التصعيد في الشرق الأوسط يطغى على الانتخابات الأميركية

هاريس وترمب يبحثان عن استراتيجية جديدة لخفض التصعيد

بايدن في اتصال هاتفي مع نتنياهو في 4 أبريل 2024 (رويترز)
بايدن في اتصال هاتفي مع نتنياهو في 4 أبريل 2024 (رويترز)
TT

التصعيد في الشرق الأوسط يطغى على الانتخابات الأميركية

بايدن في اتصال هاتفي مع نتنياهو في 4 أبريل 2024 (رويترز)
بايدن في اتصال هاتفي مع نتنياهو في 4 أبريل 2024 (رويترز)

وسط تصعيد مستمر في الشرق الأوسط، واستراتيجية أميركية شبه غائبة، يرى كثيرون أن إدارة جو بايدن تأخرت في رسم سياسة واضحة في المنطقة بسبب تركيزها على ملفات أخرى داخلياً وخارجياً، في موسم انتخابات محتدم تُحسب فيه الخطوات بتأنٍّ ودقّة، خشيةً من أي انعكاسات محتملة على رأي الناخب الأميركي.

يستعرض برنامج تقرير واشنطن، وهو ثمرة تعاون بين صحيفة «الشرق الأوسط» وقناة «الشرق»، الاستراتيجية الأميركية في المنطقة، وطبيعة العلاقة الأميركية - الإسرائيلية في ظل التصعيد، وإلى أي مدى يؤثر الموسم الانتخابي في رسم استراتيجيات واضحة بهدف حل النزاع المتشعب.

ما بعد 7 أكتوبر

يواجه بايدن انتقادات لغياب استراتيجية واضحة في الشرق الأوسط (رويترز)

يعتبر ديفيد هيل، وكيل وزير الخارجية السابق والسفير الأميركي السابق لدى لبنان والأردن وباكستان، والذي خدم كذلك في منصب المبعوث الخاص إلى الشرق الأوسط، أن المشهد في الشرق الأوسط تغيّر جذرياً منذ هجوم «حماس» على إسرائيل في السابع من أكتوبر (تشرين الأول). وقال إنه «منذ ذلك الحين، رأينا إسرائيل تقلب المعايير على الإيرانيين. هذه حملة طال انتظارها لمنع إيران من أن تستمر في دورها كمصدر للعنف والفوضى في الشرق الأوسط».

من ناحيته، انتقد براين كتوليس، كبير الباحثين في معهد الشرق الأوسط، سياسة بايدن في المنطقة، معتبراً أنها غير ناجحة. ويفسّر: «قالت الإدارة إن أحد أهدافها في بداية الحرب كان تفادي التصعيد إلى حرب إقليمية. من الواضح أن هذا الهدف لم يتحقق. وأعتقد أن أحد الأسباب هو ضعف كبير في السياسة الأميركية تجاه إيران. ليس لدينا مقاربة واضحة ومتسقة مع إيران، أكان ذلك من الإدارة الحالية، أم من حيث التوصل إلى وحدة في الرأي خلال الإدارات السابقة حول ما يجب أن يكون دور أميركا للتعامل مع إيران. وأعتقد أن هذه لحظة فاصلة».

لكن جون ألترمان، المسؤول السابق في وزارة الخارجية الأميركية ومدير برنامج الشرق الأوسط في معهد الدراسات الاستراتيجية والدولية، يعارض النظرية القائلة إن إدارة بايدن ليس لديها استراتيجية في المنطقة. وقال إن «الولايات المتحدة كانت تتدخّل عسكرياً في الشرق الأوسط، وليس اقتصادياً أو دبلوماسياً، ظناً أن كل مشكلة هي مشكلة تُحلّ عسكرياً. فسعت الإدارة لبناء شراكات وتعزيز التعاون الاقتصادي». وتابع أن إدارة بايدن «صُدمت» بالواقع، لتُدرك أنه عندما يكون هناك مشاكل عسكرية، فهناك حاجة إلى رد عسكري، «وهذا ما يُشكّل تحدّياً؛ إذ تُحاول الولايات المتحدة إعادة توازنها في الشرق الأوسط عسكرياً، بعد ابتعادها عن المنطقة نسبياً»، على حدّ قوله.

