نظام الهجرة الأميركي: تخبط بين الهوية وأمن الحدود

إخفاقات متتالية من إدارات متعاقبة لحل الأزمة

مهاجرون يحاولون العبور نحو الولايات المتحدة من ولاية تاموليباس بالمكسيك في 11 مايو (أ.ف.ب)
مهاجرون يحاولون العبور نحو الولايات المتحدة من ولاية تاموليباس بالمكسيك في 11 مايو (أ.ف.ب)
TT

نظام الهجرة الأميركي: تخبط بين الهوية وأمن الحدود

مهاجرون يحاولون العبور نحو الولايات المتحدة من ولاية تاموليباس بالمكسيك في 11 مايو (أ.ف.ب)
مهاجرون يحاولون العبور نحو الولايات المتحدة من ولاية تاموليباس بالمكسيك في 11 مايو (أ.ف.ب)

مع نفاد الصلاحيات الاستثنائية لكبح الهجرة غير الشرعية تحت قوانين إدارة جائحة كورونا، تتأهب السلطات الأميركية لتدفق أفواج من المهاجرين على حدودها مع المكسيك. أعادت هذه الأزمة تسليط الضوء على مشاكل نظام الهجرة الأميركي، وتداعياته الاجتماعية والسياسية، ما دفع الرئيس الأميركي جو بايدن إلى التحذير من أن الوضع على الحدود «سيكون فوضوياً لفترة».

يستعرض برنامج «تقرير واشنطن»، وهو ثمرة تعاون بين «الشرق الأوسط» و«الشرق»، التجاذبات بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري حيال أزمة الهجرة، والسيناريوهات المطروحة أمام إدارة بايدن.

اتهامات سياسية

أفراد من الحرس الوطني الأميركي يخاطبون مهاجرين عند الحدود مع المكسيك في 10 مايو (أ.ف.ب)

بدأت تنتشر مشاهد توافد مهاجرين على الحدود، الذين وصل عددهم إلى 13 ألفاً يومياً، حسب وزارة الأمن القومي، ومعها بدأ تبادل الاتهامات السياسية. ويرى دانيال ستاين، رئيس الاتحاد الأميركي لإصلاح الهجرة، أن «إدارة بايدن خلقت الأزمة بنفسها عبر نشر الغموض والارتباك، وعدم التنسيق، ورفض استخدام الأدوات التي قدمتها مجالس الكونغرس السابقة على مدى السنوات الـ50 الأخيرة لردع وحجز الأشخاص خلال إجراءات الهجرة». وأضاف ستاين: «في نهاية الأمر، إذا كان اللاجئون هم الوحيدين الذين يستطيعون الدخول، فسيدّعي الجميع أنهم لاجئون. وعند الادعاء بأنك لاجئ، يتم قبولك هنا لسنوات عديدة من دون أي احتمال للحصول على موعد في المحكمة. وحتى في هذه الحالة، ليس هناك أي إجراءات تنفيذ أو ملاحقة».

لكن رافاييل بيرنال، مراسل صحيفة «ذا هيل» لشؤون الهجرة عارض ستاين الرأي، معتبراً أن أزمة الهجرة لم يخلقها الرئيس بايدن وحده، على الرغم من ادّعاء خصومه ذلك. وأوضح: «تغيير الرئيس بايدن للسياسات التي وضعتها إدارة ترمب، والتي ألحقت المعاناة بعشرات آلاف الأشخاص، لم يكن مرحباً به من قاعدة الرئيس بايدن إذا أردنا التحدث بلغة سياسية بحتة». وأضاف أن «الفرق بين الإدارة السابقة وهذه الإدارة من منظور سياسي، أن إدارة ترمب نجحت في التواصل مع قاعدتها واعتمدت طريقة تفاعلية جداً في تطبيق السياسات الحدودية، على خلاف إدارة بايدن التي لم تكن واضحة في تصريحاتها حول سياسة الحدود، ما شكل حيرة للحلفاء وغذى الشائعات التي تحوم حول الهجرة الإقليمية».

