بايدن يُخلّف وراءه تركة ثقيلة داخلياً وخارجياً

يواجه اتهامات بالفشل في التعاطي مع الأزمات

بايدن خلال إحاطة مع مسؤولين فيدراليين في 9 يناير 2025 (أ.ب)
بايدن خلال إحاطة مع مسؤولين فيدراليين في 9 يناير 2025 (أ.ب)
TT

بايدن يُخلّف وراءه تركة ثقيلة داخلياً وخارجياً

بايدن خلال إحاطة مع مسؤولين فيدراليين في 9 يناير 2025 (أ.ب)
بايدن خلال إحاطة مع مسؤولين فيدراليين في 9 يناير 2025 (أ.ب)

في مطلع هذا الأسبوع صادق الكونغرس رسمياً على دونالد ترمب رئيساً للولايات المتحدة، في مراسيم بروتوكولية ترأستها منافسته السابقة ونائبة الرئيس الحالي جو بايدن، كامالا هاريس.

وبعد انقشاع غبار التصفيق والتهليل والاحتفال، بدأت معالم الصورة بالاتضاح تدريجياً، لتنسدل الستارة عن تركة ثقيلة يخلفها بايدن وراءه ويسلمها بثقلها وتشعباتها وتحدياتها لترمب الذي سيصل إلى البيت الأبيض وبرفقته أزمات دولية وداخلية تحتاج لحلول براغماتية واستراتيجية شاملة للتطرق إلى تداعياتها.

فمن الحرب الروسية الأوكرانية، مروراً بالأزمة في الشرق الأوسط والمواجهة مع إيران والمنافسة المتزايدة مع الصين والانسحاب الكارثي من أفغانستان والحرب المنسية في السودان، وصولاً إلى تنامي الإرهاب الداخلي بعد هجوم نيو أورلينز والتحديات الاقتصادية والاجتماعية في عمق الداخل الأميركي، سيكون أمام ترمب أجندة حافلة بالمهمات الشبه المستحيلة التي يقول البعض إن إدارة بايدن تخلفت في التطرق إليها بسبب غياب استراتيجية واضحة وفريق متكامل لمعالجتها.

يستعرض برنامج «تقرير واشنطن»، وهو ثمرة تعاون بين صحيفة «الشرق الأوسط» وقناة «الشرق»، هذه التركة وأسباب تخلف إدارة بايدن عن الحلول والتسويات، بالإضافة إلى كيفية تعامل الرئيس المقبل مع الملفات العالقة والتحديات المتزايدة.

الحرب الروسية - الأوكرانية

زيلينسكي في جولة ميدانية 12 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

تعد جين غافيتو، نائبة مساعد وزير الخارجية سابقاً ومرشّحة بايدن السابقة لمنصب سفيرة لدى ليبيا، أن الحرب الأوكرانية - الروسية هي إحدى أبرز القضايا الموجودة اليوم «على مفترق طرق»، مشيرة إلى أن إدارة بايدن كانت تأمل بأن تكون المساعدات التي قدّمتها قد أدّت إلى تقدم أفضل في هذه المرحلة من الجانب الأوكراني، «لكن هذا لم يحصل. ما يعني أنه سيتوجّب على الرئيس ترمب أن يتعامل مع هذا الوضع». وأضافت غافيتو أن «ترمب ترشّح على وعود بتقليل النزاعات الخارجية، والحد من الدعم والمساعدات التي تقدّمها الولايات المتحدة دولياً، لكنه يجب أن يتعاون مع الكونغرس لإيجاد طريقة تعزز قوة أوكرانيا على الأقل لكي تستطيع دخول مجال المفاوضات بموقف أقوى مما هي فيه حالياً».

وفي ظل المعارضة المتنامية لدعم أوكرانيا في صفوف الجمهوريين في الكونغرس، تشير ليزا كاموسو ميلر، مديرة الاتصالات السابقة في اللجنة الوطنية الجمهورية، إلى التوجه المتزايد في الكونغرس لمواجهة المشاكل داخل الولايات المتحدة قبل النظر إلى ما يحدث في الخارج. وتفسر قائلة: «هذا هو السبب الأبرز الذي يدفع الحزب الجمهوري للقول إنه يجب إيقاف الدعم لأوكرانيا، ولمواقع النزاعات الأخرى لأنهم يريدون الاستفادة من تلك الموارد هنا داخل الدولة، لحل القضايا التي حددها الناخبون مؤخراً في الانتخابات».

