قبيل انعقاد مؤتمر الأمن السنوي في ميونيخ بألمانيا، تسارعت المواقف والمناقشات المباشرة وغير المباشرة، بين الولايات المتحدة وحلفائها، حول الملف الأبرز الذي يقلق الأوروبيين، «حرب روسيا ضد أوكرانيا». وبدا واضحاً أن شروط «التورط» الأميركي المستقبلي في هذه الحرب، كما يراها الرئيس دونالد ترمب وفريقه، تقوم على نقاط عدة: تحميل مسؤولية أمن القارة الأوروبية للأوروبيين، وحضهم على شراء الأسلحة الأميركية لتأمين الحماية لأوكرانيا ولأنفسهم أيضاً، وتقليص الإنفاق، والحصول على حصة من الموارد الطبيعية الهائلة في أوكرانيا.
ورغم تعهد ترمب بإنهاء الحرب في أوكرانيا، لا يزال من غير الواضح كيف يمكنه القيام بذلك، فيما الرئيس الروسي فلاديمير بوتن، يعتقد أنه يفوز فيها. ولكن بأسلوبه المباشر، أعرب ترمب عن إمكانية إجراء نوع من المفاوضات لوقف إطلاق النار، على أن يبدأ بلقاء مع بوتين، وهو ما لم يحدد أي موعد رسمي له حتى الآن.
وأكد الرئيس الروسي أنه مستعد لإجراء محادثات مباشرة مع ترمب بشأن اتفاق محتمل، بينما ذكرت صحيفة «نيويورك بوست» خلال عطلة نهاية الأسبوع أن ترمب أفاد الصحيفة بأنه تحدث بالفعل مع بوتين على انفراد بشأن هذه القضية. ورفض الكرملين تأكيد أو نفي المكالمة.
أوروبا مسؤولة عن أمنها وأمن أوكرانيا
يقول العديد من المحللين إن التوصل إلى أي اتفاق، سيكون على عاتق أوروبا أن تنفذه وتحمل المسؤولية عن أوكرانيا، في الوقت الذي يوضح فيه ترمب أنه يصرّ على خفض الالتزام الأميركي بأمن القارة.
ويوم الأحد، قال مستشار الأمن القومي الأميركي، مايك والتس، في مقابلة مع شبكة «إن بي سي نيوز»: «أعتقد أن المبدأ الأساسي هنا هو أن الأوروبيين يجب أن يتحملوا مسؤولية هذا الصراع من الآن فصاعداً».
وبحسب تقرير في صحيفة «نيويورك تايمز»، لقد أدى احتمال التوصل إلى اتفاق، إلى تسريع النقاش حول ما يسمى القوات الأوروبية على الأرض للحفاظ على السلام، ومراقبة وقف إطلاق النار والمساعدة في ردع روسيا عن العدوان في المستقبل. لكن السؤال المطروح هو من سيتولى هذه المهمة، وكم عدد الجنود، وما إذا كان بوتين سيوافق على ذلك على الإطلاق.
ويعتقد على نطاق واسع أن هذا الموضوع سيشكل محوراً رئيسياً للمناقشة في مؤتمر ميونيخ الأمني، الذي من المقرر أن يحضره نائب الرئيس جيه دي فانس ووزير الخارجية ماركو روبيو.
ويبقى سؤال رئيسي: كيف يمكن تأمين ما تبقى من أوكرانيا ومنع بوتين من إعادة إشعال الحرب، حتى بعد عدة سنوات من الآن، من دون غطاء أميركي واضح؟ وفي غياب تدخل أميركي، بما فيه الغطاء الجوي والدفاعات الجوية والاستخبارات، فإن القوات الأوروبية سوف تكون معرضة لخطر شديد من المراقبة الروسية وحتى الهجمات، في قارة تعاني من بطء النمو الاقتصادي ونقص القوات والحاجة إلى زيادة الإنفاق العسكري لحماية نفسها. ومع ذلك، فإن «استعداد الأوروبيين للقيام بشيء مفيد» لأوكرانيا من دون الأميركيين، سيكون مهماً لضمان حصول أوروبا على مقعد على الطاولة عندما تبدأ المفاوضات أخيراً، كما قال أنتوني برينتون، السفير البريطاني السابق لدى روسيا.