ودعمت دارا ليند، كبيرة الباحثين في مجلس الهجرة الأميركي، تقييم بيرنال بأن إدارة بايدن لم تتطرق إلى قضية الهجرة بشكل فعال. وقالت: «بعد فترة الـ45 يوماً الأولى من رئاسته، احتفل بايدن بعكس كثير من سياسات ترمب في جولة انتصارية، وبعد ذلك كان رد الإدارة أنها تريد إبقاء هذا الموضوع بعيداً عن العناوين الرئاسية قدر الإمكان، وعدم التحدث عنه. لكن المشكلة هنا أن التصريحات التي تخرج من البيت الأبيض لا تشكل العامل المحدد للأخبار المتداولة، بل ما يحدث على الحدود هو ما يحبر الإدارة على الرد، وهي لم تقدم رداً فعالاً».

«فشل» هاريس

مهاجرون يعبرون نهر «ريو غراندي» في ولاية تاموليباس المكسيكية (أ.ف.ب)

على الرغم من أن الإدارة الأميركية كلّفت نائبة الرئيس كامالا هاريس بمهمة «إصلاح» ملف الهجرة، فإن الأخيرة تتعرض لانتقادات مكثفة بسبب عدم أدائها لهذا الدور بشكل فعال. وقال بيرنال: «فشلت نائبة الرئيس في دورها بكل صراحة، ما منح معارضي الإدارة من الجمهوريين زاوية هجوم أخرى ضد نائبة الرئيس التي لم تكن تتمتع بشعبية عالية منذ البداية، وأطلق عليها الجمهوريون أسماء غير لائقة، خصوصاً في ظل تخوف الإدارة من ظهور أي صور من الحدود». وتابع: «بنهاية الأمر، ذهب الرئيس ونائبة الرئيس إلى الحدود، لكن بعد فوات الأوان. وقد تم استغلال هذه الحالة ضد الإدارة الحالية».

وفي ظلّ الانتقادات العلنية والخلافات الداخلية المتجذرة بين الحزبين، لم يتمكّن الكونغرس من إقرار مشاريع قوانين فعالة لإصلاح ملف الهجرة. وتحدث ستاين عن العراقيل، فقال: «تمتع الحزب الديمقراطي في الكونغرس بالأكثرية لمدة سنتين تحت إدارة جو بايدن، بينما تمتع الحزب الجمهوري بالأكثرية لمدة سنتين تحت إدارة دونالد ترمب. لكن الفريقين لم يقوما بأي شيء».

وطرح ستاين تساؤلاً يردّده الكثيرون: «هل من الملائم أكثر للأحزاب السياسية أن تستخدم الهجرة سلاحاً ضد الحزب الآخر؟ أم هل من الأفضل محاولة إيجاد حل حقيقي؟». وهذه نقطة دعمها بيرنال، قائلاً إنها «قصة النزاعات السياسية داخل قضية الأمن الحدودي؛ فهي تشكل سلاحاً انتخابياً هائلاً للجمهوريين». وتابع: «من الزاوية السياسية، لا يحتاج الحزب الجمهوري إلى جود حل لهذه الأزمة خلال السنة المقبلة لأنها تشكل منصة جيدة للترشح ضد الرئيس بايدن والحزب الديمقراطي في مختلف أنحاء الولايات المتحدة».

خلافات وحلول

فرز مهاجرين بعد عبورهم الحدود المكسيكية إلى أريزونا في 11 مايو (أ.ف.ب)

يختلف الديمقراطيون والجمهوريون على تشخيص موحّد لمشكلة الهجرة. وتقول ليند إن «مفهوم إصلاح الهجرة يعني أموراً مختلفة تماماً بالنسبة إلى الحزبين. فمنذ رئاسة جورج بوش الابن، كانت هناك فكرة لإصلاح شامل للهجرة كانت تستخدم حلاً بديلاً لمنح الصفة الشرعية إلى الأشخاص الذين يعيشون حالياً في الولايات المتحدة من دون وثائق، ومعظمهم موجودون هنا منذ عقود. لكن بما أنها كانت سياسة خاصة باليسار، فإن التشريعات التي يقترحها الجمهوريون تتمحور حول تعزيز الإجراءات على الحدود، خصوصاً حين يتعلّق الأمر بالتغييرات في نظام اللجوء، الذي كما رأينا أصبح الوسيلة التي يعتمدها معظم المهاجرين للدخول إلى الولايات المتحدة، بغض النظر عمّا إذا كانوا لاجئين بحق أم لا». واستنتجت أن «المشكلة أن هذه المقترحات لا تعد نقطة انطلاق مع الحزب الديمقراطي، فتشخيص المشكلة نفسها مختلف بين الحزبين».

