تحالفات دولية في مهب ولاية ترمب الثانية

خشية من أن تؤدي سياساته إلى إعادة تشكيل النظام العالمي

أنصار ترمب بمسيرة النصر في وست بالم بيتش بفلوريدا الأحد (أ.ف.ب)
أنصار ترمب بمسيرة النصر في وست بالم بيتش بفلوريدا الأحد (أ.ف.ب)
TT

تحالفات دولية في مهب ولاية ترمب الثانية

أنصار ترمب بمسيرة النصر في وست بالم بيتش بفلوريدا الأحد (أ.ف.ب)
أنصار ترمب بمسيرة النصر في وست بالم بيتش بفلوريدا الأحد (أ.ف.ب)

مع عدم القدرة على التنبؤ بخطط الرئيس المنتخب، دونالد ترمب، واستعداده لقلب المعايير الراسخة، فإن ولايته الثانية قد تقود إلى موجة من التغييرات الجذرية، ما سيؤدي إلى إعادة تشكيل النظام العالمي كما نعرفه. فالتساؤلات كثيرة حول موقفه من منظمة التجارة العالمية ومن حلف «الناتو»، واتفاقية باريس لمكافحة التغير المناخي، ناهيك بالتحالفات التي أبرمتها إدارة جو بايدن، مثل «إيكوس» و«الكواد»، وأفكاره لتنفيذ وعوده الانتخابية بإنهاء الحروب في العالم.

حلف «الناتو»

تباهى ترمب بأنه أصر خلال إدارته السابقة على إلزام الدول الأعضاء في «حلف شمال الأطلسي» (الناتو) بزيادة الإنفاق الدفاعي بنسبة 2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.

«أميركا أولاً» الشعار الذي يرفعه ترمب وأنصاره في مواجهة منظمة التجارة العالمية وفي مواجهة الصين والدول الأوروبية والمكسيك (أ.ب)

وخلال حملته الانتخابية، هدد ترمب بزيادة الضغوط على الحلف، وتقليص الدعم الأميركي ولمح إلى احتمالات الانسحاب قائلاً: «إذا لم يدفع الحلفاء، فهل نظل نحميهم؟ بالتأكيد لا»، وقال إنه سيشجع روسيا على فعل ما تريد «ما دام حلفاء (الناتو) لا ينفقون ما يكفي على الدفاع».

ولم يقل ترمب صراحة إنه ينوي الانسحاب من «الناتو»، لكنّ مقربين منه أوضحوا أنه ناقش الأمر كثيراً مع مستشاريه. ويشير محللون إلى أن ترمب لا يمكنه الانسحاب من الحلف من دون موافقة الكونغرس، حيث يتطلب الأمر موافقة ثلثي مجلس الشيوخ على أي قرار رئاسي للخروج، لكنّ محللين آخرين يخشون من قدرة ترمب على الالتفاف على هذا التشريع باستخدام السلطات الرئاسية على السياسة الخارجية، لأنه إذا أعلن انسحاب بلاده من «الناتو»، فإنه من غير الواضح ما إذا كان الكونغرس يتمتع بوضع قانوني لمقاضاة ترمب، أم لا، خصوصاً أن المحكمة العليا أقرت بأن الصراعات المؤسسية بين أفرع الحكومة في مسائل سياسية يجب حلها من خلال العملية السياسية، وليس من خلال التدخل القضائي.

الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته (أرشيفية - أ.ب)

ونية الانسحاب من «الناتو» ليست وليدة اللحظة لدى ترمب، فقد أعلن في مايو (أيار) 2020 عن تلك الرغبة، وأصدر المستشار القانوني لوزارة العدل في ذلك الوقت، ستيفن إنجل، تفسيراً يمنح الرئيس سلطة تقديرية في إدارة الشؤون الخارجية، وتنفيذ أو إنهاء معاهدات من دون قيود يفرضها الكونغرس على القرارات الدبلوماسية.

ويحذر الديمقراطيون من قدرة ترمب على تقويض الحلف من دون الانسحاب رسمياً منه، من خلال حجب السفراء أو منع القوات الأميركية من المشاركة في التدريبات العسكرية للحلف.

ويقول باري بوسن، أستاذ العلوم السياسية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، إن الدول الأعضاء بالحلف ستحتاج إلى الانخراط في دبلوماسية ذكية لتغيير رأي ترمب، وفي الوقت نفسه إعادة ترتيب ميزانيتها الوطنية بسرعة لإيجاد موارد عسكرية إضافية إذا كانوا يأملون في إنقاذ الحلف.

