التزييف بالذكاء الاصطناعي يعزز مخاوف التلاعب بالناخبين الأميركيين

مطالب بجهود عاجلة لتعزيز مكافحة الأكاذيب المعتمدة على الذكاء الاصطناعي (رويترز)
مطالب بجهود عاجلة لتعزيز مكافحة الأكاذيب المعتمدة على الذكاء الاصطناعي (رويترز)
TT

التزييف بالذكاء الاصطناعي يعزز مخاوف التلاعب بالناخبين الأميركيين

مطالب بجهود عاجلة لتعزيز مكافحة الأكاذيب المعتمدة على الذكاء الاصطناعي (رويترز)
مطالب بجهود عاجلة لتعزيز مكافحة الأكاذيب المعتمدة على الذكاء الاصطناعي (رويترز)

بين تسجيل مصوّر يسخر من كامالا هاريس بالاعتماد على تقنية «التزييف العميق» ولقطات لجو بايدن تمّت معالجتها مليئة بالتعابير النابية وصورة مزيفة لتوقيف دونالد ترمب، تثير المعلومات السياسية المضللة التي يغذيها الذكاء الاصطناعي القلق حيال إمكانية التلاعب بالناخبين مع احتدام سباق الرئاسة الأميركية.

ووفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، فإنه في إطار ما تم وصفه بأول انتخابات أميركية تتأثّر بالذكاء الاصطناعي في نوفمبر (تشرين الثاني)، يحذّر باحثون من إمكانية استخدام التزييف بواسطة التكنولوجيا لجذب الناخبين باتّجاه مرشّح ما، أو دفعهم للوقوف ضدّه، أو حتى تجنّب الانتخابات كليّاً، ما يثير القلق في بيئة تعاني في الأساس من الاستقطاب الشديد.

وجددت موجة من المعلومات المضللة مؤخراً الدعوات لعمالقة التكنولوجيا الذين تراجع الكثير منهم عن مراقبة محتوى مواقع التواصل الاجتماعي، لتعزيز الحماية حول الذكاء الاصطناعي التوليدي قبل الانتخابات.

والأسبوع الماضي، واجه إيلون ماسك انتقادات حادة لمشاركته تسجيلاً مصوّراً يعتمد على تقنية «التزييف العميق» يظهر هاريس التي ستكون مرشحة الحزب «الديمقراطي» للانتخابات، مع متابعيه البالغ عددهم 192 مليوناً على «إكس».

ويصف صوت في التصوير يقلّد صوت هاريس الرئيس جو بايدن بـ«الخرف»، ويعلن بعد ذلك أنها لا تعرف «ألف باء الحكم».

ولم يحمل التسجيل أي مؤشر على أنه مجرّد محاكاة ساخرة لها، باستثناء رمز تعبيري ضاحك. وأوضح ماسك لاحقاً أن التسجيل المصوّر كان هدفه السخرية فحسب.

وأعرب باحثون عن قلقهم من أن المتابعين لربما استنتجوا خطأ بأن هاريس تسخر من نفسها وتستهزئ ببايدن.

وفنّد فريق تقصي الحقائق لدى «وكالة الصحافة الفرنسية» حالات تزييف أخرى مرتبطة بالذكاء الاصطناعي أثارت القلق.

والشهر الماضي، أظهر تسجيل مصوّر تم التلاعب به ينتشر على «إكس» بايدن، وهو يشتم منتقديه مستخدماً عبارات مناهضة لمجتمع الميم، بعدما أعلن سحب ترشيحه ودعم ترشّح هاريس.

وكشف بحث عكسي عن الصور بأن التسجيل جاء من خطاب لبايدن بثّته شبكة «بي بي إس»، وندّد فيه بالعنف السياسي بعد محاولة اغتيال ترمب في 13 يوليو (تموز).

وأفادت «بي بي إس» بأن التسجيل المصوّر رُكّب بتقنية «التزييف العميق»، مستخدماً شعارها لخداع المشاهدين.

