تعادل هاريس وترمب يدفعهما إلى القتال على كل صوت

انقسامات حادة في الولايات المتأرجحة… والاقتصاد لا يزال العامل الأول

الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب ونائبة الرئيس كامالا هاريس في صورة مركَّبة (رويترز)
الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب ونائبة الرئيس كامالا هاريس في صورة مركَّبة (رويترز)
TT

تعادل هاريس وترمب يدفعهما إلى القتال على كل صوت

الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب ونائبة الرئيس كامالا هاريس في صورة مركَّبة (رويترز)
الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب ونائبة الرئيس كامالا هاريس في صورة مركَّبة (رويترز)

دلَّ أحدث الاستطلاعات الخاصة بالانتخابات الأميركية، قبل أسبوعين فقط من إجرائها، على أن المرشحة الديمقراطية نائبة الرئيس، كامالا هاريس، ومنافسها الجمهوري الرئيس السابق، دونالد ترمب، متعادلان تقريباً في الولايات السبع المتأرجحة، مما يدفع كل منهما إلى القتال على أي صوت غير محسوم حتى الآن للفوز بالسباق إلى البيت الأبيض، علماً أن الناخبين الأميركيين لا يزالون منقسمين أيضاً حول من يفضلون من المرشحين للتعامل مع القضايا الاقتصادية الرئيسية في البلاد.

وأظهر استطلاع أجرته صحيفة «واشنطن بوست» وجامعة «شار» لأكثر من خمسة آلاف ناخب مسجلين في الولايات السبع الحاسمة: أريزونا وبنسلفانيا وجورجيا وميشيغان وويسكونسن ونورث كارولاينا ونيفادا، أن 47 في المائة يقولون إنهم سيدعمون هاريس بالتأكيد أو ربما، مقابل 47 في المائة يقولون إنهم سيدعمون ترمب بالتأكيد أو ربما. وبين الناخبين المحتملين، تحظى هاريس بـ49 في المائة مقابل 48 في المائة لترمب.

وبذلك، لم يتغير دعم ترمب كثيراً عن نسبة الـ48 في المائة التي حصل عليها في استطلاع أُجري في الربيع لست ولايات رئيسية باستخدام المنهجية ذاتها، لكنَّ مكانة هاريس أعلى بست نقاط مئوية من نسبة الـ41 في المائة المسجلة للرئيس جو بايدن، عندما كان مرشحاً آنذاك.

وبالإضافة إلى الناخبين في الولايات المتأرجحة بشكل عام، يركز استطلاع «واشنطن بوست» مع جامعة «شار» على مجموعة كبيرة من الناخبين المسجلين الذين لم يلتزموا بقوة بأي مرشح والذين يُترك سجل تصويتهم مفتوحاً خلال انتخابات هذا الخريف. ولذلك، يُنظر إلى هؤلاء بوصفهم «صانعي القرار» لأنهم يمكن أن يقرروا الفوز بالولايات المتأرجحة أو خسارتها بأضيق هامش.

تقارب وتفاوت

نائبة الرئيس كامالا هاريس لدى مفاجأتها بزينة لعيد ميلادها الستين على متن الطائرة الرئاسية «إير فورس تو» في جورجيا (أ.ب)

وتُظهر النتائج الجديدة تغييرات بين هذه المجموعة من الناخبين مقارنةً بالاستطلاع الأول الذي أُجري في الربيع الماضي. ويقول نحو ثلاثة أرباع الناخبين في الولايات المتأرجحة إنهم سيصوِّتون بالتأكيد لصالح هاريس أو ترمب (74 في المائة). وهذا أعلى من 58 في المائة الذين التزموا بايدن أو ترمب هذا الربيع. وانخفضت النسبة المئوية لغير الملتزمين من 42 في المائة إلى 26 في المائة على مدى الأشهر الخمسة الماضية. وبين الناخبين المحتملين، وجد أحدث استطلاع أن 21 في المائة أصغر يقولون إنهم غير ملتزمين تماماً هاريس أو ترمب.

وتبيَّن أن ترمب هو الأقوى في أريزونا، إذ يتمتع بميزة ست نقاط مئوية بين الناخبين المسجلين. وتنكمش هذه النسبة إلى ثلاث نقاط بين الناخبين المحتملين. وينخفض ​​تفوقه بأربع نقاط في نورث كارولاينا بين الناخبين المسجلين إلى ثلاث نقاط بين الناخبين المحتملين.

