زيارة مستشار الأمن القومي «تعيد الدفء» للعلاقات الأميركية الصينية… لكن تايوان تبقى «خطاً أحمر»

حمل سوليفان عدة ملفات: التوترات العسكرية بين بكين وحلفاء واشنطن وعلاقاتها العميقة مع روسيا وإيران

الرئيس الصيني شي جينبينغ يلتقي مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض جيك سوليفان (أ.ب)
الرئيس الصيني شي جينبينغ يلتقي مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض جيك سوليفان (أ.ب)
TT

زيارة مستشار الأمن القومي «تعيد الدفء» للعلاقات الأميركية الصينية… لكن تايوان تبقى «خطاً أحمر»

الرئيس الصيني شي جينبينغ يلتقي مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض جيك سوليفان (أ.ب)
الرئيس الصيني شي جينبينغ يلتقي مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض جيك سوليفان (أ.ب)

أعادت زيارة مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان ولقاءاته مع الرئيس الصيني وكبار المسؤولين بعض الدفء إلى العلاقات مع الولايات المتحدة وخفض التوترات السياسية، ومنع المنافسة بين البلدين من التحول إلى صراع، والاتفاق على إجراء مكالمة بيت الرئيس الصيني شي جينبينغ والرئيس الأميركي جو بايدن في وقت قريب، لكن الخلاف ظل قائماً حول تايوان، التي اعتبرها المسؤولون الصينيون «خطاً أحمر» لا يمكن تجاوزه في العلاقات الصينية الأميركية. وقال شي إن الولايات المتحدة يجب أن «تجد طريقة صحيحة للتوافق بين البلدين الرئيسيين».

المستشار الأميركي جيك سوليفان لدى نزوله من الطائرة في مطار بكين الثلاثاء (إ.ب.أ)

وقد التقى سوليفان في زيارته التي استمرت ثلاثة أيام مع الرئيس الصيني شي جينبينغ في بكين الخميس، كما التقى بالجنرال تشانغ يوشيا نائب رئيس اللجنة العسكرية المركزية الصينية. ونقلت هيئة الإذاعة والتلفزيون الصينية أن الرئيس شي أبلغ سوليفان أنه رغم التغييرات الكبيرة فلا يزال بإمكان الصين والولايات المتحدة التمتع بعلاقات جيدة ولقاء بعضهم البعض في منتصف الطريق، في إشارة إلى أن البلدين يتواصلان على مستويات رفيعة رغم التوترات بشأن بحر الصين الجنوبي وتايوان.

يو شيا مستقبلاً سوليفان في بكين اليوم (أ.ب)

وقال درو تومسون، زميل الأبحاث الزائر في كلية لي كوان يو للسياسة العامة في الجامعة الوطنية في سنغافورة، كما نقلت عنه «نيويورك تايمز»: «الاجتماع مع تشانغ يوشيا مهم للغاية، وهو مؤشر على أن الصين مستعدة لإعادة التواصل بشكل هادف مع وزارة الدفاع... تنظر بكين إلى العلاقة العسكرية باعتبارها مؤشراً سياسياً مهماً للعلاقة الإجمالية، والتي تختلف إلى حد ما عن منظور الولايات المتحدة، التي ترى أنها قناة أكثر براغماتية للحد من المخاطر».

The American and Chinese flags wave at Genting Snow Park ahead of the 2022 Winter Olympics, in Zhangjiakou, China, on Feb. 2, 2022. (AP)

جاء اجتماع سوليفان مع الجنرال تشانغ، الذي عقد في مقر جيش التحرير الشعبي الصيني، في اليوم الأخير من زيارته التي استمرت ثلاثة أيام إلى بكين لدعم محاولة إدارة بايدن لإدارة المنافسة مع الصين.

وأشارت صحيفة «نيويورك تايمز» إلى أن الاجتماع مع الجنرال تشانغ يوشيا، نائب رئيس اللجنة العسكرية المركزية الصينية، هو الأول منذ سنوات بين مسؤول أميركي كبير ونائب رئيس اللجنة التي تشرف على القوات المسلحة الصينية ويرأسها السيد شي. في عام 2018، التقى جيم ماتيس، الذي كان وزير الدفاع الأميركي في ذلك الوقت، بالجنرال شو تشي ليانغ، الذي شغل منصب نائب الرئيس.

وزعمت الولايات المتحدة أن التواصل الأكثر انفتاحاً ضروري لمنع وقوع حوادث بين الطائرات الحربية والسفن البحرية للبلدين أثناء دورياتها المنتظمة في المناطق المتنازع عليها مثل مضيق تايوان وبحر الصين الجنوبي.