وقبل أسابيع، أظهرت صورة تمّت مشاركتها عبر منصات التواصل الاجتماعي الشرطة وهي توقف ترمب بالقوة بعدما خلصت هيئة محلفين في نيويورك إلى أنه مدان بتزوير سجلات تجارية تتعلّق بأموال تم دفعها لإسكات نجمة الأفلام الإباحية ستورمي دانيالز.

لكن خبراء في الأدلة الجنائية الرقمية أفادوا بأن الصورة اعتمدت على تقنية «التزييف العميق».

توتر حزبي

قال المؤسس المشارك لـ«CivAI» لوكاس هانسن لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، إن «هذه الأمثلة الأخيرة تدل إلى حد كبير على الكيفية التي سيتم من خلالها استخدام التسجيلات المعتمدة على التزييف العميق في السياسة من الآن فصاعداً».

وأضاف: «بينما تعد المعلومات المضللة التي تستخدم الذكاء الاصطناعي مصدر قلق بكل تأكيد، فإن تطبيقها على الأرجح سيتم عبر الصور والتسجيلات المصوّرة المفبركة الهادفة لإثارة الغضب ومفاقمة التوتر الحزبي».

واستعرض هانسن الكيفية التي يمكن من خلالها لروبوت دردشة واحد يستخدم الذكاء الاصطناعي أن يؤثر على نسب مشاركة الناخبين عبر إصدار مجموعة كبيرة من التغريدات الكاذبة.

وأعطيت للروبوت معلومة بسيطة في رسالة تم تخصيصها لمنطقة ألين في تكساس جاء فيها أن «مراكز الاقتراع تفرض أجرة على توقيف السيارات».

وفي غضون ثوان، انتشرت تغريدة تبلغ المتابعين بمعلومة مضللة مفادها أن سلطات ألين «فرضت بتكتم رسماً على إيقاف السيارات قدره 25 دولاراً في معظم مواقع التصويت».

وسمحت اختبارات أجريت على أداة أخرى بارزة للذكاء الاصطناعي هي Midjourney بتركيب صور تظهر بايدن يتم توقيفه وترمب أمام شبيه له، وفق ما أفاد «مركز مكافحة الكراهية الرقمية» غير الربحي في يونيو (حزيران).

وذكر ناشطون في مجال التكنولوجيا بأن Midjourney حظرت في وقت سابق جميع التعليمات المرتبطة بترمب وبايدن، ما منع المستخدمين من تركيب صور زائفة.

لكن «مركز مكافحة الكراهية الرقمية» لفت إلى أنه بإمكان المستخدمين الالتفاف على هذا المنع بكل سهولة عبر إضافة العلامة المائلة المعاكسة في بعض الحالات إلى أمر سبق وحظرته Midjourney.

نقطة تحول

يحذّر مراقبون من أن هذا النوع من التزييف على نطاق واسع يحمل خطر إثارة الغضب في الأوساط العامة حيال العملية الانتخابية.

ويتوقّع أكثر من 50 في المائة من الأميركيين أن تؤثر المعلومات الكاذبة المفبركة بواسطة الذكاء الاصطناعي على نتيجة انتخابات 2024، وفق استطلاع نشرته العام الماضي مجموعة «أكسيوس» الإعلامية، وشركة «مورنينغ كونسالت» للمعلومات التجارية.

وأفاد نحو ثلث الأميركيين بأن ثقتهم بالنتائج ستتراجع بسبب الذكاء الاصطناعي، وفق الاستطلاع.

وذكرت عدة شركات تكنولوجيا عملاقة أنها تعمل على أنظمة تصنّف المحتوى المولّد عبر الذكاء الاصطناعي.

وفي رسالة إلى الرؤساء التنفيذيين المعنيين بالتكنولوجيا في أبريل (نيسان)، طالبت أكثر من 200 مجموعة بجهود عاجلة لتعزيز مكافحة الأكاذيب المعتمدة على الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك حظر استخدام التزييف العميق في الإعلانات السياسية، واستخدام خوارزميات لدعم المحتوى الانتخابي الواقعي.

وذكرت «فري برس» غير الربحية، وهي من بين المجموعات التي وقعت على الرسالة، أن المنصات لم تقدّم التزامات «جوهرية» في هذه الانتخابات.

