركي للدراسات الدولية: «بالطبع هناك احتمال أن يكون هذا مجرد مأمور جديد في المدينة (من شأنه إجراء تغييرات). أشعر ببعض الارتياح إزاء حقيقة أنه يصر الآن على ضرورة ضم كندا إلى الولايات المتحدة، مما يشير إلى أن هذا مجرد نوع من التبجُّح السياسي».

وأضاف: «ولكن الضرر قد وقع بالفعل... في الحقيقة، لا يمكنني أن أتذكر واقعة مماثلة لهذه، يهدد فيها حليف - في هذه الحالة الحليف الأهم (أميركا) - الدنمارك أو دولة أخرى عضو في (الناتو)».

وأعرب هانسن عن مخاوف من أن يتداعى «حلف الأطلسي»، حتى قبل تنصيب ترمب.

وقال: «يساورني القلق بشأن فهمنا للغرب الجماعي... ماذا يعني هذا الآن؟ وماذا قد يعني بعد عام واحد من الآن، أو عامين، أو على الأقل بنهاية رئاسة ترمب الثانية؟ ماذا ستكون النتائج؟».

المخاوف الأمنية دافع محتمل

ويرى دبلوماسيون ومحللون خيطاً مشتركاً في تطلع ترمب إلى كندا وإلى قناة بنما وغرينلاند، ألا وهو: تأمين الموارد والممرات المائية لتعزيز قوة الولايات المتحدة ضد خصومها المحتمَلين.

وتقول المحللة أليكس فرانجول - ألفيس، في باريس، إن لغة الخطاب لدى ترمب «كلها جزء من نهجه: (جَعْل أميركا عظيمة مرة أخرى)».

وأشارت إلى وجود معادن نادرة ضرورية للتقنيات المتقدمة والخضراء، في أراضي غرينلاند. والصين تهيمن على الإمدادات العالمية من هذه المعادن الثمينة، وهو ما تعتبره الولايات المتحدة وأوروبا ودول أخرى خطراً أمنياً.

وأوضحت ألفيس، التي تركز على السياسات الأميركية لصالح صندوق مارشال الألماني: «تأتي أي سياسة تتبناها واشنطن من خلال منظور المنافسة مع الصين».

وقال مراقبون إن أساليب ترمب المقترحة تحفها المخاطر.

ويقول المحلل الأمني ألكسندر خارا إن ادعاء ترمب بأننا «بحاجة إلى غرينلاند من أجل أغراض تتعلق بالأمن القومي»، يستدعي لديه تعليقات الرئيس الروسي بوتين بشأن شبه جزيرة القرم، الأوكرانية، الاستراتيجية في البحر الأسود، عندما استولت روسيا عليها بالقوة، في عام 2014.

وأضاف خارا، وهو مدير مركز استراتيجيات الدفاع في العاصمة الأوكرانية كييف، إن الإيحاء بأن الحدود قد تكون مرنة «سابقة خطيرة تماماً».

وحذر قائلاً: «نمر بمرحلة انتقالية من النظام القديم القائم على المعايير والمبادئ... ونتجه إلى مزيد من الصراعات ومن الفوضى والغموض».


مقالات ذات صلة

وفد أمني إسرائيلي رفيع المستوى يصل إلى الدوحة لإجراء محادثات بشأن غزة

العالم العربي وفد أمني إسرائيلي رفيع المستوى يصل إلى الدوحة لإجراء محادثات بشأن غزة

وفد أمني إسرائيلي رفيع المستوى يصل إلى الدوحة لإجراء محادثات بشأن غزة

قال متحدث باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن وفداً أمنياً إسرائيلياً وصل إلى قطر، الأحد، لإجراء محادثات بشأن اتفاق لإطلاق سراح الرهائن.

«الشرق الأوسط» (القدس)
شؤون إقليمية صاروخ ينطلق من منظومة «15 خرداد» للدفاع الجوي خلال مناورات قرب منشأة «فوردو» النووية... فجر الأحد (تسنيم) play-circle 01:22

إيران ترفع مستوى الحماية الجوية لمرافقها النووية الاستراتيجية

أجرت الدفاعات الجوية التابعة للجيش الإيراني، تدريباً عسكرياً لحماية منشآت إيران النووية الاستراتيجية، خصوصاً منشأة فوردو، حيث تسارع طهران إنتاج اليورانيوم 60 %.