ويرجح خبراء آخرون أن يطالب ترمب الدول بزيادة مساهمتهم إلى 3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي خلال قمة الحلف المقبلة بلاهاي في يونيو (حزيران) المقبل، مقابل عدم الانسحاب الأميركي من الحلف. ويتشكك آخرون في نية ترمب الانسحاب من «الناتو»، ويقولون إنه لا يريد أن يذكره التاريخ بأنه الرئيس الأميركي الذي فكك التحالف الغربي.

الانسحاب من اتفاقية المناخ

ومن شبه المؤكد أن ينسحب الرئيس ترمب من اتفاقية باريس للمناخ. وقد أوضحت حملته الرئاسية خلال الصيف الماضي، أنه سينسحب مرة أخرى ويتراجع عن كثير من القرارات التي أصدرتها إدارة بايدن بشأن سياسات المناخ.

وتعهد ترمب بمزيد من الحفر لاستخراج النفط والغاز، وتعهد بخفض تكاليف الطاقة والكهرباء بنسبة 50 في المائة خلال عامه الأول بالبيت الأبيض، من خلال إطلاق العنان لقطاع الطاقة، وتعزيز سياسات دعم شركات النفط، واختيار شخصيات لمناصب حكومية في إدارته مثل لي زيلدين، لقيادة وكالة حماية البيئة، وكريس رايت الرئيس التنفيذي لشركة «ليبرتي إنرجي»، في منصب وزير الطاقة، وهما من أبرز الأصوات المعادية للتغير المناخي والمؤيدة للانسحاب من اتفاقية باريس.

ناشطون يحضرون فعالية مشتركة في مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ (COP29) في باكو (إ.ب.أ)

ولدى الرئيس المنتخب شكوك راسخة حول التأثير السلبي لهذه الاتفاقية على الشركات الأميركية والنمو الاقتصادي، وقد سبق له خلال رئاسيته في عام 2017 أن أعلن انسحاب بلاده من الاتفاقية، مبرراً ذلك بأنها تضر بالعمل والصناعات الأميركية، وحينما جاء الرئيس بايدن إلى السلطة أعلن إعادة الانضمام للاتفاقية في أول يوم له بمنصبه، وأكد التزام الولايات المتحدة بخفض انبعاثات الغازات المسببة للانحباس الحراري العالمي.

هذه المخاوف والتساؤلات حول توجهات إدارة ترمب المقبلة كانت واضحة خلال انعقاد مؤتمر المناخ التاسع والعشرين في باكو بأذربيجان، فبعد أن نجحت مؤتمرات سابقة في الحصول على تعهدات للحد من انبعاثات الغازات والتحول لبدائل طاقة متجددة، انخفض الحماس لهذه القمة بعد اعتذار كثير من قادة الدول عن الحضور، وسحب كثير من الدول مفاوضيه، وتشكك الكثيرون في فاعلية هذه القمم المناخية مع مجيء الرئيس دونالد ترمب إلى السلطة.

منظمة التجارة الدولية

بدأت منظمة التجارة العالمية بالفعل تتحسب لولاية ترمب المقبلة، حيث تخطط لعقد اجتماع نهاية الشهر الحالي لمناقشة إعادة تعيين مديرة المنظمة نجوزي اوكونجو ايويالا، خوفاً من معارضة ترمب لتعيينها، لأنه اتهمها بأنها حليفة الصين في المنظمة وداعمة للدول النامية، وقد سعى ترمب عام 2020 إلى منع ولايتها الأولى، ومنع تعيين القادة في محكمة التحكيم العليا بمنظمة التجارة.

والمسألة هنا تتعدى معارضة الترشيح، فالمنظمة تتحضر أيضاً للتعريفات الجمركية التي ينوي ترمب فرضها سواء على الصين أو على السلع الأوروبية. وقد أعلن ترمب نيته فرض تعريفات جمركية على السلع الصينية بنسبة 60 في المائة وبنسبة 10 في المائة على جميع الواردات الأخرى، وقال إن خططه ستعيد بناء قاعدة التصنيع الأميركية وتزيد من فرص العمل وتجني تريليونات الدولارات الفيدرالية.

وتاريخ ترمب مع منظمة التجارة الدولية مليء بالمطبات والخلافات؛ فقد هدد بالانسحاب من المنظمة خلال ولايته الأولى، واتهم نظام تسوية المنازعات في المنظمة بأنه يتدخل في سياسة الولايات المتحدة، خصوصاً في قضايا مكافحة الإغراق، واتهمها بالعجز عن التعامل مع انتهاكات الصين التجارية.

