بين ترمب وبايدن... الصين الخاسر الأكبر في الانتخابات الأميركية

علما أميركا والصين (رويترز)
علما أميركا والصين (رويترز)
TT

بين ترمب وبايدن... الصين الخاسر الأكبر في الانتخابات الأميركية

علما أميركا والصين (رويترز)
علما أميركا والصين (رويترز)

أدت الحرب التجارية التي شنها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب مع الصين أثناء توليه الرئاسة إلى توتر العلاقات الاقتصادية بين القوتين العظميين العالميتين. وتخاطر إمكانية فوزه بولاية ثانية بقطع هذه العلاقات بالكامل، وفقاً لما ذكره تقرير نشرته وكالة «بلومبرغ» للأنباء.

وأشار التقرير إلى أن الرئيس السابق قال إنه قد يفرض تعريفة جمركية على جميع الواردات الصينية تزيد على 60 بالمائة إذا جرى انتخابه، الأمر الذي سيقضي على خط تجاري بقيمة 575 مليار دولار.

وهذا ليس التصعيد الوحيد الذي يفكر فيه ترمب إذا فاز بالانتخابات المقبلة.

وبالنسبة للاقتصاد الصيني وسوق الأوراق المالية المتراجعة – التي انخفضت بأكثر من 40 بالمائة عن أعلى مستوى لها في عام 2021 – تعد احتمالية فوز ترمب بالانتخابات حدثاً مثيراً للقلق للغاية.

إلا أن هذه المخاوف الصينية لن تتراجع أو تزول في حال فوز بايدن بالانتخابات المقبلة؛ فقد استمر التوتر في العلاقات بين الولايات المتحدة وبكين في عهده أيضاً.

وتجلت هذه التوترات بشدة في قيام الصين بتعليق التعاون مع واشنطن رداً على زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي، السابقة، نانسي بيلوسي لتايوان في أغسطس (آب) 2022.

وشهدت العلاقات مزيداً من التوترات بسبب حادث منطاد تجسس صيني عبر سماء الولايات المتحدة في العام الماضي. وتطلب الأمر كثيراً من الزيارات للصين من جانب مسؤولين أميركيين لإعادة التواصل الدبلوماسي إلى مساره.

وفي بكين، يقول المسؤولون إنه ليس لديهم تفضيل واضح بشأن من سيتولى السلطة الأميركية، وفقاً لتقرير «بلومبرغ». وفي حين أن ترمب لا يمكن التنبؤ بتصرفاته وغالباً ما يكون عدوانياً، فإنه يحب أيضاً إبرام الصفقات، ويمكن أن يقوض جهود بايدن للعمل مع حلفاء الولايات المتحدة ضد مصالح بكين، وفقاً لمسؤولين صينيين طلبوا عدم الكشف عن هويتهم.

وقال سانغ بايتشوان، الأستاذ في جامعة الأعمال الدولية والاقتصاد في بكين، ومستشار وزارة التجارة الصينية: «يشكل كل من بايدن وترمب تهديداً كبيراً لنا».

وأكد أن نهج ترمب «أميركا أولاً» يمكن أن يدعم «الدائرة الاقتصادية المناهضة للصين»، بينما يمتلك بايدن القدرة على إبعاد بكين عن سلاسل توريد التكنولوجيا.

الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب مع الرئيس الصيني شي جينبينغ (أرشيفية - رويترز)

وأضاف قائلاً: «في كلتا الحالتين، ستواجه بكين رئيساً أميركياً تتلخص استراتيجيته الشاملة في «تقييد وتحجيم التنمية في الصين».

وقد أحدث فرض ترمب تعريفات جمركية بنسبة 25 بالمائة في فترة ولايته الأولى إلى حدوث تراجع شديد في الإيرادات التي يكسبها المصدرون الصينيون من الأسواق الأميركية. ومن شأن التعريفات الجمركية الجديدة التي ينوي فرضها إذا فاز بالانتخابات أن تفاقم هذه الأزمة.

وقال ترمب للصحافيين في منتجعه مارالاغو في بالم بيتش بولاية فلوريدا، يوم الخميس الماضي، إن خطة التعريفة الجمركية الجديدة «تستهدف إعادة الأعمال والتصنيع إلى الولايات المتحدة».

ثم اتهم الرئيس السابق إدارة بايدن، التي أبقت على القيود المفروضة على الصين، وأضافت مزيداً «بالسماح للمكاسب الأميركية بالانحسار».