وهنا تشدد مراسلة صحيفة «ذي هيل»، آشلي فيلدز، على توافق ترمب والجمهوريين على مسائل التمويل الخارجي، وتحديداً على الحرب في أوكرانيا وموقفهم المعارض لها، مشيرة إلى أن بايدن يسعى جاهداً للدفع بالمزيد من المساعدات قبل مغادرته البيت الأبيض من خلال قرارات تنفيذية بسبب هذه المعارضة.

حروب الشرق الأوسط

مشاهد لدمار في غزة من جراء الغارات الإسرائيلية في 4 يناير 2025 (أ.ف.ب)

أزمة أخرى يخلفها بايدن وراءه هي أزمة الشرق الأوسط، وقد واجه الرئيس الأميركي انتقادات حادة بسبب تجاهله للمنطقة في بداية عهده، وهذا ما تحدثت عنه غافيتو التي ذكّرت بدورها بصفتها مسؤولة في مجلس الأمن القومي في إدارة بوش، قائلة: «لا أعتقد أنني شهدت فترة خلال مسيرتي في السياسة الخارجية التي امتدت على مدى 26 عاماً أكثر تقلباً من تلك التي نشهدها حالياً في الشرق الأوسط. الخطأ الأكبر الذي ارتكبه بايدن هو الأمل في أنه يمكن وضع الشرق الأوسط جانباً وفصله عن كل التحديات العالمية الأخرى التي تواجهها الإدارة، أكانت أفغانستان أو الصين أو أوكرانيا».

وأضافت غافيتو: «أعتقد أنه كان هناك فشل رئيسي بالمراهنة على فكرة استمرار الهدوء في المنطقة، وأنه سيؤدي إلى استقرار ممتد، حيث في الواقع، أصبح الوضع أكثر تقلباً بسبب الفشل في معالجة تلك التحديات الأساسية».

من ناحيتها، تشير ميلر إلى أن غالبية الأميركيين لا يفهمون أن عالماً مستقراً وآمناً يعني ولايات متحدة آمنة ومستقرة. وتوجه اللوم إلى الإدارات الأميركية على الفشل في تفسير تلك الفكرة للأميركيين، مضيفة: «هناك غياب لفهم مدى أهمية وجود شرق أوسط مستقر وأوروبا مستقرة وعالم مستقر وتأثير ذلك على الداخل الأميركي، هذا هو الجسر الذي لا نستطيع عبوره فنحن لا نساعد المواطنين الأميركيين على فهم لماذا تعد هذه الأمور مهمة. ولهذا نتوجه أكثر فأكثر نحو الانعزالية».

وتسلط فيلدز الضوء على الانسحاب من أفغانستان، الذي ترك انطباعاً سيئاً لدى العديد من الأميركيين ومن المحاربين القدامى، على حد قولها، مشيرة إلى أن هذا الإخفاق في عهد بايدن دفع بالكثير إلى التطلع لإدارة ترمب آملين بأن يتمكن من إنجاح المفاوضات السلمية في الشرق الأوسط والاستمرار بجهوده في توسيع «اتفاقات إبراهيم».

أزمة أخرى تتركها إدارة بايدن وراءها هي سوريا، فبعد سقوط نظام الأسد تتوجه الأنظار إلى القوات الأميركية المتموضعة هناك. وترجح غافيتو بأن ترمب سيميل إلى إعادة هذه القوات إلى الولايات المتحدة، ملوّحة بالأخطار التي ستنجم عن ذلك، خاصة أن مهمة هذه القوات هي مكافحة تنظيم «داعش». وفي هذا الإطار، تربط غافيتو هذه المهمة بتنامي خطر التنظيم وظهوره مجدداً في الولايات المتحدة إثر هجوم نيو أورلينز، قائلة إن «هناك علاقة مباشرة هنا مع أحداث نيو أورلينز، حيث كان للمهاجم ارتباط بتنظيم (داعش). لم يتم هزم التنظيم بعد... قواتنا تحقق تقدّماً مهماً حيث استعادت الغالبية الكبرى من أراضي (داعش) في الواقع، شهدنا زيادة في الهجمات على مدى السنوات القليلة الماضية... ويبقى القضاء على (داعش) قضية مهمة جداً ليس فقط لاستقرار الشرق الأوسط، ولكن للاستقرار الداخلي أيضاً. وبرأيي، ينبغي على الرئيس ترمب وفريق مستشاري الأمن القومي لديه أن يفكروا جاهدين بذلك».

