الجمهوريون يطلقون مسيرتهم الحمراء للعودة إلى البيت الأبيض بقيادة ترمب

أميركيون يتحدثون لـ«الشرق الأوسط» عن تطلعاتهم… في زمن الخيبة من السياسيين

TT

الجمهوريون يطلقون مسيرتهم الحمراء للعودة إلى البيت الأبيض بقيادة ترمب

المرشح الرئاسي لانتخابات 2024 الرئيس السابق دونالد ترمب بعد لحظات من محاولة اغتياله في بنسلفانيا (أ.ب)
المرشح الرئاسي لانتخابات 2024 الرئيس السابق دونالد ترمب بعد لحظات من محاولة اغتياله في بنسلفانيا (أ.ب)

لا يعرف كثيرون في ميلووكي، وهي واحدة من المدن الزرقاء الكثيرة التي يسيطر عليها الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة، كيف يمكن للرئيس السابق دونالد ترمب وأنصاره الجمهوريين أن يجعلوا «أميركا عظيمة مرة أخرى» في ظل الانقسامات السياسية والعرقية والدينية العميقة التي تمزّق هذه البلاد الشاسعة.

غير أن دواين تشينغيل، الذي يلبس ثياباً تقليدية تحاكي الشكل المفترض لـ«العم سام» وما كان يرتديه الأميركيون بعد فترة استقلال بلادهم عن الإنجليز عام 1776، لديه بعض الجواب بوصفه «العم سام الجديد». الجواب عنده: «دونالد ترمب، الذي سمى جيمس ديفيد (جاي دي) فانس مرشحاً على بطاقته لمنصب نائب الرئيس؛ أملاً في استقطاب جيل جديد من الأميركيين وتوسيع القاعدة الشعبية لـ(الحزب القديم العظيم)». راح تشينغيل يعزف على آلته الهارمونيكا، ثم قال لـ«الشرق الأوسط»: «العم سام هنا من أجل أميركا، وسنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى. سنعيد ترمب إلى السلطة حيث ينتمي، وسنجعل أميركا آمنة مرة أخرى، قوية مرة أخرى، مزدهرة مرة أخرى، ورائعة مرة أخرى، ونحن فخورون بكوننا أميركيين».

دواين تشينغيل الذي يعرّف عن نفسه باسم «العم سام الجديد» يتجادل مع شخص لديه آراء مختلفة خارج مقر المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري في ميلووكي (أ.ف.ب)

«بر أحمر» شاسع

أتى المندوبون الـ2400 للمشاركة في المؤتمر الوطني العام للحزب الجمهوري إلى ميلووكي، في محاولة للتغلب على مشكلة رئيسية يواجهونها عموماً في مواسم الانتخابات الأميركية. تميل المدن الكبيرة المكتظة بالناس، وبمَن يحق لهم الانتخاب، إلى الحزب الديمقراطي الذي يتخذ من الأزرق لوناً ومن الحمار شعاراً له. أما الحزب الجمهوري فيعتمد بشدة على تأييد لا نظير له في البر الأميركي الشاسع، حيث يعيش الفلاحون وعمال المصانع والمناجم بسكينة ورخاء نسبيَّين، متعلقين بفيل الحزب رمزاً وبلونه الأحمر.

أشاع حضور آلاف الجمهوريين الآخرين من بقية الولايات الأميركية إلى ويسكونسن بعض الأمل في استمالة الناخبين في ميلووكي، معتقدين بأن ذلك يمكن أن يمنحهم أصوات هذه الولاية المتأرجحة، في مواجهة انتخابية يتوقع أن تكون ضارية مع الديمقراطيين ومرشحهم الرئيس جو بايدن أو سواه، في انتخابات 5 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

تحتل ويسكونسن مكانة رمزية مهمة في الانتخابات، ليس فقط لأن لديها 10 مندوبين سيمثلونها في المجتمع الانتخابي المؤلف من 538 مندوباً، بل لأنها واحدة من حفنة قليلة من الولايات المتأرجحة على غرار 5 أخرى هي: ميشيغان، وجورجيا، وأريزونا، وبنسلفانيا، ونيفادا. خسر الجمهوريون انتخابات عام 2020؛ بسبب خسارتهم في هذه الولايات.

