هل تستطيع هاريس هزيمة ترمب في انتخابات الرئاسة الأميركية؟

نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس (رويترز)
نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس (رويترز)
TT

هل تستطيع هاريس هزيمة ترمب في انتخابات الرئاسة الأميركية؟

نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس (رويترز)
نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس (رويترز)

أصبحت نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس، مصدر قلق للجهات المتبرّعة للحزب الجمهوري، في الوقت الذي بدأ فيه عدد من كبار الشخصيات بالحزب الديمقراطي في الاصطفاف خلفها.

ووفق تقرير نشرته وكالة «رويترز»، يقول ديمقراطيون بارزون، إن هاريس ستكون الخليفة الطبيعي للرئيس جو بايدن، إذا رضخ للضغوط المتزايدة وتخلّى عن ترشيح الحزب الديمقراطي له، في الانتخابات المقرّرة في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الحالي.

واليوم يتساءل المتبرّعون والناشطون والمسؤولون في الحزب الديمقراطي: هل لدى هاريس فرصة أفضل من بايدن، للتغلب على الرئيس السابق والمرشح الجمهوري الحالي دونالد ترمب؟

إذا أصبحت هاريس (59 عاماً)، وهي عضو سابق بمجلس الشيوخ الأميركي، وسبق أن شغلت منصب المدعي العام لولاية كاليفورنيا، مرشحة الحزب الديمقراطي، وفازت في انتخابات الخامس من نوفمبر، فستكون أول رئيسة في تاريخ الولايات المتحدة، وهاريس حالياً هي أول أميركية من أصل أفريقي وآسيوي تشغل منصب نائب الرئيس.

تولّت هاريس عملها في البيت الأبيض قبل 3 سنوات ونصف السنة، واتسمت تلك الفترة ببداية باهتة لاضطلاعها بمهام منصبها، وإحلال موظفين بآخرين، والتبكير بتولّي مهام سياسية، منها ملف الهجرة من أميركا الوسطى، الذي لم يتحقّق فيه الكثير من النجاح.

وخلال العام الماضي عبّر كثيرون داخل البيت الأبيض، وفريق حملة بايدن بشكل خاص، عن قلقهم من أن تمثّل هاريس عائقاً أمام نشاط الحملة، لكن، وفقاً لمسؤولين ديمقراطيين، تغيّر الوضع بشكل كبير منذ ذلك الحين؛ إذ تحركت هاريس في ملف حقوق الإجهاض، وبدأت في التودد إلى الناخبين الشبان.

تأييد هاريس في بعض استطلاعات الرأي

تشير استطلاعات رأي حديثة إلى أن أداء هاريس يمكن أن يكون أفضل من بايدن، في مواجهة المرشح الجمهوري ترمب، غير أنها ستواجه منافسة شديدة.

وأظهر استطلاع أجرته شبكة «سي إن إن»، ونشرت نتائجه في الثاني من يوليو (تموز)، أن الناخبين يفضّلون ترمب على بايدن بـ6 نقاط مئوية، وبنسبة 49 بالمائة مقابل 43 بالمائة، كما كان التأييد لهاريس بنسبة 45 بالمائة، مقابل 47 بالمائة لترمب، وهو فارق يدخل ضمن هامش الخطأ في الاستطلاع.

وأظهر الاستطلاع كذلك أن التأييد لهاريس من المستقلّين بلغ 43 بالمائة، مقابل 40 بالمائة لترمب، كما أن الناخبين المعتدلين من كلا الحزبَين أيدوها بنسبة 51 بالمائة، مقابل 39 بالمائة لترمب.

وأظهر استطلاع أجرته «رويترز/إبسوس»، بعد المناظرة التلفزيونية التي جرت الأسبوع الماضي بين ترمب وبايدن، الذي تعثّر خلالها، أن هاريس وترمب متعادلان تقريباً؛ إذ أيّدها 42 بالمائة، وأيّده 43 بالمائة.

وكانت السيدة الأولى السابقة ميشيل أوباما، التي لم تعبّر قط عن أي اهتمام بدخول السباق الرئاسي، هي الشخصية الوحيدة التي حصلت على نتائج أعلى بين البدائل المحتملة لبايدن.

