وافقت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن للمرة الأولى على مساعدات عسكرية أميركية مباشرة لتايوان بقيمة 80 مليون دولار في إطار برنامج مساعدات للحكومات الأجنبية من برنامج التمويل العسكري الأجنبي التابع لوزارة الخارجية الأميركية، وليست صفقات بيع مباشرة. وأثار القرار غضب الصين التي حذرت من أن المساعدات العسكرية الأميركية لتايوان ستضر بالجزيرة، وألقت بكين باللوم على واشنطن في توتر العلاقات بين الجانبين.
وأثار القرار الأميركي الكثير من التساؤلات، على الرغم من أن قيمة المساعدات العسكرية المقدرة بـ80 مليون دولار تعد مبلغاً صغيراً مقارنة بصفقات البيع التي أبرمتها تايوان مع الولايات المتحدة في السابق. لكن قرار منح مساعدات عسكرية لتايبيه في إطار برنامج التمويل العسكري الأجنبي، يعدّ عادة قراراً لتقديم منح أو قروض لدول ذات سيادة. وهي مساعدات يدفع ثمنها دافعو الضرائب الأميركيون.
وعلى مدار خمسة عقود، اعترفت الولايات المتحدة رسمياً ببكين فقط، ولم تعترف باستقلال تايوان وأعلنت مراراً تمسكها بسياسة الصين الواحدة واعتراضها على أي تحركات أحادية الجانب. وفي الوقت نفسه بموجب قانون العلاقات مع تايوان، يمرر الكونغرس دائماً صفقات الأسلحة لتايوان التي تتمتع بالحكم الذاتي. وكتبت وزارة الخارجية الأميركية في إخطار للمشرعين بالكونغرس: إن هذه المساعدة العسكرية لتايوان تستهدف تعزيز قدراتها في الدفاع عن نفسها من خلال القدرات الدفاعية المشتركة وتعزيز الوعي بالمجال البحري وقدرة الأمن البحري. وشددت على أن هذه المساعدات في إطار البرنامج للحكومات الأجنبية لا تعني أي اعتراف بسيادة واستقلال تايوان. وقال متحدث باسم وزارة الخارجية: «تماشياً مع قانون العلاقات مع تايوان وسياسة صين واحدة القائمة منذ فترة طويلة، والتي لم تتغير، توفر الولايات المتحدة لتايوان المواد والخدمات الدفاعية اللازمة لتمكينها من الحفاظ على قدرة كافية للدفاع عن النفس». وأضاف أن «الولايات المتحدة لديها مصلحة دائمة في السلام والاستقرار في مضيق تايوان، وهو أمر بالغ الأهمية للأمن والازدهار الإقليمي والعالمي».
ولم تعلن وزارة الخارجية الأميركية تفاصيل المساعدات العسكرية، لكن بعض المصادر أشارت إلى أن المساعدة العسكرية ستشمل دعماً لرفع الاستعداد العسكري البحري لتايوان وتعزيز مجموعة واسعة من القدرات، بما في ذلك أنظمة الدفاع الجوي وأنظمة الدفاع الصاروخ ومعدات الحماية للجنود والذخيرة والدفاع السيبراني، ومن المرجح أن يستغرق وصول هذا الدعم العسكري لتايوان أشهراً عدة فقط، ويتطلب الأمر موافقة الكونغرس على هذه المساعدات العسكرية لتايوان، وهو ما يعد أمراً مؤكداً تقريباً؛ لأن المشرعين من كلا الحزبين يدعمون تايوان على نطاق واسع. وبموجب قانون تعزيز القدرة على الصمود في تايوان الذي أقرّه الكونغرس العام الماضي، يمكن للحكومة الأميركية إنفاق ما يصل إلى مليارَي دولار سنوات من المساعدات العسكرية لتايوان بدءاً من عام 2023 وحتى عام 2027.