الرصاصة والرئاسة

الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب وزوجته ميلانيا على المنصة في المؤتمر الوطني العام للحزب الجمهوري في ويسكونسن (رويترز)

على الرغم من محاولات وقفه المتكررة منذ خسارته تلك الانتخابات، بما في ذلك عبر منافسين آخرين من حزبه، ظلّ ترمب مُصمّماً على العودة إلى البيت الأبيض ثأراً من «سرقة» بايدن لنتائجها. والآن يرى الجمهوريون فرصةً نادرةً في ترمب، الذي نجا الأسبوع الماضي من محاولة اغتيال في بنسلفانيا، وهو متقدم أصلاً في الاستطلاعات كلها على بايدن. ولكن هم مَن يعتقدون أيضاً بأن «معجزة» الرصاصة التي اخترقت الجزء الأعلى من الأذن اليمنى لترمب ستساعده على الوصول إلى الرئاسة.

وعبّر دواين تشينغيل عن اعتقاده بأن «80 في المائة سينتخبون ترمب إذا كانت الانتخابات آمنة»، عادّاً أنه «عندما نصوّت لصالح ترمب، فإننا نصوّت لصالح شخص خارجي لديه كثير من المال ولا يُشرى»، فضلاً عن أنه «هنا من أجلنا. إنه على استعداد لتلقي رصاصة من أجلنا، ولذا نحن على استعداد للدفاع عنه».

وظهرت هذه الثقة عند مندوب ولاية ميسيسيبي، كليفتون كارول، الذي عبّر عن قناعته بأن «البلاد بأسرها» باتت الآن مُتّحدة حول مرشح الجمهوريين. وقال: «نرى أشخاصاً لم يدعموا قط دونالد ترمب يلتفون حوله؛ لأنهم يرون شخصاً يمكنهم الوثوق به».

وانعكس ذلك أيضاً على المنافسين السابقين لترمب على بطاقة الحزب الجمهوري للانتخابات، إذ قالت الحاكمة السابقة لولاية كارولاينا الجنوبية، نيكي هايلي، إن «دونالد ترمب يحظى بدعمي القوي، نقطة على السطر!»، علماً بأنها حذّرت طوال أشهر من «فوضى» يمكن أن تُسبّبها عودة ترمب إلى البيت الأبيض. وكذلك تعهّد منافسان سابقان آخران، هما حاكم فلوريدا رون ديسانتيس، ورجل الأعمال فيفيك راماسوامي، بالولاء التام لترمب الذي جلس مستمتعاً بإظهار هذه الوحدة خلف شخصه.

ويُركّز أنصار المرشح الرئاسي الجمهوري على الضمادة التي تغطي أذن ترمب، التي تدل بالنسبة لهم على «شجاعة رجل حاول البعض إسقاطه» لكنه «لا يستسلم أبداً». وهكذا تمثل الصورة التاريخية التي ظهر بها ترمب بعيد إصابته، وخدّه مُلطّخ بالدماء، وقبضته مرفوعة، وهو يدعو أنصاره إلى «القتال» بينما كان حرّاسه الشخصيون يجلونه على عجل من المنصّة الانتخابية في مدينة باتلر بولاية بنسلفانيا.

قطار ترمب

الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب يلوّح للحشود في المؤتمر الوطني العام للحزب الجمهوري في ميلووكي بويسكونسن (أ.ف.ب)

ولكن هذا جانب واحد فقط مما يدفع الموظفة المتقاعدة في فلوريدا، ديبي ستولت، التي حضرت إلى ميلووكي بوصفها مندوبةً عن الولاية لتزكية ترشيح ترمب، الذي «لا يُمثّل الطبقة السياسية». وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «لا نريد سياسيّاً لمنصب الرئيس. لذلك حصلنا على رجل أعمال، وكان أفضل رئيس في حياتي». وزادت: «سأدعمه بغض النظر عمّا يحدث. أنا على متن قطار ترمب، وسأظل هناك إلى الأبد».