ويُظهر استطلاع داخلي نشرته حملة بايدن بعد المناظرة، أن هاريس لديها نفس فرص فوز بايدن على ترمب؛ إذ قال 45 بالمائة من الناخبين، إنهم سيصوتون لها، مقابل 48 بالمائة لترمب.

وقال ديمقراطيون مؤثرون، إن هاريس ستكون المنافس الديمقراطي الأفضل إذا اختار بايدن التنحي، ومن هؤلاء النائب جيم كلايبرن، الرجل الذي كان سبباً رئيسياً في فوز بايدن عام 2020، والنائب غريغوري ميكس، عضو الكونغرس عن نيويورك، وكذلك العضو البارز في كتلة السود بالكونغرس، والنائبة الديمقراطية عن بنسلفانيا سمر لي.

وقال أحد المساعدين في الكونغرس، إن زعيم الأقلية في مجلس النواب حكيم جيفريز، تحدّث برأي مماثل إلى زملائه.

وقال اثنان من المتبرّعين للحزب الجمهوري لـ«رويترز»، إنهما يأخذان مسألة ترشح هاريس على محمل الجد، وإنهما يفضّلان أن يواجه ترمب بايدن بدلاً منها.

وقالت بولين لي، وهي إحدى جامعات التبرعات لترمب في نيفادا، بعد مناظرة 27 يونيو (حزيران): «أفضّل أن يظل بايدن في السباق»، لا أن تحل هاريس محله، معبّرة عن اعتقادها أن بايدن أثبت أنه «غير كفء».

وبدأ البعض في «وول ستريت»، وهو مركز مهم لجمع التبرعات للحزب الديمقراطي، في التعبير والإدلاء بآرائهم حول المرشح المفضل.

وقال سونو فارجيز، الخبير الاستراتيجي لدى شركة الخدمات المالية «كارسون غروب»: «بايدن يتخلف عن ترمب بالفعل، ومن غير المرجّح أن يتمكن من سد هذه الفجوة بالنظر إلى وضع حملته حالياً، وسيؤدي وجود هاريس على الأرجح إلى تحسين احتمالات سيطرة الديمقراطيين على البيت الأبيض». وأضاف: «من المحتمل أن تكون فرصها أفضل من فرص بايدن في هذه المرحلة».

وينظر غالبية الأميركيين إلى هاريس نظرة سلبية مثلما ينظرون إلى بايدن وترمب.

ووجد استطلاع أجرَته مؤسسة «فايف ثيرتي إيت»، أن 37.1 بالمائة من الناخبين يؤيدون هاريس، مقابل معارضة 49.6 بالمائة، وأن 36.9 بالمائة يؤيدون بايدن، مقابل 57.1 بالمائة، في حين حصل ترمب على نسبة تأييد 38.6 بالمائة، مقابل 53.6 بالمائة.

النساء والناخبون السود وأنصار غزة

منذ أن ألغت المحكمة العليا الحق الدستوري للنساء في الإجهاض في 2022، أصبحت هاريس الصوت الأبرز في إدارة بايدن بشأن حقوق الإنجاب، وهو ملف يراهن عليه الديمقراطيون؛ لمساعدتهم في الفوز في انتخابات 2024.

يعتقد بعض الديمقراطيين أن هاريس بمقدورها أن تبثّ الحماس لدى المجموعات ذات الميول الديمقراطية التي تَراجع حماسها لبايدن، بما يشمل الناخبين السود والشبان، ومن لا يوافقون على طريقة تعامل بايدن مع الحرب التي تشنّها إسرائيل على قطاع غزة.

وقال تيم ريان عضو الكونغرس الديمقراطي السابق، من ولاية أوهايو، في مقال رأي نُشر مؤخراً: «ستبث الحماس لدى الأعضاء من السود وأصحاب البشرة السمراء، ومن تعود أصولهم لمنطقة آسيا والهادي في تحالفنا... ستجتذب على الفور المحبَطين من الشبان في بلادنا ليعودوا للمشهد».

وأضاف أنه يعتقد أن النساء المقيمات في الضواحي قد يكنّ أكثر ارتياحاً لهاريس مقارنةً بترمب أو بايدن.

