ترمب يكثّف التحدّيات القانونية في الانتخابات الأميركية

التقاضي لتحديد اسم الفائز «منعطف مشؤوم» في أعرق الديمقراطيات عالمياً

TT

ترمب يكثّف التحدّيات القانونية في الانتخابات الأميركية

ناخب يدلي بصوته مبكّراً في فيرفيو بنورث كارولاينا 18 أكتوبر (أ.ف.ب)
ناخب يدلي بصوته مبكّراً في فيرفيو بنورث كارولاينا 18 أكتوبر (أ.ف.ب)

لا يفوّت المرشح الجمهوري للانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة الرئيس السابق دونالد ترمب مناسبة إلا ويؤكد أنه «لن يخسر إلا بعملية تزوير» لمصلحة منافسته الديمقراطية نائبة الرئيس كامالا هاريس، مُعيداً إلى الأذهان كيف أمضى أشهراً خلال عام 2020 ومطلع عام 2021 ساعياً بكل السبل -ولكن من دون جدوى- إلى إحباط فوز خصمه الديمقراطي جو بايدن في سباقهما إلى البيت الأبيض.

وقد فعل ترمب ذلك عام 2016 في سياق حملته الانتخابية، ولكن قبل إعلان فوزه على منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون.

مفارقة في الأرقام

وبعد خسارته أمام بايدن، وفقاً لتأكيدات وزارتي العدل والأمن الداخلي في عهده، شنّ ترمب حملة لا هوادة فيها لعكس فوز بايدن بأكثرية 306 من إجمالي الأصوات البالغة 538 في المجمع الانتخابي، مقابل 232 لترمب، الذي استخدم كلمة «مزوّرة» عشرات المرات في تغريداته عبر منصة «تويتر» للتواصل الاجتماعي، التي تغيّر اسمها إلى «إكس» لاحقاً، ومنصته الخاصة «تروث سوشيال»، فضلاً عن تصريحات في مناسبات عامة وخاصة.

وكانت المفارقة أن ترمب حصل عام 2016 على 306 أصوات مقابل 232 لكلينتون، علماً بأنه فاز بخمس من الولايات الست المتأرجحة: أريزونا، وجورجيا، وميشيغان، وبنسلفانيا، وويسكونسن. في حين فازت كلينتون في نيفادا. أما بايدن فقد فاز في كل هذه الولايات من دون استثناء. أدّت النتائج المتقاربة في الاستطلاعات لانتخابات عام 2024 إلى ضمّ نورث كارولاينا إلى الولايات المتأرجحة في السباق بين هاريس وترمب.

ويحاول ترمب الآن تحدّي الأنظمة الانتخابية المُكرّسة منذ عقود في الولايات المتحدة، مؤكداً أنه لن يعترف بالنتائج «إلا إذا كانت نزيهة».

وأثار الرئيس السابق، وأنصاره، سجالات تتعلّق بكيفية احتساب الأصوات في جورجيا، وأين يمكن لناخبي ويسكونسن الإدلاء بأصواتهم غيابياً إذا أرادوا ذلك، وما بطاقة التعريف التي يمكن للطلاب إظهارها في صناديق الاقتراع في نورث كارولاينا. ووفقاً لموقع «بلومبرغ» الإخباري، بلغ عدد التحديات القانونية حول طرق التصويت حتى الآن أكثر من 165 قضية، أكثرها في الولايات المتأرجحة، ولكن بعضها الآخر في 30 ولاية أخرى، أبرزها: أوهايو، وألاباما، وكاليفورنيا، ومينيسوتا، ومونتانا، ونيوهامشير، ونيويورك، وغيرها.

الرئيس السابق دونالد ترمب في ديترويت بميشيغان 18 أكتوبر (أ.ف.ب)

إن مجرد اللجوء إلى القضاء لمعرفة من سيفوز بالبيت الأبيض يُعدّ «مُنعطفاً مشؤوماً» لأقدم ديمقراطية في العالم. وعلى الرغم من أن الدول تشهد أحياناً سجالات قانونية ودعاوى بين المنافسين لتحديد الفائز في الانتخابات، فإن ترمب فرض عملياً «تطبيع» التحديات القانونية لأي انتخابات يكون هو طرفاً فيها.