تُبدي ستولت إعجابها بترمب على الرغم من موقفه المعارض لحق الإجهاض، مُوضّحة أنه «عندما تعلق الأمر لأول مرة بالمواجهة بين رو ووايد، حصل ذلك عام 1973، ولم تكن التكنولوجيا التي لدينا اليوم موجودة في ذلك الوقت»، وهي تظهر الآن أن «هناك نبض قلب طفل».

وتؤيدها في ذلك المعالجة النفسية روبن سيبولد، التي أتت إلى ميلووكي لتنضمّ إلى «أشخاص ذوي تفكير مماثل» في القضايا التي شغلت المشاركين في المؤتمر، بما في ذلك الإجهاض. وقالت إن «الجدل الحقيقي هو أن الناس لم يفهموا أنه بمجرد الحمل، يصبح هذا الطفل كائناً حياً». وأوضحت أنه كونها معالجة نفسية، أوصت بكتاب بعنوان «حياة الطفل الذي لم يولد بعد» حول «ما يشعر به الطفل، وكل ما تمرّ به الأم، وما يمرّ به الوالدان، والصراعات، وغير ذلك».

وأكدت كذلك أنها داعمة لترمب بعد محاولة الاغتيال. وقالت: «أعتقد بأنه مع ازدياد عدد الأشخاص الذين بدأوا يفهمون ما يحدث بالفعل في بيئتنا السياسية، ويفهمون مواقف الرئيس ترمب حقاً، ومَن هو حقاً، أعتقد بأنكم ستشهدون كثيراً من الأشخاص الذين جرى استطلاع آرائهم، أو منظمي استطلاعات الرأي، يقولون إنهم لن يصوّتوا له، مثل الأقليات. ولكن أعتقد بأنهم يؤيدونه».

قضايا محورية

بالإضافة إلى الإجهاض، ركّز المشاركون في المؤتمر على موضوعات «عزيزة» على قلب المرشح الرئاسي، مثل القدرة الشرائية، والهجرة، والجريمة، والأمن الذي تضمنه «أميركا قوية». وتوالى على المنصة أميركيون غير معروفين اختيروا لأنهم فقدوا قريباً أو عزيزاً على يد مهاجر غير قانوني، أو بجرعة زائدة من مخدر «الفنتانيل» القاتل.

وجاءت تسمية السيناتور فانس، (39 عاماً)، الذي يعارض المساعدات لأوكرانيا ويتحدث بخطاب شعبوي مناهض للهجرة، نائباً للرئيس، إشارةً إلى أن ترمب يسعى إلى توسيع قاعدة الحزب الجمهوري وجاذبيته عند الأميركيين الذين يفتقدون «الحلم الأميركي» الذي يتحدث أنصار عن استعادته، من خلال «مسار جديد» حدد معالمه فانس الوافد إلى عالم السياسة الأميركية من بيئة منسية في الضواحي الأميركية الفقيرة.

إحباط وخيبة

انضمّ أفراد أسرة ترمب إليه في المنصة في ختام خطابه فجر الجمعة في ويسكونسن (رويترز)

وقفت المحامية المتقاعدة آنا ساراس، التي تعمل حالياً سيدة أعمال تطوعت لإنجاح النشاطات الجمهورية المكثفة قبل مؤتمرهم العام في ويسكونسن وخلاله، متأملةً فيما يحصل في أميركا. وإذ أشارت إلى أنها وُلدت وترعرعت في ميلووكي، وانتقلت إلى أماكن كثيرة، قالت لـ«الشرق الأوسط»: «أجد نفسي في هذه المرحلة من حياتي محبطةً وخائبةً من الاختيارات التي أمامنا من الجمهوريين والديمقراطيين». وأضافت: «دعمت كلا الطرفين في حياتي. ومع ذلك، في هذه المرحلة، أشعر بخيبة أمل ليس إلا. أشعر بأنه من ناحية لدينا شخص يجب أن يتمتع بالتواضع للتنحي، ومن ناحية أخرى لدينا شخص يشبه إلى حد ما القصة الرمزية لـ(الإمبراطور الذي ليست لديه ملابس)، ولم يقف أحد ليقل أي شيء عن ذلك، والأشخاص الذين يتبعونه يخيفونني، في حين أن الأشخاص الذين يتبعون الجانب الديمقراطي من المسالمين نوعاً ما، ولا يفعلون أي شيء حيال ذلك بطريقة نشطة».

