تصاعدت الدراما القانونية مع نجل الرئيس الأميركي هانتر بايدن الذي مثل الأربعاء أمام المحكمة الفيدرالية لمواجهة تهم التهرب الضريبي وحيازة أسلحة بشكل غير قانوني، وسط اتهامات من الجمهوريين أنه يتلقى معاملة مميزة، واتهامات لوزارة العدل بالضلوع في صفقة يقرّ فيها هانتر بايدن بالذنب مقابل الحصول على عقوبة مخففة ويتجنب السجن، ويتم بعدها إغلاق التحقيقات.
لكن الصفقة انهارت يوم الأربعاء في محكمة ويلمنغتون بولاية ديلاوير، بعد أن دفع نجل الرئيس بأنه غير مذنب في جميع التهم الموجهة إليه، وكشفت القاضية ماريلين نوريكا (عينها ترمب وتم تأكيدها بدعم ديمقراطي) خللاً في الترتيبات، منها أن هانتر بايدن اعتقد أن الاتفاقية تحميه من اتهامات إضافية محتملة في المستقبل. ورفضت القاضية صفقة الإقرار بالذنب التي توصل إليها هانتر بايدن مع المدعين. ولدى الأطراف 30 يوماً لتحديد الخطوة التالية، التي يمكن أن تكون صفقة إقرار بالذنب جديدة مقابل تخفيف العقوبة، أو أن تجري المحاكمة بتهم التهرب الضريبي وحيازة السلاح، وبالتالي توقعات بعقوبة السجن، وهو ما يعني كثيراً من المخاطر والدراما القانونية.
هذه الدراما لن تزيد المخاطر فقط على هانتر بايدن، لكن أيضاً على والده، فقد كانت عائلة بايدن تأمل أن يكون الإقرار بالذنب في جنحتين: الأولى تتعلق بعدم دفع ضريبة الدخل الفيدرالية، وتصل قيمتها إلى 100 ألف دولار على دخل يزيد عن 1.5 مليون دولار، حصل عليها بين عامي 2027 و2018، والثانية تتعلق بحيازة سلاح ناري غير قانوني، باعتباره كان مدمناً للمخدرات. وتالياً تخفَّف العقوبة ويتم توجيه نجل الرئيس إلى أداء بعض الخدمات المجتمعية بدلاً من السجن.
وكان هانتر بايدن يتجنب توجيه اتهامات له لقوله كذباً إنه ليس من مستخدمي المخدرات عندما اشترى مسدساً من عيار 0.38 في متجر أسلحة بمدينة ويلمنغتون بولاية ديلاوير في 12 أكتوبر 2018. كما وافق على الدخول في برنامج للخدمات المجتمعية قبل المحاكمة بموجب تلك الصفقة.
وألقى انهيار الصفقة بظلاله على موقف الرئيس الأميركي وحظوظه في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وهو يسعى للفوز بولاية ثانية، ما ينذر بأن عائلة بايدن ستستمر في مواجهة دراما قانونية وهجمات جمهورية لمدة طويلة، بعد أن أعطت القضية الجمهوريين سلاحاً لإشهاره في وجه بايدن العجوز، ما يطرح تساؤلات؛ هل ستكون قضية هانتر بايدن عائقاً أمام حظوظ جو بايدن في إعادة انتخابه أم لا؟
هجمات جمهورية
طوال الأسابيع الماضية، شن الجمهوريون هجمات متلاحقة ضد صفقة الإقرار بالذنب، ووصفوها بأنها محاولة ومناورة للتهرب من العقوبات، وتحمل شبهة المحسوبية والمعاملة المتميزة من قبل وزارة العدل لنجل الرئيس الأميركي. وأعلن الجمهوريون بدء تحقيقات داخل الكونغرس حول التعاملات التجارية والمالية لهانتر بايدن، تضمنت جلسة في الكونغرس الأسبوع الماضي، للاستماع لشهادة اثنين من عملاء دائرة الإيرادات الداخلية، شهدوا أن مسؤولي العدل تباطأوا أو أعاقوا تحقيقهم في الاتهامات الموجهة لهانتر بايدن.