أما هيل، فتحدّث عن «انفصام» في سياسة أميركا الخارجية حيال التعاطي مع الشرق الأوسط، مشيراً إلى أن إدارة بايدن التي سعت للعودة إلى الاتفاق النووي مع إيران وفشلت، واجهت صعوبات في وضع استراتيجية بديلة. ويتحدث هيل عن التحديات المقبلة التي ستواجهها الإدارة الجديدة في هذا الملف، ويتساءل: «ماذا سيفعل هذا الرئيس بشأن إيران والشرق الأوسط؟ يجب أن يبدأ باستراتيجية إيرانية وانعكاساتها على كل المنطقة. لا يمكن أن تكون استراتيجية عسكرية فقط، بل يجب أن تُقدّم حلولاً لمختلف المشاكل وعلى مستويات عدة».

برنامج إيران النووي

هاريس في حدث انتخابي في تشاندلر - أريزونا في 10 أكتوبر 2024 (رويترز)

لفت كتوليس إلى تغيّر واضح في لهجة المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس تجاه إيران، عندما وصفتها مؤخراً بـ«الخطر الأبرز» المحدق بالولايات المتحدة. ويعتبر أن هذا التغيير هو دليل على أن الديمقراطيين باتوا يدركون الخطر الذي تطرحه طهران، مضيفاً: «الأمر لا يتعلّق فقط بما تقوم به إيران وهجماتها على إسرائيل، أو هجمات وكلائها في كل أنحاء المنطقة، لكن بدعمها لروسيا في أوكرانيا. وبالنسبة لمن سيفوز بالرئاسة، أكانت إدارة هاريس - والز أم إدارة ثانية لترمب، فإن النظرية حول إمكانية فصل برنامج إيران النووي عن كل أنشطتها، وخصوصاً في المنطقة، هي نظرية من أرض الخيال لا تتطرق إلى الواقع في الشرق الأوسط». ويعتبر كتوليس أن إحدى نقاط ضعف الاتفاق النووي القديم، هي غياب شريك رئيسي أو حلف في المنطقة، مشدداً على أهمية أن تعمل الإدارة المقبلة على الحوار بشكل أفضل مع الحلفاء العرب على وجه الخصوص، ليس فيما يتعلق بالمسألة الإيرانية فحسب، لكن فيما يخص القضية الفلسطينية أيضاً.

ويؤكد هيل أهمية «المثابرة» في الاستراتيجيات لضمان نجاحها، بغض النظر عن الإدارات. ويعتبر أنه بسبب تقلّب السياسات، فإن الاستراتيجية الأميركية تجاه إيران لم تنجح في ردعها. ويوضّح: «منذ عام 1979، إحدى المشاكل التي أدت إلى فشل الولايات المتحدة في التأثير على إيران بالطريقة التي نريدها، هي أننا لم نلتزم قَطّ بسياسة اعتمدناها. لقد جربنا كل ما هو وارد في الكتاب الدبلوماسي؛ حاولنا التواصل، واستراتيجية الاحتواء المزدوج مع العراق وإيران، واستراتيجية الضغط الأقصى... لم ينجح شيء؛ لأننا لا نلتزم بأي منها لفترة طويلة».

ويرى هيل التصعيد في الشرق الأوسط من زاوية مختلفة، معتبراً أن «إسرائيل فتحت الباب للولايات المتحدة لإثبات أن إيران هي في الحقيقة عاجزة عن مهاجمة إسرائيل وحلفائنا العرب جواً». ويضيف: «هذه فرصة مهمة جداً، ويجب أن نستغلها بالكامل في هذه اللحظة. الاستمرار بالضغط على هذا التقدم لكي تقوم إيران بتغيير حساباتها».