ويطرح ستاين، الذي عمل لأعوام طويلة لوضع أسس لإصلاح نظام الهجرة الأميركي، حلاً للمشكلة. وقال إن «هناك حلولاً، لكنها معقدة ومكلفة. وهي تتطلب في بعض الحالات تعليق فئات القبول الجديدة للسيطرة على الأعداد. وهذا ما قد أوصت به اللجان منذ سبعينات القرن الماضي». لكنه حذّر في الوقت نفسه، من أن «إصلاح النظام، وهو جارٍ مع وجود الملايين الذين يحاولون عبور الحدود الأميركية، لن ينجح أبداً. فهو يتطلّب فرق عمل أكثر، وإعادة هيكلة في الإجراءات، وحجزاً إجبارياً للترحيل السريع، واستراتيجيات أخرى رادعة». وأضاف: «بمجرد وضع هذه الاستراتيجيات الرادعة في مكانها الصحيح، ستصنع المعجزات».

وأشار ستاين إلى دفع البعض لاستقبال المهاجرين بحجة الحاجة إلى يد عاملة أقل تكلفة من اليد العاملة الأميركية. وقال: «قد تكون هناك احتياجات للقوى العاملة الأجنبية في الاقتصاد الأميركي، لكن هذه ليست الطريقة الأخلاقية لتلبية هذه الاحتياجات، ولا الطريقة الدستورية أو الديمقراطية. الكونغرس يحدد من الذي يدخل إلى الولايات المتحدة، وكفاءات هؤلاء وطريقة تنفيذ أو تفعيل القوانين. في حال لم يتم تنفيذ القوانين، هذا يعني أن الشعب الأميركي خسر صوته في تحديد من يمكن أن يدخل البلاد».

لكن ليند طرحت في إطار ردها على هذه الحلول قضية أساسية متعلقة بالجانب الإنساني لهذه الأزمة، التي بدت واضحة للعيان خلال اعتماد سياسة فصل العائلات في فترة رئاسة دونالد ترمب. وقالت إن «السؤال هنا، هو هل نرغب في أن يتم وقف وترحيل كل لاجئ غير شرعي يواجه سلطات الأمن المحلية، حتى لو كان لديه أطفال هم مواطنون أميركيون أو عاشوا هنا لفترة طويلة، أم لا».


مقالات ذات صلة

إيطاليا تتعهد باعتماد «حلول مبتكرة» للحد من الهجرة

أوروبا مهاجرون يصلون على متن سفينة تابعة لخفر السواحل الإيطالي بعد إنقاذهم في البحر بالقرب من جزيرة لامبيدوزا الصقلية... إيطاليا 18 سبتمبر 2023 (رويترز)

إيطاليا تتعهد باعتماد «حلول مبتكرة» للحد من الهجرة

تعهدت الحكومة الإيطالية، اليوم (الاثنين)، بالمضي قدما في تنفيذ خطتها المثيرة للجدل لبناء مراكز احتجاز في ألبانيا لطالبي اللجوء.

