بعد 10 سنوات على قرار المستشارة الألمانية حينها، أنجيلا ميركل، ليل 4 - 5 سبتمبر (أيلول) 2015، فتح حدود بلدها أمام مئات آلاف المهاجرين الفارين من الحرب أو الاضطهاد أو الفقر، يروي مسؤول محلي ولاجئة ومتطوعة عايشوا جميعهم تلك المرحلة، تجربتهم مع أحداث كانت مشحونة بالخوف والمعاناة، لكنها حملت أيضاً بذور الأمل وتجارب إنسانية عميقة، وفق تقرير لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».
البدء «من تحت الصفر»
تفخر أسماء حويجة (53 عاماً) التي ارتدت للمناسبة قميصاً بنفسجياً وبنطالاً أبيض، بما حقّقته منذ وصولها إلى ألمانيا في تلك الفترة. لكن رحلة فرارها من سوريا مع ولديها البالغين 13 و15 عاماً، والتي استغرقت 12 يوماً تبقى ذكرى أليمة.
ففي عام 2015، قرّرت هذه السيّدة التي درست الهندسة مغادرة مدينتها حمص التي اشتدت فيها المعارك.
وتوجّهت إلى لبنان أولاً، فتركيا، في مركبة «مغلقة بالكامل»، حيث كان الركّاب مكدّسين «مثل الحيوانات». عن ذلك تقول: «شعرت أنني سأموت من نقص الأكسجين».
ثم ركبت مع ابنتها وابنها زورقاً قابلاً للنفخ مثقلاً بالركّاب للوصول إلى جزيرة يونانية، في رحلة محفوفة بالمخاطر.
بعدها، تعيّن عليهم أن يسيروا عبر طريق البلقان الطويل لعبور أوروبا الوسطى وصولاً إلى ألمانيا.

ويغلب عليها التأثّر عندما تتذكّر لحظة وصولها إلى النمسا «متورّمة» القدمين وقد تقطع حذاؤها.
عند وصولها إلى برلين، كان عليها أن تبدأ حياتها «من تحت الصفر. كان عليّ أن أتعلّم اللغة والاعتناء بولديَّ والاهتمام بالمعاملات الإدارية».
وفي ظلّ الإقبال الكثيف على الخدمات الاجتماعية، تخبر أنها كانت تستيقظ «عند الرابعة فجراً وتنتظر حلول موعدها ست أو سبع ساعات».
لكن لا يغيب عن بالها «المتطوّعون الألمان الكثر» الذين كانوا يوفّرون المأكل والمشرب أو حتّى المسكن للقادمين.
وتقرّ أسماء والبسمة على وجهها «الحمد لله أنني نجحت وفق ما أعتقد»، بعد أن نالت الجنسية الألمانية وباتت تعمل اليوم في جمعيات تعنى بمساعدة اللاجئين. وبدأ ابنها وابنتها دراسات عليا.

تخطّي الشعور «بالعجز»
غيّر عام 2015 حياة كاترين ألبريشت التي كانت تعمل في مجال الاتصال في بيئة الأعمال. وفي ظلّ توافد الأعداد الكبيرة من اللاجئين، شعرت بالحاجة إلى تخطّي «العجز» الذي انتابها لدى مشاهدة التلفزيون.
تطوعت ألبريشت البالغة من العمر 54 عاماً للعمل مع إحدى الجمعيات وكرّست 15 ساعة في الأسبوع «لتأمين مساكن والمساعدة على نقل الأثاث وطلاء الجدران». ثم تركت عملها لتتولّى إدارة هذه الجمعية.

أسهمت هذه المنظمة خصوصاً في إنشاء نظام كفالة لمساعدة السوريين في ألمانيا على الاستحصال على تأشيرات دخول لأقاربهم كيلا يخاطروا بحياتهم في رحلة عبور المتوسط.
وقد تأثّرت ألبريشت كثيراً بلقاءات لمّ الشمل.
وبعد 10 سنوات، فيما تشهد ألمانيا تنامياً لشعبية اليمين المتطرّف، تأسف كاترين ألبريشت، لأن الكثير من الألمان نسوا «كلّ ما أنجزه المجتمع» في تلك السنة بفضل تطوّع الآلاف للمساعدة.
وهي تقول: «عندما نتّحد، يمكننا تحقيق إنجازات كبيرة».

عام «مرعب»
يصف ماركوس هيبل الذي بات اليوم رئيس بلدية مدينة فرايلاسينغ الألمانية الصغيرة في بافاريا على الحدود مع النمسا عام 2015 بأنه كان «مرعباً» و«مثيراً للقلق».
فمدينته الصغيرة التي لا يتخطّى عدد سكّانها 20 ألف نسمة باتت «بوابة الدخول» إلى ألمانيا. وكلّ يوم، كان 1500 لاجئ «يعبرون» وسط المدينة، وفق ما يخبر هيبل الذي كان في ذاك الوقت معاوناً لرئيس البلدية.
وحُوّل متجر قديم للمفروشات إلى مركز إيواء وُضع فيه «نحو 160 ألف شخص»، أي أكثر بعشر مرّات من عدد سكّان المدينة وقتذاك.
ولا يخفي ماركوس هيبل الذي لا ينتمي إلى أيّ حزب سياسي انتقاده لسياسة استقبال اللاجئين التي انتهجتها المستشارة الألمانية بشعارها «سننجزها»، مشيراً إلى أنه «كان لا بدّ من توخّي الحذر في صياغة الأمور... والتقدّم بخطّة ملموسة».

«مهمّة هائلة»
تتحمّل أنجيلا ميركل التي تنقسم الآراء بشأنها بين مشيد ومعيب مسؤولية قرارها.
وقد قالت خلال نقاش منذ فترة وجيزة على قناة «إيه آر دي»: «لو عدت إلى عام 2015، لاتّخذت القرار عينه». وإنه لا شكّ في أن ألمانيا «لم تكن مستعدّة... لهذه المهمّة الهائلة» لاستقبال مليون لاجئ. وكانت «خيبات الأمل كثيرة» من دون شكّ، لكن التزام المتطوّعين كان رائعاً وهم كانوا على مستوى شعار ميركل ومفاده «إذا ما وقعت مشكلة، فلا بدّ من مواجهتها»، وفق المستشارة السابقة.