في المقابل، تتمتع هاريس بأقوى ميزة في جورجيا، حيث تحظى بميزة ست نقاط مئوية بين الناخبين المسجلين وأربع نقاط بين الناخبين المحتملين، وهو ضمن هامش الخطأ زائد أو ناقص 4.5 نقطة مئوية. كما أن هاريس أقوى قليلاً من ترمب في الولايات الشمالية الثلاث الأكثر تنافساً: ميشيغان وبنسلفانيا وويسكونسن، ولكن بنسب ضمن هامش الخطأ.

أما نيفادا، فهي متعادلة بين الناخبين المحتملين رغم أن هاريس أقوى بثلاث نقاط من ترمب بين الناخبين المسجلين.

الاقتصاد أولاً

وفي استطلاع آخر أجرته وكالة «أسوشييتد برس» ومركز «نورك» لأبحاث الشؤون العامة، وصفت غالبية الناخبين المسجلين الاقتصاد بأنه ضعيف، بينما قال نحو 7 من كل 10 أميركيين إن بلادهم تسير في الاتجاه الخاطئ. لكنّ النتائج تؤكد أن ترمب خسر ما كان يمثل ميزة له في الاقتصاد، الذي يؤكد كثيرون من الناخبين أنه القضية الأكثر أهمية في الانتخابات، متفوقاً على الإجهاض والهجرة والجريمة والشؤون الخارجية.

كان استطلاع سابق أجرته المؤسستان في سبتمبر (أيلول) الماضي قد أفاد بأن لا هاريس ولا ترمب يتمتعان بميزة واضحة في التعامل مع «الاقتصاد والوظائف».

الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب يرقص بختام حملة انتخابية في بنسلفانيا (إ.ب.أ)

لكنّ الاستطلاع الجديد طرح أسئلة أكثر تحديداً حول ما إذا كان الناخبون يثقون بترمب أو هاريس للقيام بعمل أفضل في التعامل مع تكلفة الإسكان والوظائف والبطالة والضرائب على الطبقة المتوسطة وتكلفة البقالة والبنزين والتعريفات الجمركية. وتبين أن 46 في المائة يفضلون هاريس في ضرائب الطبقة المتوسطة، مقارنةً بـ35 في المائة لترمب. وتتمتع هاريس بميزة طفيفة في تكلفة الإسكان، بينما ينقسم الناخبون بالتساوي تقريباً حول ما إذا كان ترمب أو هاريس أفضل في أسعار الضروريات اليومية مثل البقالة والبنزين. ولا يتمتع أي من المرشحين بميزة في الوظائف والبطالة. ولكنّ الناخبين يفضلون ترمب قليلاً في التعريفات الجمركية، التي تُعرّف بأنها ضرائب على السلع المستوردة.

وينظر الناخبون إلى هاريس بشكل أكثر إيجابية من ترمب، إذ قدم نحو نصف الناخبين رأياً «إيجابياً للغاية» في هاريس، فيما عبّر 46 في المائة عن رأي سلبي. وفي الوقت نفسه، قال نحو 4 من كل 10 ناخبين إن لديهم وجهة نظر إيجابية في ترمب مقابل 6 من كل 10 لديهم وجهة نظر غير مواتية. وجاءت تقييمات تأييد ترمب متسقة على غرار المواقف المعلنة في الأشهر القليلة الماضية، حتى بعد محاولتَي الاغتيال اللتين تعرض لهما وإدانته الجنائية.

وبالمقارنة مع الشهر الماضي، كانت آراء المرشحين مستقرة بين الناخبين السود واللاتينيين، وكذلك بين الرجال والنساء. وجاءت آراء السود عن هاريس إيجابية بشكل ساحق، إذ عبَّر نحو ثلاثة أرباع مَن شملهم الاستطلاع عن وجهة نظر إيجابية، مقابل آراء سلبية عن ترمب. كما ينظر الناخبون من أصل إسباني إلى هاريس بشكل أكثر إيجابية من ترمب، رغم أن الفجوة أضيق: فنحو 6 من كل 10 ناخبين من أصل إسباني لديهم وجهة نظر إيجابية في هاريس ونحو 4 من كل 10 لديهم وجهة نظر إيجابية في ترمب.