وقالت المستشارة القانونية لدى «فري برس» نورا بينافيديز: «ما لدينا الآن هو بيئة سامة على الإنترنت، حيث تغرق الأكاذيب بثّنا وتربك الناخبين».

وأضافت: «هذه نقطة تحوّل في انتخاباتنا.. يتعيّن على المسؤولين التنفيذيين في المنصات المسارعة لتحسين وتطبيق سياساتهم ضد التزييف العميق وغيره من المشاكل».


مقالات ذات صلة

قال إنه «يتعين إضرام النار فيها»... اتهام رجل من فرجينيا بتهديد كامالا هاريس

الولايات المتحدة​ كامالا هاريس نائبة الرئيس الأميركي المرشحة الديمقراطية للرئاسة (أ.ب)

قال إنه «يتعين إضرام النار فيها»... اتهام رجل من فرجينيا بتهديد كامالا هاريس

وُجّهت اتهامات لرجل من ولاية فرجينيا الأميركية بتهديد عنيف لنائبة الرئيس كامالا هاريس عبر الإنترنت، بعد أيام من بدء حملتها الرئاسية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ حاكم بنسلفانيا جوش شابيرو يرد على الأسئلة خلال حفل بجامعة تشيني في بنسلفانيا (رويترز)

هاريس تقترب من اختيار نائب الرئيس على «بطاقتها»

باتت نائبة الرئيس كامالا هاريس على مقربة من اختيار مرشحها نائباً للرئيس على بطاقتها لانتخابات 5 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، وسيرافقها بجولة انتخابية الثلاثاء.

علي بردى (واشنطن)
الولايات المتحدة​ وجوه 4 رؤساء لأميركا يمثلون النصب التذكاري في «جبل راشمور»... (أرشيفية - أ.ب)

بعد اقتراح بيلوسي ضم بايدن إليه... ماذا نعرف عن نُصُب «جبل راشمور»؟

عزز «جبل راشمور» مكانته بوصفه واجهة تحكي «القصة الأميركية»... فماذا نعرف عنه؟

يسرا سلامة (القاهرة)
الولايات المتحدة​ روبرت إف كينيدي المرشح المستقل للانتخابات الرئاسية الأميركية (أ.ف.ب)

مرشح رئاسي أميركي يعترف بوضع «دب نافق» في حديقة «سنترال بارك»

اعترف روبرت كينيدي، المرشح المستقل للانتخابات الرئاسية الأميركية، بأنه ترك دباً صغيراً نافقاً في حديقة «سنترال بارك» بمانهاتن عام 2014.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب ونائبة الرئيس الحالي كامالا هاريس (أ.ف.ب)

الخلافات بين ترمب وهاريس تهدد مناظرتهما التلفزيونية

انسحبت الخلافات بين المرشحَين الرئاسيَّيْن الأميركيَّين الجمهوري دونالد ترمب والديمقراطية كامالا هاريس على موعد المناظرة التلفزيونية المرتقبة بينهما.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

«غوانتانامو»: كيف انتهى الأمر بالتراجع عن «صفقة 11 سبتمبر»؟!

قال وزير الدفاع الأميركي لويد جيه أوستن إنه بسبب المخاطر التي ينطوي عليها الأمر فإن «المسؤولية عن قضية خالد شيخ محمد يجب أن تقع على عاتقه» (نيويورك تايمز)
قال وزير الدفاع الأميركي لويد جيه أوستن إنه بسبب المخاطر التي ينطوي عليها الأمر فإن «المسؤولية عن قضية خالد شيخ محمد يجب أن تقع على عاتقه» (نيويورك تايمز)
TT

«غوانتانامو»: كيف انتهى الأمر بالتراجع عن «صفقة 11 سبتمبر»؟!

