ملامح التحالفات في القرن الحادي والعشرين

قادة دول حلف شمال الأطلسي خلال اجتماعهم في واشنطن الثلاثاء الماضي (د.ب.أ)
قادة دول حلف شمال الأطلسي خلال اجتماعهم في واشنطن الثلاثاء الماضي (د.ب.أ)
TT

ملامح التحالفات في القرن الحادي والعشرين

قادة دول حلف شمال الأطلسي خلال اجتماعهم في واشنطن الثلاثاء الماضي (د.ب.أ)
قادة دول حلف شمال الأطلسي خلال اجتماعهم في واشنطن الثلاثاء الماضي (د.ب.أ)

يُعتبر جسم ما، أو منظومة (System) معيّنة، مستقرّاً، فقط عندما يكون مجموع القوى التي تُمارس عليه مساوياً للصفر. هكذا هي قوّة الأشياء وتأثير الجاذبية. هكذا هي قدريّة تفاعل الأشياء مع بعضها البعض، ونحن كبشر، نُعتبر الجزء الأهمّ في هذا التفاعل. لذلك عندما يختلّ التوازن في منظومة ما، تسعى المكوّنات الأساسيّة لهذه المنظومة إلى التعويض في مكان ما. والهدف دائماً هو إعادة التوازن والاستقرار. لكن ليس بالضرورة أن تعود المنظومة إلى سابق عهدها. فعند كلّ خلل في التوازن، والسعي في المقابل للتعويض، تُنتج هذه العملية منظومة جديدة، لكن أكثر استقراراً. لكن الاستقرار المُستدام ليس من صفة هذه المنظومات، خاصة عندما يتعلّق الأمر بالدور البشريّ. فحيثما وجد الإنسان، كانت الديناميكيّة والتغيير. وعليه قد يمكن القول إن التغيير هو الثابت الوحيد في التطوّر البشريّ.

التحالفات

تعتبر التحالفات منظومة هرميّة مكوّنة من لاعبين أساسيّين وثانويّين في العلاقات الدوليّة. فهي وبمجرّد تشكّلها، تؤّثر مباشرة في تركيبة النظام العالميّ، فتُحدث خللاً في التوازن، الأمر الذي يؤدّي إلى ردّ فعل من المكوّنات الأخرى للتركيبة العالميّة. والهدف دائماً هو التعويض عن الخلل الذي حدث. تُعتبر التحالفات من ضمن منظومة الردع (Deterrence). هكذا هي حال اليابان مع الولايات المتحدة مقابل الاستراتيجيّة الصينيّة الكبرى في شرق آسيا. هكذا هي حال الدول الصغيرة في أوروبا الشرقيّة. فهي انضمّت لحلف الناتو، فقط كي تردع روسيا عن السعي لاستعادة مناطق نفوذها في محيطها المباشر. في كلّ تحالف كبير، هناك مركز ثقل ومحور أساسيّ تدور حوله كل العناصر المكوّنة لهذا التحالف. ويعود هذا السبب إلى قدرات المركز في الجذب المركزيّ (Centripetal). تتجسّد هذه القدرات أكثر ما تتجسّد في البُعدين العسكريّ والاقتصاديّ للقوّة المركزيّة في أيّ تحالف.

تؤثّر التحالفات مباشرة في الاستراتيجيات الكبرى للدول المكوّنة لها. فاستناداً إلى تركيبة التحالف، الأهداف كما القدرات، ترسم الدول الأعضاء استراتيجياتها، وبشكل تكاملي مع المنظمة ككلّ. في التحالف لا حريّة مُطلقة للدول الأعضاء. فهو يؤمّن الردع، مع تقييدات مهمة في الاستراتيجيّات الكبرى.

يُعتبر النصر على أنه العدو الأوّل للتحالفات. فبعد النصر، يسقط عادة التحالف، أو يتغيّر بشكل جذري. لكن الخطر المُحدق، يعتبر على أنه الصمغ، واللحام (Glue) الذي يربط التحالف ضمن شبكة عنكبوتيّة.

هكذا كانت حال حلف شمال الأطلسي «الناتو»، كما حلف وارسو. تغيّر الناتو، فقط لأن حلف وارسو قد انحلّ، ولم يعد يشكّل الاتحاد السوفياتيّ خطراً وجودياً على الدول المكوّنة لحلف الناتو. ألم يقل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إن حلف الناتو هو حالة الموت السريريّ؟ لكن الناتو عاد، وبحلّة جديدة بعد عودة الخطر الروسيّ والحرب على أوكرانيا.

كلّما كان التحالف كبيراً، وكلّما ضم بعض الدول ذات الثقل الكبير؛ كان تأثيره على النظام العالميّ أكبر. خرج الزعيم الصيني ماو تسي تونغ من التحالف الشيوعي الكبير مع الاتحاد السوفياتيّ، وذلك بعد زيارة الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون إلى بكين. وبسبب هذا الخروج، قال بعض المفكّرين إن العالم انتقل من الثنائيّة إلى عالم ثلاثيّ الأقطاب.

