أميركا أمام خيارين متناقضين: يميني محافظ أم ليبرالي تقدمي؟

السباق التاريخي بين هاريس وترمب نحو البيت الأبيض في عُهدة الأميركيين

TT

أميركا أمام خيارين متناقضين: يميني محافظ أم ليبرالي تقدمي؟

متظاهرون يحملون لافتات تدعو إلى الاقتراع أثناء توجههم إلى البيت الأبيض خلال مسيرة للنساء في واشنطن (أ.ب)
متظاهرون يحملون لافتات تدعو إلى الاقتراع أثناء توجههم إلى البيت الأبيض خلال مسيرة للنساء في واشنطن (أ.ب)

يضيف عشرات الملايين من الأميركيين الثلاثاء أصواتهم إلى نحو 77 مليوناً آخرين اقترعوا باكراً في انتخابات تاريخية لاختيار رئيسهم السابع والأربعين للولايات المتحدة، بين الديمقراطية نائبة الرئيس كامالا هاريس والجمهوري الرئيس السابق دونالد ترمب، وجميع الأعضاء الـ435 لمجلس النواب و34 من السيناتورات المائة في مجلس الشيوخ، مما سيكون الكونغرس الـ119، بالإضافة إلى العشرات من حكام الولايات والقضاة.

وفي محاولة لطمأنة الأميركيين بأن أصواتهم ستكون محمية، وضعت السلطات في البلاد خططاً أمنية لا سابق لها لمقاومة العنف وغيره من السيناريوهات التي يمكن أن تعكر صفو الانتخابات، وما قد يليها من اضطرابات. ووضعت وكالات تنفيذ القانون مع المستجيبين الأوائل في حالة تأهب قصوى، بما في ذلك نشر الحرس الوطني لمنع حصول أي اضطرابات.

وكائن من سيكون المنتصر في الانتخابات الرئاسية الـ60 التي تشهدها الولايات المتحدة منذ المصادقة على دستورها عام 1788، سيكون طابعها تاريخياً بامتياز لأن هاريس، إذا فازت فستكون المرأة الأولى الرئيسة في الدولة العظمى، بالإضافة إلى كونها من أصول أفريقية وآسيوية، ولأن ترمب، إذا فاز، فسيكون ثاني رئيس سابق يعود إلى البيت الأبيض بعد خسارته محاولة البقاء لولاية ثانية في البيت الأبيض. وسيكون حاكم مينيسوتا الديمقراطي تيم والز أو السيناتور الجمهوري عن أوهايو جيمس ديفيد فانس نائب الرئيس الـ50 في تاريخ البلاد.

كما أن هذه الانتخابات ستضع على المحك أسلوب حياة الأميركيين بين اتجاه يميني محافظ يقوده ترمب، ويقابله اتجاه ليبيرالي تقدمي بقيادة هاريس، بعد إنفاق قياسي من الأموال من الحملتين على الإعلانات وتغطية إعلامية لا سابق لها، ليس فقط في الصحافة والتلفزيون، ولكن أيضاً عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي والبودكاست، بالإضافة إلى أدوات مختلفة من الذكاء الاصطناعي.

ناخبون ينتظرون في طوابير لتسجيل وصولهم خلال التصويت المبكر للانتخابات الأميركية في غراند رابيدز بولاية ميشيغان (أ.ف.ب)

هل تحدث مفاجآت؟

ومع اقتراب لحظات الحسم لا سيما في الولايات السبع المتأرجحة، أريزونا وبنسلفانيا وجورجيا وميشيغان ونيفادا وكارولاينا الشمالية وويسكونسن، تسابقت هاريس وترمب وكذلك والز وفانس على توجيه رسائل أخيرة لاستمالة الناخبين الذين لم يحسموا خياراتهم في هذه الولايات، علماً أن الحملتين لم تستبعدا إحداث اختراقات في ولايات أخرى، ديمقراطية زرقاء محسوبة لهاريس، أو جمهورية حمراء محسومة لترمب.