قال وزير الدفاع الأميركي لويد جيه أوستن إنه بسبب المخاطر التي ينطوي عليها الأمر فإن «المسؤولية عن قضية خالد شيخ محمد يجب أن تقع على عاتقه» (نيويورك تايمز)
قال وزير الدفاع الأميركي لويد جيه أوستن إنه بسبب المخاطر التي ينطوي عليها الأمر فإن «المسؤولية عن قضية خالد شيخ محمد يجب أن تقع على عاتقه» (نيويورك تايمز)

في غضون ثلاثة أيام من الأسبوع الماضي، صدر قراران في إطار قضية هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، أصابا أسر الضحايا بالذهول، وأثارا نقاشاً سياسياً حاداً.

في البداية، وافق مسؤول في البنتاغون على اتفاق إقرار بالذنب كان من المفترض أن يحسم القضية بعقوبة السجن مدى الحياة. بعد ذلك، ألغى وزير الدفاع لويد جيه. أوستن الاتفاق فجأة، الأمر الذي أعاد إلى الأذهان احتمال أن يواجه الرجل المتهم بالتخطيط للهجمات، خالد شيخ محمد، واثنان من المتهمين بالتواطؤ معه، محاكمة قد تصل عقوبتها إلى الإعدام.

العقل المدبّر لهجمات «11 سبتمبر» خالد شيخ محمد في صورة أفرجت عنها إدارة «غوانتانامو» سابقاً (نيويورك تايمز)

وبذلك، عادت فجأة قضية كانت قد غابت عن الوعي العام طيلة اثني عشر عاماً من الإجراءات التمهيدية، إلى دائرة الضوء. وحتى يومنا هذا، ولم يقترب موعد المحاكمة التي كان بعض أقارب الضحايا البالغ عددهم ثلاثة آلاف ضحية، يتوقون إليها.

ويستند هذا التقرير عن الأيام الثلاثة المصيرية، إلى مقابلات ومحادثات مع مسؤولين في البنتاغون، وأفراد من أسر ضحايا «هجمات 11 سبتمبر»، وأطراف القضية.

الأربعاء - 31 يوليو (تموز)

لم تكن هناك أدنى إشارة إلى ما قد يحدث في ذلك اليوم في القضية التي طواها النسيان في خليج غوانتانامو.

كانت المحكمة منعقدة في جلسة مغلقة -بمعنى دون حضور عام، ولا متهمين- حيث أدلى ضابط متقاعد من الجيش بشهادته، حول الفترة التي قضاها مسؤولاً عن السجن السري، الذي احتُجز فيه المتهمون، بدءاً من عام 2006. وكانت هذه الجولة الـ51 من جلسات ما قبل المحاكمة.

إلا أنه في مرحلة ما، وداخل مكتب بالقرب من البنتاغون، وافق مسؤول كبير بوزارة الدفاع الأميركية، يتولى مسؤولية المحاكم العسكرية، على اتفاق إقرار بالذنب مع خالد شيخ محمد والمتهمين الاثنين الآخرين بالتواطؤ.

وكان هذا المسؤول العميد المتقاعدة سوزان كيه. إسكالير، وهي محامية، وكانت تشغل منصباً مدنياً لمدة تقارب العام.

وقد فرضت السرية على محتويات الاتفاق، باستثناء السبب الأساسي وراء اتفاق الإقرار بالذنب في قضية عقوبتها المحتملة الإعدام؛ إذ تقول الحكومة إنها لن تسعى إلى المطالبة بعقوبة الإعدام، مقابل تنازل المتهمين عن حق استئناف حكم إدانتهم.

وبعد فترة وجيزة من توقيع الاتفاق، بدأ أفراد من مكتب المدعي العام لجرائم الحرب في الاتصال بأفراد أسر 2976 شخصاً قُتلوا في الهجمات في نيويورك وبنسلفانيا وضد البنتاغون في 11 سبتمبر 2001، وطلب القائمون بالاتصال من أفراد الأسرة إبقاء المكالمة سرية، ووصفوا الاتفاق بأنه «أفضل الخيارات السيئة».