الأمم المتحدة

إليز ستيفانيك اختارها الرئيس المنتخب دونالد ترمب لمنصب سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة (أ.ب)

وتستعد الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى لأربع سنوات أخرى من حكم ترمب، بعدما قام في ولايته الأولى بتعليق تمويل وكالات الصحة وتنظيم الأسرة التابعة للأمم المتحدة، وانسحب من منظمة «اليونيسكو» ومجلس حقوق الإنسان، مدعياً أنهما متحيزان ضد إسرائيل، كما هدد بتقليص الأموال الأميركية للمنظمة، حيث تعد الولايات المتحدة أكبر مانح وتدفع 22 في المائة من ميزانيتها.

ويقول الخبراء إن اختيار إليز ستيفانيك لمنصب سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، يعني مزيداً من الضغوط على المنظمة، حيث دعت ستيفانيك إلى إعادة تقييم التمويل الأميركي للأمم المتحدة، وحثت على وقف الدعم لوكالة «الأونروا».

«إيكوس» و«الكواد»

وحمل فوز ترمب بالانتخابات مخاوف في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، حيث عمل بايدن على بناء تحالفات قوية واتفاقات ثنائية وثلاثية ورباعية تركز على معالجة التحديات الأمنية والتكنولوجيا الإقليمية. وقد تحولت ترتيبات مثل «الكواد» و«إيكوس» من جهد دبلوماسي إلى شراكات تركز بصورة أكبر على الأمن السيبراني والأمن البحري والتعاون الاقتصادي. فقد تطور تحالف «الكواد» إلى شكل أكثر قدرة على مقاومة النفوذ الصيني المزداد، وزاد تحالف «إيكوس» مستويات التعاون بين أستراليا والهند واليابان والولايات المتحدة، خصوصاً في التعامل مع الإجراءات العدوانية البحرية من جانب الصين، وفي إنشاء مبادرات للتعاون بمجال الذكاء الاصطناعي.

ويقول المحللون إن هذه التحالفات قد تواجه تهديدات كبيرة خلال ولاية ترمب الثانية، لأنه غالباً ما يرفض التعددية، كما تختلف أولويات ترمب عن أولويات بايدن الذي عمل على بناء بنية أمنية قادرة على الصمود في مواجهة صعود الصين.


مقالات ذات صلة

العقوبات الأميركية والأوروبية قوّضت قدرة سوريا على إعادة الإعمار

المشرق العربي الرئيس السوري أحمد الشرع ملتقياً فريد المذهان المعروف بـ«قيصر» على هامش الزيارة إلى جمهورية فرنسا (سانا - أ.ف.ب)

العقوبات الأميركية والأوروبية قوّضت قدرة سوريا على إعادة الإعمار

العقوبات المفروضة على سوريا، بعضها منذ عقود وواسعة النطاق ومتعددة الأوجه، كانت تهدف في المقام الأول إلى الضغط على نظام الأسد وقف العنف ضد المدنيين

إيلي يوسف (واشنطن)
تحليل إخباري ترمب في القمة الخليجية - الأميركية بالرياض - 14 مايو 2025 (د.ب.أ)

تحليل إخباري بعد زيارة ترمب... عاصفة جيو-سياسيّة إيجابية تهب على العالم العربيّ

ما يجدر الوقوف عنده في زيارة الرئيس ترمب إلى منطقة الخليج العربيّ، هو أن العلاقة الخليجيّة، وبالتالي العربيّة، أصبحت علاقة عضويّة مُمأسسة.

المحلل العسكري (لندن)
شؤون إقليمية المركبات تمر بجانب جدارية مناهضة لأميركا في شارع كريم خان زند وسط طهران اليوم (إ.ب.أ)

غموض في موقف إيران من المفاوضات رغم تمسكها بالدبلوماسية

زاد وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، من حالة الغموض المحيطة بمصير المسار الدبلوماسي، بإعلانه أن طهران لم تحسم بعد قرارها بشأن المشاركة في الجولة المقبلة.