وسيحدد الناخبون الأميركيون في انتخابات 41 من الولايات مواقفهم من قضايا تتعلق بكيفية القيام بعمليات الاقتراع، على أن يتخذوا قرارات في 10 ولايات، منها أريزونا وكولورادو وفلوريدا، من تدابير تتعلق بالإجهاض، وهي قضية رئيسية تشغل الأميركيين منذ سنوات، بالإضافة إلى مسائل في ولايات مثل فلوريدا ونورث داكوتا وساوث داكوتا حيال ما إذا كانت ستقر قوانين لتشريع استخدام الماريغوانا.

المرشحة الديمقراطية للانتخابات الأميركية نائبة الرئيس كامالا هاريس في واشنطن العاصمة (أ.ب)

ووسط قلق عميم من احتمال حصول اضطرابات على غرار عام 2020 والقلق المتنامي لدى شرائح واسعة من الأميركيين على كل جانب تقريباً من جوانب العملية الانتخابية، تدفق ملايين الأميركيين إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم في فترة التصويت المبكر. وشهدت نورث كارولاينا، وهي من الولايات السبع المتأرجحة التي يمكن أن تحسم نتيجة الانتخابات، إقبال أكثر 4.5 مليون ناخب مسجلة رقماً قياسياً في التصويت الشخصي المبكر. كما سجل الناخبون المبكرون في جورجيا، وهي أيضاً ولاية متأرجحة حاسمة، رقماً قياسياً؛ إذ أدلى 4 ملايين ناخب بأصواتهم المبكرة. وفي بنسلفانيا، التي ربما تكون مفتاح الفوز لهاريس أو ترمب، صوت 1.7 مليون شخص بالبريد وسط نزاع قانوني متنامٍ حول طريقة حسبان بطاقات الاقتراع هذه. وأشارت توقعات التصويت المبكر إلى أن الإقبال الإجمالي على هذه الانتخابات سيكون على الأرجح بين نحو 60 في المائة من الناخبين المؤهلين الذين شاركوا عام 2016 وثلثي الناخبين المؤهلين الذين صوتوا عام 2020، وفقاً لمتتبعي طرق التصويت.

وأضاف الإقبال الضخم على التصويت المبكر للانتخابات الرئاسية، للمرة الثانية على التوالي، إلى عدم القدرة على التنبؤ بالسباق وكشف مفارقة في السياسة الأميركية الحديثة. فبعدما أصبحت الحملات الانتخابية مسلحة بمزيد من البيانات حول من أدلوا بأصواتهم المبكرة، صار بوسعها أن تفهم بسهولة أكبر مدى نجاحها استناداً إلى نماذج التصويت الخاصة بها، وأي شريحة صغيرة من الناخبين لا تزال بحاجة إلى استهدافها في حملة محمومة لتشجيع الناخبين على التصويت.

المرشح الجمهوري للانتخابات الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب في بنسلفانيا (أ.ب)

نمط شائع

لكن كل هذه البيانات تتعارض في الأساس مع المقارنات التاريخية بسبب التغيير الهائل في سلوك التصويت الأميركي الناجم عن انتخابات عام 2020. وأطلقت هذه المنافسة عملية جديدة لانتخاب رئيس، مع تحولات شاملة نحو التصويت المبكر، بسبب جائحة «كوفيد 19». ولكنها صارت نمطاً شائعاً في العملية الانتخابية الأميركية.

وخلافاً لما كانت عليه الحال عام 2020، حضت حملة ترمب الجمهوريين على الإقبال بكثافة في التصويت المبكر حتى لو لم يكونوا مرتاحين إلى حد كبير بسبب الاتهامات السابقة من ترمب نفسه حول التصويت بالبريد. وبالفعل، صوت أكثر من 40 في المائة من الجمهوريين البالغ عددهم 570 ألفاً الذين أدلوا بأصواتهم المبكرة في بنسلفانيا بداية من السبت؛ ما يدل على تحول كبير في سلوك التصويت الجمهوري. أما الديمقراطيون، الذين تبنوا التصويت المبكر على نطاق أوسع، فلم يشهدوا سوى تحوُّل بنسبة 12 في المائة من يوم الانتخابات إلى التصويت المبكر.