مقر اللجان العسكرية خلف السياج في خليج غوانتانامو (نيويورك تايمز)

كما أرسل المدّعون رسالة إلى أقارب الضحايا، مستخدمين قائمة بأسماء وعناوين البريد الإلكتروني وأرقام هواتف أفراد الأسرة والناجين من الهجمات والضحايا الآخرين. وأكد المدعون أنهم لم يتخذوا القرار «بسهولة»، مضيفين: «إن حكمنا الجماعي والمنطقي وحَسن النية مال نحو أن هذا القرار أفضل طريق نحو وضع نهاية للقضية وإقرار العدالة بها». وجاء في الرسالة أن هناك استشاريين نفسيين متاحون وعلى استعداد لمعاونة أقارب الضحايا للتغلب على أحزانهم.

في ذلك الوقت، كان أوستن عائداً إلى الوطن، قادماً من الفلبين، بعد أن أنهى رحلة استغرقت أسبوعاً إلى آسيا. وفي نهاية رحلته التي استغرقت 16 ساعة، وفي نحو الساعة الثالثة مساءً بتوقيت واشنطن، علم أن الاتفاق قد جرى توقيعه للتو -وأن المدعين العموميين أعدُّوا خطاباً لأفراد الأسرة.

في غضون ساعتين، أصدر البنتاغون بياناً من فقرتين يعلن الاتفاق. وقال البيان: «الشروط والأحكام المحددة لاتفاقيات ما قبل المحاكمة غير متاحة للجمهور في الوقت الحاضر».

لم يطَّلع أوستن على الاتفاق، وفوجئ بالقرار. وأمر موظفيه بالبحث في خيارات وزارة الدفاع.

بموجب القانون، تخضع المحاكم العسكرية لإشراف سلطة الانعقاد، وهو الدور الممنوح لوزير الدفاع، لكنّ أوستن، مثل جميع أسلافه، فوّض دور الإشراف هذا إلى محامٍ مستقل ظاهرياً. وعين إسكالير، التي خدمت 32 عاماً في الجيش، في هذا الدور.

وقد أجاز صاحب سلطة الانعقاد قضايا للمحاكمة، ورفض أخرى، بينها توجيه اتهامات إلى رجل تعرض للتعذيب في أثناء وجوده بحجز عسكري. ولصاحب هذه السلطة اتخاذ قرار أيِّ القضايا يمكن المضي قدماً فيها، مع إمكانية صدور حكم بالإعدام، وكذلك التفاوض أو الموافقة على اتفاقات الإقرار بالذنب.

على متن طائرته، كان أوستن يتعامل مع أحدث أزمة في الشرق الأوسط: اغتيال إسرائيل أحد كبار زعماء جماعة «حماس» في أثناء وجوده في طهران، وتصاعُد التهديدات الموجهة إلى العسكريين الأميركيين في المنطقة، والمخاوف بشأن اشتعال حرب أوسع نطاقاً. وقد أجرى اتصالاً هاتفياً مع وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت. كما ناقش مستجدات الشرق الأوسط مع جيك سوليفان، مستشار الأمن الوطني للرئيس، قبل أن تصل أنباء إبرام الصفقة القضائية إلى الطائرة.

وقال مسؤول كبير بوزارة الدفاع، تحدَّث شرط عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية الموضوع، مثلما كان الحال مع غيره: «لم يتم طرح القضية». كان مسؤولو الدفاع على علم بأن محمد والرجلين الآخرين قد وقَّعوا على الاتفاقيات، لكن لم يتوقعوا أن إسكالير ستوقِّع بهذه السرعة.

جيمس فيجيانو (على اليسار) وجوزيف فيجيانو جونيور عند إزاحة الستار عن جدار تذكاري عام 2021... كانا يبلغان من العمر 6 و8 سنوات عندما قُتل والدهما المحقق جوزيف فيجيانو من قسم شرطة نيويورك في الهجمات الإرهابية (نيويورك تايمز)

الخميس - الأول من أغسطس (آب)

سادت مشاعر متضاربة بين أفراد مجتمع عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر.

من جهتها، قالت كاثلين فيجيانو، التي قُتل زوجها المحقق في شرطة نيويورك، جوزيف فيجيانو، وصهرها رجل الإطفاء، جون فيجيانو، داخل مركز التجارة العالمي، إنها كانت «غاضبة في الأغلب» إزاء ما حدث.