نتنياهو وبايدن

تسببت حرب غزة ولبنان في توتر العلاقات بين نتنياهو وبايدن (أ.ب)

وفي ظل التوتر القائم بين الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يذكر ألترمان أن علاقة نتنياهو مع جميع الرؤساء الديمقراطيين كانت متوترة، تزداد توتراً مع مرور الوقت. وأضاف: «على مرّ السنوات العشرين الماضية، غيّر نتنياهو الطريقة التي تنظر بها واشنطن إلى إسرائيل من كونها قضية يتفق عليها الحزبان إلى قضية يختلفان حولها؛ إذ أصبح الديمقراطيون يميلون إلى أن يكونوا أكثر انتقاداً لإسرائيل، والجمهوريون أكثر دعماً لها، أو على الأقل للسياسات الإسرائيلية اليمينية».

وفسّر ألترمان هذا التوجه بالقول: «هذا جزء من نتائج وصول نتنياهو إلى السلطة في تسعينات القرن الماضي؛ إذ قرّر أنه من المهم بالنسبة إلى مستقبل إسرائيل استقطاب المحافظين المسيحيين الإنجيليين، ودفعهم لدعم إسرائيل. ونتيجة لذلك، أصبحت علاقات إسرائيل أكثر غرابة مع المجتمعات الليبرالية التقليدية التي تضم نسبة عالية من اليهود، والتي تعبّر عن مخاوف عميقة حيال حكومة نتنياهو».

من ناحيته، يعتبر هيل أن سياسة نتنياهو الشخصية لم تتغير كثيراً على مر العقود، بل إن «جوهر السياسة الإسرائيلية انتقل إلى اليمين المتطرف، وهذا ليس بسبب نتنياهو، بل بسبب التغيير الديموغرافي والقضايا، وفي عقلية الإسرائيليين التي تغيرت جذرياً بعد 7 أكتوبر». وأضاف هيل: «إذا ظننا أن أي رئيس وزراء آخر في إسرائيل قد يتصرف بطريقة مختلفة جوهرياً عما يقوم به نتنياهو، فهذا يُعدّ خطأ في قراءة التغيير الجذري في العقلية الإسرائيلية؛ فهم لن يستمعوا إلى رئيس أميركي إن لم يعتقدوا أنه يقدم مفاهيم ذات صلة وواقعية حول كيفية إعادة الأمن الإسرائيلي بشكل يتخطى البُعد العسكري».

خفض التصعيد وإعادة البناء

ترمب في حدث انتخابي بريدينغ - بنسلفانيا في 9 أكتوبر 2024 (أ.ف.ب)

يشدد كتوليس على عدم وجود حل بسيط لوقف التصعيد في المنطقة، مشيراً إلى أن الأمر الوحيد الذي يجب أن تقوم به أميركا في إدارة بايدن خلال الأشهر الثلاثة المتبقية له هو «توطيد أو تعميق العلاقات الأميركية في الشرق الأوسط، بدلاً من الانسحاب».

ويضيف: «في السنوات العشر الماضية في واشنطن، قال البعض من اليمين واليسار، إنه يجب على الولايات المتحدة الانسحاب من هذه المنطقة من العالم. وقد قام بايدن بذلك في أفغانستان... بنتائج كارثية».

وأكد كتوليس أهمية «مضاعفة هذا الالتزام وليس التراجع عنه»، قائلاً: «هذا سيتطلب سنوات لتحقيقه بعد الانتهاء من هذه الحروب؛ التزام أكبر بإعادة إعمار لبنان، وبناء دولة فلسطينية في نهاية المطاف؛ لأن هذا يشكل جزءاً من المعادلة، لكنها ستكون مهمة ستستمر لفترة أطول من إدارة ترمب أو إدارة هاريس».

أما ألترمان، فقد قدّم نظرة تشاؤمية حول الوضع، مستبعداً أن تنتهي هذه الحروب في أي وقت قريب. ويعزو السبب إلى أن الإسرائيليين لم يفكروا بعدُ في «مفهوم للنصر». وأوضح: «نهجهم هو أننا سنستمر بإذلال أو مهاجمة أعدائنا، لكن هذا لا ينهي الحرب، بل يبقيك في حالة حرب؛ لأن هناك دائماً ما يمكن القيام به لإذلال الخصم. وأنا أقلق من أن إسرائيل ستجد مشكلة في تحديد ما يمكن اعتباره (كافياً). في النهاية لن تستطيع إسرائيل إنشاء حكومة في لبنان أو غزة».