وزير الخارجية الصيني وانغ يي والمستشار الأميركي جيك سوليفان قبل بدء محادثاتهما في بكين الثلاثاء (رويترز)

ملفات خلافية

وقد حمل سوليفان في زيارته عدة ملفات تشكل خلافات حقيقية بين واشنطن وبكين منها التوترات العسكرية بين الصين وحلفاء الولايات المتحدة في منطقة آسيا والمحيط الهادي، وعلاقات الصين العميقة مع روسيا وإيران، والتوترات بين الصين والفلبين في بحر الصين الجنوبي وملف العلاقات التجارية، إضافة إلى ملف تايوان الجزيرة التي تتمتع بالحكم الذاتي، وتطالب بها الصين وتقوم بتحركات عسكرية في بحر الصين الجنوبي، وهو الممر المائي المهم استراتيجياً الذي تطالب بكين بكامل السيطرة عليه.

مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان يحضر مؤتمراً صحافياً في السفارة الأميركية في بكين (رويترز)

وخلال النقاشات مع الجنرال تشانغ يوشيا، أكد سوليفان على أهمية السلام والاستقرار في مضيق تايوان وحرية الملاحة في بحر الصين الجنوبي وأبدي مخاوف الولايات المتحدة بشأن الدعم الصيني للقاعدة الصناعية الدفاعية الروسية بينما تشن روسيا حرباً ضد أوكرانيا.

ونقلت وزارة الدفاع الصينية عن تشانغ اهتمامه بالحفاظ على الاستقرار في المجالات العسكرية والأمنية بين الولايات المتحدة والصين لكنه طالب واشنطن بوقف ما أسماه «التواطؤ العسكري الأميركي مع تايوان ووقف تسليح تايوان والتوقف عن نشر التصريحات والروايات الكاذبة المتعلقة بتايوان»، مؤكداً أن تايوان تشكل «الخط الأحمر» الأول الذي لا يمكن تجاوزه في العلاقات الصينية - الأميركية.

وشدد البيان على أن «الصين ملتزمة بالحفاظ على السلام والاستقرار في مضيق تايوان» لكنّ «استقلال تايوان والسلام والاستقرار في مضيق تايوان أمران متعارضان». وتعتبر الصين الرئيس التايواني لاي تشينغ - تي «انفصالياً خطراً»، وشدّدت من لهجتها حيال الجزيرة وأجرت مناورات عسكرية في محيطها منذ توليه منصبه الجديد في وقت سابق هذا العام.

وحذر تشانغ من قيام الولايات المتحدة باستخدام المعاهدات الثنائية كذريعة لتقويض سيادة الصين وسلامة أراضيها مشيراً إلى أن الصين لن تتسامح مع تعدي الفلبين في المناطق البحرية الصينية. وقد ظلت قضية بحر الصين الجنوبي قضية مثيرة للجدل والخلاف حيث أعرب الجيش الأميركي مؤخراً عن انفتاحه على مرافقة السفن الفلبينية عبر المياه المتنازع عليها بعد تصاعد الأعمال العدائية بين بكين ومانيلا.

وصرحت وزارة الخارجية الصينية بأن العلاقات مع الولايات المتحدة لا تزال عند «نقطة حرجة» واتهمت واشنطن بمواصلة تقييد الصين وقمعها، لكنها أشارت إلى أن بكين منفتحة على مناقشة التغير المناخي وقضايا أخرى مع الولايات المتحدة.

محادثات موسعة بين الوفدين الصيني والأميركي في بكين الثلاثاء (رويترز)

محادثات صريحة وبناءة

فيما ركز بيان البيت الأبيض على إظهار التوافق والاتفاق على استمرار الاتصالات العسكرية المنتظمة، والحفاظ على الدبلوماسية رفيعة المستوى والتأكيد على التزام الولايات المتحدة بحرية الملاحة في بحر الصين الجنوبي والحاجة إلى تجنب سوء التقدير والتصعيد في الفضاء الإلكتروني ومناقشة الجهود الجارية للتوصل إلى وقف لإطلاق النار وصفقة الرهائن في غزة.

ووصف البيت الأبيض المحادثات بأنها كانت صريحة وجوهرية وبناءة، ولم يتطرق البيان الأميركي إلى قضية تايوان سوى بإشارة خافتة عن أهمية الاستقرار والسلام عند مضيق تايوان.

