على الرغم من تصريحات وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، التي أشار فيها إلى أن واشنطن «تراقب من كثب» التطورات الجارية في روسيا، في أعقاب «تمرد» يفغيني بريغوجين قائد مجموعة «فاغنر»، فقد بدا أن «الترقب» هو سيد الموقف في أروقة الإدارة الأميركية، في ظل صمت البنتاغون والبيت الأبيض حتى الآن.
وقال بلينكن في بيان، بعد اجتماع افتراضي لوزراء خارجية مجموعة السبع، عقد خصيصاً لبحث الوضع المستجد في روسيا: «إن واشنطن على اتصال وثيق بالحلفاء، وستبقى في تنسيق تام مع الحلفاء والشركاء مع استمرار تطور الوضع في روسيا». وقال البيان، إن الوزير تحدث مع وزراء خارجية كندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان والمملكة المتحدة والممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، لمناقشة الوضع الحالي في روسيا.
وجدد الوزير بلينكن التأكيد على «أن دعم الولايات المتحدة لأوكرانيا لن يتغير، وستبقى الولايات المتحدة على تنسيق وثيق مع الحلفاء والشركاء مع استمرار تطور الوضع».
تعليمات صارمة للصمت
هذا وأعطت وزارة الخارجية تعليمات صارمة لسفاراتها في الخارج لتظل صامتة بشأن الأحداث الجارية الآن في روسيا، وبأن الحكومة الأميركية ليست لديها نية للتعليق.
وفي رسالة أُرسلت إلى السفارات، طلبت الخارجية من السفارات عدم التواصل مع الدول المضيفة بشأن الأحداث. وأبلغت موظفيها بأنه في حال كانت هناك اتصالات من المضيفين، على السفارات أن تنقل رسالة أن الولايات المتحدة «تراقب من كثب تطور الوضع» وأن «الولايات المتحدة ليست لديها نية لإشراك نفسها في هذا الأمر». وجاء في الرسالة التي تناقلتها وسائل الإعلام الأميركية: «فيما يتعلق بالحكومات المضيفة، يجب على رؤساء البعثات وموظفي السفارات عدم إشراك مسؤولي الحكومة المضيفة بشكل استباقي دون إذن مسبق من واشنطن... يجب ألا ترد البعثات مباشرة على أي استفسارات صحفية».
وبشكل منفصل، يصل مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، إلى كوبنهاغن، للاجتماع مع كبار المسؤولين الأوكرانيين والاتحاد الأوروبي وممثلين من دول من بينها تركيا وجنوب أفريقيا.
وفيما يهدف الاجتماع، الذي كان مقرراً قبل الأزمة الحالية، إلى مزيد من المناقشات بين الحلفاء الغربيين لأوكرانيا، مع الدول التي تمتنع حتى الآن عن اتخاذ موقف قوي ضد موسكو بشأن حرب أوكرانيا، نقلت وسائل إعلام أميركية عن مسؤولين قولهم، إن التطورات الأخيرة في روسيا، فرضت نفسها على المجتمعين.
هذا، ونقلت وسائل إعلام أميركية عن مسؤول دفاعي غربي، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، قوله، إنه كانت هناك مؤشرات مسبقة على مثل هذه الخطوة التي أقدم عليها بريغوجين، والتي يمكن تفسيرها من خلال مجموعة من الدوافع، بما في ذلك التنكر والخداع، المعروف في الروسية باسم «ماسكيروفكا». وأضاف أن هناك ثلاثة سيناريوهات يجب مراعاتها: «التمرد، المسكيروفكا، الاستفزاز». وقال المسؤول: «نقوم بتحليلهم جميعا الآن. نعم، كانت هناك مؤشرات».
بريغوجين فشل بالفعل
رأى مسؤول استخباراتي غربي كبير، أن تمرد بريغوجين يمثل خرقاً لا يمكن إصلاحه مع بوتين، وأنه يجب عليه أن يدرك الآن أن لا عودة له إلى المكانة والثروة التي راكمها على مدى عقود بدعم من الكرملين.
وقال المسؤول الاستخباراتي: «لا مجال للعودة لبريغوجين. لقد بالغ في لعبه». وأضاف أنه نتيجة لذلك، يواجه بريغوجين الآن معركة من أجل حياته لصد القوات الروسية. وقال المسؤول: «سيتعين على طرف منهما أن يرمش عينه أولاً»، مشيراً إلى حساسية الموقف. لكنه أضاف: «تعلم جيداً ما الذي يحدث لأولئك الذين يسميهم (بوتين) بالخونة».
وعدّ المسؤول نفسه أن استحضار بوتين للثورة البلشفية عام 1917، يشير إلى الجدية التي ينظر بها إلى انشقاق بريغوجين. وقال: «بوتين، الذي قدم نفسه مؤرخاً مثقفاً، لن يستدعي عام 1917 من دون سبب، فهو يخبرنا كثيراً كيف يدركون الأخطار... إذا كان بريغوجين ينوي دق إسفين بين قيادة القوات المسلحة للاتحاد الروسي والكرملين، فقد فشل بالفعل».
ما يعني أن التمرد حتى الآن لا يبدو أنه أثار شرخاً أوسع بين الدائرة المقربة من بوتين، مع القادة العسكريين الذين يمقتهم بريغوجين، على حد قوله.