«الشرق الأوسط» (روما)
شمال افريقيا قارب للهجرة السرية في البحر المتوسط (متداولة)

الجزائر تُشدد إجراءاتها لمحاربة تهريب المهاجرين إلى أوروبا

شهدت عمليات تتبع آثار شبكات تهريب البشر عبر البحر، انطلاقاً من سواحل الجزائر، إطلاق فصيل أمني جديد خلال الأسبوع الماضي، وضعته السلطات السياسية للبلاد.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
المشرق العربي جانب من احتفالات السوريين في ألمانيا بعد سقوط نظام الأسد 8 ديسمبر 2024 (رويترز)

دراسة: إعادة اللاجئين السوريين إلى بلدهم ستوقع آثارًا سلبية على الاقتصاد الألماني

أظهر تحليلٌ، نُشر اليوم الأربعاء، أن إعادة اللاجئين السوريين إلى بلدهم يمكن أن يكون لها آثار سلبية على الاقتصاد الألماني

«الشرق الأوسط» (كولونيا)
أوروبا وزير الهجرة واللجوء السويدي يوهان فورسيل (أ.ب)

السويد تسعى إلى تشديد القيود على طلبات اللجوء

أعلنت الحكومة السويدية اليوم الثلاثاء أنها أعدت مشروع قانون من شأنه الحد من قدرة طالبي اللجوء الذين رُفضت طلباتهم على تقديم طلبات جديدة من دون مغادرة البلاد.

«الشرق الأوسط» (ستوكهولم)
العالم العربي لاجئون سوريون ومن جنسيات أفريقية أخرى يقيمون في مصر (مفوضية اللاجئين بالقاهرة)

اشتراطات مصرية جديدة لدخول السوريين

فرضت السلطات المصرية «اشتراطات جديدة» على دخول السوريين القادمين من دول أخرى إلى أراضيها، تتضمن الحصول على «موافقة أمنية» مسبقة، إلى جانب تأشيرة الدخول.

أحمد إمبابي (القاهرة)

واشنطن ترسل 11 من سجناء غوانتانامو لعمان

سجين في مركز الاحتجاز رقم 6 بخليج غوانتانامو في عام 2019 - يوجد الآن 15 رجلاً متبقين في السجن (نيويورك تايمز)
سجين في مركز الاحتجاز رقم 6 بخليج غوانتانامو في عام 2019 - يوجد الآن 15 رجلاً متبقين في السجن (نيويورك تايمز)
TT

واشنطن ترسل 11 من سجناء غوانتانامو لعمان

سجين في مركز الاحتجاز رقم 6 بخليج غوانتانامو في عام 2019 - يوجد الآن 15 رجلاً متبقين في السجن (نيويورك تايمز)
سجين في مركز الاحتجاز رقم 6 بخليج غوانتانامو في عام 2019 - يوجد الآن 15 رجلاً متبقين في السجن (نيويورك تايمز)

أعلنت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، الاثنين، أن الجيش أرسل 11 سجيناً يمنياً من سجن غوانتانامو إلى عمان، كي يبدأوا حياة جديدة، ليتبقى بذلك 15 رجلاً فقط في السجن. ويعد هذا القرار خطوة جريئة تأتي في نهاية إدارة بايدن، أثمرت تقليص عدد السجناء في غوانتانامو إلى أقل من أي وقت مضى، على امتداد تاريخ السجن الذي يتجاوز 20 عاماً.

لم يجرِ توجيه اتهامات إلى أي من الرجال المفرَج عنهم على امتداد عقدين من الاحتجاز. والآن، يجري توجيه اتهامات أو إدانة جميع السجناء المتبقين، باستثناء 6 منهم، بارتكاب جرائم حرب.

العاصمة العمانية مسقط في عام 2023 - تتمتع عمان بسجل قوي في إعادة تأهيل المعتقلين السابقين في غوانتانامو (نيويورك تايمز)

جدير بالذكر أنه عند تولي الرئيس بايدن منصبه، كان السجن يضم 40 معتقلاً. وقد عمد الرئيس إلى إحياء جهود إدارة أوباما لإغلاق السجن.

من جهته، نفذ «البنتاغون» عملية سرية في الساعات الأولى من صباح الاثنين، قبل أيام من الموعد المقرر لاعتراف خالد شيخ محمد، سجين غوانتانامو الأشهر، بالذنب في التخطيط لهجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، التي خلَّفت وراءها نحو 3000 قتيل، مقابل صدور حكم بالسجن مدى الحياة بحقه، بدلاً عن عقوبة الإعدام.