وكانت الصين قد قطعت الاتصالات العسكرية مع واشنطن عام 2022 رداً على زيارة رئيسة مجلس النواب آنذاك نانسي بيلوسي إلى تايوان وتصاعدت التوترات ووصلت العلاقات إلى أدنى مستوياتها العام الماضي، بعد ظهور بالون تجسس صيني فوق أميركا الشمالية وإسقاطه من قبل الجيش الأميركي.

وأبدت الصين غضباً كبيراً مع قيام إدارة بايدن بتقييد وصول الشركات الصينية إلى التكنولوجيا المتقدمة.

وفي محاولة لاستقرار العلاقات، عقد سوليفان ومسؤول الشؤون الخارجية الصيني وانغ سلسلة من الاجتماعات منذ العام الماضي والتقيا في فيينا في مايو (أيار) 2023 ومالطا في سبتمبر (أيلول) وبانكوك في يناير (كانون الثاني) كما زار وانغ واشنطن في أكتوبر (تشرين الأول).

مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض جيك سوليفان (يسار) يلتقي وزير الخارجية الصيني وانغ يي في بكين (أ.ف.ب)

وحظيت رحلة سوليفان إلى الصين باهتمام كبير، باعتبارها أول رحلة لمستشار الأمن القومي الأميركي منذ آخر زيارة قامت بها سوزان رايس خلال إدارة الرئيس أوباما عام 2016. وحرص سوليفان على الاتفاق على عقد قمة بين الزعيم الصيني والرئيس بايدن قبل أن يغادر منصبه وتجنب أي أزمات خلال الأشهر المتبقية من عمر إدارة بايدن حيث يمكن أن يحدد ذلك شكل العلاقات مع الصين مع الإدارة الأميركية القادمة.

وقد التقى بايدن والرئيس شي جينبينغ في قمتهما في نوفمبر (تشرين الثاني) العام الماضي في كاليفورنيا على هامش قمة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادي وتوصلا إلى اتفاقات في عدة مجالات منها مكافحة المخدرات، واستمرار التواصل بين الجيشين والذكاء الاصطناعي. ومنذ ذلك اللقاء، لم يتحدث بايدن وشي إلا مرة واحدة عبر الهاتف ومن المقرر أن يعقد منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادي اجتماعه في منتصف نوفمبر المقبل في بيرو، وربما يلتقي بايدن وجهاً لوجه في هذا المنتدى مع الرئيس الصيني شي، لكن البيت الأبيض لم يؤكد أو ينفي هذا اللقاء المحتمل مشيراً إلى أن من المبكر وجود يقين حول اجتماع ثنائي بين الرئيسين. ومن المحتمل أن يكون هناك لقاء آخر خلال اجتماعات زعماء مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل في نهاية نوفمبر المقبل.


مقالات ذات صلة

واشنطن تفرض عقوبات جديدة على مستوطنين إسرائيليين في الضفة الغربية

الولايات المتحدة​ اشتباكات بين ناشطين ومستوطنين في الضفة الغربية (أ.ف.ب)

واشنطن تفرض عقوبات جديدة على مستوطنين إسرائيليين في الضفة الغربية

أعلنت الولايات المتحدة، اليوم الأربعاء، فرض عقوبات جديدة على مستوطنين إسرائيليين في الضفة الغربية المحتلة، وحضّت إسرائيل على التصدي لهذه المجموعات «المتطرفة».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ بايدن يتحدث في البيت الأبيض

جمهوريون يطالبون بايدن بـ«رد حاسم» على خروقات طهران

بعد خروقات إيرانية أمنية متعددة للحملات الانتخابية الأميركية، أعرب جمهوريون عن استيائهم من غياب رد حاسم على ممارسات طهران.

رنا أبتر (واشنطن)
شؤون إقليمية المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض جون كيربي (رويترز)

البيت الأبيض: سندافع عن إسرائيل إذا هاجمتها إيران

قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض جون كيربي، اليوم (الثلاثاء)، إن الولايات المتحدة تظل ملتزمة بالدفاع عن إسرائيل في حالة وقوع هجوم إيراني.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ بايدن والسيدة الأولى جيل بايدن وأشلي بايدن يستقلون طائرة الرئاسة في قاعدة فاندنبرغ الفضائية في لومبوك بكاليفورنيا في 25 أغسطس 2024 (أ.ب)

البيت الأبيض يدافع عن إجازات بايدن الطويلة

دافع البيت الأبيض عن غياب الرئيس الأميركي، جو بايدن، في إجازة مستمرة لأسبوعين.