ووسط سجال قانوني بدأ بالفعل منذ أسابيع حول قرار الجمهوريين في جورجيا إجبار العاملين في كل مراكز الاقتراع في الولاية على فرز الأصوات يدوياً للتحقق من تطابق عدد أوراق الانتخابات مع عدد الناخبين، عاد شبح فرز النتائج يدوياً مرتين عام 2020، استجابةً لتحديات ترمب. ولكن إعادة الفرز أكدت فوز بايدن في الولاية. وكذلك أجرت ويسكونسن إعادة فرز واحدة لتأكيد فوز بايدن.

دعاوى قضائية

لافتة تعلن موعد الانتخابات المبكرة في نورث كارولاينا (أ.ف.ب)

لم يكتفِ ترمب بمجرد الكلام عن التزوير عام 2020، فقد رفع هو ومحاموه وحلفاؤه 62 دعوى قضائية أمام المحاكم الفيدرالية ومحاكم الولايات، مُدّعين تكراراً حصول تزوير انتخابي. لكن 61 من هذه الدعاوى فشلت تماماً أمام قضاة مُعيّنين من الديمقراطيين والجمهوريين على حدّ سواء، علماً بأن بينهم قضاة فيدراليين عيّنهم ترمب نفسه. ورفضت المحاكم العليا في كل من أريزونا ونيفادا، أو امتنعت، عن الاستماع إلى استئنافات ترمب لإلغاء النتائج في هاتين الولايتين، في حين رفضت محكمتا بنسلفانيا وميشيغان دعاوى متعددة.

ونظّم الجمهوريون احتجاجات في كثير من الولايات، بما في ذلك واشنطن العاصمة، محاولين إقناع الهيئات التشريعية باتخاذ إجراءات لتغيير النتائج المعلنة. وعقدوا جلسات استماع على مستوى الولايات. وقدّم 13 سيناتوراً من الجمهوريين في مجلس الشيوخ، وأكثر من 100 من النواب الجمهوريين للاعتراض على المصادقة على فوز بايدن، قبل حتى أن يجتمع «الكونغرس» في جلسته المشتركة للقيام بهذه المهمة التقليدية.

وبعد ظهور النتائج، رفض قاضٍ فيدرالي عيّنه ترمب في تكساس دعوى من نائب جمهوري ادّعى أن نائب الرئيس مايك بنس لديه السلطة لتحديد أصوات الهيئات الناخبة في الولايات. وكذلك رفض قاضٍ فيدرالي آخر دعوى رفعها ناخبون في ويسكونسن، وبنسلفانيا، وجورجيا، وميشيغان، وأريزونا تدّعي أن المجالس التشريعية في الولايات يمكن أن تجتمع للمصادقة على الأصوات.

أما النصر الوحيد لفريق ترمب فكان صغيراً. وتمثّل بقرار قاضٍ في بنسلفانيا حكم بأن الناخبين لا يمكنهم العودة و«إصلاح» بطاقات اقتراعهم إذا فشلوا في تقديم هوياتهم الصحيحة بعد ثلاثة أيام من الانتخابات. وأثّر الحكم في عدد قليل من الأصوات، ولم يُغيّر النتيجة في الولاية التي فاز بها بايدن بأكثرية 81660 صوتاً. ورفضت محكمة بنسلفانيا العليا، في حكم من جملة واحدة، طلباً للجمهوريين من أجل إلغاء فوز بايدن. كذلك، رفضت محكمة تكساس العليا السماح للولاية بالطعن في نتائج الانتخابات في أربع ولايات خسرها ترمب.