ويقدر تحليل أجرته «بلومبرغ إيكونوميكس» أن هذه التعريفات الجديدة ستخفض حصة الواردات الأميركية القادمة من الصين، والتي بلغت ذروتها عند نحو 22 بالمائة قبل بدء الحرب التجارية - إلى ما يقرب من الصفر.

وسيقع التأثير الأكبر على المنسوجات والإلكترونيات، وهي الصناعات التي تهيمن عليها الصين حالياً، إلا أن تحليل «بلومبرغ إيكونوميكس» لفت إلى أن «شركات الإلكترونيات الأميركية سوف تتضرر جراء هذا الأمر؛ لأن العديد منها تعمل في الصين. وسوف ينتهي الأمر بالشركات والمستهلكين الأميركيين إلى دفع أسعار أعلى مقابل الواردات».

وقد تكون التعريفات الجمركية هي الاقتراح الاقتصادي الأكثر لفتاً للانتباه في خطط ترمب المستقبلية، لكنها ليست الوحيدة، فقد ألمح الرئيس السابق إلى فرض حظر جديد على الاستثمار الأميركي الصيني، في كلا الاتجاهين، ووعد بإبقاء الصين خارج «الصناعات الأساسية» الأميركية، والتأكد من أن الأموال الأميركية لا تساعد في دعم وصعود الصين.

يأتي ذلك بعد أن فرضت إدارة بايدن حظراً على الاستثمارات الأميركية في بعض الشركات الصينية التي قالت واشنطن إنها تمثل خطراً على الأمن القومي الأميركي.

وجاء في بيان نشره البيت الأبيض بهذا الصدد، أن بايدن يعتقد أن الصين «تستخدم رأس المال الأميركي لمصلحتها من أجل توفير الموارد والوسائل لتطوير وتحديث قواتها المسلحة والاستخبارات وغير ذلك من الأجهزة الأمنية، وهو الأمر الذي يسمح للصين بتهديد أميركا».

وعلاوة على التعريفات الجمركية، استهدف بايدن قدرة الصين على المنافسة في المجال التقني، ومنعت إدارته مبيعات الرقائق المتقدمة، مثل تلك التي تستخدمها تطبيقات الذكاء الاصطناعي، إلى الصين.

الرئيس الأميركي جو بايدن يصافح نظيره الصيني شي جينبينغ (أرشيفية - أ.ف.ب)

بالإضافة إلى ذلك، لقد كان بايدن قادراً على إقناع المسؤولين في لاهاي وطوكيو بالمساعدة في الضغط على الصين بشأن تكنولوجيا أشباه الموصلات، ما حد من مبيعات الصين للشركات الرئيسية مثل شركة «ASML Holdings NV» الهولندية العملاقة للرقائق.

وبالنسبة للرئيس الصيني شي جينبينغ، فإن احتمال اشتداد الصراع الاقتصادي مع الولايات المتحدة يأتي في وقت سيئ، حيث تتصارع بكين بالفعل مع الانهيار في القطاع العقاري الذي حوّل أكبر محرك للنمو بالبلاد إلى عائق كبير، كما أنها تعاني من تراجع سوق الأسهم الذي محا 7 تريليونات دولار من الثروة، وذلك في ظل انخفاض أسعار المستهلكين في الصين بأسرع معدل منذ 15 عاماً في يناير (كانون الثاني).

وقد أدى تحالف الصين مع روسيا قبل وأثناء غزو أوكرانيا إلى دفع حلفاء واشنطن الأوروبيين، الذين كانوا حتى ذلك الحين ينظرون إلى بكين بوصفها فرصة سوقية أكثر من كونها تهديداً جيوسياسياً، إلى إيلاء مزيد من الاهتمام للتحذيرات الأميركية - بما في ذلك خطر غزو الصين لتايوان.

ومع اقتراب ترمب من الفوز بترشيح الحزب الجمهوري، وتفوقه على بايدن في الولايات المتأرجحة الرئيسية، يستعد المستثمرون بالفعل لتداعيات فوزه المحتمل بالرئاسة.

فقد أدى تهديد ترمب بفرض رسوم جمركية على الصين إلى ازدياد عمليات البيع للأسهم الصينية من تجار التجزئة ذوي الأسعار المنخفضة وصانعي الألواح الشمسية وغيرهم.

وأفاد اقتصاديون في بنك «غولدمان ساكس» بأن العواقب المترتبة على فوز ترمب هي واحد من الأشياء التي يسألون عنها كثيراً من قبل المستثمرين في بكين وشنغهاي.

وقال تقرير «بلومبرغ» إن مباراة العودة المحتملة بين ترمب وبايدن ستضع الرئيس الذي بدأ الحرب التجارية ضد الصين أمام الرئيس الذي وسع نطاقها. ويرى كل منهما أنه كان أكثر صرامة تجاه بكين.