المعادن مقابل المساعدات لكييف
وفي مقابلته مع محطة «فوكس نيوز» تم بثها في وقت متأخر من يوم الاثنين، قال ترمب إن الولايات المتحدة يجب أن تحصل على حصة من الموارد الطبيعية الهائلة في أوكرانيا كتعويض عن مئات المليارات التي أنفقتها على مساعدة كييف في مقاومة الغزو الروسي الكامل. لكن ترمب قال إنّ أوكرانيا قد تصبح «روسية يوماً ما»، مضيفاً: «أريد أن تكون أموالنا مؤمّنة، لأنّنا ننفق مئات مليارات الدولارات. ربّما يتوصّلون (الأوكرانيون) إلى اتّفاق وربّما لا يتوصّلون إليه. ربّما يصبحون روساً يوماً ما، وربّما لا يصبحون روساً يوماً ما».
وردد الكرملين، الثلاثاء، كلاماً مشابهاً، قائلاً إن «جزءاً كبيراً» من أوكرانيا «يريد أن يكون روسيّا»، وقال الناطق باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، للصحافيين، إن الوضع في أوكرانيا «يتوافق إلى حد كبير مع كلمات الرئيس ترمب». وأضاف: «إنه لأمر واقع أن جزءاً كبيراً من أوكرانيا يريد أن يكون روسيّاً، وقد صار كذلك بالفعل»، في إشارة إلى ضم موسكو أربع مناطق أوكرانية في عام 2022. وقال بيسكوف: «أي ظاهرة يمكن أن تحدث بنسبة 50 في المائة، إما نعم أو لا».
وأعرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مراراً عن استعداده للتفاوض، شرط أن تلتزم أوكرانيا مطالبه، وهي التنازل عن أربع مناطق في جنوب البلاد وشرقها، بالإضافة إلى شبه جزيرة القرم التي ضمتها عام 2014، والتخلي عن فكرة الانضمام إلى الناتو. لكنها شروط عدّتها كييف غير مقبولة.
وقال ترمب: «أخبرتهم (أوكرانيا) أنني أريد ما يعادل 500 مليار دولار من المعادن النادرة. وقد وافقوا بشكل أساسي على القيام بذلك حتى لا نشعر بالغباء على الأقل». وأضاف: «وإلا، فنحن أغبياء. قلت لهم يجب أن نحصل على شيء. لا يمكننا الاستمرار في دفع هذه الأموال».
وتحتفظ أوكرانيا برواسب ضخمة من العناصر والمعادن الأساسية، من الليثيوم إلى التيتانيوم، التي تعد حيوية لتصنيع التقنيات الحديثة. كما تمتلك احتياطات هائلة من الفحم، فضلاً عن النفط والغاز واليورانيوم، يقع الكثير منها الآن في أراضٍ تحت السيطرة الروسية.
وسبق للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي التلويح بالسماح للولايات المتحدة بتطوير الموارد الطبيعية لبلاده كتكتيك لإبقاء ترمب في صفه. وكانت جزءاً من «خطة النصر» لأوكرانيا، التي أعلنها في خريف العام الماضي، التي تقوم على سياسات اقتصادية وأمنية تهدف إلى تأمين سلام عادل مع روسيا. وقال زيلينسكي يوم الجمعة في مقابلة مع «رويترز»: «لقد ساعدنا الأميركيون أكثر من غيرهم، ومن ثمّ يجب أن يكسب الأميركيون أكثر من غيرهم. وأود أيضاً التحدث عن هذا مع الرئيس ترمب».
ولطالما أعرب ترمب، الذي يأمل في التفوق على الصين في السباق العالمي على تلك الموارد، عن رغبته في استغلال هذه المعادن في أوكرانيا. وكان ترمب أكّد في وقت سابق، الاثنين، أنّ كيث كيلوغ، مبعوثه الخاص المكلّف السعي لوقف الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، سيزور كييف قريباً. وبحسب مصدر في الرئاسة الأوكرانية، فإنّ كيلوغ سيصل إلى كييف في 20 فبراير (شباط). ولم يؤكّد ترمب موعد هذه الزيارة، مكتفياً بالقول: «أجل»، ردّاً على سؤال بشأن ما إذا كان كيلوغ سيزور كييف قريباً.
