علاقة مودة بين ترمب وماكرون «باتت من الماضي»

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع ترمب بالبيت الأبيض في أبريل 2018 (أرشيفية - أ.ب)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع ترمب بالبيت الأبيض في أبريل 2018 (أرشيفية - أ.ب)
TT

علاقة مودة بين ترمب وماكرون «باتت من الماضي»

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع ترمب بالبيت الأبيض في أبريل 2018 (أرشيفية - أ.ب)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع ترمب بالبيت الأبيض في أبريل 2018 (أرشيفية - أ.ب)

زُرعت شجرة في حدائق البيت الأبيض رمزاً للصداقة بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والرئيس الأميركي يومها دونالد ترمب، لكنها تلفت بعد فترة قصيرة تزامناً مع بدء توتر العلاقة بينهما.

كلٌّ على طريقته، كسر الزعيمان القواعد السائدة وقت وصولهما إلى سدّة الرئاسة عام 2017، وجمعتهما بداية علاقة خاصة اختلطت فيها مبادرات التودّد بموازين القوى.

بدأ «شهر العسل» سنة 2017 في باريس بمأدبة عشاء في برج إيفل، واستعراض عسكري بمناسبة العيد الوطني الفرنسي في 14 يوليو (تموز)، سعى الرئيس الأميركي إلى تقليده في واشنطن لكن من دون جدوى.

المرشح الجمهوري لانتخابات الرئاسة الأميركية دونالد ترمب (رويترز)

وفي العام التالي زار الرئيس الفرنسي الولايات المتحدة، يومها بادر الرئيس الأميركي السابق إلى إزالة قشرة الرأس عن كتف ماكرون، وتصافح الرجلان بحرارة، واستمرّت أطول مصافحة بينهما 29 ثانية.

لكن سرعان ما بدأت الانتقادات من كلّ حدب وصوب لاستراتيجية الرئيس الفرنسي الذي لم يُفلح في ثني نظيره عن بعض القرارات المهمّة، مثل الانسحاب من اتفاق باريس حول المناخ، أو التراجع عن الاتفاق النووي مع إيران.

ولفتت نيكول باشران، المتخصصة في العلاقات الفرنسية الأميركية، إلى أن «إيمانويل ماكرون يبالغ في تقدير قدرته على التأثير سياسياً، بالتعويل على مهاراته» الشخصية.

ويدحض المقرّبون من ماكرون هذه الانتقادات، بوصف أن الرئيس أدّى واجبه حتّى لو لم تكن النتائج مُرْضية.

وأيّاً يكن الرئيس الأميركي الجديد، يتوقّع إيمانويل ماكرون أن تصبح الولايات المتحدة أقلّ التفاتاً إلى أوروبا، داعياً إلى أن تُمسك القارّة العجوز بمصيرها.

وبات الفتور يخيّم على علاقة الرجلين بدفْعٍ من تغريدات قوية وتصريحات نارية، وازداد دونالد ترمب انتقاداً لإيمانويل ماكرون، إلى درجة لم يتوانَ عن التنديد بـ«غبائه».

ولا شيء في حملته الانتخابية يَشِي بانفراجة في العلاقات؛ إذ يقلّد الزعيم الشعبوي الرئيس الفرنسي ولَكْنته، ويهزأ منه، ويتّهمه حتى بـ«التملّق» للرئيس الصيني.

وفي حال فاز المرشح الجمهوري الذي اتّسمت حملته الانتخابية بالتشدُّد والتفلُّت من الضوابط، قد تكتسي العلاقات الفرنسية الأميركية ملامح مختلفة.

ولاحظت نيكول باشران أن «أيّاً منهما لم يَعُد في الوضع الذي كان فيه في 2017، فترامب إن فاز سيكون منتشِياً بنصره، وسيشعر بأنه لا يُقهَر، في وجه ماكرون الذي أضعفَته مشاكل سياسية داخلية».

وشبَّهَت ترمب «بسمكة قرش تُحدِث جرحاً مُمِيتاً في حال اشتمَّت دماً».