«الشرق الأوسط» (لندن - طهران)
الولايات المتحدة​ السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض كارولين ليفيت تتحدث مع الأطفال خلال إحاطة في البيت الأبيض (أ.ب)

من الطعام المفضل لترمب إلى القوة الخارقة التي يتمناها... إحاطة مخصصة للأطفال بالبيت الأبيض (فيديو)

أجابت كارولين ليفيت، السكرتيرة الصحافية للبيت الأبيض، عن أسئلة أبناء الصحافيين ومسؤولي البيت الأبيض احتفالاً بيوم «اصطحاب أبنائنا وبناتنا إلى العمل».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي السابق جو بايدن برفقة زوجته جيل داخل كاتدرائية سينت لويس في نيو أورلينز (رويترز)

هل ستواجه جيل بايدن اتهامات جنائية بعد تشخيص إصابة زوجها بالسرطان؟

طرح مسؤول في وزارة العدل الأميركية، الأربعاء، سؤالاً بشأن ما إذا كانت السيدة الأولى السابقة جيل بايدن قد تواجه اتهامات جنائية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

من الطعام المفضل لترمب إلى القوة الخارقة التي يتمناها... إحاطة مخصصة للأطفال بالبيت الأبيض (فيديو)

السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض كارولين ليفيت تتحدث مع الأطفال خلال إحاطة في البيت الأبيض (أ.ب)
السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض كارولين ليفيت تتحدث مع الأطفال خلال إحاطة في البيت الأبيض (أ.ب)
TT

من الطعام المفضل لترمب إلى القوة الخارقة التي يتمناها... إحاطة مخصصة للأطفال بالبيت الأبيض (فيديو)

السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض كارولين ليفيت تتحدث مع الأطفال خلال إحاطة في البيت الأبيض (أ.ب)
السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض كارولين ليفيت تتحدث مع الأطفال خلال إحاطة في البيت الأبيض (أ.ب)

أجابت كارولين ليفيت، السكرتيرة الصحافية للبيت الأبيض، عن أسئلة أبناء الصحافيين ومسؤولي البيت الأبيض احتفالاً بيوم «اصطحاب أبنائنا وبناتنا إلى العمل»، الثلاثاء، وفقاً لشبكة «فوكس نيوز».

ركزت أسئلة الأطفال بشكل أساسي على الرئيس الأميركي دونالد ترمب؛ حيث أُجبرت ليفيت على الكشف عن نكهة الآيس كريم المفضلة لديه، والقوة الخارقة التي يرغب في شدة في امتلاكها، وما إذا كان يحب العناق.

قالت ليفيت لسائلها الأول: «أوه، هل يحب العناق؟ كما تعلم، أعتقد ذلك. لقد رأيته يعانق كثيراً الأطفال وعائلته والسيدة الأولى الجميلة. لذا، نعم، أعتقد أنه يحب العناق».

وسأل طفل ثانٍ: «ما الجزء الأكثر متعة في عملك، والجزء الأصعب؟»، وأجابت ليفيت: «أعتقد أن أكثر ما أستمتع به في عملي هو القيام بأمور كهذه معكم جميعاً في غرفة الإحاطة والإجابة عن العديد من الأسئلة المهمة. وأعتقد أن أصعب ما في عملي هو أيضاً القيام بأمور كهذه في غرفة الإحاطة والإجابة عن كل هذه الأسئلة».

وأضافت: «قراءة الأخبار جزءٌ أساسي من عملي يومياً. أستيقظ وأقرأ الجريدة وأشاهد الأخبار وأستمع إلى كل ما ينشره آباؤكم في الأخبار، وهذا جزءٌ أساسي من عملي يومياً».

سأل الطفل التالي عن طعام ترمب المفضل، فأجابت ليفيت أنه يُفضل شريحة اللحم على أي شيء آخر.

أخبرت ليفيت أحد الأطفال أيضاً أن نكهة الآيس كريم المفضلة لدى ترمب هي «آيس كريم صنداي الكلاسيكي».

وسأل طفل ليفيت: «إذا كان للرئيس قوة خارقة، فماذا ستكون؟»، وأوضحت: «هذا سؤال وجيه جداً... أعتقد أنه لو كانت لديه قوة خارقة، لكان بإمكانه ببساطة أن يفرقع أصابعه ويحل جميع مشاكل بلدنا بهذه السهولة، لأنه يحب إنجاز الأمور بسرعة كبيرة، لكن الأمر يستغرق أحياناً وقتاً أطول».

وتابعت: «كما هو الحال اليوم، اضطر للذهاب إلى مبنى (الكابيتول) لإقناع الناس بالتصويت على مشروع قانونه الكبير والجميل. أراهن أنه لو كانت لديه قوة خارقة، لكان سيفرقع أصابعه ويمرِّر القانون فوراً، لكن الحياة لا تسير بهذه الطريقة، للأسف».

كما أمضت السيدة الأولى ميلانيا ترمب وقتاً مع الأطفال خارج البيت الأبيض. وشوهد كثير منهم يرتدون قبعات زرقاء داكنة كُتب عليها «خليج أميركا»، بأحرف حمراء.