ترمب وسجل حافل من الأسرار

الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب (رويترز)
الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب (رويترز)
TT

ترمب وسجل حافل من الأسرار

الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب (رويترز)
الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب (رويترز)

صبيحة أحد أيام أغسطس (آب) 2022 داهم عناصر مكتب التحقيقات الفيدرالي دارة فخمة في بالم بيتش بحثاً عن صناديق تحتوي على وثائق بالغة السرية للبنتاغون ووكالة الاستخبارات المركزية في مكان مفتوح تقام فيه حفلات باستمرار.

ويبدو أن رئيساً سابقاً عد أن باستطاعته فعل ما يشاء بأسرار أميركية وحتى الكشف عنها لمسؤولين أجانب وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

وبالنسبة لمؤيديه فإن قضية دونالد ترمب والوثائق السرية مسألة سياسية، لا تعدو انتقاما من الرئيس جو بايدن من منافسه السابق والمقبل على البيت الأبيض.

لكن بالنسبة لواشنطن المهووسة بالأسرار، فإن احتمال فقدان السيطرة على معلومات بالغة السرية يمثل كابوساً يتطلب إسكات ترمب.

وبعد 10 أشهر من مداهمة العناصر الفيدراليين لمنزل ترمب الفخم في مارالاغو بحثاً عن وثائق سرية، وجهت له وزارة العدل 37 تهمة تتعلق بانتهاك قوانين السرية وعرقلة التحقيق، تصل عقوبتها القصوى إلى السجن 20 عاماً في حال الإدانة.

وكان باستطاعته تجنب الاتهامات الجنائية غير المسبوقة، فقد مُنح ترمب عدة فرص لتسليم الوثائق، لكنه لم يسلمها.

وقال ترمب لأحد محاميه بعد استحصال مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) على مذكرة قانونية، وفق لائحة الاتهام، «أليس من الأفضل أن نقول لهم إنه ليس لدينا أي شيء هنا؟».

«أسرار في الحمام»

غادر ترمب البيت الأبيض في يناير (كانون الثاني) 2021 مع صناديق تحتوي على تذكارات وصور وملابس وأوراق للمكتب البيضاوي، نُقلت على شاحنات إلى مارالاغو.

لكن كان من المفترض ألا يتم إخراج تلك الوثائق، فمستندات البيت الأبيض بحكم القانون ملك للمحفوظات الوطنية، والملفات السرية ينبغي أن تبقى غير متاحة لمن لا يحملون تصاريح أمنية.

وفي مايو (أيار) 2021 تبين للمحفوظات الوطنية أن هناك سجلات مهمة غير موجودة بين ما سلمته إدارة ترمب المنتهية ولايتها.

وفي يناير (كانون الثاني) 2022 تسلمت المحفوظات الوطنية 15 صندوقاً من مارالاغو. ووجدت ضمنها أكثر من 100 ملف سري.

بعض الملفات كان يحمل أختاماً على أعلى درجة من السرية، إضافة إلى وثائق يمكن أن تكشف أكثر الأسرار أهمية.

واستدعى ذلك تدخل قسم مكافحة التجسس في «إف بي آي» المعني بتسريب أسرار الدولة.

وبموجب مذكرة طلب العناصر من ترمب إعادة مستندات سرية قد تكون بحوزته.

وبعد تفتيش لمارالاغو سلم محامو ترمب مظروفاً يحتوي على كل ما عثروا عليه، لرئيس قسم مكافحة التجسس في «إف بي آي»، في إقرار رسمي بأن هذا كل ما بقي.

الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب يشير في سيارة وهو يغادر منتجعه في Mar-a-Lago بعد أن وجهت إليه لائحة اتهام من قبل هيئة محلفين كبرى بمانهاتن في 3 أبريل 2023 (رويترز)

غير أن تسجيلات فيديو حصل عليها مكتب «إف بي آي» في الأسابيع التالية، أظهرت عمالاً في مارالاغو وهم ينقلون صناديق تحتوي على مستندات من غرفة تخزين في الطابق السفلي.

وأدى ذلك إلى عملية المداهمة التي نفذها عناصر «إف بي آي» في 8 أغسطس (آب).

لم يكن ترمب في مارالاغو عند إجراء عملية التفتيش وضبط آلاف الوثائق الإضافية، ومن بينها عشرات المستندات بالغة السرية.

وجاء في لائحة الاتهام الصادرة الجمعة، أن ترمب احتفظ بملفات حول أسرار نووية ومخططات حرب وبرامج أسلحة وثغرات وطنية، بشكل عشوائي في مكتبه الشخصي وقاعة حفلات وغرفة نوم وحمام.

