كيف انهار الجيب الأوكراني في كورسك الروسية؟

امرأة من منطقة غونتشاروفكا على مشارف سودجا (يمين) تتفاعل خلال لقاء قريبة لها في نقطة إغاثة تابعة لوزارة الطوارئ الروسية غرب كورسك الاثنين (أ.ف.ب)
امرأة من منطقة غونتشاروفكا على مشارف سودجا (يمين) تتفاعل خلال لقاء قريبة لها في نقطة إغاثة تابعة لوزارة الطوارئ الروسية غرب كورسك الاثنين (أ.ف.ب)
TT
20

كيف انهار الجيب الأوكراني في كورسك الروسية؟

امرأة من منطقة غونتشاروفكا على مشارف سودجا (يمين) تتفاعل خلال لقاء قريبة لها في نقطة إغاثة تابعة لوزارة الطوارئ الروسية غرب كورسك الاثنين (أ.ف.ب)
امرأة من منطقة غونتشاروفكا على مشارف سودجا (يمين) تتفاعل خلال لقاء قريبة لها في نقطة إغاثة تابعة لوزارة الطوارئ الروسية غرب كورسك الاثنين (أ.ف.ب)

انسحبت القوات الأوكرانية على نحو شبه كامل من منطقة كورسك الروسية، لتنهي بذلك هجوماً فاجأ الكرملين الصيف الماضي بسرعته وجسارته.

ووصف جنود أوكرانيون على الجبهة الانسحاب بأنه كان منظماً في بعض الأماكن وفوضوياً في أخرى، مع اختراق القوات الروسية صفوفهم، مما أجبرهم على التراجع إلى شريط ضيّق من الأرض على طول الحدود.

وبحلول الوقت الذي انسحبت فيه إحدى فصائل الهجوم الأوكرانية من موقعها قبل أقل من أسبوع، كانت جميع مركبات الجنود قد دُمّرت، وطاردتهم الطائرات المسيّرة ليل نهار، وكانت ذخيرتهم على وشك النفاد.

واعترف قائد الفصيل بأن القوات الروسية كانت تضيّق الخناق على الجيب الأوكراني من جميع الاتجاهات، «مما اضطرنا إلى الانسحاب».

وأضاف القائد الذي طلب عدم كشف اسمه سوى من خلال إشارة النداء «بورودا»، تماشياً مع البروتوكول العسكري، أن وحدته احتاجت إلى يومَيْن لقطع مسافة تزيد على 12 ميلاً سيراً على الأقدام، من مواقعها بالقرب من قرية كازاشيا لوكنيا الروسية إلى الحدود الأوكرانية. وزاد، خلال اتصال هاتفي معه، أنه بحلول ذلك الوقت «أصبحت المنطقة التي كانت تضم مواقعنا تحت الاحتلال الروسي بالفعل».

في ذروة الهجوم، سيطرت القوات الأوكرانية على نحو 500 ميل مربع من الأراضي الروسية. ومع ذلك، فإنه بحلول الأحد، كانوا يتشبثون بالكاد بمساحة 30 ميلاً مربعاً على امتداد الحدود الروسية-الأوكرانية، حسب باسي باروينين، المحلل العسكري لدى مجموعة «بلاك بيرد غروب»، ومقرها فنلندا. وأضاف عبر اتصال هاتفي: «نهاية المعركة آتية».

ولم يتسنّ التحقق بشكل مستقل من مساحة الأراضي الروسية التي لا تزال أوكرانيا تسيطر عليها في كورسك، في حين أشار الجنود إلى استمرار قتال عنيف. ومع ذلك، قال جنود أوكرانيون إن القتال بالقرب من الحدود لم يعد يهدف إلى الاحتفاظ بالأراضي الروسية، بل إلى محاولة منع القوات الروسية من التدفق إلى منطقة سومي في أوكرانيا، وفتح جبهة جديدة في الحرب. وأضاف الجنود أنهم يحاولون إقامة مواقع دفاعية قوية على طول خطوط التلال على الجانب الروسي من الحدود.

من جهته، قال «بورودا»: «نواصل التمركز على جبهة كورسك. الفرق الوحيد أن مواقعنا قد تحوّلت بشكل ملحوظ نحو الحدود».

أما أندري -وهو ضابط استخبارات أوكراني يقاتل في كورسك- فعبّر عن الأمر بصراحة أكبر قائلاً: «عملية كورسك انتهت عملياً. الآن، علينا أن نضفي استقراراً على الوضع».