ولا تتوفر بيانات التصويت المبكر مع تسجيل الحزب الجمهوري في جورجيا، لكن يبدو أن ناخبي ترمب هناك تلقوا رسالة التصويت المبكر أيضاً.

ومع ذلك، لا تزال الهواجس قائمة من أن انتخابات عام 2020 شهدت إخفاقاً لبعض مسؤولي الانتخابات في بعض الاختبارات المهمة، إذ فشلت مقاطعة رئيسية في بنسلفانيا في تسليم آلاف بطاقات الاقتراع بالبريد للناخبين، بينما تبين أن مقاطعة أخرى في الولاية ذاتها رفضت ناخبين عن طريق الخطأ قبل الموعد النهائي. كما جرى الكشف عن «تدخل روسي» في جورجيا، فضلاً عن قرصنة كلمات المرور الجزئية لآلات الانتخابات في كولورادو.

ومع ذلك، يشير المسؤولون إلى أن المشكلات جرى اكتشافها وحلها بسرعة. وأضافت مقاطعات بنسلفانيا أياماً للتصويت المبكر بالتزامن مع السعي إلى الحد من ترهيب الناخبين أو مضايقتهم، وتجنب الطوابير الطويلة للغاية للأشخاص الذين ينتظرون التصويت.

خوف وقلق

رجل يحمل لافتة ويقف أمام البيت الأبيض في واشنطن العاصمة (رويترز)

ولكن في الوقت الذي توافد فيه الناخبون على صناديق الاقتراع للتصويت مبكراً «بدافع الواجب أو بتردد أو بشغف»، كان هناك شعور عام بالخوف والقلق. وعبَّر أنصار هاريس وترمب عن قلق مماثل في شأن احتمال خسارة مرشحهم.

وكان انعدام الثقة بنظام التصويت واضحاً بين ناخبي ترمب، حتى في أريزونا، حيث صوتت الأكثرية الساحقة من الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء مبكراً لسنوات حتى بدأ ترمب وحلفاؤه في زرع عدم الثقة في بطاقات الاقتراع بالبريد والتصويت المبكر.

ويشعر آخرون بالقلق من اضطرابات مثل اقتحام مراكز الاقتراع. وزودت بعض مكاتب الانتخابات الشرطة المحلية بأرقام هواتف لكل موقع اقتراع حتى يتمكنوا من الاتصال قبل إرسال ضباط الشرطة، وإحداث خلل في التصويت.

وتغلغل القلق في شأن الحالة العامة للديمقراطية في طوابير التصويت المبكر، وهو دليل على أن 45 في المائة من الناخبين قالوا في استطلاع أجرته صحيفة «النيويورك تايمز» مع «سيينا كولدج» إنهم لا يشعرون بأن الديمقراطية الأميركية قامت بعمل جيد لتمثيل الشعب.

ورغم أن الاستطلاعات تظهر أن ترمب وهاريس في حالة تعادل، فإن حلفاء الرئيس السابق يدفعون بالفعل بفكرة أن فوزه أمر لا مفر منه.


مقالات ذات صلة

غزة وأوكرانيا على رأس أولويات بايدن قبل تركه البيت الأبيض

الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتهية ولايته جو بايدن وحفيده بو بايدن خلال مغادرة البيت الأبيض والتوجه للمروحية الرئاسية (إ.ب.أ)

غزة وأوكرانيا على رأس أولويات بايدن قبل تركه البيت الأبيض

أمام الرئيس الأميركي المنتهية ولايته، جو بايدن، قائمة طويلة من التحركات على الجبهتين الخارجية والداخلية، مع تبقي شهر واحد فقط قبل تركه رئاسة الولايات المتحدة.

الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ب)

منع المدعية ويليس من مقاضاة ترمب في قضية التدخل بنتائج الانتخابات في جورجيا

قضت محكمة استئناف في جورجيا، الخميس، بمنع المدعية العامة لمقاطعة فولتون، فاني ويليس، من مقاضاة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب والعديد من حلفائه.