نائبة الرئيس كامالا هاريس تتحدث في كنيسة بجورجيا (أ.ف.ب)

هوَّة بين الجنسين

ويُظهر الاستطلاع أيضاً فجوة بين الجنسين. ويوجد انطباع إيجابي عن هاريس لدى نحو نصف الناخبات، بينما ينظر الثلث فقط بشكل إيجابي إلى ترمب. وبين الرجال، هناك رأي إيجابي في هاريس لدى نحو النصف، مقابل نسبة مماثلة عن ترمب.

وتبين أن الناخبين متشائمون بشأن الاقتصاد والاتجاه العام للبلاد. ويصف نحو نصف الناخبين اقتصاد الولايات المتحدة بأنه «سيئ للغاية» أو إلى حد ما، علماً أن الجمهوريين والمستقلين أكثر ميلاً من الديمقراطيين للتعبير عن هذا الرأي. ومع ذلك، هناك علامات متواضعة على التحسن، مقارنةً باستطلاع مماثل أُجري في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، عندما عبَّر نحو 7 من كل 10 بالغين في الولايات المتحدة عن اعتقادهم أن اقتصاد الولايات المتحدة في حال سيئة. وكان الرقم أسوأ عام 2022، عندما وصف نحو 8 من كل 10 أميركيين الاقتصاد بأنه سيئ.

كما يقول نحو ثلثي الناخبين إن البلاد تسير في الاتجاه الخاطئ. وكان التشاؤم ثابتاً إلى حدٍّ ما على مدار السنوات الثلاث الماضية.

وبشكل عام، يسلط الاستطلاع الجديد الضوء على علامات المتاعب لكلا المرشحَين في أثناء عملهما على تجميع ائتلافات فائزة. فالناخبون الأصغر سناً أكثر تشاؤماً بشأن صحة الاقتصاد من الناخبين الأكبر سناً، وهذا ليس خبراً جيداً لهاريس، التي اعتمد حزبها منذ فترة طويلة على الدعم القوي من الناخبين من ذوي البشرة الملونة والشباب.

ولا تثق نسبة كبيرة من الناخبين الأصغر سناً -نحو ربعهم في كلتا القضيتين- بأيٍّ من المرشحين أو بكليهما على قدم المساواة. وتظل الهجرة هي القضية الأقوى لترمب. ويقول 45 في المائة من الناخبين إنه المرشح الأفضل للتعامل مع قضايا الهجرة، مقارنةً بنحو 4 من كل 10 يفضلون هاريس. ويثق نحو نصف الناخبين البيض بترمب أكثر في قضية الهجرة، بينما يقول نحو ثلثهم نفس الشيء عن هاريس.


مقالات ذات صلة

ترمب يقتحم نيويورك «الزرقاء»... وهاريس تلاحق أصوات الشباب

الولايات المتحدة​ ترمب وزوجته ميلانيا خلال التجمع الانتخابي في نيويورك الأحد (أ.ف.ب)

ترمب يقتحم نيويورك «الزرقاء»... وهاريس تلاحق أصوات الشباب

مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية المقررة في الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، يخوض المرشح الجمهوري الرئيس السابق، دونالد ترمب، ومنافسته

هبة القدسي (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي جو بايدن بعد إدلائه على نحو مبكر بصوته في الانتخابات الرئاسية الأميركية (أ.ف.ب)

بايدن يندّد بنشر قوات كورية شمالية في روسيا ويصفه بأنه «خطير جداً»

قال الرئيس الأميركي جو بايدن، اليوم الاثنين، إن إرسال كوريا الشمالية آلاف الجنود إلى روسيا يشكّل تطوراً خطيراً.

«الشرق الأوسط» (ويلمنغتون (الولايات المتحدة))
الولايات المتحدة​ المحكمة الأميركية العليا في العاصمة واشنطن (رويترز)

ولاية فرجينيا تطلب من المحكمة الأميركية العليا حذف 1600 ناخب من قوائمها

طلبت ولاية فرجينيا، الاثنين، من المحكمة الأميركية العليا التدخل للسماح للولاية بحذف نحو 1600 ناخب من قوائمها، لأنها تعتقد أنهم من غير مواطنيها.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ لافتة تدعم الرئيس الأميركي السابق والمرشح الرئاسي الجمهوري دونالد ترمب (أ.ف.ب)