«الشرق الأوسط» (لندن - طهران)
شؤون إقليمية سفينة دورية لوكالة الأمن البحري الإندونيسية تتفقد ناقلة النفط «إم تي أرمان» الإيرانية أثناء نقل شحنتها لسفينة أخرى في يوليو 2023 (رويترز)

إيران تبيع نفطها المخزن في الصين لتمويل عملياتها الإقليمية

شحنت إيران 3 ملايين برميل من مخزون نفطي أرسلته إلى الصين في 2018، لجمع أموال لدعم جماعات مسلحة في الشرق الأوسط، وفقاً لـ«وول ستريت جورنال» الأميركية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الولايات المتحدة​ اتساع رقعة الحرائق في لوس أنجليس (أ.ف.ب) play-circle 01:43

ترمب ينتقد «عدم كفاءة» مسؤولي ولاية كاليفورنيا بعد حرائق لوس أنجليس

شنَّ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، الأحد، هجوماً جديداً على المسؤولين في ولاية كاليفورنيا، في وقت يواصل فيه رجال الإطفاء مكافحة الحرائق في لوس أنجليس.

«الشرق الأوسط» (لوس أنجليس)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب يحضر عن بُعد جلسة إصدار الحُكم في قضية التستّر على دفع مبالغ مالية لنجمة إباحية سابقة (رويترز)

استقالة ممثل ادعاء من وزارة العدل حقق في قضايا لترمب

استقال المدعي الخاص الأميركي، جاك سميث، من منصبه، وهو الذي قاد قضايا ضد دونالد ترمب بتهمتَي: محاولة إلغاء هزيمته في انتخابات 2020، وسوء التعامل مع وثائق سرية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

ترمب ينتقد «عدم كفاءة» مسؤولي ولاية كاليفورنيا بعد حرائق لوس أنجليس

TT

ترمب ينتقد «عدم كفاءة» مسؤولي ولاية كاليفورنيا بعد حرائق لوس أنجليس

اتساع رقعة الحرائق في لوس أنجليس (أ.ف.ب)
اتساع رقعة الحرائق في لوس أنجليس (أ.ف.ب)

شنَّ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، الأحد، هجوماً جديداً على المسؤولين في ولاية كاليفورنيا، في وقت يواصل فيه رجال الإطفاء مكافحة الحرائق المستعرة في لوس أنجليس.

وكتب ترمب على شبكته للتواصل الاجتماعي «تروث سوشيال»: «الحرائق لا تزال مشتعلةً في لوس أنجليس. والسياسيون غير الأكفاء ليس لديهم أي فكرة عن كيفية إخمادها».

وأضاف: «إنها واحدة من أسوأ الكوارث في تاريخ بلادنا. إنهم لا يعجزون ببساطة عن إخماد الحرائق. ماذا جرى لهم؟»، مشيراً إلى أن «الموت في كل مكان».

على الرغم من أنه من السابق لأوانه معرفة مصدر الحرائق، فإن انتقادات وُجِّهت للسلطات على خلفية مدى استعدادها واستجابتها.

وفرغت خزانات مكافحة الحرائق في حي باسيفيك باليسايدس الراقي، الذي طاله حريقٌ ضمن 5 حرائق غابات في المنطقة، كما عرقل نقص المياه الجهود في أماكن أخرى.

قبل نحو أسبوع واحد من عودته إلى البيت الأبيض، يواصل ترمب انتقاد الديمقراطيين، وشنَّ هجمات عدة دون أن يقدِّم أدلة على حاكم كاليفورنيا غافين نيوسوم.

ودعاه نيوسوم لزيارة لوس أنجليس ومعاينة الأضرار معه.

وأتت النيران حتى الآن على أكثر من 12 ألف مبنى، بحسب إدارة الإطفاء في كاليفورنيا، في حين أفاد مكتب الطب الشرعي في مقاطعة لوس أنجليس بمقتل 16 شخصاً على الأقل.

ورغم جهود آلاف عناصر الإطفاء لاحتواء النيران، فإن حريق باسيفيك باليسايدس اتسع، السبت، إلى شمال غربي لوس أنجليس، وبات يهدد وادي سان فرناندو المكتظ بالسكان، فضلاً عن متحف غيتي وأعماله الفنية التي لا تُقدَّر بثمن.