تشهد ولاية ميشيغان الأميركية مبارزة انتخابية مبكرة بين المرشحين الأبرز للفوز بانتخابات 2024 الرئاسية الأميركية، حيث زار الرئيس الأميركي الديمقراطي جو بايدن (الثلاثاء) عمال السيارات المضربين في ميشيغان للتضامن مع مطالبهم، وكذلك يصل منافسه الجمهوري الرئيس السابق دونالد ترمب (الأربعاء)، إلى الولاية نفسها للهدف نفسه، ما يسلّط الضوء على مدى أهمية النقابات في الانتخابات الرئاسية 2024، وأهمية ولاية ميشيغان بوصفها ولاية متأرجحة قد تلعب دوراً كبيراً في حسم السباق الرئاسي.
زار الرئيس الأميركي الديمقراطي جو بايدن (الثلاثاء) عمال صناعة السيارات المضربين بمقاطعة «واين» بولاية ميشيغان لدعمهم، فيما يخاطب الرئيس السابق الجمهوري دونالد ترمب، مئات العمال (الأربعاء) في إحدى ضواحي مدينة ديترويت بميشيغان أيضاً.
تأتي الزيارتان في الوقت الذي يختبر فيه الزعيمان جاذبيتهما بين الطبقة العاملة في ولاية متأرجحة رئيسية، هي ميشيغان التي لديها 16 صوتاً في المجمع الانتخابي الأميركي، ما سيعطي المرشحين البارزين دفعاً في الحملة الرئاسية لعام 2024، حسبما أفاد تقرير (الاثنين) لصحيفة «واشنطن بوست» الأميركية.
بايدن ينضم إلى المضربين
انضم الرئيس جو بايدن إلى المضربين عن نقابة عمال السيارات في خط اعتصامهم، الثلاثاء، مع بدء توقف عملهم ضد شركات صناعة السيارات الكبرى في اليوم الثاني عشر. وقال بايدن، من خلال مكبر صوت بينما كان يرتدي قبعة بيسبول تابعة للنقابة بعد وصوله إلى مستودع توزيع قطع غيار «جنرال موتورز» الواقع في إحدى ضواحي غرب ديترويت: «أنتم تستحقون الزيادة الكبيرة التي تحتاجونها».
وكان يسير على طول خط الاعتصام، ويتصافح بقبضات اليد مع العمال المبتسمين، بحسب ما أفادت به وكالة «أسوشييتد برس» الأميركية، الثلاثاء.
وشجع بايدن المعتصمين على مواصلة النضال من أجل تحسين الأجور على الرغم من المخاوف من أن يؤدي الإضراب المطول إلى الإضرار بالاقتصاد، قائلاً: «التزموا به».
وقال «نعم» عندما سُئل عما إذا كان أعضاء نقابة عمال صناعة السيارات يستحقون زيادة بنسبة 40 في المائة، وهو أحد المطالب التي قدمتها النقابة.
وهتف العمال مع وصول بايدن: «لا صفقة، لا عجلات! لا أجر، لا خدمات!».
وانضم إليه رئيس النقابة شون فاين، الذي ركب معه في سيارة الليموزين الرئاسية إلى خط الاعتصام.
وقال فاين، الذي وصف النقابة بأنها منخرطة في «نوع من الحرب» ضد «جشع الشركات»: «شكراً لك، سيدي الرئيس، على حضورك للوقوف معنا في اللحظة الحاسمة لجيلنا». وأضاف: «نحن نقوم بالعمل الصعب. نحن نقوم بالعمل الحقيقي. وليس الرؤساء التنفيذيون».
إضراب «نقابة عمال السيارات»
بدأت إضرابات عمال السيارات ضد شركات «جنرال موتورز» و«ستيلانتس» و«فورد»، بعد انتهاء عقد النقابة مع الشركات في منتصف ليل 14 سبتمبر (أيلول). في ذلك الوقت، خرج 13 ألف عامل من ثلاثة مصانع تجميع سيارات. وحذرت قيادة النقابة من احتمال تأثر المزيد من المصانع إن لم يحصل تقدم كبير في مفاوضات العقد، حسب وكالة «أسوشييتد برس».
وأعلنت النقابة (الجمعة) أنها ستنسحب من 38 مركزاً إضافياً لتوزيع قطع غيار «جنرال موتورز» و«ستيلانتس» في 20 ولاية أميركية. وانضم 5600 عامل آخر إلى الإضراب، مما يعني أن نحو 13 في المائة من أعضاء النقابة البالغ عددهم 146 ألفاً هم الآن على خطوط الاعتصام.
وأفادت صحيفة «بوسطن هيرالد» الأميركية، الاثنين، بأن زيارتَي بايدن وترمب ستسلطان الضوء بشكل أكبر على الإضراب، الذي دخل يومه الحادي عشر، في أول تحرك متزامن للنقابة ضد الشركات الثلاث.
