فوز ترمب خلق تداعيات متباينة في أميركا اللاتينية

اليمين المتطرف يرى عودته انتصاراً ذاتياً… والأنظمة اليسارية تخشى تصعيداً

ترمب خلال تجمع انتخابي في رايلي بنورث كارولاينا الاثنين 4 نوفمبر عشية الانتخابات الرئاسية الأخيرة (رويترز)
ترمب خلال تجمع انتخابي في رايلي بنورث كارولاينا الاثنين 4 نوفمبر عشية الانتخابات الرئاسية الأخيرة (رويترز)
TT

فوز ترمب خلق تداعيات متباينة في أميركا اللاتينية

ترمب خلال تجمع انتخابي في رايلي بنورث كارولاينا الاثنين 4 نوفمبر عشية الانتخابات الرئاسية الأخيرة (رويترز)
ترمب خلال تجمع انتخابي في رايلي بنورث كارولاينا الاثنين 4 نوفمبر عشية الانتخابات الرئاسية الأخيرة (رويترز)

العودة الظافرة لدونالد ترمب إلى البيت الأبيض بعد 4 سنوات من الملاحقات القضائية والانتقادات الواسعة التي تعرّض لها من الإعلام اليساري، ليست نتيجة حتمية للتحولات العميقة التي تعتمل في المشهد السياسي الأميركي منذ سنوات فحسب، بل هي أيضاً تكريس له زعيماً لليمين العالمي المتطرف الذي يرى في فوزه باباً لترسيخ صعوده وإرساء دعائمه، خصوصاً في أوروبا وأميركا اللاتينية.

ويبدو أن فوز ترمب يخلق عموماً تداعيات متباينة في المنطقة. وتجنح الدول الأميركية اللاتينية إلى تفضيل «انعزالية» ترمب على التوجه «التدخلي» التقليدي الذي تميّزت به الإدارات الديمقراطية، وذلك انطلاقاً من أن هذه الدول شبه مندمجة اقتصادياً مع الولايات المتحدة وتتفاوض معها بشكل مستمر حول مصالحها في مجالات الأمن والهجرة والحدود والمخدرات، لا سيما في حالة المكسيك؛ الشريك الاقتصادي الأول للجارة الكبرى والمصدّر الرئيسي للمهاجرين إليها.

اليمين المتطرف

لكن تكفي نظرة سريعة نحو الجنوب، من أميركا الوسطي والكاريبي إلى منطقة الأنديز والمخروط الجنوبي، كي نتبيّن مدى التأثير السياسي والاجتماعي الذي تركته هذه «الموجة الترمبية» في بلدان مثل البرازيل والأرجنتين والسلفادور والإكوادور، حيث ترسخت القوى اليمينية المتطرفة في الحكم، وبات بعضها مثالاً إقليمياً يحتذى لمعالجة المشكلات الأمنية والاجتماعية المستعصية، فيما بدأ كثيرون يرفعون راية الهوية اليمينية المتجددة لمواجهة الفكر اليساري والشيوعي. اليمين الأميركي اللاتيني المتطرف يعدّ فوز ترمب انتصاراً ذاتياً، ويعوّل عليه لقيام تحالف إقليمي مناهض للقوى اليسارية، لا يميّز بين الأنظمة المعتدلة مثل لولا دا سيلفا في البرازيل وغابرييل بوريتش في تشيلي من ناحية، ونيكولاس مادورو في فنزويلا ودانييل أورتيغا في نيكاراغوا من ناحية أخرى. ومن المؤكد أن هذا اليمين سوف يلجأ إلى استخدام طروحات ترمب في حروبه الثقافية ضد التعدد العرقي والثقافي والمساواة بين الأجناس.

الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو وزوجته سيليا فلوريس خلال «المنتدى البرلماني العالمي المناهض للفاشية» في كاراكاس الثلاثاء الماضي (رويترز)

الأنظمة اليسارية

الأنظمة اليسارية، مثل نظام مادورو في فنزويلا وأورتيغا في نيكاراغوا، تخشى تصعيداً في مواقف واشنطن المؤيدة لبدائل المعارضة اليمينية، تلبية لرغبات القواعد الشعبية الجمهورية في فلوريدا التي تطالب بتشديد العقوبات الاقتصادية والضغوط السياسية الدولية ضد فنزويلا ونيكاراغوا وكوبا. لكن الأجواء تبدو مكفهرة خصوصاً بالنسبة إلى البلدين الأقرب جغرافياً من الولايات المتحدة، والأكثر اعتماداً عليها من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية (المكسيك وكوبا) بعد استحكام هيمنة الجمهوريين على مراكز القرار في البيت الأبيض والكونغرس. بالنسبة إلى المكسيك، من المتوقع تشديد المراقبة على الحدود المشتركة، وترحيل المهاجرين غير الشرعيين بأعداد كبيرة، وزيادة الرسوم الجمركية على السلع المكسيكية المستوردة، والتفرد أكثر في إجراءات مكافحة المخدرات. أما كوبا، فهي تنتظر جرعة أكبر من الحصار الاقتصادي لن تكون قادرة على تحملها في الظروف الراهنة.

الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا خلال حفل بالقصر الرئاسي في برازيليا الأربعاء الماضي (رويترز)

البرازيل والتوتر مع ماسك

البرازيل أيضاً أمام مرحلة دقيقة جداً مع وصول ترمب إلى البيت الأبيض محوطاً بالملياردير إيلون ماسك الذي يخوض معركة قضائية مع السلطات البرازيلية منذ أشهر. وكان ماسك، المرشح لمنصب واسع النفوذ في الإدارة الأميركية المقبلة، قد وصف البرازيل بأنها «دكتاتورية لا تحترم الحريات». إلى جانب ذلك، تستعد البرازيل لتولي رئاسة مجموعة «بريكس» بعد روسيا بدءاً من مطلع العام المقبل، حيث يُنتظر أن تبت المجموعة في طلب انضمام إيران إليها. وكانت البرازيل قد لجأت إلى استخدام «الفيتو» لمنع انضمام فنزويلا التي ما زال لولا يرفض الاعتراف بنتائج الانتخابات الرئاسية فيها. وتستضيف البرازيل في خريف العام المقبل «المؤتمر متعدد الأطراف حول تغيّر المناخ»، حيث ينتظر أن يكون الموقف الأميركي على نقيض المواقف التي اتخذتها حتى الآن الإدارة الديمقراطية.

الرئيس الأرجنتيني خافيير ميلي بعد حصوله على «جائزة معهد خوان دي ماريانا» في «الدفاع المثالي عن أفكار الحرية» بمدريد يوم 21 يونيو الماضي (رويترز)

الأرجنتين «نقطة ارتكاز»

أما العلاقة التي يرجّح أن تكون نقطة ارتكاز سياسة الإدارة الأميركية الجديدة تجاه أميركا اللاتينية، في حال قرر ترمب أن تكون من بين أولوياته، فهي التي تربطه بالرئيس الأرجنتيني خافير ميلي الذي أعلن أنه سيسافر الأسبوع المقبل إلى الولايات المتحدة حيث سيلتقي ترمب في فلوريدا. وكان ميلي، الذي لا يوفّر مناسبة ليبدي فيها إعجابه بالرئيس الأميركي، قد أكّد لترمب في برقية التهنئة التي بعث بها إليه يوم الأربعاء الماضي أن «بوسعه الاعتماد على الأرجنتين لإنجاز مهمته». وسبق للرئيس الأرجنتيني، الذي أحدث انقلاباً جذرياً في السياسة الخارجية لبلاده، أن صرّح يوم انتخابه بأن الولايات المتحدة وإسرائيل ستشكلان قطبي تحالفاته الخارجية، معيداً إلى الأذهان العلاقات الوطيدة التي كانت قائمة بين البلدين إبّان الحكم العسكري في الأرجنتين خلال العقد الأخير من القرن الماضي. ويؤيد ميلي كثيراً من طروحات ترمب ضد الإجهاض والحركات النسائية ومكافحة التغيّر المناخي والانتقادات الشديدة ضد المنظمات الدولية. ويعزز موقع الأرجنتين حليفاً رئيسياً لواشنطن مع الإدارة الجديدة، أن حلفاء الولايات المتحدة التقليديين من دول المنطقة، مثل البرازيل وكولومبيا وتشيلي، تحكمها حالياً أحزاب يسارية. ويطمح ميلي إلى أن تساهم علاقاته بترمب في زيادة الاستثمارات الأميركية بقطاعي الطاقة والمناجم اللذين يعدّان حيويين لنهوض الاقتصاد الأرجنتيني. كما يتوقع أن تساعده واشنطن للحصول على قرض جديد من صندوق النقد الدولي للخروج من الأزمة المعيشية التي تعاني منها الأرجنتين، علماً بأنها لم تسدد بعد القرض السابق بقيمة 44 مليار دولار.


مقالات ذات صلة

كيم: التواصل الدبلوماسي السابق يؤكد العداء الأميركي «الثابت» لكوريا الشمالية

آسيا تظهر هذه الصورة الملتقطة في 21 نوفمبر 2024 الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون وهو يحضر حفل افتتاح معرض تطوير الدفاع الوطني 2024 في عاصمة كوريا الشمالية بيونغ يانغ (أ.ف.ب)

كيم: التواصل الدبلوماسي السابق يؤكد العداء الأميركي «الثابت» لكوريا الشمالية

قال الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون إن التواصل الدبلوماسي السابق بين بيونغ يانغ وواشنطن أكد عداء الولايات المتحدة «الثابت» تجاه بلاده.