ويشدد ألترمان على أهمية هذه المقاربة، قائلاً إنه «يجب أن يكون هناك دعم دولي أكبر للبيئة. وهذا أحد الأسباب التي تجعل من تورط إسرائيل غير العقلاني، وتغاضيها عن أي انتقاد دولي، أمراً غير فعال للمصالح الإسرائيلية؛ لأنهم سيحتاجون إلى الغير لملء الفراغ، وإلا فسيعود الخصوم، وستجد إسرائيل نفسها بعد 10 أو 15 سنة في الموقف نفسه».


مقالات ذات صلة

فريق ترمب يريد الوصول إلى «ترتيب» بين روسيا وأوكرانيا من الآن

العالم عناصر من خدمة الطوارئ الأوكرانية تخمد حريقاً شب في مبنى نتيجة قصف روسي على دنبيرو (خدمة الطوارئ الأوكرانية - أ.ب)

فريق ترمب يريد الوصول إلى «ترتيب» بين روسيا وأوكرانيا من الآن

أعلن مايك والتز، المستشار المقبل لشؤون الأمن القومي الأميركي، أن فريق ترمب يريد العمل منذ الآن مع إدارة الرئيس بايدن للتوصل إلى «ترتيب» بين أوكرانيا وروسيا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شؤون إقليمية ترمب ونتنياهو يتصافحان في «متحف إسرائيل» بالقدس يوم 23 مايو 2017 (أ.ب)

فريق ترمب للشرق الأوسط... «أصدقاء لإسرائيل» لا يخفون انحيازهم

اختصر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب سياسته المحتملة في الشرق الأوسط باختياره المبكر شخصيات لا تخفي توجهها اليميني وانحيازها لإسرائيل.

علي بردى (واشنطن)
الولايات المتحدة​ د. جانيت نشيوات (أ.ف.ب)

ترمب يستكمل تعيينات حكومته الجديدة

أعلن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب عن أسماء جديدة لشغل مناصب رفيعة ضمن حكومته المقبلة. واختار ترمب سكوت بيسنت، مؤسس شركة الاستثمار «كي سكوير غروب»

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد الملياردير إيلون ماسك يظهر أمام الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (رويترز)

إيلون ماسك أكثر ثراءً من أي وقت مضى... كم تبلغ ثروته؟

أتت نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2024 بفوائد على الملياردير إيلون ماسك بحسب تقديرات جديدة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
حصاد الأسبوع روبيو play-circle 01:45

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل.

إيلي يوسف (واشنطن)

ترمب ووعد إنهاء الحروب: ورقة انتخابية أم خطط واقعية؟

TT

ترمب ووعد إنهاء الحروب: ورقة انتخابية أم خطط واقعية؟

تعهد ترمب بإنهاء الحروب التي جرت في عهد بايدن (أ.ف.ب)
تعهد ترمب بإنهاء الحروب التي جرت في عهد بايدن (أ.ف.ب)

ترمب «رمز للسلام وقاهر الحروب»، هكذا صوّر الرئيس المنتخب نفسه في حملته الانتخابية التي مهّدت لولايته الثانية في البيت الأبيض. فالرئيس الـ47 انتزع الفوز من منافسته الديمقراطية، بانياً وعوداً انتخابية طموحة بوقف التصعيد في غزة ولبنان، واحتواء خطر إيران، ووضع حد للحرب الروسية - الأوكرانية وهي على مشارف عامها الثالث.

يستعرض برنامج تقرير واشنطن، وهو ثمرة تعاون بين صحيفة «الشرق الأوسط» وقناة «الشرق»، خطط ترمب لإنهاء النزاعات، ودلالات اختياره وجوهاً معيّنة في إدارته لديها مواقف متناقضة بعض الأحيان في ملفات السياسة الخارجية.