وفي حين انضم بايدن (الثلاثاء) إلى خط الاعتصام في ميشيغان بعد دعوة وجّهها إليه رئيس نقابة «عمال السيارات» شون فاين، قرر ترمب أن يزور أحد موردي السيارات في بلدة كلينتون (الأربعاء).
وتسعى «نقابة عمال السيارات» إلى الحصول على زيادات كبيرة ومزايا أفضل، في إشارة إلى زيادات رواتب الرؤساء التنفيذيين والأرباح التي حققتها الشركات الثلاث في السنوات الأخيرة. كما تريد استعادة التنازلات التي قدمها العمال منذ سنوات.
في الوقت نفسه، تقول الشركات الثلاث في ديترويت إنها لا تستطيع تلبية مطالب النقابة لأنها بحاجة إلى استثمار الأرباح في التحول المكلف من السيارات التي تعمل بالبنزين إلى السيارات الكهربائية. والأسبوع الماضي، تصاعدت التوترات مع قيام الشركات بتسريح آلاف العمال، قائلة إن بعض المصانع تعاني نقصاً في الخدمات بسبب الإضراب، حسبما أفادت «أسوشييتد برس».
وقال بعض عمال النقابة المعتصمين لشبكة «سي بي إس» الأميركية في تقرير صدر (الاثنين)، إنهم يعرفون أن الزيارات لا تهدف فقط إلى دعم العمال.
وقال كريستوفر جيدرزجيك، العامل في النقابة، «إن الأمر سياسي بالتأكيد. المرشحان... يريدان الأصوات، ويريدان أن يدعمهما الناس. لذا سيفعلان كل ما في وسعهما».
وأضاف جيدرزيكيك أنه مهما كانت دوافعهما (بايدن وترمب)، فإن الزيارات رفيعة المستوى ستجلب المزيد من الوعي بالإضراب.
وأكمل: «من المثير أن تتمتع نقابة عمال السيارات الخاصة بنا بالكثير من الجاذبية بحيث أصبحت أخباراً على مستوى البلاد».
ووفق تقرير لمجلة «لوبسيرفاتور» الفرنسية الثلاثاء، إذا استمر إضراب عمال السيارات في الولايات المتحدة، فإنه يخاطر أيضاً بتعطيل سلاسل التوريد، ودفع التضخم إلى الارتفاع مرة أخرى في البلاد، وإغراق منطقة الغرب الأوسط الأميركية بأكملها في الركود.
وبحسب شركة «أندرسون الاقتصادية الاستشارية في ميشيغان»، فإن الإضراب الشامل (وهو جزئي حالياً لأنه لا يؤثر على جميع مراكز الإنتاج) من شركات صناعة السيارات الثلاث يمكن أن يكلف الاقتصاد الأميركي أكثر من 5 مليارات دولار في عشرة أيام.
دلالات زيارة بايدن
اعتبر مؤرخون مختصون بتاريخ الحركة العمالية في الولايات المتحدة، أن خطوة بايدن الأخيرة، هي أكبر دعم يُظهره رئيس خلال فترة ولايته للعمال المضربين منذ 100 عام على الأقل، حسبما أفادت به وكالة «رويترز» للأنباء، الثلاثاء.
وقال بايدن، يوم الاثنين، إن نقابة عمال السيارات تخلّت عن «مبلغ لا يصدَّق» عندما كان قطاع صناعة السيارات يكافح للبقاء، وإن النقابة «أنقذت صناعة السيارات»، في إشارة واضحة إلى خطة الإنقاذ الحكومية لعام 2009 التي تضمنت تخفيضات الأجور.
وأفاد تقرير لصحيفة «الغارديان» البريطانية، صدر (الثلاثاء)، بأن دعم بايدن للمضربين هو محاولة عالية المخاطر منه للحصول على أفضلية على حساب دونالد ترمب. ويأتي وقوفه إلى جانبهم في مصنع في منطقة ديترويت كجزء من محاولة شاملة للاحتفاظ بدعم أعضاء النقابات في ولاية ميشيغان، التي يُنظر إليها على أنها ولاية رئيسية في ساحة معركة الانتخابات الرئاسية.
وحسب «الغارديان»، تهدف خطوة بايدن لإظهار أنه الرئيس الأكثر صداقة للنقابات في تاريخ الولايات المتحدة، وربما أيضاً لكسب الدعم الصريح من نقابة عمال السيارات، التي لم تؤيد بعد محاولته لإعادة انتخابه.
وفي منشور على منصة «إكس» («تويتر» سابقاً)، قال الرئيس بايدن إن الهدف من زيارته (الثلاثاء) هو «الانضمام إلى خط الاعتصام والتضامن مع رجال ونساء نقابة اتحاد عمال السيارات وهم يناضلون من أجل الحصول على حصة عادلة من القيمة التي ساعدوا في خلقها".