شراء الأسلحة الأميركية
من جهة ثانية، قال مصدران مطلعان إن إدارة ترمب تخطط لدفع حلفائها الأوروبيين لشراء المزيد من الأسلحة الأميركية لأوكرانيا قبل محادثات السلام المحتملة مع موسكو، وهي خطوة قد تحسن موقف كييف في المفاوضات. ومن شأن هذه الخطة أن توفر بعض الطمأنينة لقادة أوكرانيا الذين ساورهم القلق من أن ترمب قد يحجب المزيد من المساعدات عن البلاد، التي يفقد جيشها الأراضي ببطء من جراء هجوم روسي عنيف في الشرق. وكانت الدول الأوروبية قد اشترت أسلحة أميركية لأوكرانيا في عهد الرئيس السابق جو بايدن.
وقال المصدران إن مسؤولين أميركيين، بمن فيهم كيث كيلوغ مبعوث ترمب الخاص إلى أوكرانيا وروسيا، سيبحثون عمليات شراء الأسلحة المحتملة مع الحلفاء الأوروبيين هذا الأسبوع خلال مؤتمر ميونيخ. وأضافا أن هذه واحدة من عدة أفكار تناقشها إدارة ترمب لمواصلة تدفق الأسلحة الأميركية إلى كييف دون إهدار قدر كبير من رأس المال الأميركي.
وخلال مقابلة مع «رويترز»، الاثنين، أحجم كيلوغ عن تأكيد الخطة، لكنه قال: «الولايات المتحدة تحب دائماً بيع الأسلحة المصنعة في أميركا لأنها تعزز اقتصادنا». وتابع: «هناك الكثير من الخيارات المتاحة. كل شيء مطروح الآن»، مضيفاً أن الشحنات التي وافق عليها الرئيس السابق جو بايدن لا تزال تتدفق إلى أوكرانيا. ولم يتضح بعد ما إذا كانت الولايات المتحدة تخطط لمطالبة الدول الأوروبية بشراء الأسلحة الأميركية من خلال عقود تجارية أو مباشرة من المخزون الأميركي. وقد يستغرق إتمام بعض العقود التجارية سنوات. وكان ترمب قد تعهد خلال حملته للانتخابات الرئاسية بقطع كل المساعدات عن أوكرانيا. لكن كان رأي بعض مستشاريه خلف الكواليس أنه يجب على واشنطن أن تستمر في دعم كييف عسكرياً، خصوصاً إذا تأخرت محادثات السلام حتى وقت لاحق من هذا العام.
تبادُل استهداف مواقع الطاقة
تبادلت كييف وموسكو الهجمات بعيدة الأمد على البنى التحتية المرتبطة بالطاقة، بحسب ما أفاد مسؤولون في البلدين، الثلاثاء، ما يشتبه في أنه أدى إلى اندلاع حريق في مصفاة روسية للنفط ودفع أوكرانيا لفرض قيود جديدة على استهلاك الطاقة. وأكدت شركة الغاز الوطنية الأوكرانية «نافتوغاز» أن إحدى منشآتها في منطقة بولتافا شرقاً تضررت من جراء الهجوم الروسي «الضخم» الذي وقع خلال الليل. وأضافت أنها «تتخذ كل الإجراءات اللازمة لإعادة الاستقرار إلى وضع إمدادات الغاز في منطقة بولتافا». ونفذت أوكرانيا هجمات بدورها على منشآت طاقة ومنشآت عسكرية روسية، فيما اتهمتها موسكو باستخدام صواريخ زودتها بها الولايات المتحدة وبريطانيا لضرب عمق الأراضي الروسية. ويحاول الطرفان ضمان الهيمنة عسكرياً قبيل مفاوضات متوقعة في بدايات ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترمب الثانية.
زودت كوريا الشمالية روسيا بـ200 قطعة مدفعية بعيدة المدى، وفق ما أفاد مسؤول في وزارة الدفاع الكورية الجنوبية، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، الثلاثاء. وقال المسؤول إن بيونغ يانغ زوّدت موسكو بنحو 11 ألف جندي وصواريخ و200 قطعة مدفعية بعيدة المدى وكمية كبيرة من الذخيرة، ورجح أن «تزودها بالمزيد من القوات والأسلحة والذخائر في المستقبل».
قال الجيش الأوكراني، الثلاثاء، إن روسيا أطلقت 124 طائرة مسيّرة وما يصل إلى 19 صاروخاً في هجمات ليلاً في منطقة بولتافا الأوكرانية. وأضاف الجيش أن قواته الجوية أسقطت 57 طائرة مسيّرة فيما لم تصل 66 طائرة إلى أهدافها، على الأرجح بسبب التشويش عليها إلكترونياً.