وبينما نجحت القوات الأوكرانية في عرقلة تقدّم روسيا في شرق أوكرانيا، يأتي التحول داخل كورسك في وقت تسعى فيه إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى هدنة سريعة.

ولا يمكن إيعاز تراجع حظوظ أوكرانيا في كورسك إلى عامل واحد فقط، فقد قصفت القوات الروسية خطوط الإمداد الأوكرانية وبدأت قطع طرق الهروب. أما القوات الكورية الشمالية التي استعانت بها موسكو، والتي تعثرت في البداية، فقد حسّنت قدراتها القتالية. وفي لحظة حاسمة، قرّرت واشنطن تعليق دعمها، بما في ذلك تبادل المعلومات الاستخباراتية.

صورة نشرتها وزارة الدفاع الروسية الاثنين تُظهر جندياً تابعاً لها يرفع علم وحدته فوق منزل في قرية ستارايا سوروتشينا بمنطقة كورسك (أ.ب)
صورة نشرتها وزارة الدفاع الروسية الاثنين تُظهر جندياً تابعاً لها يرفع علم وحدته فوق منزل في قرية ستارايا سوروتشينا بمنطقة كورسك (أ.ب)

كيف انقلبت الأمور؟

عندما زارت صحيفة «نيويورك تايمز» الحدود بين سومي وكورسك آخر مرة، في أواخر يناير (كانون الثاني)، بدت الحركة خلال النهار شبه مستحيلة، بسبب اكتظاظ السماء بطائرات مسيّرة روسية.

وكان الطريق الرئيسي من سومي إلى سودجا -بلدة روسية صغيرة تبعد قرابة 6 أميال إلى الشمال الشرقي احتلتها القوات الأوكرانية منذ أغسطس (آب)- مليئاً بالفعل بالسيارات والدبابات والمركبات المدرعة المحترقة. وأرسلت أوكرانيا بعضاً من أكثر ألويتها خبرة للمشاركة في عملية كورسك. إلا أن أشهراً من الهجمات المتواصلة من جانب القوات الروسية وآلاف الجنود الكوريين الشماليين الذين يقاتلون إلى جانبها، كانت تُلحق بها خسائر متزايدة.

بحلول منتصف فبراير (شباط)، تقدمت القوات الروسية إلى مسافة 5 أميال من طرق الإمداد الرئيسة لأوكرانيا إلى سودجا، مما سمح لها باستهداف الطرق بأسراب من الطائرات المسيّرة؛ كان الكثير منها مربوطاً بكابلات ألياف بصرية فائقة الرقة، ما يجعلها محصّنة ضد التشويش.

وذكر جنود أوكرانيون آخرون -مثل «بورودا»، الذين طلبوا تحديد هويتهم فقط باسمهم الأول أو رمز النداء، حسب البروتوكول العسكري- أن القوات الروسية نصبت كمائن باستخدام طائرات هجومية دون طيار.

وقال كاب، مقاتل في قوات العمليات الخاصة (36 عاماً) طلب تحديد هويته من خلال رمز النداء الخاص به: «كانت طائراتهم المسيّرة تهبط بالقرب من طرق الإمداد الرئيسة، وتنتظر مرور الهدف». وأفاد جنود أوكرانيون بأن طائرات روسية مسيّرة قصفت كذلك جسوراً في كورسك بمتفجرات مُعدّة مسبقاً لتدميرها، وذلك بهدف عرقلة انسحاب القوات الأوكرانية.

كما هاجمت الطائرات الحربية الروسية جسوراً، وألقت في إحدى الحالات قنبلة موجهة زنة 6 آلاف رطل لقطع أحد الشرايين الرئيسية، حسب جنود أوكرانيين ومحللين عسكريين.

وصرّح أرتيم، قائد لواء أوكراني رفيع المستوى، بأن تدمير الجسور كان أحد الأسباب الرئيسية التي دفعت القوات الأوكرانية إلى التخلي عن مواقعها فجأةً في الأسابيع الأخيرة. وأضاف أنه لم يتمكّن الجميع من النجاة، لكن الغالبية نجت.

لحظة الاختراق الروسي

كانت سيطرة أوكرانيا على كورسك مهددة بالفعل، عندما أعلنت إدارة ترمب تعليق المساعدات العسكرية وتبادل المعلومات الاستخباراتية في الثالث من مارس (آذار).

وحسب أندري، أدت خسارة المعلومات الاستخباراتية الأميركية المرتبطة بالاستهداف الدقيق، إلى تفاقم الصعوبات.