التصعيد في المنطقة

دمار جراء غارة إسرائيلية في غزة في 22 نوفمبر 2024 (رويترز)

تعهّد الرئيس الأميركي المنتخب بإنهاء الحروب ووقف التصعيد المستمر في المنطقة. ومع استمرار الحرب في غزة ولبنان، تعتبر دانا ستراول، نائبة وزير الدفاع سابقاً لشؤون الشرق الأوسط ومديرة الأبحاث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، أنه لا يزال من المبكّر قراءة المشهد في إدارة ترمب المستقبلية، مشيرة إلى أن الرئيس المنتخب «وعد بإحلال سلام في منطقة لم تنعم بالسلام أبداً». وتقول ستراول: «دونالد ترمب يعد بإحلال السلام في المنطقة من جهة، لكنه يعد من جهة أخرى بالدعم القاطع لإسرائيل. وهذا يُعدّ مشكلةً حقيقية؛ لأن من الأمور التي يجب أن تحصل لتحقيق السلام إعطاء الأولوية للمدنيين الفلسطينيين في غزة، والمدنيين اللبنانيين في لبنان، والحرص على وصول المساعدات الإنسانية لهؤلاء وتوفير الأمن لهم وما يحتاجون إليه من قادتهم. لكن ذلك سيتطلّب قرارات صعبة في إسرائيل. والسؤال الأكبر برأيي هو ما إذا كان دونالد ترمب يستطيع دفع هؤلاء القادة على الاتفاق هذه المرة، وهم لم يتفقوا أبداً في السابق».

ويتحدث كيفن بارون، الصحافي المختص بالشؤون العسكرية والمدير التحريري السابق في «Politico Live»، عن تحديات كثيرة يواجهها فريق ترمب الذي اختاره لقيادة السياسة الخارجية، مشيراً إلى أنه مؤلّف من «مزيج من التقليديين الذين يرغبون في علاقات قديمة الطراز مع الشرق الأوسط والقادة هناك، وبين من هم أكثر تقدماً ويبحثون عن مهاجمة إيران، والرد بالمثل وتغيير الديناميكية التي برأيهم كانت لينة جداً خلال السنوات الأربع الماضية تحت جو بايدن».

ويتساءل بارون: «هل ستتمكن هاتان المجموعتان من الالتقاء في الوسط؟» ويعطي بارون مثالاً «معرقلاً للسلام» في فريق ترمب، وهو السفير الأميركي المعيّن في إسرائيل، مايك هاكابي، الداعم بشدة لتل أبيب والرافض للاعتراف بالضفة الغربية وحقوق الفلسطينيين. ويقول بارون: «إن تعيين مايك هاكابي مثال جيد هنا، فهو داعم قوي لدولة إسرائيل مهما كلّف الأمر. لكنه يدعمها من وجهة نظر معينة؛ فهو مسيحي قومي وهو جزء من حركة متنامية ومجموعة من الأميركيين المسيحيين الذين يشعرون بأن وجود علاقة قوية مع دولة إسرائيل اليهودية أفضل من عدم وجودها لأسباب دينية».

ترمب والسفير المعين في إسرائيل مايك هاكابي خلال حدث انتخابي في بنسلفانيا 12 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

وهنا يسلّط ريتشارد لوبارون، السفير الأميركي السابق إلى الكويت ونائب مدير البعثة الأميركية إلى تل أبيب سابقاً وكبير الباحثين في معهد «ذي أتلانتيك»، الضوء على سياسة الرؤساء الأميركيين بشكل عام في منطقة الشرق الأوسط، مذكراً بأنهم لا يريدون تورطاً عميقاً في المنطقة. ويتحدث عن ترمب بشكل خاص فيقول: «ترمب لم يُنتخب من قبل أشخاص يهتمون بالشرق الأوسط، بل انتخبه الأشخاص الذين يرغبون بجعل أميركا عظيمة مجدداً، وهذه وجهة نظر انعزالية. لذا أعتقد أنه سيضغط للتوصل إلى حلول تخرج الولايات المتحدة من مستوى تورطها الحالي في الشرق الأوسط، لا أعتقد أنه سيكون متعاطفاً مع التورط في صراعات كبرى، وسيرغب بالحفاظ على أسعار منخفضة للنفط بسبب تأثير ذلك على الداخل. لكنه سيفاجأ على غرار معظم الرؤساء الأميركيين بقدرة الشرق الأوسط على جذبهم إلى داخله رغم جهود البقاء بعيداً».