وقام النائب الجمهوري آدم سميث، رئيس لجنة الطرق في مجلس النواب، يوم الثلاثاء، بمحاولات حثيثة لعرقلة صفقة الإقرار بالذنب، حيث أرسل مذكرة حثّ فيها القاضية في ويلمنغتون على النظر في شهادة الأسبوع الماضي من محققي مصلحة الضرائب الأميركية، التي شهدوا فيها أن بايدن الأصغر قد تلقى معاملة تفضيلية. وقال رئيس مجلس النواب كيفين مكارثي إن مجلس النواب مستعد للمضي قدماً في تحقيق عزل الرئيس بايدن، بعد مزاعم بالفساد بسبب تورطه في تعاملات تجارية مع نجله، ما يعد تصعيداً غير مسبوق من الجمهوريين.
وتبدو فكرة عزل الرئيس كأنها محاولة من الفصائل الأكثر تطرفاً في الحزب الجمهوري للانتقام من محاكمات ترمب، وإيجاد طريقة لصرف الانتباه عن فضائح ترمب، واستثمار مشكلات هانتر بايدن القانونية والأخلاقية لنسج قصة حول ما يسمونه «عائلة بايدن الإجرامية» وتوجيه اتهامات للرئيس بايدن بالتستر القانوني، وتسليح العدالة. ويحاول بعض أعضاء مجلس النواب الجمهوريين إيجاد روابط بين مشروعات هانتر بايدن التجارية في أماكن مثل الصين وأوكرانيا والقرارات التي اتخذها والده عندما كان نائباً للرئيس. كما يتهمون وزارة العدل الحالية بعرض صفقة متساهلة للغاية على هانتر بايدن والتدخل في محاكمة نجل الرئيس.
البيت الأبيض يدافع
وفي مواجهة هجمات الجمهوريين، دافع الرئيس بايدن بقوة عن استقلالية وزارة العدل، وشدد على أنه لم يتدخل في تحقيقات وزارة العدل، كما دافع عن ابنه قائلاً إنه يحب ابنه ويدعمه، ونفى ضلوعه أو معرفته بالتعاملات والصفقات التجارية الخاصة بعمل هانتر بايدن مع دول أجنبية. وقد دأب الرئيس بايدن على استثارة العواطف من خلال الحديث عن معاناة أسرته بعد وفاه ابنه «بو» عام 2015 وتصدير صورة الأسرة التي عانت مثل أي أسرة أميركية مع مأساة إدمان ابنه للمخدرات ووقوف الأسرة مع الابن حتى شفائه.
وخلال المؤتمر الصحافي، مساء الأربعاء، وصفت كارين جان بيير، المتحدثة باسم البيت الأبيض، الوضع بأنه مسألة عائلية، وأكدت أن الرئيس بايدن تجنب التورط في المشكلات القانونية لابنه، وقالت: «الرئيس والسيدة الأولى يحبون ابنهم، وهم يدعمونه، وهو يواصل إعادة بناء حياته». وأضافت: «تم التعامل مع هذه القضية بشكل مستقل، من قبل وزارة العدل تحت قيادة المدعي العام المعين من قبل الرئيس السابق (دونالد ترمب)».
وقد واجه الرئيس بايدن مزاعم مستمرة بأنه ساعد ابنه في المعاملات التجارية الدولية المربحة، اعتمادًا على اسم العائلة، وأشارت تسجيلات بين هانتر بايدن وعملائه إلى استخدام اسم الرجل الكبير، في إشارة واضحة إلى والده، وقد نفى البيت الأبيض مراراً وتكراراً مثل هذه المزاعم، لكنه غيّر رسالته من الرئيس «لم يناقش أبداً الأعمال التجارية» مع ابنه، إلى الرئيس «لم يكن يعمل أبداً» مع ابنه. وشدد مسؤولو البيت الأبيض الذين واجهوا أسئلة مراراً وتكراراً حول تعاملات هانتر بايدن مع الشركات الأوكرانية والصينية، أن نجل الرئيس هو مواطن عادي، وأنه يواجه قضية شخصية، وأن بايدن حينما كان في منصب نائب الرئيس لم يشارك أبداً في معاملات ابنه التجارية.