المحكمة العليا الأميركية في واشنطن العاصمة (رويترز)

ويعتزم ترمب مواصلة نهج التحديات القانونية في انتخابات 2024، إذ تُنذر قضية فرز الأصوات يدوياً في جورجيا بطرح علامات استفهام حول المبادئ الأساسية لمن يمكنه التصويت، وكيف يمكن الإدلاء بالأصوات، وأي الأصوات تُحتسب، وكيف يُحدّد اسم الفائز. وتصُبّ هذه المسائل مزيداً من الزيت على العاصفة النارية المتوقعة بعد التصويت في انتخابات 5 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

ما يحصل هذه الأيام يُعيد إلى الأذهان أيضاً الخلاف الذي حصل عام 2000 بشأن الأصوات الانتخابية في فلوريدا، مما أوصل الأمر إلى المحكمة العليا الأميركية التي حسمت القضية لمصلحة الرئيس جورج بوش الابن ضد منافسه الديمقراطي آل غور.

استراتيجية الجمهوريين

ناخبون يصطفون للإدلاء بأصواتهم مبكّراً في جورجيا 16 أكتوبر (رويترز)

قبل وقت طويل من سباق هذا العام، أطلقت اللجنة الوطنية الجمهورية ما وصفته بأنه «استراتيجية قانونية شاملة ولا سابق لها»، من أجل تحدي حكومات الولايات والسلطات المحلية التي «فشلت في بذل ما يكفي من الجهد للحماية من التصويت غير القانوني». وأكد ترمب أنه يراقب كل الملفات، منتقداً جهود وزارة العدل لإعادة الناخبين الذين جرى استبعادهم أخيراً من صناديق الاقتراع في فرجينيا.

وعلى الرغم من أن الحزب الجمهوري خسر بعض معاركه القانونية في شأن بطاقات الاقتراع الغيابية المتأخرة في نيفادا وميسيسيبي واستخدام صناديق في ويسكونسن، فإنه فاز بأمر يحد من خيارات هوية الناخب لطلاب الكليات في نورث كارولاينا. وانضمّت اللجنة الوطنية الديمقراطية إلى حملة فاشلة لإحصاء بطاقات الاقتراع البريدية غير المؤرخة في بنسلفانيا، لكنها دعّمت دفاع ويسكونسن الناجح عن قواعدها الخاصة ببطاقات الاقتراع الغيابية المطلوبة عبر الإنترنت.

ويجادل مسؤولو الانتخابات، بمختلف انتماءاتهم السياسية، أن الادعاءات التي لا أساس لها من سوء الإدارة والاحتيال على الناخبين -التي وجد الباحثون أنها نادرة- هي الضربة الأكبر لنزاهة الانتخابات في الولايات المتحدة.


مقالات ذات صلة

ترمب ينتقد محاولة بايدن «كبح» نتنياهو

الولايات المتحدة​ 
ترمب في تجمّع انتخابي بديترويت يوم 18 أكتوبر (أ.ف.ب)

ترمب ينتقد محاولة بايدن «كبح» نتنياهو

هاجم المرشح الجمهوري لرئاسة الولايات المتحدة، دونالد ترمب، الرئيس جو بايدن لمحاولته «كبح» رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، خلال وقت الحرب. وفي حديثه للصحافيي

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ مستشار الأمن القومي الأميركي السابق إتش آر ماكماستر يتحدث في مؤتمر ميونيخ للأمن فبراير 2018 (أ.ب)

جنرالات كبار خدموا مع ترمب يحذّرون من فوزه بولاية ثانية

أشعل اقتراح الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب باستخدام الجيش الأميركي للتعامل مع «العدو في الداخل» في يوم الانتخابات المخاوف حول ما قد يطلبه من الجيش الأميركي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ ترمب مخاطباً أنصاره في ديترويت بميشيغان في 18 أكتوبر (رويترز)

هاريس تشكّك في قدرة ترمب على أداء مهام الرئاسة بسبب سنّه

أثارت كامالا هاريس، المرشحة للرئاسة الأميركية عن الحزب الديمقراطي، تساؤلات حول القدرة البدنية لمنافسها الجمهوري دونالد ترمب لأداء مهام الرئيس بفاعلية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ كامالا هاريس ودونالد ترمب (رويترز)

ترمب سيلعب دور موظف في ماكدونالدز... وهاريس تحتفل بعيد ميلادها الـ60

تعقد كامالا هاريس ودونالد ترمب تجمّعات انتخابية في نهاية الأسبوع بولايتَي بنسلفانيا وميشيغان الحاسمتين.