إلا أن الأمر لا يتعلق بالتجارة فقط، بل يمتد إلى المجالات الأخرى.

لقد حاول ترمب خلال توليه الرئاسة فرض حظر على تطبيقيْ «تيك توك» و«وي تشات» الصينيين في الولايات المتحدة. وفي عهده أيضاً جرى تصنيف معاملة الصين لأقلية الإيغور في منطقة شينجيانغ، شمال غربي البلاد، على أنها «إبادة جماعية»، وهي تهمة تنفيها بكين بشدة.

ومن ناحيتها، تدرس إدارة بايدن فرض قيود جديدة على الصين تستهدف معالجة المخاوف الأميركية المتنامية بشأن «أمن البيانات»، وذلك بعد أن أعلنت وزارة العدل الأميركية مؤخراً توجيه الاتّهام إلى 4 أفراد تابعين لجيش التحرير الشعبي الصيني يشتبه بتورّطهم في عملية قرصنة ضخمة عام 2017 استهدفت وكالة «إكويفاكس» للتصنيف الائتماني.

تدرس إدارة «بايدن» فرض قيود على واردات «السيارات الذكية» الصينية والمكونات ذات الصلة. ويشكل ذلك تهديداً مباشراً لصناعات التكنولوجيا الفائقة التي يعوّل عليها شي لانتشال الاقتصاد الصيني من حالة الركود.

أما عن الشعب الصيني، فقد أجرى تشو جونوي ــ مدير الأبحاث الأميركية في معهد غراندفيو، وهو مركز أبحاث في بكين، والباحث السابق في جيش التحرير الشعبي ــ مسحاً غير رسمي على الإنترنت لمعرفة كيف ينظرون إلى الانتخابات الأميركية المقبلة.

وأظهر المسح أن نحو 60 بالمائة من الصينيين يفضلون ترمب، حيث أشار تشو إلى أنهم «يعتقدون أنه ربما يخفف الضغوط على الصين بطريقة مختلفة، وهي جلب الفوضى إلى الولايات المتحدة».


مقالات ذات صلة

لماذا يُشكل تأمين ترمب تحدياً كبيراً؟ عميل سابق بالخدمة السرية يجيب

الولايات المتحدة​ عملاء «الخدمة السرية» لدى إخراجهم المرشح الرئاسي دونالد ترمب من التجمع الانتخابي بعد محاولة اغتياله الأولى في يوليو الماضي (أ.ب)

لماذا يُشكل تأمين ترمب تحدياً كبيراً؟ عميل سابق بالخدمة السرية يجيب

سلّطت المحاولة الثانية لاغتيال الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، الضوء على عدد من التحديات التي تواجه جهاز الخدمة السرية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب (أ.ف.ب)

ترمب: الرئاسة أكثر خطورة من «ركوب الثيران»

قال الرئيس الأميركي السابق والمرشح الجمهوري للانتخابات الرئاسية، دونالد ترمب، إن تولي منصب الرئاسة أكثر خطورة من «ركوب الثيران».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ عناصر من الجيش السوداني خلال عرض عسكري أقيم بمناسبة يوم الجيش في القضارف 14 أغسطس 2024 (أ.ف.ب)

واشنطن متمسكة باستئناف المفاوضات لإنهاء حرب السودان

دعا الرئيس الأميركي جو بايدن، اليوم، طرفي النزاع في السودان إلى استئناف المفاوضات الرامية لإنهاء الحرب المستمرة بينهما منذ أبريل (نيسان) 2023.

هبة القدسي (واشنطن)
الولايات المتحدة​ المرشح الرئاسي الجمهوري والرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب يتحدث في تجمع جماهيري في لاس فيغاس بولاية نيفادا الأميركية... 13 سبتمبر 2024 (رويترز)

ترمب يستأنف حملته الانتخابية بعد محاولة اغتياله

يتوجّه دونالد ترمب إلى ميشيغان مستأنفا حملته الانتخابية الثلاثاء، بعد يومين على محاولة مفترضة لاغتياله تم إحباطها في ملعبه للغولف في فلوريدا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ تايلور سويفت أعلنت رسمياً دعمها لهاريس بعد المناظرة في 10 سبتمبر 2024 (أ.ف.ب)

كيف أثر دعم تايلور سويفت لهاريس على تأييد الأميركيين للمرشحة الديمقراطية؟

كشف استطلاع جديد للرأي أن إعلان تايلور سويفت دعمها لكامالا هاريس في الانتخابات الرئاسية المقبلة، أثّر بصورة طفيفة في نسبة تأييد المواطنين الأميركيين لها.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