خطة التسليم

منذ 3 سنوات

جرى العمل على صياغة خطة التسليم منذ نحو 3 سنوات، لكن الخطة الأولية لتنفيذ نقل السجناء في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، فشلت بسبب معارضة الكونغرس.

ومن بين الـ11 الذين جرى إطلاق سراحهم معاذ العلوي، أحد المُضْربين عن الطعام فترة طويلة، والذي جذب الأنظار إليه في عالم الفن لبنائه نماذج قوارب من أشياء عثر عليها داخل سجن غوانتانامو، وعبد السلام الحلة، الذي طلب محامو الدفاع شهادته في قضية تفجير المدمرة الأميركية «يو إس إس كول»، وحسن بن عطاش، الأخ الأصغر لأحد المتهمين في قضية هجمات سبتمبر.

وصدرت الموافقة على نقل جميع السجناء من خلال لجان مراجعة فيدرالية معنية بالأمن الوطني.

من ناحيتهم، رفض مسؤولون أميركيون الإفصاح عما قدمته الولايات المتحدة لسلطنة عمان، أحد أكثر حلفاء واشنطن استقراراً في الشرق الأوسط، وما الضمانات التي تلقتها في المقابل. وبموجب القانون، لا يجوز للجيش إرسال سجناء غوانتانامو إلى اليمن بوصفه دولة تعاني ويلات حرب أهلية وحشية، ومن ثم يكون الوضع غير مستقر على نحو لا يسمح بمراقبة وإعادة تأهيل العائدين.

وعادة ما قدمت واشنطن أموالاً للدول المضيفة لتغطية تكاليف السكن والتعليم وإعادة التأهيل ومراقبة أنشطة المفرَج عنهم. كما طلبت واشنطن من الدول المضيفة منع المعتقلين السابقين في غوانتانامو من السفر إلى الخارج، لمدة لا تقل عن عامين.

برنامج عمان «متكامل»

وصف مسؤولون أميركيون برنامج عمان بأنه «متكامل»، ومصمَّم لمساعدة اليمنيين على العودة إلى المجتمع، وهم يعملون بوظائف ويملكون منازل ولديهم أسر، بينما عاد كثير منهم إلى المجتمع من خلال زيجات مرتبة.

يُذْكر أن إدارة أوباما أرسلت 30 معتقلاً إلى عمان بين عامي 2015 و2017. وتُوُفِّيَ رجل واحد منهم هناك، بينما أعيد البقية إلى أوطانهم - وهم 27 إلى اليمن واثنان إلى أفغانستان، بحسب مسؤول في وزارة الخارجية، تَحَدَّثَ بشرط عدم الكشف عن هويته، بسبب حساسية المفاوضات الدبلوماسية.

تزوجوا وأنجبوا أطفالاً

وتزوج كثير من اليمنيين، وأنجبوا أطفالاً في عمان، وأُعيدوا إلى وطنهم برفقة عائلاتهم.

في هذا السياق، قال جورج إم. كلارك، محامي اثنين من الرجال الذين نُقلوا هذا الأسبوع، إن أنباء النجاحات التي حققها المفرَج عنهم وصلت إلى السجناء اليمنيين في غوانتانامو، وجعلت عمان دولة إعادة توطين مرغوبة.

وأضاف: «الأمر لا يتعلق فقط بالتوافق الثقافي، بل كذلك بحصولهم على قدر معقول من الحرية اللائقة، ويجري دمجهم بشكل صحيح وناجح في المجتمع، وهذا ما يجعل إعادة التوطين ناجحة».

أسوار معسكر غوانتانامو بكوبا (متداولة)

تجدر الإشارة إلى أن الرجال الذين جرى إرسالهم إلى عمان، ألقي القبض عليهم من قِبل حلفاء واشنطن، أو جرى الزج بهم في السجن الأميركي بين عامي 2001 و2003. وقال المحامي كلارك إن المفرَج عنهم كانوا حريصين على العودة إلى عالم الهواتف المحمولة والإنترنت.