وقد تكون المواجهات محمومة بين الرجلين على عدّة جبهات، منها الدعم لأوكرانيا، والوضع في الشرق الأوسط، والمناخ والتجارة، وقد يتسارع الانسحاب الأميركي من عدّة ملفّات بوتيرة فائقة، وفق محلّلين فرنسيين.

وفي حال كانت الرئاسة الأميركية من نصيب كامالا هاريس تتوقّع باريس علاقة أكثر تقليديةً كما كانت الحال إبّان عهد جو بايدن، لكنها لن تكون خالية من الخيبات؛ إذ إن الولايات المتحدة تنحو نحو الانسحاب من عدّة جبهات.

وإن كان ماكرون يشيد بالدعم الذي ما انفكّ الرئيس الأميركي المنتهية ولايته جو بايدن يُعرب عنه لكييف وللأوروبيين منذ الغزو الروسي لأوكرانيا، فقد لا يخفى عليه أن واشنطن تفضّل أن تبقى تغرِّد خارج السرب، أيّاً كان سيّد البيت الأبيض.

والأمثلة على ذلك كثيرة، أبرزها الانسحاب الفوضوي من أفغانستان من دون استشارة الحلفاء، أو إقامة تحالف أميركي أسترالي بريطاني طعن فرنسا في الظهر، وأفقَدها صفقة ضخمة لبيع غواصات، فضلاً عن قانون خفض التضخُّم الذي ينصّ على استثمارات طائلة في مجال الانتقال على صعيد الطاقة الذي رأى فيه ماكرون حمائية «جدّ شديدة».

ماكرون متحدثاً في «قصر الإليزيه» الجمعة بمناسبة تدشين معرض «صنع في فرنسا»

وفي خطاب بجامعة السوربون في أبريل، صرّح الرئيس الفرنسي بأن «الولايات المتحدة الأميركية لها أولويتان؛ أوّلاً الولايات المتحدة الأميركية، وهذا من المسلّمات، وثانياً مسألة الصين»، مشيراً إلى أن «أوروبا ليست ضمن أولوياتها الجيوسياسية للسنوات والعقود المقبلة».

وسواءٌ أكان الرئيس الأميركي ديمقراطياً أو جمهورياً، ينصبّ تركيز الدبلوماسيين الفرنسيين على الجهة التي ستكلِّف رسم ملامح السياسة الخارجية؛ لأن المعسكرين يعيشان تجاذُباً بين نزعة انعزالية، وأخرى تحبّذ التدخل.

وقال أحد الدبلوماسيين الفرنسيين: «لا نظن أن ترمب لديه سياسة كاملة سيطبّقها في حال فوزه»، وأورد آخر: «في أي حال، ينبغي على الأوروبيين الكف عن التموضع بحسب الانتخابات الأميركية، والإمساك بزمام أمورهم».


مقالات ذات صلة

الأسباب التي تدفع إسرائيل لإبعاد فرنسا من لجنة الإشراف على وقف النار مع «حزب الله»

تحليل إخباري الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً الخميس إلى الكونغرس التشيلي بمناسبة زيارته الرسمية إلى سانتياغو (د.ب.أ)

الأسباب التي تدفع إسرائيل لإبعاد فرنسا من لجنة الإشراف على وقف النار مع «حزب الله»

لبنان: الأوراق المتاحة لفرنسا للرد على إسرائيل لإزاحتها من مساعي الحل ولجنة الإشراف على وقف النار .

ميشال أبونجم (باريس)
أوروبا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً في ريو دي جانيرو (د.ب.أ)

ماكرون يندد بموقف روسيا «التصعيدي» إزاء أوكرانيا ويدعو بوتين «للتعقّل»

ندّد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الثلاثاء، بموقف روسيا «التصعيدي» في الحرب في أوكرانيا، داعياً الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى «التعقّل».

«الشرق الأوسط» (ريو دي جانيرو)
أوروبا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في بوينس أيرس (أ.ف.ب)

ماكرون: بوتين «لا يريد السلام» في أوكرانيا

أوضح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن نظيره الروسي فلاديمير بوتين «لا يريد السلام» مع كييف و«ليس مستعداً للتفاوض».