لماذا يُشكل تأمين ترمب تحدياً كبيراً؟ عميل سابق بالخدمة السرية يجيب

عملاء «الخدمة السرية» لدى إخراجهم المرشح الرئاسي دونالد ترمب من التجمع الانتخابي بعد محاولة اغتياله الأولى في يوليو الماضي (أ.ب)
عملاء «الخدمة السرية» لدى إخراجهم المرشح الرئاسي دونالد ترمب من التجمع الانتخابي بعد محاولة اغتياله الأولى في يوليو الماضي (أ.ب)
TT

لماذا يُشكل تأمين ترمب تحدياً كبيراً؟ عميل سابق بالخدمة السرية يجيب

عملاء «الخدمة السرية» لدى إخراجهم المرشح الرئاسي دونالد ترمب من التجمع الانتخابي بعد محاولة اغتياله الأولى في يوليو الماضي (أ.ب)
عملاء «الخدمة السرية» لدى إخراجهم المرشح الرئاسي دونالد ترمب من التجمع الانتخابي بعد محاولة اغتياله الأولى في يوليو الماضي (أ.ب)

سلّطت المحاولة الثانية لاغتيال الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترمب الضوء -على ما يبدو- على عدد من التحديات التي تواجه جهاز الخدمة السرية، الذي سبق أن اتُّهم بـ«الإخفاق في تقديم الحماية اللازمة» للرئيس السابق بعد محاولة الاغتيال الأولى التي وقعت في يوليو (تموز).

وقد أشار بول إيكلوف، وهو عميل سابق في الخدمة السرية قام بحماية ترمب، إلى أن تأمين الرئيس السابق يُشكل تحدياً أمنياً وتمويلياً فريداً لجهاز الخدمة السرية، وفق ما نقلته عنه شبكة «بي بي سي» البريطانية.

وأوضح إيكلوف: «إن مقدار الوقت الذي يقضيه ترمب في الخارج، وحماسة قاعدة المعجبين به، وعدد وحجم التجمعات الخاصة به، والافتقار إلى الدعم العسكري، يجعل الأمر أكثر صعوبة».

كما أكد أن هواية ترمب في لعبة الغولف في الملاعب الخاصة به تضيف تحدياً مختلفاً؛ «حيث إنه يقضي ساعات في الخارج في مكان مفتوح».

وتابع: «كان لدى رؤساء آخرين، بمن في ذلك باراك أوباما، ميل للعب الغولف أثناء توليهم مناصبهم، ولكنهم كانوا يلعبون في قاعدة عسكرية؛ حيث كان من الأسهل توفير الحماية لهم».

وذكرت صحيفة «واشنطن بوست» أن جهاز الخدمة السرية كان قلقاً منذ فترة طويلة بشأن حماية ترمب في ملاعب الغولف الخاصة به، بل حاول حتى تحذير الرئيس السابق من الفرص التي يمكن أن يوفرها وجوده بهذه الأماكن لمهاجم محتمل.

وفي عام 2022، حذّر مدير جهاز الخدمة السرية الأميركي آنذاك، جيمس موراي، المشرعين الأميركيين من أن الجهاز كان يكافح لمواكبة وتيرة وحجم تجمعات ترمب.

وقال السيد موراي لمجلس النواب في ذلك الوقت: «لقد قام جهاز الخدمة السرية بحماية الرؤساء في التجمعات من قبل. ولكن مع ترمب، الطبيعة مختلفة، ونحن نرى أحياناً اثنين أو ثلاثة أو أربعة من هذه التجمعات كل شهر».

ولم يُصَب ترمب بأذى في الحادث الأخير، لكن على الرغم من ذلك، فقد واجه جهاز الخدمة السرية انتقادات لعدم تقديمه الحماية اللازمة لترمب؛ حيث إن المشتبه به كان قادراً على وضع بندقية نصف آلية مزودة بمنظار تلسكوبي بالقرب من الرئيس السابق، على مسافة تراوحت بين 300 و500 ياردة (من 275 إلى 455 متراً) فقط.

وقال الرئيس الأميركي جو بايدن للصحافيين، يوم الاثنين، إن جهاز الخدمة السرية «يحتاج إلى مزيد من المساعدة».

إلا أن ترمب أكد خلال فعالية انتخابية في قاعة مدينة فلينت بولاية ميشيغان، الثلاثاء، أن «جهاز الخدمة السرية قام بعمل رائع» في حمايته من محاولة الاغتيال.