أما استراتيجية هاريس العلنية تجاه إسرائيل بصفتها نائبة للرئيس، فهي متطابقة مع بايدن، لكنها كانت أول شخصية سياسية بارزة في الحكومة الأميركية تدعو لوقف إطلاق النار في مارس (آذار).

وقال عباس علوية، وهو عضو في حركة «غير ملتزم»، التي حجبت أصوات التأييد لبايدن في الانتخابات التمهيدية لاختيار مرشح الحزب، بسبب دعمه إسرائيل: «مجرد تغيير المرشح لا يعالج مبعث القلق الرئيسي» للحركة.

وإذا تنحّى بايدن فقد تنشب منافسة بين ديمقراطيين آخرين للحصول على ترشيح الحزب.

وإذا اختار الحزب مرشحاً آخر وفضّله على هاريس، يقول بعض الديمقراطيين إن ذلك قد يكبّد الحزب خسارة الكثير من السود الذين كانت أصواتهم حاسمة في فوز بايدن بانتخابات 2020.

وقالت أدريان شروبشاير، المديرة التنفيذية لمجموعة «بلاكباك» للتواصل بين الناخبين السود: «لا بديل غير كامالا هاريس».

يسارية أكثر مما ينبغي؟

لكن بعض المتبرّعين للحزب الديمقراطي يقولون، إن هاريس قد تواجه صعوبات في اجتذاب الديمقراطيين المعتدلين، والناخبين المستقلين الذين تروقهم سياسات بايدن الوسطية، ويتنافس الحزبان على أصوات الناخبين المستقلين؛ لتساعد في دفع مرشح الحزب ليفوز بالرئاسة.

ويقول دميتري ميلهورن، وهو من جامعي الأموال والتبرعات، ومستشار ريد هوفمان، المؤسّس المشارك لمنصة «لينكد إن»، والمتبرع الكبير للحزب الديمقراطي: «أكبر نقطة ضعف لديها هي أن صورتها لدى الناس ارتبطت مع الجناح اليساري المتطرف من الحزب الديمقراطي... والجناح اليساري من الحزب الديمقراطي لا يمكنه أن يفوز بانتخابات على مستوى البلاد بأكملها... هذا هو التحدي الذي سيكون عليها تخطّيه إذا أصبحت مرشحة الحزب».

يمكن لهاريس أن تستفيد من الأموال التي جمعتها بالفعل حملة بايدن الانتخابية، وترث البنية التحتية القائمة للحملة الانتخابية، وهي ميزة حاسمة قبل 4 أشهر فقط على يوم التصويت في الخامس من نوفمبر.

لكن محلّلين استراتيجيين يقولون إن أي حملة انتخابية للحزب الديمقراطي ستحتاج، رغم ذلك، لجمع مئات الملايين من الدولارات قبل التصويت، لتكلل جهودها بالنجاح.

وقال مصدر في اللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي: «أستطيع أن أقول لكم إننا نواجه صعوبة كبيرة في جمع الأموال تأييداً لها».

وخلال ترشحها للرئاسة قبل انتخابات 2020، لم تتمكن هاريس من جمع ذات التمويل الذي تمكّن بايدن من جمعه، وانسحبت من السباق في ديسمبر (كانون الأول) 2019، وهو ذات الشهر الذي أعلنت حملتها الانتخابية جمع مساهمات بلغت 39.3 مليون دولار إجمالاً، أما حملة بايدن فقد تمكّنت من جمع 60.9 مليون دولار في ذات الفترة.

وعلى الرغم من ذلك، فإن حملة بايدن تمكّنت من جمع مبلغ قياسي هو 48 مليون دولار في 24 ساعة، بعد إعلان اختيار هاريس نائبة لبايدن على بطاقته الانتخابية في السباق الرئاسي 2020.

وقال بعض الديمقراطيين، إن خلفية هاريس في ممارسة العمل في مجال الادّعاء العام، قد تُعطي بريقاً لشخصيتها ومواقفها في مناظرة مباشرة مع ترمب.

ويرى ميلهورن أن «لديها تركيزاً مبهراً، وهي قوية وذكية، وإذا تولّت عرض قضية الادّعاء في مواجهة مخالفات دونالد ترمب فسوف تُطيح به».