ملامح التحالفات في عالم اليوم

تكفي مراقبة حركيّة رؤساء الدول الكبرى، والدول التي يزورونها، وموقع هذه الدول الجيوسياسيّ، والدور الممكن أن تلعبه هذه الدول، لمعرفة أين سيكون مركز ثقل النظام العالميّ في القرن الحادي والعشرين. وإذا كانت الثورة الصناعية في أوروبا قد جعلت مركز ثقل العالم لمدّة 500 سنة في العالم الغربيّ. فإن الثورة التكنولوجية سوف تنقل مركز الثقل هذا إلى السهل الأوراسيّ، كما إلى منطقة الأندو - باسيفيك. فما هي المؤشرات على ذلك؟

زار الرئيس بوتين كلا من كوريا الشمالية وفيتنام، وهما دولتان تعتبران ضمن منطقة النفوذ الصينيّ. ففي العام 1979، خاضت الصين حرباً محدودة ضد فيتنام تأديباً لها لمشاركتها الاتحاد السوفياتي آنذاك في السعيّ لتطويق واحتواء الصين. كما أن فيتنام على خلاف مباشر مع الصين بسبب ترسيم الحدود البحريّة في بحر جنوب الصين. وبهذه الزيارات، وحسب بعض الخبراء، يهدف الرئيس بوتين إلى إظهار روسيا على أنها قوّة عظمى، وليست قوّة كبرى مُلحقة بالصين.

في المقابل، زار الرئيس الصيني كازاخستان، وهي منطقة النفوذ الروسي التقليديّة والتاريخيّة. ففي آسيا الوسطى يمر مشروع الرئيس الصيني الحزام والطريق. وعبر كازاخستان سيمر المشروع المشترك مع الصين - الممرّ الأوسط - والذي يتجاوز روسيا. حتى أن هناك الكثير من الأصوات التي بدأت ترتفع في الصين مُطالبة باسترجاع الكثير من الأراضي الصينية التي ضمّها بالقوّة الاتحاد السوفياتي، الأمر الذي حرمها من إطلالة مباشرة على بحر اليابان.

زار رئيس الوزراء الهندي روسيا مؤخّرا، الأمر الذي يكمّل المثلث الجيوسياسيّ الأهم في العالم ألا وهو: الصين، روسيا، الهند. وهو قلق، أي الرئيس الهندي، من التقارب الروسي – الصيني. فمع الصين وروسيا هناك السهل الأوراسيّ. ومع الهند وروسيا هناك صلة الوصل بين السهل الأوراسيّ ومنطقة الأندو - باسيفيك. فهل يشهد العالم حالياً مرحلة ربط منطقة الهارتلاند (Heartland) حسب ما بشّر به المفكّر الإنجليزيّ هالفورد ماكندر، بمنطقة الريملاند (Rimland) حسب المفكّر الأميركي نيكولا سبايكمان؟ أم أن الشيطان يكمن في التفاصيل؟

وأخيراً وليس آخراً، عقدت في واشنطن قمّة حلف الناتو الـ75. وفيها أتى الحلف على ذكر الصين كخطر محتمل. كما حدّد الحلف استراتيجيته للحرب الروسية على أوكرانيا.

في الختام، يقول الخبراء إنه لا شيء ثابتاً في السياسة، وإن المصالح دائماً تتقدّم على الصداقات، وإن ما يجمع تلك الدول العظمى، خاصة الصين وروسيا، هو العداء المشترك للولايات المتحدة الأميركيّة. لكن ما يُفرّقهم هو القدرية الجغرافيّة. فالجغرافيا تربطهم حكماً، لكن الخلاف على أن من يسيطر عليها كان قد أدّى في بعض الأحيان إلى الاستعداد حتى إلى استعمال السلاح النوويّ من قبل روسيا.


مقالات ذات صلة

«الناتو» يعزّز انتشاره العسكري في بحر البلطيق بعد تخريب كابلات

أوروبا سفن تابعة لـ«الناتو» تبحر خلال مناورات السواحل الشمالية في بحر البلطيق 18 سبتمبر 2023 (رويترز)

«الناتو» يعزّز انتشاره العسكري في بحر البلطيق بعد تخريب كابلات

قال الأمين العام لحلف الناتو، اليوم (الثلاثاء)، إن «الناتو» سينشر سفناً وطائرات ومسيرات في بحر البلطيق ردا على تخريب عدة كابلات بحرية يشتبه في وقوف روسيا وراءه.