«الشرق الأوسط» (أتلانتا)
المشرق العربي تصاعد الدخان عقب انفجار في قطاع غزة كما شوهد من جنوب إسرائيل (أ.ب)

بلينكن «متفائل» بإمكان التوصل لهدنة في غزة قبل انتهاء ولاية بايدن

أعلن وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، أنّه ما زال «متفائلًا» بإمكان التوصّل خلال ولاية الرئيس جو بايدن إلى وقف لإطلاق النار بين إسرائيل و«حماس».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
الولايات المتحدة​ مؤيدون للرئيس المنتخب دونالد ترمب خلال الانتخابات الأخيرة (أرشيفية - أ.ف.ب)

ترمب يقاضي صحيفة وشركة لاستطلاعات الرأي توقعتا فوز هاريس في الانتخابات

رفع الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب دعوى قضائية ضد صحيفة في ولاية أيوا وشركة استطلاعات رأي كانت وراء نشر توقع غير صحيح بفوز منافسته الديمقراطية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ب)

جديد قضية شراء الصمت... محامو ترمب يتهمون أعضاء هيئة المحلفين بسوء السلوك

قال محامو الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب إن إدانته بدفع رشوة لشراء الصمت تخللها سوء سلوك أعضاء هيئة المحلفين، مما يفتح جبهة جديدة في معركتهم لإلغاء الحكم.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

عاملون في «ستاربكس» يوسعون إضرابهم بمدن أميركية من بينها نيويورك

عاملون بـ«ستاربكس» يشاركون في الإضراب بكاليفورنيا (أ.ف.ب)
عاملون بـ«ستاربكس» يشاركون في الإضراب بكاليفورنيا (أ.ف.ب)
TT

عاملون في «ستاربكس» يوسعون إضرابهم بمدن أميركية من بينها نيويورك

عاملون بـ«ستاربكس» يشاركون في الإضراب بكاليفورنيا (أ.ف.ب)
عاملون بـ«ستاربكس» يشاركون في الإضراب بكاليفورنيا (أ.ف.ب)

قال اتحاد يمثل أكثر من 10 آلاف من العاملين في المقاهي، إن عاملين في سلسلة «ستاربكس» وسعوا إضرابهم ليشمل 4 مدن أميركية أخرى من بينها نيويورك.

وأضاف اتحاد «وركرز يونيتد»، في بيان بوقت متأخر من مساء أمس (السبت)، إن الإضراب لمدة 5 أيام الذي بدأ يوم الجمعة وأسفر في البداية عن إغلاق مقاهي «ستاربكس» في لوس أنجليس وشيكاغو وسياتل، توسع ليشمل نيوجيرسي ونيويورك وفيلادلفيا وسانت لويس. ولم يحدد مكان الإضراب في نيوجيرسي.

ووصلت المحادثات بين سلسلة المقاهي والاتحاد إلى طريق مسدود، بسبب نقاط خلاف لم يتم التوصل إلى حل بشأنها حول الأجور وعدد الموظفين وجداول العمل، مما أدى إلى الإضراب، وفقاً لوكالة «رويترز».

عاملون في «ستاربكس» يرفعون لافتات أمام أحد فروع المتجر بكاليفورنيا خلال مشاركتهم في الإضراب (أ.ف.ب)

ويشمل الإضراب 10 مدن، بما في ذلك كولومبوس ودينفر وبيتسبرغ، خلال موسم العطلات المزدحم، وهو ما قد يؤثر على مبيعات عيد الميلاد للشركة.

وأشار الاتحاد، يوم الجمعة، إلى أن الإضراب قد يمتد إلى «مئات المتاجر» بحلول يوم الثلاثاء، الذي سيوافق عشية عيد الميلاد.

وبدأت شركة «ستاربكس» مفاوضات مع الاتحاد في أبريل (نيسان). وقالت هذا الشهر، إنها عقدت أكثر من 8 جلسات تفاوض تم خلالها التوصل إلى 30 اتفاقاً.

وتشغل الشركة أكثر من 11 ألف مقهى ومتجر في الولايات المتحدة وتوظف عاملين يصل عددهم إلى نحو 200 ألف.