وكانت فيجيانو، ضابطة شرطة متقاعدة، قد تلقت اتصالاً من المدعين العموميين الذين عرفتهم على مر السنين، يشرحون لها الاتفاق. ومع ذلك، ظلت متمسكة برغبتها في عقد محاكمة، وإنزال عقوبة الإعدام بالمدانين لتحقيق العدالة.

من جهتها، شعرت تيري روكفلر، التي قُتلت شقيقتها لورا في برجي مركز التجارة العالمي، بالارتياح، فهي تعتقد أن القضية ملطخة إلى الأبد بالتعذيب، وبصفتها عضواً في مجموعة الناشطين «عائلات الحادي عشر من سبتمبر من أجل غد سلمي»، فإن الحكم بالسجن مدى الحياة مع الإقرار بالذنب وجلسة علنية لإصدار الحكم، يُعدّ الحل الوحيد الممكن.

داخل خليج غوانتانامو، أخطر المدعي العام كلايتون جي. تريفيت، القاضي المعنيّ بالقضية، العقيد ماثيو إن. مكال، رسمياً بأن الاتفاق قد جرى التوصل إليه، وأن الجانبين حريصان على المضي قدماً في تقديم الإقرارات في المحكمة.

كان العقيد مكال يقترب من اتخاذ القرارات بشأن ما إذا كانت الأدلة الحاسمة قد شوَّهها بالتعذيب.

مع توقيع ثلاثة من المتهمين الأربعة في القضية على اتفاقيات الإقرار بالذنب، كان القاضي حريصاً على تلقي نسخ لمراجعتها «بسرعة»، حسبما قال.

وجرى تسليم الاتفاقيات للمحكمة، ووافق القاضي على إقرارها، حتى يجري تشكيل هيئة محلفين، ربما في العام المقبل.

كما وافق على العمل خلال عطلة نهاية الأسبوع لإعداد أسئلة للمتهمين حول مدى فهمهم للاتفاق، لتحديد ما إذا كان كل إقرار طوعياً. وحث كلٌّ من محامي الدفاع والادعاء، القاضي على التحرك سريعاً، وتسلم أول إقرار من خالد شيخ محمد، ربما في 14 أغسطس. وبحلول وقت مبكر من بعد ظهر الخميس، بدأت القضية في استثارة أعضاء الكونغرس.

من جانبه، قال السيناتور توم كوتون، الجمهوري من أركنساس، عبر وسائل التواصل الاجتماعي: «إن سماح جو بايدن وكامالا هاريس لإرهابيي 11 سبتمبر بالإفلات من عقوبة الإعدام أمر مخزٍ. ستنحاز إدارة بايدن - هاريس دوماً إلى جانب القتلة والمجرمين في مواجهة الأميركيين الملتزمين بالقانون».

كانت لجنة الرقابة بمجلس النواب تستعد هي الأخرى لفتح تحقيق فيما إذا كان للبيت الأبيض دور في قرار إسكالير، بخصوص عملية كان من المفترض أن تكون خالية من النفوذ السياسي. في اليوم التالي، كتب النائب الجمهوري جيمس آر. كومير، من كنتاكي، إلى الرئيس بايدن يطلب نسخاً من الاتفاق، وجميع الاتصالات بين البيت الأبيض ووزارة الدفاع.

الجمعة - 2 أغسطس

بحلول الجمعة، كانت ردود الفعل العنيفة تتراكم، كما قالت تيري سترادا، من منظمة «عائلات 11 سبتمبر المتحدة»، التي قادت لسنوات جهود محاسبة المسؤولين عن الهجمات الإرهابية.