وفي الثامن من مارس، حقّقت القوات الروسية اختراقاً متسللة خلف الخطوط الأوكرانية بالسير لأميال عبر خط أنابيب غاز مهجور لشن هجوم مفاجئ. ووصفت وسائل الإعلام والمسؤولون الروس العملية بأنها عمل بطولي، في حين وصفتها مصادر أوكرانية بأنها خطوة محفوفة بالمخاطر، زعموا أنها أدت إلى وفيات كثيرة، جراء غاز الميثان المتبقي في خط الأنابيب.

وفي الوقت نفسه تقريباً، كانت القوات الكورية الشمالية تساعد في قيادة هجوم اخترق الخطوط الأوكرانية، جنوب قرية كوريليفكا الصغيرة، مما زاد من تقييد قدرة أوكرانيا على إمداد قواتها.

ومع تراجع القوات الأوكرانية هناك على طول خطوط دفاعية محددة، واصلت القوات الروسية التقدم نحو سودجا، وازدادت وتيرة الهجمات.

وفي العاشر من مارس، صدر أمرٌ بانسحاب بعض الوحدات من سودجا، وفقاً لما ذكره ثلاثة جنود وقادة أوكرانيون. وقال «بورودا»: «كان الانسحاب مزيجاً من المنظم والفوضوي. وقد أثرت عوامل مختلفة في طبيعة الانسحاب، مثل: الإرهاق، والأوامر الجيدة أو الرديئة من القادة الأفراد، وسوء التواصل أو التنسيق».

ومع ذلك، ورغم ادعاءات الرئيسَيْن الروسي فلاديمير بوتين والأميركي دونالد ترمب بعكس ذلك، لم تتعرض في أي وقت أعداد كبيرة من القوات الأوكرانية للحصار، حسب محللين عسكريين يستخدمون لقطات قتالية محددة الموقع الجغرافي لرسم خريطة لتطورات ساحة المعركة، وجنود أوكرانيين يقاتلون في كورسك، وحتى بعض المدونين العسكريين الروس البارزين.

بعد ثلاثة أيام، أعلنت وزارة الدفاع الروسية أنها استعادت السيطرة الكاملة على سودجا. وزعمت، السبت، أن قواتها استعادت قريتَيْن خارج البلدة.

في المقابل، فإنه في حين لم تتناول هيئة الأركان العامة للجيش الأوكراني استيلاء روسيا على سودجا مباشرةً، فقد أصدرت، الأحد، خريطة لساحة المعركة تُظهر البلدة خارج الأراضي الخاضعة لسيطرتها في كورسك، التي تقلّصت إلى شريط ضيق من الأرض.

وقد تكبّدت سودجا، البالغ عدد سكانها 5 آلاف نسمة، أضراراً جسيمة في القتال. في الواقع، ومنذ بدء عملية كورسك، يقول محللون عسكريون إن كلا الجانبين مُني بخسائر فادحة.

وبينما كانت أوكرانيا تأمل في استخدام سيطرتها على الأراضي الروسية كورقة ضغط في أي مفاوضات لإنهاء الحرب، يبدو أن بوتين يستغل الآن التراجع الأوكراني لمحاولة تعزيز موقفه في المحادثات مع إدارة ترمب حول وقف القتال.

* خدمة «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

مقتل أربعة أشخاص في أوكرانيا جراء هجوم روسي بطائرات مسيرة

أوروبا رجال شرطة أوكرانيون في موقع تعرض لهجوم روسي بطائرات مُسيّرة  يوم أمس (إ.ب.أ)

مقتل أربعة أشخاص في أوكرانيا جراء هجوم روسي بطائرات مسيرة

قتل أربعة أشخاص على الأقل وأصيب 19 في مدينة دنيبرو بشرق أوكرانيا جراء هجوم روسي بطائرات مسيرة ألحق أضرارا بمبان وأدى إلى اندلاع حرائق، وفق ما أفاد مسؤولون.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا رجل يقف بجوار حفرة انفجار في موقع غارة بطائرة مسيّرة في خاركوف (أ.ف.ب) play-circle

روسيا تتّهم أوكرانيا باستهداف منشآت طاقة

اتّهمت روسيا، الخميس، أوكرانيا بإطلاق مسيّرات استهدفت مواقع للطاقة تابعة لها في منطقة بريانسك الحدودية والقرم التي ضمتها موسكو.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر في باريس يوم 17 فبراير 2025 (رويترز)

«حلفاء أوكرانيا» يبحثون في باريس ضمانات أمنية دعماً لكييف

يشارك 31 رئيس دولة وحكومة في «قمة السلام والأمن لأوكرانيا»، التي تستضيفها باريس الخميس، بدعوة من الرئيس إيمانويل ماكرون وبالتنسيق مع رئيس الوزراء البريطاني.