50 مليون وثيقة سنوياً

يرى الموالون لترمب أن القضايا ثانوية، ويعدون أن رئيساً سابقاً سعى ببساطة للاحتفاظ ببعض الأوراق التي تطبع سنواته الأربع في البيت الأبيض، أو أنه ارتكب خطأ عادياً.

وفعلاً، منذ مداهمة مارالاغو عثر على مستندات سرية في ملفات حملها جو بايدن معه في 2017 بعد انتهاء مهامه كنائب للرئيس، وفي منزل مايك بنس الذي كان نائباً لترمب.

لكن كلا منهما سلم الوثائق طوعاً.

يقول المنتقدون إن المشكلة هي نتيجة نظام التصنيفات السرية الذي تعتمده واشنطن والخارج عن السيطرة.

وكل عام يُتخذ قرابة 50 مليون قرار بشأن تصنيف مستندات حكومية في فئات مثل «غير مصرح بالنشر» أو «سري» أو «سري جداً»، لكن جزءاً صغيراً منها يستحق تلك التصنيفات.

وقال خبير الأمن لدى معهد «بروكينغز بروس ريدل» العام الماضي إن تصنيف الوثائق هو «القرار الآمن من ناحية الإجراءات البيروقراطية».

واجب مقدس

من ناحية أخرى شكل موقف ترمب تحدياً لمؤسسات واشنطن، حيث يعد الوصول إلى الأسرار قوة سياسية، وحماية الوثائق السرية واجباً مقدساً، وإساءة استخدامها جريمة.

على سبيل المثال في الأول من يونيو (حزيران) حُكم على ضابط الاستخبارات الجوية السابق روبرت بيرتشوم بالسجن 3 سنوات لأخذه مئات الملفات السرية إلى منزله. ولم يعرضها أبداً على أحد.

عندما تولى الرئاسة في 2017 أظهر ترمب ازدراء بمجتمع الاستخبارات الأميركية وتعاطى بعدم مسؤولية مع الأسرار التي اطلع عليها في الإحاطات الإعلامية المنتظمة.

في اجتماع بالمكتب البيضاوي أخبر وزير الخارجية الروسي الزائر سيرغي لافروف بمعلومات استخباراتية جديدة تم الحصول عليها من إسرائيل حول مخطط لتنظيم «داعش».

ونشر على «تويتر» صورة بالغة السرية لصاروخ إيراني منفجر خلافاً لنصيحة مساعديه.

واستمر هذا النهج غير الرسمي بعد مغادرته البيت الأبيض. وذكرت لائحة الاتهام أن ترمب عرض مرتين وثائق عسكرية بالغة السرية على معارفه في نادي بيدمينستر للغولف في نيوجيرزي.

ويُعتقد أنه قال لأحد الزوار: «هذه معلومات سرية».


مقالات ذات صلة

ترمب يفضل السماح لـ«تيك توك» بمواصلة العمل

الولايات المتحدة​ العلامة التجارية لتطبيق «تيك توك» (رويترز)

ترمب يفضل السماح لـ«تيك توك» بمواصلة العمل

قال الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، اليوم (الأحد)، إنه يفضل السماح لتطبيق «تيك توك» بمواصلة العمل في الولايات المتحدة لفترة قصيرة على الأقل.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (رويترز)

ترمب يرشح مسؤولاً سابقاً في الخزانة لرئاسة «المستشارين الاقتصاديين»

قال الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، اليوم (الأحد)، إنه رشح ستيفن ميران رئيساً لمجلس المستشارين الاقتصاديين.

«الشرق الأوسط» (واشنطن )
شؤون إقليمية مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان يصل لحضور مؤتمر صحافي (أ.ب)

سوليفان: إيران قد تطور سلاحاً نووياً بعد انتكاسات إقليمية

تشعر إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بالقلق من سعي إيران، التي اعتراها الضعف بعد انتكاسات إقليمية، إلى امتلاك سلاح نووي.

«الشرق الأوسط» (لندن - واشنطن)
الاقتصاد شاشة تعرض أخبار السوق خلال عمل المتداولين في بورصة نيويورك (رويترز)

«استراتيجية الاقتصاد الكلي» تهيمن على صناديق التحوط في 2025

يبدو أن الخيار الأفضل لاستراتيجيات صناديق التحوط في العام المقبل هو ما تُسمى «استراتيجية الاقتصاد الكلي»، مع التركيز على الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الولايات المتحدة​ تولت الولايات المتحدة مسؤولية بناء القناة وإدارة المنطقة المحيطة بالممر لعقود من الزمن (رويترز) play-circle 01:40

ترمب يهدد باستعادة السيطرة على قناة بنما

اتهم الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب بنما، أمس (السبت)، بفرض رسوم باهظة مقابل استخدام قناة بنما.