ترمب يعتمر قبعة تحمل شعار «اجعل أميركا عظيمة مجدداً» (أ.ف.ب)

وتوافق ستراول مع مقاربة الانعزالية في فريق ترمب، مشيرة إلى وجود وجوه كثيرة ضمن فريقه من الداعمين للانعزالية الذين يسعون للتركيز على الوضع الداخلي و«جعل أميركا عظيمة مجدداً»، وأن هؤلاء سيعملون على تقليص الدور العسكري للولايات المتحدة حول العالم، ومنح دولارات دافعي الضرائب الأميركيين لأي بلد.

لكن ستراول تُذكّر في الوقت نفسه بأن العامل المشترك في فريق ترمب الذي اختاره، هو أنه «يريد من الفريق المحيط به أن يفكّر فيه هو وفي ما يريده». وتفسر قائلة: «ما نعلمه من رئاسته الأولى هو أن ما يريده أو ما يفكّر به قد يتغير من يوم إلى آخر، ومن ساعة إلى أخرى. هذا النوع من الغموض عادة ما لا يكون جيداً بالنسبة إلى الولايات المتحدة، وبالنسبة إلى الحلفاء والشركاء في أماكن مثل الشرق الأوسط، وهي أماكن نريد التعاون معها. فهم يطلبون قيادة أميركية يمكن الاتكال عليها ومستقرة. وبرأيي، استناداً إلى الفريق الذي يتم تشكيله حتى الآن، حيث يقوم أناس مختلفون بقول أشياء مختلفة وعقد اجتماعات مختلفة، فإنه من غير الواضح إن كانوا سيتمكنون في الواقع من العمل بعضهم مع بعض».

تساؤلات حول نوع الضغوطات التي قد يمارسها ترمب على نتنياهو (أ.ف.ب)

وضمن الحديث عن حلول واستراتيجيات في المنطقة، يعرب لوبارون عن تشاؤمه من فرص التوصل إلى حلّ الدولتين، مُرجّحاً أن تقوم إسرائيل «بضم الأراضي المحتلة والضفة الغربية بموافقة أميركية، أو حتى من دونها». ويضيف السفير السابق: «هناك أيضاً احتمال استمرار وجود انقسام في إسرائيل حول هذه القضايا، وسنضطر إلى التدخل بسبب علاقتنا. أعتقد أن هناك مسائل وجودية بحتة ينبغي أن تواجهها إسرائيل حول ماذا تريد أن تصبح بعد 5 إلى 10 سنوات، أو حتى بعد 20 أو 50 سنة. هل تريد أن تصبح دولة ديمقراطية؟ أو أن تكون متورطة في صراع إلى الأبد في الشرق الأوسط؟ أو هل تريد التوصل إلى سلام حقيقي يحترم الآمال الفلسطينية؟».

ويُفسر لوبارون أسباب استمرار الحرب في لبنان وغزة فيقول: «من الأسباب المحزنة لاستمرار الحرب في لبنان وفي غزة أن نتنياهو لا يمكنه الاستغناء عن الحرب، وهذه إحدى مشاكل علاقته مع ترمب. فترمب لا يريد الحرب، لكن نتنياهو يحتاج إليها وسيكون من المثير للاهتمام مشاهدة كيف سيقوم الاثنان على الاتفاق خلال الـ6 أشهر أو السنة المقبلة. لكن لحظة الحساب قادمة في إسرائيل، وهي تأجلت بسبب النزاع. سيكون لها نتائج كبيرة، وسيكون من المثير للاهتمام أن نرى إن كان ترمب سيقرر اللعب في السياسة الإسرائيلية المحلية كما فعل نتنياهو في السياسة المحلية الأميركية».