وأكد كلارك، الذي يمثل توفيق البيهاني وبن عطاش: «إنهم يريدون أن يعيشوا حياتهم. يريدون الزواج، وإنجاب الأطفال. يريدون الحصول على وظيفة وعيش حياة طبيعية».

في أكتوبر 2023، كانت هناك طائرة شحن عسكرية وفريق أمني موجودون بالفعل في خليج غوانتانامو، لنقل المعتقلين الـ11 إلى عمان، إلا أن اعتراضات الكونغرس دفعت إدارة بايدن إلى إلغاء المهمة التي تمت أخيراً هذا الأسبوع.

في ذلك الوقت، كان السجناء الذين غادروا، هذا الأسبوع، قد خضعوا بالفعل لمقابلات، تمهيداً لخروجهم من السجن، مع ممثلي اللجنة الدولية لـ«الصليب الأحمر». كما جرى إطلاق سراح 3 سجناء آخرين في غوانتانامو، كانوا مؤهَّلين للانتقال لبلد آخر، وهم أحد أبناء الروهينجا دون جنسية، وليبي وصومالي.

بالإضافة إلى ذلك، سعت وزارة الخارجية لإيجاد دولة لاستقبال وتوفير الرعاية الصحية لرجل عراقي، من أصحاب الاحتياجات الخاصة، أَقَرَّ بالذنب في قيادة قوات غير نظامية في أفغانستان في زمن الحرب. ولدى المسؤولين الأميركيين خطة لإرساله إلى سجن في بغداد، لكنه يقاضي إدارة بايدن لإحباط هذا النقل، على أساس أنه سيكون عُرضة للخطر في وطنه.

واليوم، أصبحت منطقة الاحتجاز داخل غوانتانامو أكثر فراغاً وهدوءاً مما كانت عليه في السابق.

ويجري احتجاز المعتقلين الـ15 المتبقين في مبنيين بالسجن، داخل مساحة زنزانات تتسع لنحو 250 سجيناً.

غوانتانامو افتُتح عام 2002

يُذْكر أن سجن غوانتانامو افتُتح في 11 يناير (كانون الثاني) 2002، مع وصول أول 20 معتقلاً من أفغانستان. وفي ذروته عام 2003، ضم السجن نحو 660 سجيناً، وأكثر من 2000 جندي ومدني تحت قيادة جنرال من ذوي النجمتين. وكان المعتقلون محتجزين في الغالب في زنازين مفتوحة على تلة تُطِل على المياه، في أثناء بناء السجن.

اليوم، يضم السجن 800 جندي ومتعاقد مدني ـ بمعدل 53 حارساً وموظفاً آخر لكل معتقل ـ ويتولى إدارته ضابط أقل رتبة، وهو العقيد ستيفن كين. وجرى نقل معظم المفرَج عنهم إلى بلدان تضمنت أفغانستان والجزائر وكينيا وماليزيا والمغرب وباكستان وتونس والمملكة العربية السعودية.

«علامة فارقة»

من ناحيته، وصف كليف سلون، المحامي الذي عمل مبعوثاً لإغلاق غوانتانامو أثناء إدارة أوباما، عملية النقل بأنها «علامة فارقة» تحوِّل التوازن داخل صفوف المحتجزين في السجن إلى أغلبية من الرجال الذين اتُّهموا أو أدينوا بارتكاب جرائم حرب، إلا أنه استطرد قائلاً: «لكن لا يزال هناك كثير يجب القيام به».

أما الرجال السبعة الآخرون الذين أُرْسِلوا إلى عمان هذا الأسبوع فهم: خالد أحمد قاسم، وعثمان عبد الرحيم عثمان، وزهيل عبده الشرابي، وهاني صالح عبد الله، وعمر محمد علي الرماح، وسند يسلم الكاظمي، والشرقاوي عبده علي الحاج. وقد أمضى 4 منهم ما بين 120 إلى 590 يوماً في برنامج السجون السرية لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) في الخارج، قبل نقلهم إلى خليج غوانتانامو عام 2004 بوصفهم «مقاتلين أعداءً».