«الشرق الأوسط» (بوينس أيرس)
أوروبا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (رويترز)

«الإليزيه»: ماكرون يزور السعودية بين 2 و4 ديسمبر القادم

يزور الرئيس إيمانويل ماكرون السعودية في الفترة بين الثاني والرابع من ديسمبر المقبل، حسبما أعلن قصر الإليزيه.

«الشرق الأوسط» (باريس)
الخليج ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (الخارجية السعودية)

ولي العهد السعودي والرئيس الفرنسي يستعرضان التطورات هاتفياً

استعرض الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي، الخميس، مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، تطورات الأوضاع الإقليمية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

الأمم المتحدة: عمال الإغاثة الذين قُتلوا في 2024 أعلى من أي عام آخر

مسعفون من جمعية «الهلال الأحمر الفلسطيني» ومتطوعون في الفريق الوطني للاستجابة للكوارث (أ.ب)
مسعفون من جمعية «الهلال الأحمر الفلسطيني» ومتطوعون في الفريق الوطني للاستجابة للكوارث (أ.ب)
TT

الأمم المتحدة: عمال الإغاثة الذين قُتلوا في 2024 أعلى من أي عام آخر

مسعفون من جمعية «الهلال الأحمر الفلسطيني» ومتطوعون في الفريق الوطني للاستجابة للكوارث (أ.ب)
مسعفون من جمعية «الهلال الأحمر الفلسطيني» ومتطوعون في الفريق الوطني للاستجابة للكوارث (أ.ب)

أعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، الجمعة، أن عدد عمال الإغاثة والرعاية الصحية والتوصيل وآخرين من العاملين في المجال الإنساني، الذين قُتلوا في 2024 أعلى من أي عام آخر، بحسب «أسوشييتد برس».

وقال المكتب إن إراقة الدماء في الشرق الأوسط كانت أكبر سبب لحالات الوفاة البالغة 281 بين العاملين في المجال الإنساني على مستوى العالم هذا العام.

وأضاف المتحدث باسم المكتب ينس لاركه: «حتى قبل انتهاء العام، أصبحت 2024 السنة الأكثر فتكاً التي يجري تسجيلها للعاملين في المجال الإنساني حول العالم».

وأوضح للصحافيين في جنيف أن الرقم تجاوز الرقم القياسي السابق البالغ 280 وفاة للعام بأكمله في 2023.

وتابع أن العاملين في المجال الإنساني «يعملون بكل شجاعة وإيثار في أماكن مثل غزة والسودان ولبنان وأوكرانيا... إلى آخره، ويظهرون أفضل ما يمكن أن تقدمه الإنسانية، ويُقتلون في المقابل بأرقام قياسية».

وقالت الأمم المتحدة إن الأرقام تأتي من «قاعدة بيانات أمن عمال الإغاثة»، وهو مشروع بتمويل أميركي تديره منظمة تسمى «هيومنيتاريان أوتكامز»، ومقره بريطانيا.

ومن بين الـ268 فرداً من عمال الإغاثة الذين قُتلوا - بما في ذلك من منظمات لا تتبع الأمم المتحدة مثل «الصليب الأحمر» و«الهلال الأحمر»- هم من الطاقم الوطني، بينما 13 من الطاقم الدولي.

وأظهرت قاعدة البيانات، الجمعة، أن نحو 230 من عمال الإغاثة قُتلوا في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولم توضح ما إذا كان ذلك في غزة أم في الضفة الغربية.

وقال لاركه إن التهديدات لعمال الإغاثة «تمتد لما وراء غزة، حيث توجد مستويات مرتفعة من العنف والإصابات نتيجة عمليات الخطف والمضايقات والاحتجاز التعسفي» في أفغانستان والكونغو ودولة جنوب السودان والسودان وأوكرانيا واليمن وأماكن أخرى.

وأشار مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إلى أن إجمالي 333 من عمال الإغاثة قُتلوا منذ اندلاع الحرب الجارية حالياً بين إسرائيل و«حماس»، في السابع من أكتوبر (تشرين الأول).