وزادت هجمات الجمهوريين على هاريس منذ أن ورد احتمال أنها قد تحل محل بايدن، ويُعيد مقدّمو برامج من المحافظين تداول أوجه نقد تعرّضت لها خلال سباق 2020، بما يشمل ما قاله بعض الديمقراطيين عن أنها تضحك أكثر من اللازم، ولم تُختبَر حقاً بعد، وغير مؤهّلة.

تقول كيلي ديتمار، وهي أستاذة علوم سياسية في جامعة روتجرز، إن تلك الانتقادات الشرسة تأتي في إطار تاريخ طويل من التقليل من قدر النساء الملوّنات، وإهانتهن في المجال السياسي.

وأضافت: «للأسف، الاعتماد على الهجمات العنصرية والمنحازة جنسياً، واستخدام تشبيهات مناهضة للنساء المرشحات لمنصب، أمر شائع في التاريخ، ومستمر حتى يومنا هذا».


مقالات ذات صلة

ترمب يعود إلى بنسلفانيا... وهاريس تغازل الناخبين العرب

الولايات المتحدة​ متطوّع ينهي الاستعدادات لفعالية ترمب في بتلر ببنسلفانيا مرتدياً زيّ «العم سام» يوم 5 أكتوبر (أ.ف.ب)

ترمب يعود إلى بنسلفانيا... وهاريس تغازل الناخبين العرب

يعرب بعض الديمقراطيين عن قلقهم حيال جدول حملة هاريس «الخفيف» نسبياً، وعقدها فعاليات انتخابية أقل من ترمب.

إيلي يوسف (واشنطن)
شؤون إقليمية المرشح الرئاسي الجمهوري والرئيس السابق دونالد ترمب يتحدث في تجمع لحملته الانتخابية في نورث كارولاينا (رويترز) play-circle 00:56

ترمب يدعم ضرب «النووي» الإيراني… وإسرائيل لا تقدم ضمانات لبايدن

أرسلت وزارة الدفاع الأميركية(البنتاغون) مجموعة كبيرة من الأسلحة إلى المنطقة، ومنها حاملات طائرات ومدمرات بصواريخ موجهة وسفن هجومية برمائية وأسراب من المقاتلات.

علي بردى (واشنطن)
الولايات المتحدة​ فاز ترمب بأصوات ميشيغان في انتخابات عام 2016 واستعادها بايدن في عام 2020 (أ.ف.ب)

ميشيغان... ولاية البحيرات العظمى قد تحسم السباق إلى البيت الأبيض

كانت ولاية ميشيغان تعد «زرقاء» بامتياز، إلى حين فوز الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترمب بها في انتخابات 2016.

رنا أبتر (واشنطن)
الولايات المتحدة​ لحظة إصابة دونالد ترمب في أذنه اليمنى (رويترز)

ترمب يعود اليوم الى مسرح محاولة اغتياله في بنسلفانيا

يعود المرشح الجمهوري للانتخابات الرئاسية الأميركية دونالد ترمب، اليوم السبت، إلى بلدة باتلر في ولاية بنسلفانيا حيث تعرّض لمحاولة اغتيال بالرصاص.

«الشرق الأوسط» (بيتسبرغ)
شؤون إقليمية الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب (ا.ف.ب)

ترمب يؤيد استهداف إسرائيل منشآت نووية إيرانية

قال دونالد ترمب، الجمعة، إن على إسرائيل ضرب المنشآت النووية الإيرانية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

تقرير: مهاجمة إسرائيل لإيران ستضر بحملة هاريس إذا ارتفعت أسعار النفط

حقل نفطي إيراني (رويترز)
حقل نفطي إيراني (رويترز)
TT

تقرير: مهاجمة إسرائيل لإيران ستضر بحملة هاريس إذا ارتفعت أسعار النفط

حقل نفطي إيراني (رويترز)
حقل نفطي إيراني (رويترز)

قال خبراء، لموقع «بيزنس إنسايدر»، السبت، إن الضربة الإسرائيلية المتوقعة ضد إيران رداً على الهجوم الصاروخي الذي شنّته طهران ضدها الثلاثاء، قد تؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط بشكل أكبر، ما يخلق صداعاً لحملة المرشحة الديمقراطية للانتخابات الرئاسية الأميركية كامالا هاريس، إذا استهدفت المنشآت النفطية الإيرانية.

