استقبل الرئيس الأميركي جو بايدن، صباح الأربعاء، رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا في البيت الأبيض، معلناً تعزيز الشراكات الحيوية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وتقوية التعاون الدفاعي بين واشنطن وطوكيو، وتعزيز قدرات اليابان العسكرية لردع التحديات والمخاطر، وهو ما يعد رسالة مباشرة إلى الصين التي تسعى لتعزيز نفوذها عسكرياً واقتصادياً في المنطقة.
وبدأت مراسم الاستقبال الاحتفالي، مساء الثلاثاء، خارج الأطر البروتوكولية، إذ دعا بايدن والسيدة الأولى جيل بايدن، رئيس الوزراء الياباني كيشيدا وزوجته يوكو كيشيدا إلى عشاء للمأكولات البحرية في مطعم «Black salt» بوسط العاصمة واشنطن. وصباح الأربعاء، بدأت مراسم الاستقبال الرسمية في الحديقة الجنوبية للبيت الأبيض.
وأوضح البيت الأبيض أن الزعيمين سيعقدان اجتماعاً مغلقاً ثم مؤتمراً صحافياً مشتركاً في حديقة الورود وعشاء رسمياً على شرف كيشيدا، كما سيتابعان عرضاً للموسيقار بول سايمون، وهو تقليد أميركي مخصص لأقرب حلفاء الولايات المتحدة.
اتفاقات عسكرية
وتتضمن أجندة الاجتماع بين بايدن وكيشيدا الإعلان عن خطط جديدة مصممة لمواجهة طموحات الصين بعيدة المدى، التي وصفها بايدن بأنها المنافس العالمي الوحيد للولايات المتحدة التي لديها «نية» إعادة تشكيل النظام الدولي.
وقد توصلت الولايات المتحدة واليابان إلى نحو 70 اتفاقاً في مجال التعاون الدفاعي، منها إجراءات لتحديث هيكل القيادة العسكرية الأميركية في اليابان لزيادة قدرتها على العمل المشترك مع القوات اليابانية في الأزمات، وتشكيل مجلس دفاع مشترك يمكنه دعم المزيد من الصادرات المتعلقة بالدفاع من المعدات المنتجة في اليابان لتعزيز التطوير المشترك للمعدات العسكرية والدفاعية. إضافة إلى تعاون جديد في مشاريع في الفضاء، إذ تهتم اليابان بمشاركة أول رائد فضاء لها للهبوط على القمر ضمن مشروع «ناسا» للفضاء «أرتيمس»، والتعاون بين المؤسسات البحثية العاملة في مجال الذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات والطاقة النظيفة.
ويتطلع كيشيدا، خلال زيارته الرسمية لواشنطن، إلى مناقشة التعاون المحتمل بين اليابان وتحالف «أوكوس» الأمني في منطقة المحيطين الهندي والهادئ الذي يضم الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا. ويهدف التحالف الثلاثي إلى تعزيز الأمن والردع والعسكري في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، إذ تحاول الصين أيضاً توسيع نفوذها. وسيحدد لقاء بايدن وكيشيدا الرؤية لتنفيذ شبكة دفاع جوي تربط أجهزة الاستشعار اليابانية والأسترالية والأميركية لكي تكون لكل الدول صورة كاملة عن التهديدات الجوية في المنطقة. تسعى اليابان أيضاً إلى توسيع التعاون مع شركة «رايثيون» الأميركية في إنتاج صواريخ «باتريوت»، وزيادة الاستثمارات الاقتصادية في تصنيع بطاريات السيارات الكهربائية لدرء هيمنة الصين في هذا المجال.
القلق من ترمب
تعد المحادثات مع اليابان جزءاً من التواصل الدبلوماسي لإدارة بايدن لمواجهة الصين، الذي يتضمّن المناورات الحربية الأخيرة مع سيول. ويأتي هذا التعاون الأميركي الياباني وسط قلق في واشنطن وطوكيو بشأن احتمال عودة الرئيس السابق دونالد ترمب إلى السلطة، الذي تسببت سياسته الخارجية غير المتوقعة في إبقاء الكثير من زعماء العالم في حالة من التوتر. وقال المسؤولون إن أحد أهداف بايدن هو خلق أكبر قدر ممكن من الاستدامة في العلاقة مع اليابان قبل الانتخابات في نوفمبر (تشرين الثاني).