الجمهوريون يسعون لكسب أصوات مسيحيي «الآميش» في بنسلفانيا المتأرجحة

يسعى الحزب الجمهوري إلى جذب أصوات طائفة «الآميش» المسيحية في ولاية بنسلفانيا المتأرجحة في الانتخابات المقبلة، رغم أن «الآميش» نادراً ما يدلون بأصواتهم.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ دونالد ترمب يلقي كلمة في سوانانوا بنورث كارولاينا حول الأضرار التي أصابت الولاية منتقداً الاستجابة الفيدرالية لإدارة بايدن وهاريس لإعصار «هيلين» (أ.ب)

ما توقعات الخبراء لو خسر ترمب الانتخابات؟

ينصب الجزء الأكبر من تركيز العالم خلال انتخابات 2024 في الولايات المتحدة على الوضع في حال فاز دونالد ترمب.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

السياسة الخارجية في عهدة ترمب... هز الثوابت في العالم مجدداً؟

تمثال ذهبي لترمب على هيئة بطل خارق خلال تجمع لأنصاره بفلوريدا في 27 أكتوبر 2024 (رويترز)
تمثال ذهبي لترمب على هيئة بطل خارق خلال تجمع لأنصاره بفلوريدا في 27 أكتوبر 2024 (رويترز)
TT

السياسة الخارجية في عهدة ترمب... هز الثوابت في العالم مجدداً؟

تمثال ذهبي لترمب على هيئة بطل خارق خلال تجمع لأنصاره بفلوريدا في 27 أكتوبر 2024 (رويترز)
تمثال ذهبي لترمب على هيئة بطل خارق خلال تجمع لأنصاره بفلوريدا في 27 أكتوبر 2024 (رويترز)

يتفق الجمهوريون والديمقراطيون في الكونغرس على خطوط عريضة للسياسة الخارجية الأميركية والتحديات الخارجية، فهناك إجماع في قضايا أساسية مثل دعم إسرائيل وأوكرانيا وتايوان ومواجهة الصين وروسيا، والإبقاء على التحالفات مع الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو. وقد يختلفون في تطبيق بعض السياسات الخارجية والتوجهات، لكنَّ الثوابت لا يتم التراجع عنها.

وفي ظل السباق الرئاسي المتقارب، واحتمالات فوز الرئيس السابق والمرشح الجمهوري دونالد ترمب بالانتخابات، فإن المخاوف تزداد من قدرته على هز الثوابت والقواعد في السياسة الخارجية الأميركية. ويَعِد ترمب باستعادة السلام في عالم أصبح أكثر عنفاً وفوضى، وعلى مشارف حرب عالمية ثالثة، وبأنه وحده القادر على منع اشتعالها.

صورة أرشيفية لمصافحةٍ بين الرئيسين الأميركي السابق دونالد ترمب والروسي فلاديمير بوتين (رويترز)

وهناك تساؤلات كثيرة حول مسارات السياسة الخارجية لترمب إذا فاز بالانتخابات وعاد مرة أخرى إلى البيت الأبيض، وما إذا كانت ولايته الثانية ستحمل نفس سمات وبصمات ولايته الأولى، وهل سيواصل سياسة «أميركا أولاً» التي كانت خروجاً واضحاً عن كل سياسات الإدارات الديمقراطية والجمهورية السابقة؟

الحرب بين روسيا وأوكرانيا

كرر ترمب مراراً تصريحاته بأنه يستطيع إنهاء هذه الحرب خلال 24 ساعة، ولم يقدم تفاصيل كثيرة. لكن تصوره لإنهاء الحرب بشكل سريع يتضمن تنازل أوكرانيا عن جزء من أراضيها لروسيا تحت تهديد فقدان الدعم العسكري الأميركي. وهناك دلائل كثيرة على العلاقة الدافئة التي تربط ترمب بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حتى إن ترمب ألقى باللوم على الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في غزو بوتين لبلاده عام 2022. ويصف ترمب الرئيس الروسي بانه «عبقري» ورجل «ذكي».

الرئيس الأوكراني زيلينسكي خلال لقائه ترمب في نيويورك 27 سبتمبر 2024 (أ.ب)

وقدمت إدارة بايدن حزماً متوالية من الأسلحة والذخائر والمساعدات الأمنية والاقتصادية لأوكرانيا، وشجعت أعضاء في حلف «الناتو» على تقديم مساعدات مماثلة. وقد أثار ترمب كثيراً من الانتقادات حول المبالغ الكبيرة التي دفعتها الولايات المتحدة لأوكرانيا، ووصف الرئيس الأوكراني بأنه «بائع جيد» يحصد الملايين كلما زار واشنطن. ومن المتوقع أن يوقف الرئيس ترمب هذه المساعدات.