الإرهاب الداخلي والتجسس

بايدن وزوجته يضعان الزهور في موقع هجوم نيو أورلينز في 6 يناير 2025 (أ.ف.ب)

وتوافق ميلر على ترابط الأحداث وانعكاس التهديدات الخارجية على الأمن الداخلي الأميركي وخطر الإرهاب، كما تعرب عن دهشتها من أن منفذ اعتداء نيو أورلينز خدم في الجيش الأميركي خارج الولايات المتحدة، مشيرة إلى خطورة هذا الأمر لأنه يدل على أن آيديولوجية المنظمات الإرهابية لا حدود لها. وتضيف: «آمل في أن تتطرق الإدارة الجديدة لهذه المشاكل، وأن تنظر إلى الفرص في محاولة لتهدئة بعض هذا الاستياء وتعزيز العلاقات التي نملكها، ليس فقط في مواقع النزاع ولكن مع شركائنا أيضاً». لكنها تضيف محذرة: «برأيي، هذا الاستياء بدأ يظهر هنا على أرضنا، وأظن أننا سنشهد المزيد من هذه الحوادث في الداخل الأميركي قبل السيطرة عليها».

وهنا تربط فيلدز هذه الأحداث بتنامي تأثير وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة «تيك توك» المملوكة من شركة صينية، التي تواجه خطر الحظر في الولايات المتحدة، مشيرة إلى قلق المشرعين من استعمال أعداء أميركا لهذه المنصة للتأثير على أذهان وعقول المواطنين الأميركيين ولتشجيع الهجمات داخل البلاد. وأضافت: «هذا الموضوع قيد النقاش من دون شك، وسيتم النظر فيه في الأشهر المقبلة لتحديد كيف يقوم أعضاء من (داعش) أو (حزب الله) أو (حماس) بالتواصل مع أميركيين لمهاجمة بلادنا».

ويرتبط ملف التأثير الخارجي كذلك بخطر التجسس الصيني، الذي وصل إلى حد اختراق وزارة الخزانة الأميركية. وفي مواجهة ذلك، تتوقع ميلر أن يعتمد ترمب سياسة صارمة جداً تجاه الصين، وأنه سيفرض عقوبات إضافية على بكين. وتخص بالذكر موضوع «تيك توك»، قائلة إن «هناك الملايين من الأميركيين الذين يستخدمون هذه المنصة للحصول على معلومات. لذا، يجب أن تكون هناك طريقة لإيجاد توازن وضمان أن تكون المنصة آمنة للاستخدام داخل الولايات المتحدة، من دون الكشف عن أسرار الدولة وغيرها من الأسرار إلى الصين وغيرها».


مقالات ذات صلة

بايدن يؤكد أن بوتين في «وضع صعب»

الولايات المتحدة​ بايدن يؤكد أن بوتين في «وضع صعب»

بايدن يؤكد أن بوتين في «وضع صعب»

أكد الرئيس الأميركي المنتهية ولايته جو بايدن، أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في «وضع صعب»، بعد أن فرضت واشنطن ولندن عقوبات جديدة ومنسقة على قطاع الطاقة الروسي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي جو بايدن في المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض (إ.ب.أ)

البيت الأبيض: بايدن سيوجّه خطاباً وداعياً إلى الأمة الأربعاء

قال البيت الأبيض إن الرئيس الأميركي جو بايدن سيوجّه خطاباً وداعياً متلفزاً، الأربعاء، قبل خمسة أيام من موعد عودة دونالد ترمب إلى السلطة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
خاص زعيم «هيئة تحرير الشام» أحمد الشرع خلال اجتماع في دمشق (إ.ب.أ)