وعبّرت عن شعورها «بخيبة أمل كبيرة»، آملة بشدة في «ألا ينظر الناس في كل أنحاء العالم إلى الولايات المتحدة ويسخرون مما لدينا هنا. بل علينا أن نتذكر مدى عظمة هذا البلد، وكم من الفرص المتاحة لنا».

بالنسبة إلى كثيرين مثل ساراس، يبدو الكلام الذي يقوله الزعماء الحزبيون، من جمهوريين وديمقراطيين، مجرد وعود بعيدة المنال.


مقالات ذات صلة

سيناريوهات تنحي بايدن: بين خيار هاريس والمؤتمر المفتوح

تحليل إخباري بايدن وهاريس خلال مؤتمر صحافي عقب تعرُّض ترمب لمحاولة اغتيال في غرفة روزفلت بالبيت الأبيض (إ.ب.أ)

سيناريوهات تنحي بايدن: بين خيار هاريس والمؤتمر المفتوح

تتصاعد الضغوط على الرئيس الأميركي جو بايدن للتنحي عن السباق الرئاسي في مواجهة الرئيس السابق والمرشح الجمهوري دونالد ترمب، بعد تراجع حظوظه في استطلاعات الرأي.

رنا أبتر (واشنطن)
الولايات المتحدة​ البالونات تتساقط بعد قبول ترمب رسمياً ترشيح «الحزب الجمهوري» له مجدداً في «المؤتمر الوطني» في ويسكونسن (أ.ف.ب)

ترمب يوحّد الجمهوريين حوله ويرسم للأميركيين مستقبلاً وردياً

رسم الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب مستقبلاً وردياً للأميركيين إذا أعادوه إلى البيت الأبيض في الانتخابات المقبلة، بعدما تمكّن من توحيد «الحزب الجمهوري» حوله.

علي بردى (ميلووكي (ويسكونسن))
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي جو بايدن (أ.ب)

بايدن يعود للحملة الانتخابية الأسبوع المقبل

أعلنت مديرة حملة إعادة انتخاب الرئيس الأميركي جو بايدن اليوم (الجمعة)، أن بايدن سيعود إلى مسار الحملة الأسبوع المقبل.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي جو بايدن مع الرئيس الأسبق باراك أوباما في لوس أنجليس (رويترز)

أوباما يعتقد أنه يتعيّن على بايدن أن يعيد النظر في ترشّحه للرئاسة

أوردت صحيفة واشنطن بوست الخميس أن الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما قال لمقرّبين منه إنّه يتعيّن على جو بايدن أن يُعيد النظر في ترشّحه لولاية رئاسيّة ثانية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن )
الولايات المتحدة​ المرشح الجمهوري لانتخابات الرئاسة الأميركية دونالد ترمب (أ.ف.ب)

ترمب يتوقع «فوزاً مذهلاً» ويعد بـ«أفضل 4 سنوات» في تاريخ أميركا

أعلن دونالد ترمب، يوم الخميس، قبوله «بكلّ إيمان وإخلاص وفخر» ترشيح الحزب الجمهوري له في الانتخابات الرئاسيّة الأميركية المقرّرة في نوفمبر (تشرين الثاني).

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

ترمب يوحّد الجمهوريين حوله ويرسم للأميركيين مستقبلاً وردياً

انضمت عائلة الرئيس الأميركي السابق إليه بعد قبول ترشيح حزبه في نهاية اليوم الأخير من المؤتمر الوطني الجمهوري في ميلووكي (أ.ف.ب)
انضمت عائلة الرئيس الأميركي السابق إليه بعد قبول ترشيح حزبه في نهاية اليوم الأخير من المؤتمر الوطني الجمهوري في ميلووكي (أ.ف.ب)
TT

ترمب يوحّد الجمهوريين حوله ويرسم للأميركيين مستقبلاً وردياً

انضمت عائلة الرئيس الأميركي السابق إليه بعد قبول ترشيح حزبه في نهاية اليوم الأخير من المؤتمر الوطني الجمهوري في ميلووكي (أ.ف.ب)
انضمت عائلة الرئيس الأميركي السابق إليه بعد قبول ترشيح حزبه في نهاية اليوم الأخير من المؤتمر الوطني الجمهوري في ميلووكي (أ.ف.ب)