«الشرق الأوسط» (ديترويت (الولايات المتحدة))
الاقتصاد كيفن هاسيت المستشار الاقتصادي لترمب (أ.ب)

مستشار ترمب الاقتصادي يدافع عن الخفض الكبير في الفائدة من قبل «الفيدرالي»

دافع المرشح المحتمل لدونالد ترمب لرئاسة مجلس الاحتياطي الفيدرالي عن الخفض الكبير لأسعار الفائدة الذي أجراه البنك المركزي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

الجيش الأميركي يجري اختبارات بشأن حماية قواته من الانفجارات مع زيادة إصابات الدماغ

وزارة الدفاع الأميركية «البنتاغون» (رويترز)
وزارة الدفاع الأميركية «البنتاغون» (رويترز)
TT

الجيش الأميركي يجري اختبارات بشأن حماية قواته من الانفجارات مع زيادة إصابات الدماغ

وزارة الدفاع الأميركية «البنتاغون» (رويترز)
وزارة الدفاع الأميركية «البنتاغون» (رويترز)

هزَّ الانفجار الأرض وغطى وميض النيران المدخل فيما قامت قوات العمليات الخاصة الأميركية بتفجير باب خلال تدريب أُجري مؤخراً.

وفي محاولتهم التالية، التي أُجريت بعد لحظات من ذلك، تم كبح دوي الانفجار بشكل ملحوظ، وكانت النيران أقل قليلاً، مما يُعدّ دليلاً على إحدى التقنيات الجديدة التي تستخدمها قيادة العمليات الخاصة الأميركية للحد من الإصابات التي تلحق بالدماغ، والتي أصبحت مشكلة متنامية في الجيش.

ومن أجهزة الاختبارات الجديدة المطلوبة بشدة وأجهزة مراقبة الانفجارات إلى إعادة تشكيل شحنة متفجرة تقلل من ارتدادها على الجنود. وتعمل القيادة على تطوير وسائل لتحسين حماية المقاتلين خلال الحروب من مثل هذا الضغط الزائد الناتج عن انفجار وتقييم مخاطرها الصحية، ولا سيما خلال التدريبات.

وقال السيرجنت ميجور المتقاعد إف بولينج، وهو مسعف سابق في العمليات الخاصة، ويعمل مقاولاً الآن في القيادة: «لدينا أفراد ينتظرون التطوع في تلك الدراسات. وهذا مهم للغاية للمجتمع».

ولا تمتلك وزارة الدفاع بيانات جيدة بشأن عدد الجنود الذين لديهم مشكلات بسبب الضغط الزائد من الانفجارات، وهو الأمر الذي يصعب رصده من إصابة الدماغ الرضحية.

وهناك معلومات أفضل بشأن إصابات الدماغ الرضحية، وكانت مشكلة مستمرة بين القوات القتالية، بمن في ذلك هؤلاء الذين تعرضوا للضربات الصاروخية والانفجارات التي تقع بالقرب منهم.

وقال مركز إصابات الدماغ الرضحية التابع لوزارة الدفاع إنه جرى تشخيص أكثر من 20 ألف جندي بإصابات الدماغ الرضحية، العام الماضي. وجرى تشخيص أكثر من 500 ألف منذ عام 2000.

وقال جوش ويك، الناطق باسم البنتاغون، إن المعلومات الناجمة عن عمليات تقييم الانفجارات الحادة والتعرض المتكرر منخفض المستوى يرتبط بالآثار المعاكسة، مثل عدم القدرة على النوم وتدني الأداء المعرفي والصداع والدوار.