وصرح ترمب بأنه سيعيد تقييم حلف شمال الأطلسي (ناتو)، وسيعيد تشكيل التجارة العالمية، وسيقوم بإصلاح البنتاغون ووزارة الخارجية وأجهزة الاستخبارات، كما وعد بالانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ مرة أخرى.

حلف الناتو

تصدر ترمب عناوين الصحف داخل الولايات المتحدة وخارجها، حينما صرح بأنه إذا غزت روسيا دولة أوروبية فإن الولايات المتحدة لن تدافع عنها، ولن تشارك في الإنفاق على حلف شمال الأطلسي، وقال: «لا، لن أحميكم، وفي الواقع سأشجعهم (الروس) على فعل أي شي يريدونه»، وأضاف موجهاً حديثه إلى دول الحلف: «عليكم أن تدفعوا فواتيركم».

الرئيسان الأميركي السابق دونالد ترمب مع الصيني شي جينبينغ (أرشيفية - رويترز)

هذه التصريحات أثارت مخاوف واسعة داخل الحلف الأطلسي، الذي تأسس على أنه حلف دفاعي لمواجهة تهديدات الغزو السوفياتي في أثناء الحرب الباردة، وكانت هذه التصريحات بمثابة طلقة تحذيرية دفعت الدول في الحلف إلى اتخاذ خطوات احترازية واسعة استعداداً لاحتمالية عودة ترمب إلى سدة الحكم، وعدم الثقة فيما يمكن أن يتخذه من خطوات.

وبالنظر إلى ولايته السابقة في البيت الأبيض، فإن ترمب هدد مراراً وتكراراً بالتخلي عن التحالف، وأعرب عن معارضته لبند الدفاع الجماعي، واتهم دول الناتو بأنها تستغل الولايات المتحدة مالياً، ولا تفي بشرط إنفاق 2 في المائة من الناتج المحلي للدول الأعضاء على الدفاع. ولذا فمن المحتمل أن يستمر ترمب في هذه السياسة الانعزالية والمعادية للحلف.

ومع تغير المشهد السياسي، مع انتخابات برلمانية أوروبية أدت إلى صعود أحزاب اليمين المتطرف، فإن الخبراء يتخوفون من أن يؤدي انتخاب ترمب إلى تأجيج هذه الانقسامات.

يرى برايان لانزا، مستشار ترمب السابق وأحد أعضاء حملته الانتخابية حالياً، أن الانتقادات الحالية تأتي من مجموعة تخشى التغيير «لأن ترمب يريد أن يتحدى ويضغط على أعضاء الناتو لزيادة مساهماتهم الدفاعية، وهذا أمر جيد».

في المقابل، أشار السفير الأميركي السابق لدى الناتو، إيفو دالدر، إلى أن ترمب يقلل من التحالف الذي دام لأكثر من 75 عاماً، وأنه ينظر إلى جيش الولايات المتحدة على أنه جيش للإيجار، ولمن يدفع الفاتورة المالية، وليس بوصفه تحالفاً أساسياً لحماية أمن الولايات المتحدة.

وبنفس المنهجية الانعزالية تجاه التحالفات الدولية، يتخذ ترمب يتخذ موقفاً معادياً ضد المحكمة الجنائية الدولية والأمم المتحدة ومنظمة التجارة العالمية، وانتقد مراراً تلك المؤسسات.

صورة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يصفق فيما يدلي هو وترمب بتصريحات مشتركة حول مقترح خطة السلام بالشرق الأوسط 28 يناير 2020 (رويترز)

الصين

سعى ترمب خلال ولايته الأولى إلى مواجهة الصين، واتهمها بممارسة انتهاكات اقتصادية، وسرقة الملكية الفكرية والتلاعب بالعملة والتجسس الاقتصادي، وشنَّ حرباً تجارية عليها، وفرض تعريفات جمركية عالية على السلع الصينية، وتوعَّد بمضاعفة هذه التعريفات ثلاث مرات إذا أُعيد انتخابه، وقال إنه سيلغي الوضع التفضيلي للصين (وضع تجاري منحته الولايات المتحدة للصين حينما انضمّت إلى منظمة التجارة العالمية عام 2001)، وأكد أنه سيتبنى خطة لمدة أربع سنوات للتخلص التدريجي من الواردات الصينية من السلع الأساسية، كما وعد بتقييد الاستثمار الصيني في العقارات والصناعات الأميركية، والتصدي لمحاولات الصين التقدم في مجال التكنولوجيا المتقدمة، ووضع قيود على أشباه الموصلات ومعدات تصنيع الرقائق، لمنع الصين من الحصول على هذه التقنيات. وقد وصف هذا النهج ضد الصين بـ«العين بالعين، والتعريفة الجمركية مقابل التعريفة الجمركية».