تأييد من الكونغرس
وفي أول رد فعل من المشرعين الأميركيين على قرار الإدارة الأميركية منح مساعدات عسكرية لتايوان، أشاد النائب الجمهوري مايك ماكول، رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب - والمنتقد المتكرر لسياسة بايدن الخارجية - بهذه الخطوة، وقال: «هذه الأسلحة لن تساعد تايوان وتحمي الديمقراطيات الأخرى في المنطقة فحسب، بل ستعزز أيضاً موقف الردع الأمريكي وتضمن أمننا القومي في مواجهة الحزب الشيوعي الصيني المتزايد العدوانية». من جانبها، عبّرت وزارة الدفاع التايوانية عن امتنانها. وقالت في بيان قصير: إن «المساعدات ستساعد في تحقيق السلام والاستقرار الإقليميين».
تحذير صييني
وفي المقابل، عبّرت وزارة الخارجية الصينية عن استيائها الشديد ومعارضتها الحازمة للمساعدات العسكرية الأميركية لتايوان. وقال المتحدث باسم الوزارة وانغ وين بين: «إنه أمر يضر بسياسة الصين ومصالحها الأمنية ويقوض السلام والاستقرار عبر مضيق تايوان وطالب الولايات المتحدة بالتوقف عن تسليح تايوان وإثارة التوترات عبر مضيق تايوان». وحذرت وزارة الدفاع الصينية أيضاً من أن المساعدات العسكرية الأميركية لتايوان ستضر بالجزيرة. وقال المتحدث وو تشيان، في مؤتمر صحافي الخميس: إن «المساعدات والمبيعات العسكرية الأميركية لتايوان لا تفيد إلا المجتمع العسكري الأميركي». وأضاف: «في هذا الصدد، سيتخذ جيش التحرير الشعبي الصيني، كما هو الحال دائماً، جميع الإجراءات اللازمة لمواجهته بحزم».
وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع: إن الاتصالات العسكرية بين بكين وواشنطن «لم تتوقف»، رغم التوترات بين القوتين حول مسألتَي بحر الصين الجنوبي وتايوان وقضايا أخرى. وقال: «أود التوضيح أن الاتصالات العسكرية بين الصين والولايات المتحدة لم تتوقف رغم أن العلاقات لا تزال تواجه (الكثير من الصعوبات والعقبات)». ورفضت الصين دعوة من الولايات المتحدة لعقد اجتماع بين وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن ونظيره الصيني لي شانغ فو على هامش منتدى سنغافورة الدفاعي في يونيو (حزيران) الماضي. وكانت الولايات المتحدة فرضت عقوبات على المسؤول الصيني في 2018 لمزاعم تتعلق بشراء عتاد عسكري روسي. وسعت الولايات المتحدة إلى تهدئة التوترات من خلال زيارات لكبار المسؤولين الأميركيين للصين، مثل وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، ووزارة الخزانة جانيت يلين ووزيرة التجارة جينا رايموندو؛ على أمل تحقيق قدر أكبر من الاستقرار في العلاقات المضطربة بين اثنين من أكبر الاقتصادات في العالم. لكن تايوان ظلت نقطة خلاف واضحة، حيث يصدر المسؤولون الصينيون تحذيرات متكررة، ويرون أن الولايات المتحدة عازمة على دعم الاستقلال الرسمي للجزيرة. وأجرت الصين مناورات عسكرية كبيرة ثلاث مرات خلال ما يزيد قليلاً على عام، رداً على تفاعلات القادة التايوانيين مع الولايات المتحدة؛ مما رفع المخاوف من احتمالات أن بكين تمارس تدريبات حول تحركات للغزو. وقال مسؤولون أميركيون كبار إنهم يعتقدون أن الرئيس الصيني شي جينبينغ يتخذ خطوات بعيداً عن الوضع الراهن في تايوان، على الرغم من أن المحللين الأميركيين يناقشون إلى أي مدى يمكن للمخاوف الاقتصادية الأخيرة للصين وصراع روسيا لإخضاع أوكرانيا أن تردع بكين.