إيران وسياسة الضغط القصوى

تعهد ترمب باستعادة سياسة الضغط القصوى مع إيران (أ.ف.ب)

تلعب إيران دوراً بارزاً في التصعيد في المنطقة، ومع استعداد ترمب لتسلُّم الرئاسة في العشرين من يناير (كانون الثاني)، تزداد التساؤلات حول ما إذا كان سيعود إلى سياسة الضغط القصوى التي اعتمد عليها في إدارته الأولى. وهنا يتساءل بارون: «ترمب يعد بالانسحاب من الحروب الخارجية بينما يخوض حروباً خارجية فيما يتعلق بإيران». ويضيف: «إذن، ماذا يعني الضغط الأقصى على الإيرانيين؟ أتوقع أموراً مثل دعم نتنياهو وإسرائيل بالكامل حين يقومون بهجمات في لبنان وغيره من دون أي انتقاد، ومن دون أي قيود. قد يعني أيضاً القتال في أماكن مثل سوريا والعراق ومناطق أخرى لم نسمع عنها كثيراً علناً».

وهنا تشدد ستراول على أن سياسة الضغط القصوى هي «نشاط»، وليس هدفاً، وتفسر قائلة: «ما لم نره بعد من فريق ترمب هو تحديد أو عرض الهدف المثالي: هل الهدف احتواء البرنامج النووي الذي تم الاستثمار فيه بشكل كبير؟ هل الهدف التراجع عن هذا البرنامج أو تفكيكه أو القضاء عليه؟ هل الهدف صد دعم إيراني للإرهاب؟ لتحقيق ذلك، سيحتاج إلى أكثر من سياسة ضغط قصوى، وسيحتاج للتعاون مع حلفاء وشركاء أي أنه سينبغي أن يبذل جهوداً دبلوماسية، لأن الأمر لا يتعلّق فقط بما يمكن أن نقوم به عسكرياً، فسيتوجب عليه أن يرغب بإقامة حوار مع النظام في طهران على بعض النقاط».

الحرب الروسية - الأوكرانية

ترمب يصافح بوتين في مؤتمر صحافي في هلسنكي 16 يوليو 2018 (أ.ف.ب)

من الوعود التي أطلقها ترمب إنهاء الحرب الروسية - الأوكرانية في 24 ساعة. ويصف لوبارون الوضع الحالي بمثابة «رقصة بين بوتين وترمب للوصول إلى طريقة لإنهاء هذا النزاع». وأوضح: «لقد انضم زيلينسكي إلى تلك الرقصة مؤخراً. يجب أن نتذكر أن هذين الخصمين قد أرهقتهما الحرب، لا يمكنهما العثور على المزيد من العناصر من شعبهم للقتال، كما يريان أن تسلُّم ترمب الرئاسة سيضع حدوداً على الفترة التي يستطيعان فيها الاستمرار بهذه الحرب». ويرجّح السفير السابق أن تنتهي الحرب «بحل دبلوماسي غير مناسب وغير مرض لن يسعد أياً من الأطراف، على غرار كل الحلول الدبلوماسية. وهذا سيشكل نقطة يعلن فيها ترمب عن نجاحه ليقول: لقد أنهيت الحرب في أوكرانيا».

ويشير بارون إلى رفع إدارة بايدن الحظر عن أوكرانيا لاستعمال الأسلحة الأميركية في روسيا، فيقول إن «ما تغيّر هو أن ترمب فاز بالانتخابات، وهناك فترة شهرين سيسعى بايدن خلالهما لتقديم كل ما بوسعه إلى أوكرانيا؛ لأن الأمور ستتغير في 20 يناير عندما يتولى ترمب منصبه». ويضيف: «إذن، الفكرة هي التوفير لأوكرانيا أكبر قدر من الدفاعات الآن لكي ينتقلوا إلى طاولة المفاوضات».

وتوافق ستراول مع هذا التقييم قائلة: «إن هذا التصعيد الذي يجري حالياً هو فرصة لكل من الطرفين لكي يعززا موقفهما قبل تنصيب دونالد ترمب، الذي بدوره صرّح بأنه سيطالب أن ينضم الجميع إلى طاولة المفاوضات. وسيعمل على تقليل سلطة التفاوض الأوكرانية عبر التهديد بإيقاف المساعدات العسكرية».