ميشال أبونجم (باريس)
خاص محادثات جدة بين الولايات المتحدة وأوكرانيا برعاية السعودية في 11 مارس 2025 (رويترز)

خاص «الخارجية» الأميركية: مفاوضات الرياض جعلتنا أقرب إلى السلام

شدّد مسؤول أميركي لـ«الشرق الأوسط» على نجاح مفاوضات الرياض في تحقيق اختراق، مقدراً الدور السعودي في دفع جهود الدبلوماسية المستمرة.

فتح الرحمن يوسف (الرياض)
أوروبا إيغور جوفكفا (أ.ف.ب)

كبير المفاوضين الأوكرانيين: نحتاج إلى قوات أوروبية «جاهزة للقتال» لا لقوات حفظ سلام

أفاد مستشار رفيع للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي اليوم بأن بلاده تحتاج من الاتحاد الأوروبي إلى القيام بمساهمة «جديّة» عبر تأمين قوات جاهزة للقتال.

«الشرق الأوسط» (باريس)

كييف تتلقى نسخة جديدة لـ«اتفاق المعادن» من واشنطن... وزيلينسكي ينتظر دراسته

0 seconds of 3 minutes, 44 secondsVolume 90%
Press shift question mark to access a list of keyboard shortcuts
00:00
03:44
03:44
 
TT
20

كييف تتلقى نسخة جديدة لـ«اتفاق المعادن» من واشنطن... وزيلينسكي ينتظر دراسته

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (أ.ف.ب)
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (أ.ف.ب)

أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الجمعة، أنه تلقّى من الولايات المتحدة نسخة جديدة من الاتفاق حول المعادن النادرة في أوكرانيا، التي تريد واشنطن استغلالها. وقال، خلال مؤتمر صحافي، إن «الجانب الأوكراني (...) تلقّى رسمياً، اليوم، عبر مذكرة الاقتراحات الأميركية».

وأوضح أن مسوَّدة صفقة المعادن الجديدة التي اقترحتها واشنطن «مختلفة تماماً» عن إطار عمل سابق، مشيراً إلى أنها ستتطلب تقييماً قانونياً إضافياً. كما لم يُدلِ بتفاصيل تتصل بهذه النسخة الجديدة التي قالت وسائل إعلام، إنها مُجحفة جداً بحق أوكرانيا، وفق ما نقلته «وكالة الصحافة الفرنسية».

وأوضح الرئيس الأوكراني أن بلاده لن تقبل بأي اتفاقية تتعلق بحقوق التعدين تُهدد اندماجها مع الاتحاد الأوروبي، وأن من السابق لأوانه الحكم على اتفاقية المعادن الموسعة التي اقترحتها واشنطن.

وأبلغ الصحافيين بأن فريق المحامين الخاص بكييف بحاجة إلى مراجعة المسودة قبل أن يُدلي بمزيد من التفاصيل حول العرض الأميركي، الذي أشار ملخصه إلى أن الولايات المتحدة تطالب بكامل دخل أوكرانيا من الموارد الطبيعية لسنوات.

وقال زيلينسكي إن بلاده لا تَعدّ المساعدات العسكرية الأميركية، التي جَرَت الموافقة عليها في السابق، قروضاً يجب سدادها، لكنه لم يُفصح عما إذا كان هذا الطلب قد ورد في أحدث نسخة من المسودة التي تلقاها مسؤول حكومي رفيع المستوى.

ويُلزم أحدث مقترح أميركي كييف بإرسال جميع أرباح صندوق يُسيطر على الموارد الأوكرانية إلى واشنطن، حتى تُسدد أوكرانيا تكلفة جميع المساعدات الحربية التي زودتها بها واشنطن، بالإضافة إلى فوائدها، وذلك وفقاً لملخص اطلعت عليه وكالة «رويترز».

وأكد زيلينسكي أن أوكرانيا ستكون مستعدّة لإجراء محادثات مع أي ممثل عن الجانب الروسي، باستثناء الرئيس فلاديمير بوتين.

واتهم بوتين بالسعي إلى إطالة أمد الحرب في أوكرانيا عبر طرحه فكرة «إدارة انتقالية» لكييف برعاية الأمم المتحدة. وقال: «كل ما يقوم به (بوتين) يؤخر أي احتمال (...) للتفاوض»، بهدف «وضع حد للحرب».