«الشرق الأوسط» (سيول)
الاقتصاد عملة «البتكوين» في صورة توضيحية تم التقاطها في «لا ميزون دو بتكوين» بباريس (رويترز)

ترمب يدفع «البتكوين» نحو 100 ألف دولار... ارتفاع جنوني في أسبوعين

لامست «البتكوين» أعلى مستوى قياسي جديد، يوم الجمعة، مع توجه أنظارها نحو حاجز 100 ألف دولار، في ارتفاع مذهل للعملة المشفرة مدفوع بتوقعات بيئة تنظيمية أكثر ودية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي آنذاك جون كينيدي يلوح بيده من سيارته في موكب سيارات قبل دقيقة واحدة تقريباً من إطلاق النار عليه، في 22 نوفمبر 1963 في دالاس، الولايات المتحدة (أ.ب)

ترمب يتعهد مجدداً برفع السرية عن وثائق اغتيال جون كينيدي

ينصح أولئك الذين فحصوا سجلات ملف اغتيال كينيدي التي تم الكشف عنها حتى الآن، بعدم توقع أي كشف صادم، حتى لو تم رفع السرية عن الملفات المتبقية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ كيفن وارش (أرشيفية)

ترمب يدرس تكليف وارش بوزارة الخزانة ثم مجلس الاحتياطي

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب يدرس تكليف كيفن وارش بوزارة الخزانة مع إمكانية توليه قيادة مجلس الاحتياطي الاتحادي لاحقا عقب انتهاء ولاية جيروم باول.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ أرشيفية لبام بوندي التي رشحها ترمب وزيرة للعدل (أ.ف.ب)

ترمب يعيّن بام بوندي وزيرة للعدل

أعلن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب الخميس أنه اختار بام بوندي المقربة منه وعضو فريق الدفاع عنه خلال المحاكمة البرلمانية لتولي منصب وزيرة العدل.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

ترمب يتعهد مجدداً برفع السرية عن وثائق اغتيال جون كينيدي

الرئيس الأميركي آنذاك جون كينيدي يلوح بيده من سيارته في موكب سيارات قبل دقيقة واحدة تقريباً من إطلاق النار عليه، في 22 نوفمبر 1963 في دالاس، الولايات المتحدة (أ.ب)
الرئيس الأميركي آنذاك جون كينيدي يلوح بيده من سيارته في موكب سيارات قبل دقيقة واحدة تقريباً من إطلاق النار عليه، في 22 نوفمبر 1963 في دالاس، الولايات المتحدة (أ.ب)
TT

ترمب يتعهد مجدداً برفع السرية عن وثائق اغتيال جون كينيدي

الرئيس الأميركي آنذاك جون كينيدي يلوح بيده من سيارته في موكب سيارات قبل دقيقة واحدة تقريباً من إطلاق النار عليه، في 22 نوفمبر 1963 في دالاس، الولايات المتحدة (أ.ب)
الرئيس الأميركي آنذاك جون كينيدي يلوح بيده من سيارته في موكب سيارات قبل دقيقة واحدة تقريباً من إطلاق النار عليه، في 22 نوفمبر 1963 في دالاس، الولايات المتحدة (أ.ب)

ينصح أولئك الذين فحصوا سجلات ملف اغتيال كينيدي التي تم الكشف عنها حتى الآن، بعدم توقع أي كشف صادم، حتى لو تم رفع السرية عن الملفات المتبقية.

لا تزال نظريات المؤامرة منتشرة على نطاق واسع بعد أكثر من 60 عاماً من اغتيال الرئيس الأميركي جون كينيدي، ولا تزال أي معلومات جديدة عن يوم 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 1963 في دالاس تجذب الاهتمام.

وخلال حملة إعادة انتخابه، تعهَّد الرئيس المنتخَب دونالد ترمب برفع السرية عن جميع الوثائق الحكومية المتبقية المتعلقة بالاغتيال، إذا ما أعيد انتخابه.

وخلال فترة ولايته الأولى، قدم ترمب التزاماً مماثلاً، لكنه استسلم في النهاية للضغوط من مكتب التحقيقات الاتحادي (إف بي آي) ووكالة الاستخبارات المركزية (سي آي ايه) لحجب بعض المعلومات، وفق وكالة «أسوشييتد برس».

ولم يكشف حتى الآن سوى عن بضعة آلاف من ملايين الوثائق الحكومية المتعلقة بالاغتيال، وينصح أولئك الذين فحصوا السجلات التي تم الكشف عنها حتى الآن بعدم توقع أي كشف صادم، حتى لو تم رفع السرية عن الملفات المتبقية.

وقال جيرالد بوسنر، مؤلف كتاب «القضية مغلقة»، الذي توصل فيه إلى استنتاج مفاده أن القاتل لي هارفي أوزوالد تصرف بمفرده: «إن أي شخص ينتظر دليلاً دامغاً يقلب هذه القضية رأساً على عقب سيشعر بخيبة أمل شديدة».

ومن المتوقَّع أن يتم إحياء الذكرى الحادية والستين للاغتيال، اليوم (الجمعة)، بدقيقة صمت في الساعة 12:30 ظهراً بديلي بلازا؛ حيث قُتِل كينيدي بالرصاص أثناء مرور موكبه.

وعلى مدار هذا الأسبوع، جرى تنظيم عدد من الفعاليات لإحياء الذكرى.