ويتخوف الخبراء من احتمالات اشتعال حرب تجارية مع الصين خلال ولاية ترمب الثانية، قد تتسبب في ارتفاع الأسعار والدخول في مرحلة ركود اقتصادي.

وينتقد ترمب النظام التجاري العالمي، ويعده مسؤولاً عن العجز التجاري الأميركي الكبير وتراجع التصنيع الأميركي ونقل الوظائف الأميركية إلى الخارج. ويَعِد ترمب في حملته الانتخابية بفرض تعريفات على السيارات المستوردة من المكسيك بنسبة 100 في المائة لحماية صناعة السيارات الأميركية.

واحدة من أنصار الرئيس الأميركي السابق مرتديةً شعار «يهود من أجل ترمب» في فعالية بواشنطن يوم 19 سبتمبر 2024 (أ.ب)

أما الأطماع الصينية المتعلقة بتايوان، فإن ترمب يرى أنه على تايوان دفع مزيد من الأموال مقابل الحصول على الأسلحة الأميركية والحماية الأميركية في مضيق تايوان.

الشرق الأوسط

رسم الرئيس ترمب نهجه تجاه منطقة الشرق الأوسط، من خلال الدعم القوي لإسرائيل والعلاقات القوية مع المملكة العربية السعودية، والعداء وممارسة أقصى الضغوط تجاه إيران، واتباع سياسات مشددة في منع طهران من امتلاك سلاح نووي. وخلال فترة ولايته السابقة وصف ترمب إيران بأنها الدولة الرائدة في رعاية الإرهاب، وانسحب من الاتفاق النووي عام 2018، وأعاد فرض عقوبات اقتصادية واسعة ضد إيران، كما صنف جماعة الحوثيين المدعومة من إيران منظمةً إرهابية أجنبية. ويتوقع الخبراء أن يستعيد ترمب سياسات الضغوط القصوى ضد إيران مرة أخرى إذا فاز بالانتخابات.

ويتفاخر ترمب بنجاحه في هزيمة الجماعات الإرهابية مثل «داعش» في العراق، وقتل الجنرال قاسم سليماني قائد «الحرس الثوري» الإيراني.

ترمب خلال مشاركته بتجمّع انتخابي في آشفيل بنورث كارولاينا 14 أغسطس 2024 (أ.ف.ب)

ويصف ترمب إسرائيل بأنها حليف قوي ومهم للولايات المتحدة، ويتفاخر بمكالماته الهاتفية شبه اليومية مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وانتقد مراراً إدارة بايدن في محاولتها كبح جماح نتنياهو، رغم كل ما قدمته إدارة بايدن من مساندة عسكرية وسياسية ودبلوماسية لحكومة تل أبيب.

وحينما شنت إسرائيل الحرب ضد قطاع غزة، أعلن ترمب وقوفه إلى جانب إسرائيل، وتفاخر بما حققه في ولايته الأولى من الاعتراف رسمياً بالقدس عاصمةً لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية إليها والاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان، مطالباً الأميركيين اليهود بالتصويت له.

ولا يُبدي ترمب اهتماماً بالقضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني، ولا يبالي بحل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية، مما يدفع خبراء منطقة الشرق الأوسط إلى التخوف من أنه قد يطلق يد نتنياهو في أن يفعل ما يشاء من دون وضع ضغوط أو قيود عليه، وسيمنح إسرائيل مزيداً من المساعدات العسكرية الأميركية. ولا يُخفي ترمب دعمه لإسرائيل في مخططاتها للتخلص من «حماس» في قطاع غزة و«حزب الله» في لبنان.

ورغم هذا الموقف، فإن ترمب يُعد عرَّاب «اتفاقيات أبراهام» وعقد سلسلة من صفقات التطبيع بين إسرائيل وبعض الدول العربية، وهو يَعِد بإبرام مزيد من هذه الاتفاقات، إذا عاد إلى البيت الأبيض، ويروِّج لقدرته على إبرام صفقات وبيع أسلحة أميركية لدول شرق أوسطية بمليارات الدولارات.