«الشرق الأوسط» (ويست بالم بيتش (فلوريدا))

ترمب يهدد باستعادة السيطرة على قناة بنما

TT

ترمب يهدد باستعادة السيطرة على قناة بنما

تولت الولايات المتحدة مسؤولية بناء القناة وإدارة المنطقة المحيطة بالممر لعقود من الزمن (رويترز)
تولت الولايات المتحدة مسؤولية بناء القناة وإدارة المنطقة المحيطة بالممر لعقود من الزمن (رويترز)

اتهم الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، بنما، أمس (السبت)، بفرض رسوم باهظة مقابل استخدام قناة بنما، وقال إنه إذا لم تُدر بنما القناة بطريقة مقبولة، فسوف يطالب البلد الحليف للولايات المتحدة بتسليمها.

وفي منشور مسائي على موقعه للتواصل الاجتماعي «تروث سوشيال»، حذّر ترمب أيضاً من أنه لن يسمح للقناة بالوقوع في «الأيدي الخطأ»، وبدا كأنه يحذر من التأثير الصيني المحتمل على الممر المائي، وكتب أن القناة لا ينبغي أن تديرها الصين.

دونالد ترمب (أ.ف.ب)

كان هذا المنشور مثالاً نادراً للغاية لرئيس أميركي يقول إنه يستطيع الضغط على دولة ذات سيادة لتسليم أراضٍ. كما يؤكد التحول المتوقع بالدبلوماسية الأميركية في عهد ترمب، الذي لم يتردد من قبل في تهديد الحلفاء واستخدام الخطاب العدواني عند التعامل مع النظراء.

وتولت الولايات المتحدة مسؤولية بناء القناة وإدارة المنطقة المحيطة بالممر لعقود من الزمن. لكن الحكومة الأميركية سلمت السيطرة الكاملة على القناة إلى بنما في عام 1999، بعد فترة من الإدارة المشتركة، وفقاً لما ذكرته وكالة «رويترز» للأنباء.

الحكومة الأميركية سلمت السيطرة الكاملة على القناة إلى بنما في عام 1999 (أ.ف.ب)

وكتب ترمب، في منشور على موقع «تروث سوشيال»، أن «الرسوم التي تفرضها بنما سخيفة، خصوصاً بالنظر إلى الكرم الاستثنائي الذي قدمته الولايات المتحدة لها».

وأضاف: «لم يتم منحها (السيطرة) من أجل مصلحة الآخرين، بل بوصفها رمزاً للتعاون معنا ومع بنما. وإذا لم يتم اتباع المبادئ الأخلاقية والقانونية لهذه البادرة الكريمة، فإننا سنطالب بإعادة قناة بنما إلينا بالكامل، ودون أدنى شك».

ولم ترد سفارة بنما في واشنطن حتى الآن على طلب للتعليق. لكن عدداً من الساسة في بنما انتقدوا تصريحات ترمب وطالبوا الحكومة بالدفاع عن القناة. وقالت غريس هيرنانديز، النائبة في البرلمان عن حزب «إم أو سي إيه» المعارض، عبر منصة «إكس»: «على الحكومة واجب الدفاع عن استقلالنا كدولة مستقلة... تستلزم الدبلوماسية الوقوف في وجه (مثل هذه) التصريحات المؤسفة».

وشيدت الولايات المتحدة جزءاً كبيراً من القناة وتولت إدارة المنطقة المحيطة بالممر لعقود من الزمن. لكن الولايات المتحدة وبنما وقّعتا اتفاقيتين في عام 1977 مهدتا الطريق أمام عودة القناة إلى السيطرة البنمية الكاملة. وسلمت الحكومة الأميركية السيطرة الكاملة على القناة إلى بنما في عام 1999 بعد فترة من الإدارة المشتركة. ويمثّل الممر المائي الذي يسمح بعبور ما يصل إلى 14000 سفينة سنوياً 2.5 في المائة من التجارة العالمية المنقولة بحراً، وهو أمر بالغ الأهمية لواردات الولايات المتحدة من السيارات والسلع التجارية عن طريق سفن الحاويات من آسيا ولصادرات الولايات المتحدة من السلع، ومنها الغاز الطبيعي المسال. وليس من الواضح كيف سيسعى ترمب لاستعادة السيطرة على القناة، ولن يكون لديه أي سبيل بموجب القانون الدولي إذا قرر المضي قدماً في مسعاه للسيطرة على القناة.