رغم محاولات روسيا المستمرة لتبرير وجود سفينتها العسكرية «يانتار» في المياة البريطانية كأداة لإجراء أبحاث تتعلق بالمحيطات، فإن السفينة قد تحولت إلى نقطة استفهام رئيسية ومصدر قلق بالنسبة لكبار قادة الدفاع البريطانيين.
وفي الوقت الذي تصر فيه موسكو على أن «يانتار» لا تحمل نوايا عدائية، فإن تحركاتها في المياه البريطانية والأعمال الاستفزازية التي صاحبتها مؤخراً، مثل توجيه أشعة الليزر نحو طياري سلاح الجو الملكي البريطاني الذين كانوا يراقبون أنشطتها، بدأت تثير شكوكاً حول الأهداف الحقيقية للسفينة.
ما مدى خطورة تحرك السفينة الروسية في المياه البريطانية؟
رسم خرائط سرية للكابلات البحرية
بحسب شبكة «بي بي سي»، يكمن القلق البريطاني من قيام السفينة برسم خرائط سرية لكابلات بريطانيا البحرية، التي تنقل أكثر من 90 في المائة من بيانات البريطانيين، بما في ذلك مليارات الدولارات من المعاملات المالية، وكذلك الكابلات وخطوط الأنابيب الحيوية التي تربط المملكة المتحدة ببقية العالم.
وحدد «حلف شمال الأطلسي (الناتو)» كابلات أعماق البحار كجزء من البنية التحتية الحيوية للعالم. وأكد أنها تُمثل نقاط ضغط استراتيجية، محذراً من أن الخصوم قد يستهدفونها، مما يهدد الاتصالات المدنية والعسكرية على حد سواء.
بالإضافة إلى ذلك، هناك شكوك من أن هذه الوقائع هي جزء من نمط أوسع من محاولات روسيا لاختبار ردود فعل دول «الناتو»، وعزيمتها ودفاعاتها.
وخير مثال على ذلك توغلات الطائرات المسيرة الأخيرة في أوروبا، ودخول الطائرات الحربية الروسية المجال الجوي لـ«الناتو».
وتحدث توم شارب، القائد المتقاعد في البحرية الملكية البريطانية، عن توقعاته بشأن ما قد تفعله سفينة التجسس هذه بقوله: «الأمر الأكثر وضوحاً أنها تستقر فوق كابلاتنا وبنيتنا التحتية الحيوية تحت الماء، وتتجسس على الكابلات التي تنقل معاملات مالية تصل قيمتها إلى 7 تريليونات دولار يومياً بيننا وبين أميركا وحدها».
وأشار إلى أن «يانتار»، التي تصفها روسيا بأنها سفينة بحثية، هي جزء من المديرية العامة الروسية لأبحاث أعماق البحار «GUGI»، التي تتبع وزارة الدفاع مباشرة.

وأوضح أنها تستطيع تشغيل غواصات صغيرة غير مأهولة يمكنها الغوص إلى قاع البحر على أعماق آلاف الأمتار تحت السطح. وهذه الغواصات قادرة على رسم خرائط مواقع الكابلات، أو قطعها، أو زرع أجهزة تخريبية يمكن تفعيلها في وقت الحرب.
رد فعل بريطانيا
وتُجري البحرية الملكية البريطانية تجارب بطرق مُختلفة لمكافحة هذا التهديد، أبرزها شراء سفينة دعم بحري جديدة تُسمى «بروتيوس»، لكن يُخشى أن يكون جزء كبير من الضرر الذي لحق بأمن السواحل البريطانية قد وقع بالفعل.
وأكدت المملكة المتحدة أنه يجب على أي سفينة أجنبية تعمل في المياه البريطانية الامتثال للقوانين الوطنية البريطانية والاتفاقيات البحرية الدولية.
وتُعتبر الركيزة الأساسية لهذه القوانين المعقدة هي اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار (UNCLOS). وتسمح هذه الاتفاقية للسفن الأجنبية بالمرور عبر المياه الساحلية شريطة أن يكون مرورها «بريئاً»، أي لا يُهدد السلام أو الأمن في دولة ساحلية، مثل بريطانيا.
ووجَّه وزير الدفاع البريطاني جون هيلي، أمس، رسالة مباشرة إلى روسيا وزعيمها فلاديمير بوتين، قائلاً: «نحن نَراكُم ونعلم ما تفعلون. وفي حال توجهت سفينة (يانتار) جنوباً، خلال هذا الأسبوع، فنحن جاهزون».
وبذلك، يُلمّح هيلي إلى أنه في حال تجاوزت «يانتار» الحدود البحرية البريطانية البالغة 12 ميلاً، فسيكون هناك رد عسكري.
وأكدت السفارة الروسية في لندن أنها لا تُقوض أمن المملكة المتحدة، وأدانت تصريح وزير الدفاع البريطاني، ووصفته بأنه استفزازي.
لكن كل هذا يحدث في الوقت الذي تحتدم فيه الحرب في أوكرانيا، وهي صراع يُلقي بوتين باللوم فيه على الغرب، ويبدو أنه لا ينوي إيقافه قريباً.