وأضاف: «لقد حان الوقت للتوصل إلى اتفاق مربح للجانبين يحافظ على ازدهار صناعة السيارات الأميركية من خلال وظائف نقابة عمال السيارات ذات الأجر الجيد».
وحسب شبكة «سي إن إن» الأميركية، الاثنين، جاء إعلان زيارة بايدن، الجمعة، بعد أيام من إعلان زيارة ترمب لعمال صناعة السيارات، وبناءً على إلحاح علني من الديمقراطيين في ميشيغان. وقد رأى معسكر ترمب إعلان بايدن رداً على خطاب ترمب.
ترمب في تجمع حاشد
سيعقد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب -المرشح الأوفر حظاً للفوز بترشيح الحزب الجمهوري لانتخابات عام 2024 الرئاسية- اجتماعاً حاشداً، الأربعاء، مع أعضاء نقابة عمال السيارات الحاليين والسابقين في بلدة كلينتون بولاية ميشيغان، في حين حذّر رئيس نقابة عمال السيارات شون فاين، أعضاء نقابته من ترمب و«طبقة المليارديرات»، حسب تقرير (الاثنين)، لصحيفة «يو إس إيه توداي»، (الولايات المتحدة اليوم)، الأميركية.
وعلى عكس بايدن، لن يسير ترمب في خط الاعتصام. وبدلاً من ذلك، حذّر من عدو جديد للطبقة العاملة، وهو السيارات الكهربائية، التي تبنّتها إدارة بايدن التي هي مصدر خوف بين عمال السيارات. ويقول ترمب إن السيارات الكهربائية سيتم تصنيعها في المقام الأول في الصين وستقضي على صناعة السيارات الأميركية.
وقال كين كولمان، أستاذ العلوم السياسية في جامعة ميشيغان: «إن أسلوب ترمب هو مناشدة أفراد الطبقة العاملة بشكل مباشر الذين يشعرون بأنهم معرّضون للخطر أمام التكنولوجيات الجديدة والذين هم عرضة للخطر في الاقتصاد الحديث».
ووفق «يو إس إيه توداي»، يسعى ترمب لتعزيز جهوده لاستعادة ولاية ميشيغان مرة أخرى إذا تمكن مرة أخرى من أن يخترق القاعدة التاريخية للديمقراطيين لدى الناخبين النقابيين.
ورأت شبكة «سي إن إن»، الاثنين، أن ترمب استخدم الإضراب للإشارة إلى أنه يتطلع إلى ما هو أبعد من الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري، متخطياً المناظرة الجمهورية الثانية، يوم الأربعاء. ويحاول خلق لحظة خاصة به في دائرة الضوء من خلال الاجتماع مع أعضاء من مختلف النقابات في مصنع بالقرب من ديترويت. كما أطلقت حملته إعلاناً إذاعياً في ديترويت وتوليدو بولاية أوهايو، حيث يقول المعلق بالإعلان إن ترمب يصف عمال صناعة السيارات بأنهم «أميركيون عظماء»، وأن ترمب «كان دائماً يساندهم».
الحركة العمالية بين بايدن وترمب
جعل بايدن دعم النقابات حجر الزاوية في سياساته الاقتصادية. كرئيس، أكد إعادة الاستثمار في التصنيع والوظائف النقابية وحقوق العمال في الولايات المتحدة على الرغم من أنه يكافح من أجل إقناع الناخبين بقيادته الاقتصادية في أثناء حملته الانتخابية لولاية ثانية، وفق «رويترز».
وقال الخبراء إن ترمب، الذي تشاجر في بعض الأحيان مع النقابات كمطور عقاري، خفض الضرائب على الشركات كرئيس ودعم بشكل عام مصالح الشركات على العمالة.
في عام 2016، حصل ترمب على مستوى من الدعم من أعضاء النقابات لم يصل إليه أي جمهوري منذ الرئيس الأسبق رونالد ريغان، مما ساعده على كسب بفارق ضئيل ولايات مهمة مثل بنسلفانيا وميشيغان وويسكونسن في انتخابات الرئاسة كان بحاجة إليها للوصول إلى البيت الأبيض.
وحسب «رويترز»، انتعشت علاقة بايدن مع النقابات في انتخابات الرئاسة عام 2020، وحصل على فارق 16 نقطة مئوية تقريباً عن ترمب، وفاز بولاية ميشيغان عام 2020 بأغلبية 154 ألف صوت.
ويرى الجمهوريون أن سعي بايدن لتزويد أسطول السيارات الأميركي بالكهرباء، من خلال ضخ مليارات الدولارات من التخفيضات الضريبية في تصنيع السيارات الكهربائية، لا يحظى بشعبية لدى عمال السيارات.