قبل الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، ليل الخميس، رسمياً ترشيح المؤتمر الوطني العام لـ«الحزب الجمهوري» له؛ لخوض سباق الرئاسة مجدداً بعد أقل من أربعة أشهر، واصفاً محاولة اغتياله بأنها بمثابة السعي إلى الإجهاز على «الحلم الأميركي»، الذي لن يُستعاد من دون عودته المظفرة مع الجمهوريين إلى البيت الأبيض.

وفي خطاب طويل استمرّ نحو ساعة ونصف الساعة، بدأ ترمب بسرد رصين وحزين للحظات محاولة اغتياله، السبت الماضي، في بنسلفانيا وأثرها فيه، قائلاً: «لو لم أحرّك رأسي في تلك اللحظة الأخيرة، لكانت رصاصة القاتل أصابت هدفها تماماً (...) وما كنت لأكون هنا الليلة. ما كنا لنكون معاً»، عازياً نجاته بأعجوبة إلى الله -عزّ وجل-. وبينما كانت الضمادة لا تزال تغطّي أذنه، قال: «سمعت صوتاً عالياً، وشعرت بشيء يضربني بقوة شديدة في أذني اليمنى (...) فقلت لنفسي: واو، ما هذا؟ لا يمكن أن يكون سوى رصاصة».

ومع ظهور صور ترمب الملطخ بالدماء على الشاشات خلفه، أشاد بعملاء «الخدمة السرية» الذين هرعوا إلى جانبه، مشيداً أيضاً برجل الإطفاء الذي قُتل، كوري كومبيراتوري، وقبّل خوذته.

أميركا ترمب

وتحدّث الرئيس السابق بنبرة تصالحية غير معتادة خلال اللحظات الافتتاحية لخطابه، عندما قبل رسمياً ترشيح «الحزب الجمهوري». ثم انتهى ترمب، البالغ من العمر 78 عاماً، بالتركيز على تشويه سمعة الديمقراطيين بقيادة خصمه اللدود الرئيس جو بايدن (81 عاماً)، قبل أن يقدّم أجندة شعبوية، خصوصاً فيما يتعلق بالهجرة، راسماً صورة زهرية لأميركا والأميركيين، بل للعالم بأسره، إذا انتخب مجدداً في 5 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

وكان الخطاب بمثابة ذروة للمسيرة الحاشدة التي بدأها الجمهوريون، الإثنين الماضي، بمؤتمرهم الوطني العام الذي اجتذب الآلاف من النشطاء المحافظين والمسؤولين المنتخبين إلى مدينة ميلووكي بولاية ويسكونسن المتأرجحة، مستشعرين فرصة سياسية بناها ترمب بكلمات متعاطفة مع الفئات المنسيّة، على أمل أن يساعده ذلك في توليد زخم بالانتخابات، التي يبدو أنها تتحوّل إلى صالحه. وقال: «يجب معالجة الخلاف والانقسام في مجتمعنا. يجب أن نعالجه بسرعة. بصفتنا أميركيين نحن مرتبطون معاً بمصير واحد ومصير مشترك. نحن نرتقي معاً». وتابع: «بعد أربعة أشهر من الآن، سنحرز نصراً مدهشاً، وسنبدأ أعظم أربع سنوات في تاريخ بلادنا (...) معاً، سوف نبدأ عصراً جديداً من الأمان والرخاء والحرية للمواطنين من كل عرق ودين ولون وعقيدة». وأضاف: «أنا أترشح لأكون رئيساً لأميركا بأكملها، وليس لنصفها، لأنه لا يوجد انتصار في الفوز لنصف أميركا».