هبة القدسي (واشنطن)
الولايات المتحدة​ مستشار السلامة في «رويترز» رايان إيفانز في نيويورك بمنطقة دونيتسك بأوكرانيا في 8 سبتمبر 2022 (رويترز)

البيت الأبيض يستنكر هجوماً أودى بحياة مستشار «رويترز» للسلامة ​في أوكرانيا

استنكر البيت الأبيض هجوماً صاروخياً في أوكرانيا، مطلع الأسبوع، أدى إلى مقتل مستشار للسلامة لدى وكالة «رويترز».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

دعوات أميركية لرفع القيود عن استخدام أوكرانيا صواريخ «أتاكمز»

منظومة «باتريوت» المضادة للطيران التي زُوِّدت بها أوكرانيا لتعطيل فاعلية الطيران الروسي (د.ب.أ)
منظومة «باتريوت» المضادة للطيران التي زُوِّدت بها أوكرانيا لتعطيل فاعلية الطيران الروسي (د.ب.أ)
TT

دعوات أميركية لرفع القيود عن استخدام أوكرانيا صواريخ «أتاكمز»

منظومة «باتريوت» المضادة للطيران التي زُوِّدت بها أوكرانيا لتعطيل فاعلية الطيران الروسي (د.ب.أ)
منظومة «باتريوت» المضادة للطيران التي زُوِّدت بها أوكرانيا لتعطيل فاعلية الطيران الروسي (د.ب.أ)

تصاعدت، في الآونة الأخيرة، الدعوات لإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، لرفع القيود التي تفرضها على استخدام أوكرانيا الأسلحة الأميركية الصاروخية بعيدة المدى، في استهداف العمق الروسي.

وحثّ وزير الخارجية الأوكراني، دميتري كوليبا، الخميس، حلفاء بلاده في الاتحاد الأوروبي على تسريع تسليم أنظمة الدفاع الجوي، التي تعهّدوا بتزويد كييف بها. وقال، على منصة «إكس» للتواصل الاجتماعي، عقب اجتماعه مع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في بروكسل: «عبّرتُ عن الحاجة المُلحة لتسليم المساعدات العسكرية التي جرى التعهد بها بالفعل، ومن بينها أنظمة الدفاع الجوي».

وزير الخارجية الأوكراني دميتري كوليبا (إ.ب.أ)

وأعلنت روسيا، الخميس، أنها سيطرت على قريتين إضافيتيْن في منطقتيْ دونيتسك ولوغانسك بشرق أوكرانيا، في حين تُواصل قواتها تقدمها في عمق البلاد. وقالت هيئة الأركان العامة الأوكرانية، في تحديث، هذا الصباح، إن القوات الأوكرانية صدَّت هجمات في منطقة ستيلماكيفكا.

ومع وصول وزير الدفاع الأوكراني إلى واشنطن، للقاء المسؤولين الأميركيين؛ في محاولة جديدة لرفع تلك القيود، عبر توضيح «قائمة الأهداف» الموسَّعة، يرى بعض الخبراء أن تمكن الجيش الأوكراني، في الأسابيع الأخيرة، من السيطرة على أكثر من 1200 كيلومتر بمنطقة كورسك الروسية، يزيد قدرته على استهداف عمقٍ أكبر من الأراضي الروسية، وإصابة كثير من الأصول العسكرية التي قام الجيش الروسي بسحبها، لتجنب استهدافها. وهي إحدى الحجج التي يقول المسؤولون في إدارة بايدن إنها تقف وراء عدم جدوى رفع تلك القيود، التي لن تؤدي إلّا إلى «استفزاز» روسيا، فضلاً عن عدم تغيير الوضع الميداني.

قصف صاروخي روسي على أوكرانيا (أ.ف.ب)

وفي الأسبوع الماضي، قال مسؤول أميركي كبير إن استخدام صواريخ «أتاكمز» بعيدة المدى لن يُحدث فرقاً كبيراً، وإن روسيا نقلت 90 في المائة من الطائرات التي تطلق قنابل انزلاقية على البنية التحتية المدنية خارج نطاق هذه الصواريخ.

وهو ما طرح تساؤلات عن الأسباب الحقيقية التي تقف وراء تمسك الرئيس بايدن بموقفه، على الرغم من إعلان بريطانيا أخيراً سماحها لأوكرانيا باستخدام صواريخ «ستورم شادو/ سكالب» بعيدة المدى، في ضرب عمق الأراضي الروسية.