فتاريخياً، لا يحقق الرؤساء نتائج جيدة في مناصبهم عندما ترتفع أسعار النفط، ووجد خبراء السياسة أن ارتفاع أسعار النفط يرتبط بانخفاض الشعبية، ولا يحقق الرؤساء نتائج جيدة عادةً عندما يُنظر إليهم على أنهم بلا شعبية كبيرة، وفقاً للموقع.

وسواء أكان ذلك الأمر عادلاً أم غير عادل، يلوم الأميركيون الرئيس عندما يكلفهم الوقود أموالاً أكثر، حتى لو كانت الأحداث التي تسببت في ارتفاع الأسعار خارجة عن سيطرته.

وقال المحللون إن جميع الأطراف لديها في الوقت الحالي حوافز لتجنب اتخاذ إجراءات من شأنها أن تزيد من زعزعة استقرار المنطقة.

وذكر باتريك دي هان، رئيس تحليل شؤون البترول في «غاز بادي»: «أعتقد أن هناك قليلاً من الاستقرار، ولم يكن الأمر مثل غزو روسيا لأوكرانيا، ولكنّ هناك كثيراً من الضغوط على الجانبين لمنع تصعيد الأمر إلى حرب، أعتقد أنه سيكون من الاستثنائي حقاً أن نرى هذا التصعيد خارج نطاق السيطرة».

وأشار دي هان إلى كيفية استجابة أسواق النفط للهجوم الإيراني على إسرائيل في أبريل (نيسان)؛ حيث ارتفعت لفترة وجيزة قبل أن تنخفض مرة أخرى، والقلق الرئيسي هذه المرة هو أن القادة الإسرائيليين يبدو أنهم يريدون رداً أكبر بكثير مما حدث وقتها.

وذكر الخبير الاستراتيجي كلاي سيجل: «في أبريل، شهدنا رداً إسرائيلياً محدوداً للغاية؛ حيث ضربت بطارية دفاع جوي واحدة في وسط إيران، وكان المقصود من ذلك إرسال رسالة إلى طهران، مفادها أن إسرائيل يمكنها استهداف وتدمير القدرات الإيرانية بنجاح على مسافات طويلة إذا لزم الأمر».

وأضاف: «لكن في يوليو (تموز)، دمرت إسرائيل منشأة نفطية يسيطر عليها الحوثيون في اليمن، بينما كان للهجوم تأثير محدود على الحوثيين، كانت الرسالة واضحة لإيران، مما يسلط الضوء على حقيقة أن الأصول النفطية مدرجة على قائمة أهداف الإسرائيليين، وتكررت الرسالة في وقت سابق من هذا الأسبوع بهجوم إسرائيلي ثانٍ على منشآت النفط والطاقة التي يسيطر عليها الحوثيون».

ويقول المحللون إن الهجوم المباشر على مصافي النفط الإيرانية أو الاضطرابات الكبرى في المنطقة من شأنه أن يؤثر على طرق الشحن في مضيق هرمز.

وتمكنت السوق من استيعاب المخاوف بشأن الأحداث الماضية، وقال كيت هاينز، المحلل في شركة «إنرجي إسبيكت»، إن «المخاوف بشأن قضايا العرض المتعلقة بالعقوبات بعد غزو روسيا لأوكرانيا لا تتطابق إلى حد كبير مع الوضع الحالي، لأن القلق هذه المرة يتعلق باضطرابات محتملة أوسع نطاقاً في المنطقة».

وأضاف: «هذه المرة، أعتقد أن الناس قلقون للغاية، لقد رأينا أشياء تسوء في الشرق الأوسط من قبل، ولكن في الواقع، هناك إمكانية كبيرة هنا أن تؤثر على الإمدادات لا يتعلق الأمر بالضرورة بما ستفعله أي ضربة إسرائيلية».

وتعدّ إيران منتجاً مهماً للنفط ولديها احتياطيات وقدرات إنتاجية كبيرة، وفي أعقاب الهجوم على إسرائيل، ارتفعت أسعار النفط بالفعل، مما أثار مخاوف من أنه في حالة اتساع الصراع وتورط القوات الأميركية بالمنطقة، فقد ترتفع أسعار النفط بشكل كبير.