مشكلات ترمب القانونية
أذهلت هذه الدراما القانونية والسياسية المتضاربة أروقة واشنطن، وفرضت المكائد القانونية موقعاً متميزاً لها، في واحدة من أغرب الحملات الانتخابية الرئاسية، سواء لبايدن أو منافسه اللدود دونالد ترمب، الذي يتحضر لاستلام ثالث لائحة اتهام جنائية في تحقيقات المحقق الخاص، جاك سميث، حول جهوده لإلغاء نتائج انتخابات 2020 التي سبقت الهجوم على مبنى الكابيتول في 6 يناير (كانون الثاني) 2021.
ومما يزيد من تعقيد المشهد الانتخابي، أن ترمب هو المرشح الأوفر حظاً لمواجهة الرئيس بايدن في مباراة انتخابات 2024 للرئاسة. ووفقاً لاستطلاعات الرأي، يحظى ترمب بأكثر من 50 بالمائة من دعم الجمهوريين لترشيح الحزب الجمهوري للرئاسة، وهو يتقدم بفارق 30 نقطة عن منافسه رون ديسانتيس حاكم ولاية فلوريدا.
وترمب هو بالفعل أول رئيس سابق يتم اتهامه جنائياً، وقد تسببت لوائح الاتهام السابقة (إحداها في مانهاتن بتهم الاحتيال التجاري المتعلقة بدفع مبالغ مالية لنجمة الأفلام الإباحية ستورمي دانيالز، والأخرى في محكمة اتحادية تتعلق بسوء التعامل المزعوم مع الوثائق السرية) في كثير من التعقيدات القانونية له، لكن إصدار لائحة اتهام بشأن الأحداث التي سبقت 6 يناير سيمثل لحظة فريدة في التاريخ الأميركي، لأنه للمرة الأولى يمكن للولايات المتحدة أن تحاكم رئيساً سابقاً لمحاولة تدمير نظامها الديمقراطي.
الطريق إلى نوفمبر 2024
ويقول بعض الخبراء والمحللون إنه من الصعب معرفة كيف ستوثر المشكلات القانونية لهانتر بايدن ولوائح الاتهام لترمب على مسار الانتخابات الرئاسية، ويستغل ترمب لوائح الاتهام في ترويج نظريات المؤامرة ضده، وفي جمع التبرعات لحملته التي تزداد شعبية مع زيادة المشكلات القانونية. ويقول المحللون إنه إذا فاز ترمب بترشيح الحزب الجمهوري فقد تؤدي مسألة تقديم رئيس محتمل للمحاكمة إلى تقويض جاذبيته لدى الناخبين المعتدلين والمتأرجحين.
بعض الخبراء يرون أن قضية هانتر بايدن ستجعل ترمب قادراً على اكتساب أرضية أكبر في السباق الانتخابي، بالترويج أن التعامل مع هانتر بايدن هو أبرز دليل على ازدواجية المعايير في الدولة الأميركية العميقة، ودليل على فساد النخبة الحاكمة، خاصة مع قاعدة من الناخبين الجمهوريين الذي يعتقدون أن التهم الجنائية الموجهة لترمب لها دوافع سياسية، وأنه يتلقى معاملة مختلفة عن هانتر بايدن.
والموقف نفسه يواجهه المرشح الرئاسي الديمقراطي جو بايدن، ففي كل منعطف جديد في قضية هانتر بايدن سيقوم الجمهوريون بتعزيز هجماتهم ضد بايدن، وسيلعب المصير القانوني لهانتر بايدن وأي أخطاء من قبل وزارة العدل دوراً في تحقيقات لجنة الرقابة في مجلس النواب واللجنة القضائية بالمجلس بإثبات أن بايدن استخدم سلطاته ووزارة العدل سلاحاً ضد ترمب وكسلاح للتدخل في التحقيقات مع ابنه.