ترحيل المهاجرين

دونالد ترمب يتحدث في اليوم الرابع من المؤتمر الوطني لـ«الحزب الجمهوري» في ميلووكي ويسكونسن (رويترز)

وبينما كان يتحدث بلهجة ألطف مما كان عليه في مسيراته المعتادة، حدّد ترمب أيضاً أجندة تقودها ما وعد بأنها ستكون أكبر عملية ترحيل في تاريخ الولايات المتحدة. واتهم مراراً الأشخاص الذين يعبرون الحدود من المكسيك بشكل غير قانوني بتنظيم «غزو» لأراضي الولايات المتحدة. وتحدّث مطوّلاً عن خفض الضرائب وإنعاش الاقتصاد الأميركي عبر فرض تعريفات جمركية جديدة على الواردات التجارية من الصين، مؤكداً أنه سيعتمد بقوة سياسة «أميركا أولاً» في العلاقات الخارجية.

وإذ كرر ادعاءاته عن أن الديمقراطيين زوّروا انتخابات عام 2020 التي خسرها، قال: «يجب ألا نجرّم المعارضة أو نشيطن الخلاف السياسي»، من دون أن يذكر التمرد الذي وقع في مبنى «الكابيتول» الأميركي في 6 يناير (كانون الثاني) 2021، الذي حاول فيه أنصار ترمب وقف التصديق على خسارته أمام الديمقراطي جو بايدن. ولكنه لم يذكر حقوق الإجهاض، وهي القضية التي حيّرت الجمهوريين منذ أن ألغت المحكمة العليا في الولايات المتحدة الحق المكفول فيدرالياً في الإجهاض قبل عامين.

حال بايدن

وجاء ظهور ترمب في لحظة لا يزال يتمسّك فيها بايدن بترشيح حزبه، رغم التقارير الأخيرة عن احتمال تجاوبه مع ضغوط متواصلة يبذلها الحلفاء الرئيسيون في «الكونغرس» والمانحون وحتى الرئيس الأسبق باراك أوباما، الذين يخشون أنه قد لا يتمكّن من الفوز بإعادة انتخابه بعد الانتخابات.

وقبل أن يصعد ترمب إلى المنصة، قدّم كيد روك أغنية «قاتلوا... قاتلوا!»، مردداً الكلمة التي صاح بها ترمب في بنسلفانيا عندما ساعده عملاء «الخدمة السرية» على الخروج من المسرح الذي تعرّض لإطلاق النار. ووصف أيقونة المصارعة هالك هوغان الرئيس السابق بأنه «بطل أميركي». وأثار هوغان رد فعل صاخباً عندما مزّق قميصه في أثناء وقوفه على المسرح الرئيسي، ليكشف عن قميص «ترمب - فانس» الأحمر، الذي كتب عليه «فلنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى». وقال: «بصفتي فناناً، أحاول البقاء بعيداً عن السياسة. لم يعد بإمكاني البقاء صامتاً».

قصة عائلية

البالونات تتساقط بعد قبول ترمب رسمياً ترشيح «الحزب الجمهوري» له مجدداً في «المؤتمر الوطني» في ويسكونسن (أ.ف.ب)

ومثل كثير من المتحدثين خلال المؤتمر، أشار مضيف قناة «فوكس نيوز» السابق، تاكر كارلسون، إلى أن الأحداث الأخيرة كانت بمشيئة من الله، لافتاً إلى أن إطلاق النار «غيّر ترمب»، الذي «بذل قصارى جهده لتوحيد البلاد. هذا هو السلوك الأكثر مسؤولية وتوحيداً من قائد رأيته على الإطلاق».

وانضمت السيدة الأولى السابقة ميلانيا ترمب، وإيفانكا ترمب، الابنة الكبرى والمستشارة الكبيرة السابقة، إلى ترمب في قاعة المؤتمر قبل خطابه.

وبعد كلمة ترمب، غادر الجمهوريون مؤتمرهم متحدين، بعدما أعاد ترمب عملياً تشكيل الحزب على أثر فوزه على جميع منافسيه الحزبيين. وانضم إليه خصومه السابقون، وبينهم السيناتور تيد كروز، والسيناتور ماركو روبيو، والسفيرة السابقة لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي، وحاكم فلوريدا رون ديسانتيس.

وحتى اختياره السيناتور جاي دي فانس لمنصب نائب الرئيس، الذي اختاره ترمب لنقل حركته إلى الجيل القادم، كان ذات يوم منتقداً شرساً اقترح في رسالة خاصة -آنذاك- أن ترمب قد يكون «هتلر أميركا».