خاص مسؤول أميركي لـ«الشرق الأوسط»: نُجري محادثات بناءة مع الشرع

أكدت واشنطن أنها تُجري محادثات «بناءة» مع الإدارة السورية الجديدة، معلنة أن أولوياتها مع دمشق تشمل المشاركة الجامعة للسوريين ومكافحة الإرهاب وإضعاف إيران وروسيا

علي بردى (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي جو بايدن (أ.ب)

استطلاع: نظرة الأميركيين تجاه رئاسة بايدن أكثر قتامة مقارنة بفترتي أوباما وترمب

كشف استطلاع للرأي أن نظرة الأميركيين تجاه فترة ولاية الرئيس الأميركي جو بايدن أكثر قتامة مقارنة بنظرتهم إلى فترتي الرئاسة السابقتين للرئيس الأسبق أوباما وترمب.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي جو بايدن (إ.ب.أ)

خطاب ختامي لبايدن الاثنين المقبل حول إرثه بالسياسة الخارجية

ذكر البيت الأبيض أن الرئيس الأميركي جو بايدن يعتزم إلقاء خطاب ختامي حول إرثه في السياسة الخارجية يوم الاثنين المقبل.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

عاصفة شتوية تعطل آلاف الرحلات الجوية في جنوب الولايات المتحدة

الثلوج تغطي أجزاء من أتلانتا وسط عاصفة قوية (أ.ف.ب)
الثلوج تغطي أجزاء من أتلانتا وسط عاصفة قوية (أ.ف.ب)
TT

عاصفة شتوية تعطل آلاف الرحلات الجوية في جنوب الولايات المتحدة

الثلوج تغطي أجزاء من أتلانتا وسط عاصفة قوية (أ.ف.ب)
الثلوج تغطي أجزاء من أتلانتا وسط عاصفة قوية (أ.ف.ب)

ألغيت أكثر من 3 آلاف رحلة جوية أمس (الجمعة) وتأخرت آلاف الرحلات الأخرى بسبب عاصفة شتوية في جنوب الولايات المتحدة وفقاً لشركات طيران وموقع «فلايت أوير»، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

وقالت شركة «دلتا إيرلاينز» في بيان إن طواقمها تأمل في العودة إلى جدول معتاد للرحلات الجوية السبت.

رجل يتزلج على الجليد في شارع ماين في أنابوليس بولاية ماريلاند أثناء عاصفة ثلجية (أ.ب)

وأشارت الشركة إلى أن «ظروفاً جوية شتوية أسوأ مما كان متوقعاً في مطار هارتسفيلد - جاكسون أتلانتا الدولي في جورجيا أدت إلى إغلاق المدارج الخمسة لأكثر من ساعتين صباح الجمعة».

وألغت «دلتا» نحو 1100 رحلة جوية عبر شبكتها الجمعة بسبب «أمطار متجمدة هطلت طوال اليوم وفي وقت مبكر من المساء، ما أدى إلى تحويل رحلات».

كما اضطرت إحدى طائرات خطوط «دلتا» الجوية إلى إلغاء إقلاعها بسبب مشكلة في المحرك في مطار أتلانتا أيضاً.

الثلوج تغطي أجزاء من أتلانتا بعد عاصفة (أ.ف.ب)

وأجلي أكثر من 200 من الركاب وطاقم طائرة «بوينغ 757 - 300» المتجهة إلى مينيابوليس (الرحلة 2668) عبر مزالق الطوارئ، وفقاً لبيان لشركة الطيران نقلته الصحافة الأميركية. ولا يزال التحقيق جارياً.

كما تأثر مطارا دالاس فورت وورث (تكساس) وشارلوت دوغلاس (كارولاينا الشمالية) بسوء الأحوال الجوية، وتم إلغاء أكثر من 1200 رحلة جوية من هذين المطارين وإليهما.

وشهدت الولايات المتحدة عاصفة شتوية في بداية الأسبوع، اجتاحت وسط البلاد وشرقها، وأسفرت عن مقتل خمسة أشخاص على الأقل وتسببت في إلغاء مئات الرحلات الجوية.

أشخاص يسيرون وسط مدينة ناشفيل بينما تشق عاصفة طريقها عبر جنوب الولايات المتحدة (رويترز)

وانخفضت درجات الحرارة إلى 18 درجة مئوية تحت الصفر في بعض الأماكن، وبقي عشرات الآلاف من الناس بلا كهرباء.