«الشرق الأوسط» (هلسنكي)
أوروبا دونالد ترمب يصافح فلاديمير بوتين خلال لقاء على هامش «قمة العشرين» باليابان في يناير 2019 (أرشيفية - د.ب.أ)

ترمب سيلتقي مع بوتين «سريعاً جداً» بعد تنصيبه

قال الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، إنه سيلتقي نظيره الروسي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين «سريعاً جدّاً» بعد تنصيبه الأسبوع المقبل.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
أوروبا الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته (أرشيفية - أ.ب)

الأمين العام للأطلسي: أوكرانيا ليست في موقع قوة لبدء محادثات سلام

حذّر الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته الإثنين من أنّ أوكرانيا ليست حاليا في موقع قوة لبدء مفاوضات سلام مع روسيا.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
أوروبا سفينة حربية إستونية في بحر البلطيق 9 يناير 2025 بوصفها جزءاً من دوريات حلف شمال الأطلسي المكثفة في المنطقة (أ.ب)

«الناتو» يرسل سفينتين إلى بحر البلطيق بعد تضرر كابلات بحرية

أعلنت وزيرة الخارجية الفنلندية، الجمعة، أن حلف شمال الأطلسي (الناتو) سيرسل سفينتين لمراقبة البنية التحتية تحت الماء و«الأسطول الشبح» الروسي في بحر البلطيق.

«الشرق الأوسط» (هلسنكي)
أوروبا رئيس الاتحاد الأوروبي أنطونيو كوستا ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين (حساب كوستا عبر منصة «إكس»)

الاتحاد الأوروبي رداً على ترمب: «نحن أقوى معاً»

شدّد رئيس الاتحاد الأوروبي أنطونيو كوستا، ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، على أنّ الولايات المتحدة وأوروبا «هما أقوى معاً».

«الشرق الأوسط» (بروكسل)

الأعاصير النارية... ظاهرة نادرة وخطيرة تهدد رجال الإطفاء في كاليفورنيا

أحد رجال الإطفاء في ولاية كاليفورنيا قبل اندلاع حريق باليساديس يوم الثلاثاء 14 يناير 2025 (أ.ب)
أحد رجال الإطفاء في ولاية كاليفورنيا قبل اندلاع حريق باليساديس يوم الثلاثاء 14 يناير 2025 (أ.ب)
TT

الأعاصير النارية... ظاهرة نادرة وخطيرة تهدد رجال الإطفاء في كاليفورنيا

أحد رجال الإطفاء في ولاية كاليفورنيا قبل اندلاع حريق باليساديس يوم الثلاثاء 14 يناير 2025 (أ.ب)
أحد رجال الإطفاء في ولاية كاليفورنيا قبل اندلاع حريق باليساديس يوم الثلاثاء 14 يناير 2025 (أ.ب)

في الوقت الذي يواجه فيه رجال الإطفاء في ولاية كاليفورنيا الأميركية تحديات كبيرة بالفعل، قد يتعين عليهم أيضاً التعامل مع الأعاصير النارية، وهي ظاهرة نادرة؛ لكن خطيرة.

وحذرت هيئة الطقس الوطنية أمس (الثلاثاء) من أن مزيج الرياح القوية والأجواء شديدة الجفاف خلق «وضعاً خطراً على نحو خاص»؛ حيث يمكن أن تتوسع أي حرائق جديدة بشكل مفاجئ.

ولم تذكر التحذيرات التي تمتد حتى اليوم (الأربعاء)، الأعاصير النارية؛ لكن عالم الأرصاد الجوية تود هول قال إن الأعاصير النارية ممكنة بالنظر إلى الظروف المتطرفة.

أفراد من طاقم بإدارة الإصلاحات في كاليفورنيا يعملون على خطوط الاحتواء قبل اندلاع حريق باليساديس أمس (أ.ب)

وتُعرِّف مجموعة التنسيق الوطنية لحرائق الغابات الإعصار الناري بأنه «عمود دوَّار من الهواء الساخن والغازات الصاعدة من الحريق، حاملة معها الدخان والحطام واللهب»، وتوضح أن الدوامات الكبيرة «لها شدة تعادل الإعصار الصغير»، حسبما أوردت وكالة «أسوشييتد برس».

أفراد من طاقم بإدارة الإصلاحات في كاليفورنيا يعملون على خطوط الاحتواء قبل اندلاع حريق باليساديس أمس (أ.ب)

ويمكن للأعاصير النارية أن تزيد من شدة الحرائق عن طريق سحب الهواء، ففي عام 2018، تسبب إعصار ناري بحجم 3 ملاعب كرة قدم في مقتل رجل إطفاء، عندما انفجر في حريق هائل ومدمر كان قد نشب بالفعل بالقرب من مدينة ريدينغ التي تبعد نحو 400 كيلومتر شمال سان فرنسيسكو، في شمال ولاية كاليفورنيا.