تردد بايدن يقيد واشنطن

يقول مايكل روبن، كبير الباحثين في الشأن الروسي بمعهد «أميركان إنتربرايز»، في حديث مع «الشرق الأوسط»، إن هناك سببين لهذا الموقف؛ الأول أن بايدن يردع نفسه، فهو يسمح لخوفه مما قد يفعله بوتين بتقييد السياسة الأميركية، لكنه لا يدرك أن هذا هو رد الفعل الذي يُعوّل عليه بوتين ويشجعه، في الواقع، على أن يكون أكثر عدوانية ويطيل الحرب. ثانياً يأمل فريق بايدن بأن يتمكنوا من «إعادة ضبط العلاقات» مع روسيا بالطريقة نفسها التي فعلتها هيلاري كلينتون في بداية إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما.

ورغم أن روسيا أعادت نشر بعض الطائرات من 16 قاعدة جوية تقع ضمن نطاق نظام «أتاكمز»، يشير «معهد دراسة الحرب» في واشنطن، في تقرير جديد، إلى أن هذا «لا يقلل من أهمية السماح لأوكرانيا باستخدام نظام (أتاكمز) ضد مئات الأهداف العسكرية الروسية الأخرى». ويحدد التقرير «ما لا يقل عن 245 هدفاً عسكرياً وشبه عسكري روسياً يمكن أن تضربها أوكرانيا إذا جرت إزالة القيود».

وتشمل القائمة «قواعد عسكرية كبيرة، ومحطات اتصالات، ومراكز لوجستية، ومرافق إصلاح، ومستودعات وقود، ومستودعات ذخيرة، ومقرات دائمة» تدعم وتُزوّد القوات الروسية في أوكرانيا. ويشير المعهد إلى أنه سيكون من «الصعب تماماً أو المستحيل» بالنسبة لروسيا أن تقوم بسرعة بتعزيز هذه الأهداف المحتملة. كما ستواجه روسيا أيضاً صعوبة في نقل الأصول؛ مثل مرافق إصلاح الدبابات، إلى ما هو أبعد من نطاق نظام تلك الصواريخ. ويقول إنه، حتى لو تمكنت روسيا من إعادة نشرها بالسرعة الكافية، فإن الاضطرابات ستُقيّد العمليات الهجومية الروسية على خط المواجهة. ولطالما خشيت إدارة بايدن من أن يقوم بوتين بتصعيد حربه، إذا تعرضت قواته لمزيد من الهجمات الخطيرة، ما قد يجرُّها مع حلف «الناتو» للتورط.

واشنطن زوّدت كييف بصواريخ «أتاكمز» طويلة المدى (رويترز)

استرضاء بوتين لا يفيد

وهنا تقول إيفانا سترادنر، كبيرة الباحثين في الشأن الروسي بمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات في واشنطن، إن إدارة بايدن تبنّت نهجاً يتجنب المخاطرة بشأن أوكرانيا؛ خوفاً من التصعيد. وتضيف، في حديث مع «الشرق الأوسط»، قائلة: «ومع ذلك فإن هذا النهج لا يفيد سوى بوتين الذي صعَّد بالفعل ووضع واشنطن في موقف دفاعي. وفي حين تخشى الولايات المتحدة التهديدات النووية الروسية، يعلم بوتين أن التهديد بسيناريو الكارثة النووية يتردد صداه لدى عدد من صُناع القرار في الغرب الذين يسترضون موسكو»، لكن سترادنر تضيف: «لقد حان الوقت لكي تتوقف إدارة بايدن عن الوقوع في فخ حِيل موسكو؛ لأن ذلك جزء من ألعاب روسيا النفسية. بوتين لا يقدّر سوى القوة، وينبغي على واشنطن أن تسمح لأوكرانيا باستخدام الأسلحة الأميركية بعيدة المدى».

وفي حين تُشكك إدارة بايدن أيضاً بقدرة أوكرانيا على الصمود دون تدخل مباشر من واشنطن، يقول روبن إن هذا الأمر غير صحيح؛ لأن بايدن يسمح لأمانيه الخاصة بتشكيل التحليل. وأضاف: «في كل لحظة حاسمة، تحدّت أوكرانيا تحليل إدارة بايدن، وأثبتت خطأ البيت الأبيض: زيلينسكي لم يهرب. أوكرانيا لم تسقط في غضون أسبوعين. ولم يكن الجيش الروسي قوياً، بل كان عبارة عن قذيفة فارغة». لذا فإن أفضل طريقة لإنهاء هذه الطريق هي جعل روسيا تدفع الثمن، وليس حصر القتال في الأراضي التي تريد روسيا احتلالها». وقال: «سواء أكانت أوكرانيا أم لا، ينبغي لأحد ألا يأخذ ادعاءات إدارة بايدن على محمل الجِد، أو أن يُقيّمها على أنها صحيحة».