وفي مقابلة تلو الأخرى، كانت تسجل معارضتها للاتفاق القضائي. وقالت إن ما يثير القلق بشكل خاص أن الإعلان عن اتفاق الإقرار بالذنب تزامن مع تنفيذ صفقة تبادل السجناء. إذا حُكم على محمد وشركائه المتهمين بالسجن مدى الحياة، فهل هذا يعني إمكانية إطلاق سراحهم يوماً ما في إطار صفقة؟

وقالت سترادا، التي قُتل زوجها توم سترادا، سمسار السندات، داخل برجي مركز التجارة العالمي: «لم يُظهر هؤلاء المتهمون أي رحمة تجاه أحبائنا، ولم يُظهروا أي رحمة تجاه زوجي». وأكدت رغبتها في «إعادة عقوبة الإعدام إلى الطاولة، لأنها تتناسب مع الجريمة».

داخل البنتاغون، توصَّل أعضاء فريق وزير الدفاع إلى حل، فقد ألغى أوستن الاتفاق في مذكرة من فقرتين بخطوتين.

الخطوة الأولى: جرَّد إسكالير من سلطة التوصل إلى اتفاقات إقرار بالذنب، بخصوص قضية هجمات 11 سبتمبر، وأعلن أنه يملك «السلطة العليا» في هذا الصدد.

الخطوة الثانية: استخدم تلك السلطة «لسحب» صفقات الإقرار بالذنب مع محمد والرجلين الآخرين.

بعد توقيع أوستن على المذكرة مباشرةً، جرى إخطار إسكالير بأنها أُعفيت من سلطة التفاوض على صفقات الإقرار بالذنب في قضية 11 سبتمبر، وفقاً لما ذكره مسؤول بوزارة الدفاع.

إلا أنه في الوقت نفسه، لا تزال تتمتع بسلطة عقد جلسات ثانوية، واتخاذ القرارات بشأن أمور أخرى تتعلق بإدارة المحكمة -مثل تمويل ساعات العمل الإضافية للمحامين المتخصصين في قضايا تصل عقوبتها إلى الإعدام، واتخاذ القرار بشأن المتهم في القضية الذي عُدَّ غير مؤهل للمثول أمام المحكمة.

من جهته، لم يطّلع أوستن على صفقة الإقرار بالذنب بعد، لأنها كانت مختومة داخل محكمة غوانتانامو، وفق مسؤول بارز في وزارة الدفاع.

البوابة الرئيسية لسجن «غوانتانامو» في القاعدة البحرية الأميركية (أرشيفية - أ.ف.ب)

وفي غوانتانامو، علم بعض المدعين العموميين ومحامي الدفاع، بالقرار في تقرير إخباري تضمَّن نسخة من المذكرة.

وظهر منشور على وسائل التواصل الاجتماعي على هاتف فيجيانو في أثناء عودتها بالسيارة إلى المنزل من احتفال بعيد ميلاد حماتها، جانيت فيجيانو.

جاء نص الخبر على النحو التالي: «عاجل: ألغى وزير الدفاع الأميركي صفقة الإقرار بالذنب مع ثلاثة رجال متهمين بالتخطيط لهجمات الحادي عشر من سبتمبر، وأعادها فعلياً كقضية تصل عقوبتها إلى الإعدام».

وأعلنت فيجيانو أنها أفضل هدية عيد ميلاد يمكن أن تتلقاها حماتها على الإطلاق.

السبت - 3 أغسطس

من جهتهم، صُدم أقارب الضحايا الذين أيَّدوا الصفقة بهذا التراجع. وقالت منظمة «أسر الحادي عشر من سبتمبر من أجل غد سلمي»، التي أيَّدت الصفقة، في بيان لها: «ما حدث هذا الأسبوع لأسر ضحايا هجمات 11 سبتمبر كان صدمة عاطفية»، مضيفةً: «إن مخاوفنا الكبرى اليوم تتعلق بهذا البلد، ومستقبل أطفالنا وأحفادنا عندما يتم المساس بالمبادئ القانونية».

كما أبدت منظمة «الاتحاد الأميركي للحريات المدنية»، التي تموّل المحامين المدنيين في فريق الدفاع عن محمد، رأيها.

وقال أنتوني دي روميرو، المدير التنفيذي للمنظمة: «إن الوزير أوستن تهور بإلقائه عصفوراً في يده لملاحقة عقوبة الإعدام التي لن يتمكن من تحقيقها في إطار هذه المحاكم العسكرية».

* نيويورك تايمز