وقال سيجل إن أسعار السوق تميل إلى «التقلب في أوقات نقص العرض، حيث يعاد تسعير قيمة سلعة نادرة بشكل مزداد مقارنة بالطلب»، مشيراً إلى أن تعطيل العرض مرتبط في المقام الأول بعاملين: كمية النفط المتوقفة ومدة انقطاعها.

وإذا ضربت إسرائيل النفط الإيراني، فمن المرجح أن يكون لها هدفان رئيسيان؛ الأول هو مصافي النفط، التي تزود البلاد بوقود النقل، والثاني هو مرافق الإنتاج والتصدير الإيرانية.

نظام القبة الحديدية الإسرائيلي يعترض الصواريخ الآتية من إيران (رويترز)

وقال سيجل إنه «إذا ضربت إسرائيل - حتى عدداً قليلاً من مصافي النفط، فإنها قد تخلق نقصاً في وقود النفط في إيران، لكن هذا لن يؤثر بالضرورة على إمدادات النفط العالمية، وإذا ضربت مرافق إنتاج وتصدير النفط الإيرانية، فإن ذلك ستكون له تداعيات أكبر بكثير».

وتابع: «العملية العسكرية التي تقطع هذا الإنتاج من شأنها أن تترك العالم مع إمدادات أقل من الخام، مما يتسبب في ارتفاع الأسعار هذا الأسبوع، وللمرة الأولى، بدأت الأسواق أخيراً بالتفكير في هذا السيناريو؛ فقد ارتفعت أسعار النفط بأكثر من 5 في المائة».

وأوضح نيكولاس كارل، في معهد «أميركان إنتربرايز» الذي يركز على إيران: «طوال هذه الأحداث، كان هناك خطر غير عادي من سوء التقدير لكلا الجانبين».

وإذا دعمت الولايات المتحدة ضرب منشآت النفط، فسوف يتعارض ذلك مع موقف واشنطن من قيام أوكرانيا بالشيء نفسه لروسيا.

وفي وقت سابق من هذا العام، حثت الولايات المتحدة أوكرانيا على وقف هجماتها على البنية التحتية للطاقة في روسيا، محذرة من أن ضرباتها بطائرات من دون طيار قد تؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط العالمية واستفزاز الانتقام.

في ذلك الوقت، كانت أوكرانيا تستخدم طائرات من دون طيار لضرب مصافي النفط الروسية المختلفة والمحطات ومرافق التخزين والمستودعات، بهدف الإضرار بقدرتها الإنتاجية.

وتعد روسيا واحدة من أكبر مصدري الطاقة في العالم، على الرغم من أن الولايات المتحدة وحلفاءها فرضوا عقوبات شديدة على صناعاتها.

وجاءت مخاوف واشنطن في الوقت الذي بدأ فيه بايدن في بدء حملته لإعادة انتخابه وقبل انسحابه.

وقال سيجل: «صناع السياسات والسياسيون الأميركيون أكثر تفانياً لأمن إسرائيل من تفانيهم لأمن أوكرانيا، لكن في الخفاء، يشعر مسؤولو بايدن بقلق بالغ بشأن تأثير مثل هذه الضربة».

وإذا استهدفت إسرائيل صناعة النفط الإيرانية، فقد تهتز الانتخابات الرئاسية لعام 2024 بسبب ارتفاع أسعار النفط قبل التصويت.

وكانت أسعار النفط تتجه بشكل ملحوظ نحو الانخفاض في الأشهر التي سبقت هجوم الصواريخ الباليستية الإيرانية على إسرائيل.

وفي سبتمبر (أيلول)، انخفضت أسعار النفط العالمية إلى أدنى مستوى لها في ما يقرب من 3 سنوات، وشهدت الولايات المتحدة عاماً تاريخياً لإنتاج النفط.

ولكن إذا ارتفعت الأسعار جراء الاضطرابات في الخارج وسط مخاوف محلية بشأن قضايا مثل التضخم، فقد يكون ذلك مشكلة.

وقد يكون التنبؤ بأسعار النفط أمراً صعباً، نظراً لمدى التحول الكبير الذي يمكن أن تحدثه الأسواق، لكن دي هان قال إنه لا يتوقع أن «ترتفع الأسعار بشكل كبير خارج نطاق السيطرة».