وقال أحد مسؤولي الإدارة، الذي تحدّث شريطة عدم الكشف عن هويته، إن هناك «قلقاً في العواصم» في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك طوكيو، حول ما إذا كان ترمب سيواصل المشاركة الدولية والتحالفات التي أبرمها بايدن والرؤساء السابقون. وقال مسؤول آخر إن هناك خطراً حقيقياً من أن يتحرك ترمب، إذا تم انتخابه، للتراجع عما سيعلنه بايدن وكيشيدا من اتفاقات.
وقال جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي الأميركي للصحافيين، مساء الثلاثاء: «لقد ساعد نظام التحالف الأميركي في إحلال السلام والاستقرار في منطقة المحيطين الهادئ والهندي لعقود من الزمن، ونحن الآن بحاجة إلى تحديث وتحديث شبكة التحالفات لتلائم العصر الحديث». وأضاف: «الأمر يتجاوز الأمن، إنه الاقتصاد، إنها التكنولوجيا، إنه تطوير البنية التحتية، والدبلوماسية. وهذا كله سيتم عرضه في اللقاء مع رئيس الوزراء الياباني».
وقال مسؤول كبير في إدارة بايدن للصحافيين، مساء الثلاثاء، إن التعاون مع اليابان سوف يتعلق في المقام الأول بما يسمى الركيزة الثانية للتحالف، ويشمل ذلك، تسهيل تبادل التكنولوجيات المفيدة عسكرياً. وأضاف: «اليابان ستصبح شريكاً عالمياً كاملاً للولايات المتحدة وبتأثير يتجاوز منطقتها ويمتد إلى أوروبا والشرق الأوسط»، وقال: «سنعلن عن التزامنا بتحديث وضع شركائنا في التحالف» ومواجهة الجهود الصينية لعزل حلفاء أميركا مثل الفلبين واليابان، والتحول إلى بنية استراتيجية متعددة الأطراف لعزل الصين.
ورغم الاستقبال الحافل والتعاون الاستراتيجي العسكري الموسع، فإن منطقة من التوتر تسود العلاقات بسبب المعارضة الأميركية لصفقة استحواذ شركة «نيبون ستيل» اليابانية على شركة «يو إس ستيل» الأميركية العملاقة بقيمة 15 مليار دولار، ويحاول مسؤولو الدولتين إبقاء هذه الصفقة في أجواء هادئة لعدم إفساد الزيارة، معلنين أن الأمر متروك للشركتين.
قمة ثلاثية
وسينضم إلى بايدن وكيشيدا، الرئيس الفلبيني فرديناند ماركوس في اجتماع صباح الخميس، يركز بشكل كبير على توغلات وتهديدات بكين في بحر الصين الجنوبي. وتعد الفلبين إحدى الدول في منطقة المحيط الهادئ التي تجد نفسها هدفاً للوجود العسكري الصيني المتزايد. وتدرس الدول الثلاث تطوير الجبل الناتج عن الطاقة النووية ووضع أجندة مشتركة للتعاون في هذا المجال.
وقبل القمة الثلاثية سيلقي رئيس الوزراء الياباني خطاباً، صباح الخميس، أمام اجتماع مشترك للكونغرس بمجلسيه لإلقاء الضوء على أهداف وطموحات اليابان في تعاونها مع الولايات المتحدة ضد أي محاولات للإكراه الاقتصادي، في إشارة مبطنة للصين، إضافة إلى الاحتفال بالتحالف المستمر منذ 72 عاماً بين اليابان والولايات المتحدة.
وفي تحول كبير عن سياسات اليابان السابقة بعد هزيمتها في الحرب العالمية الثانية، وافقت الحكومية اليابانية في ديسمبر (كانون الأول) الماضي على أكبر ميزانية دفاعية لها على الإطلاق بقيمة 300 مليار دولار لتطوير وشراء أنظمة دفاع صاروخية وصواريخ هجوم أرضية بعيدة المدي ومنصات استخبارات ومراقبة واستطلاع وتوسيع العلاقات الاستراتيجية مع دول مثل أستراليا والفلبين.