​ميركل لم تندم على قرار إدخال اللاجئين السوريين رغم أنه دفعها للتقاعد

اعترفت في كتابها «حرية» بدورها في صعود اليمين المتطرف

كتاب ميركل «حرية» طرح للبيع في مكتبة ببرلين (رويترز)
كتاب ميركل «حرية» طرح للبيع في مكتبة ببرلين (رويترز)
TT

​ميركل لم تندم على قرار إدخال اللاجئين السوريين رغم أنه دفعها للتقاعد

كتاب ميركل «حرية» طرح للبيع في مكتبة ببرلين (رويترز)
كتاب ميركل «حرية» طرح للبيع في مكتبة ببرلين (رويترز)

لم تبد المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل أي ندم حول قرارها بفتح أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين عام 2015، رغم اعترافها بأن هذا القرار كان «نقطة تحول» بالنسبة إليها، وكان سبباً أساسياً في تقاعدها السياسي، وكاد أن يدفعها للخروج أبكر من الحياة السياسية.

وفي كتابها «حرية» الذي صدر الثلاثاء، وجاء مترجماً إلى 30 لغة، كتبت ميركل تفاصيل قرارها التاريخي الذي أدخل أكثر من مليون سوري إلى ألمانيا، وتسبب في دخول حزب يميني متطرف، هو «البديل من أجل ألمانيا»، في البرلمان للمرة الأولى منذ هزيمة النازيين.

وبرّرت ميركل ذلك في كتابها الممتد لـ700 صفحة، بأنه كان القرار الإنساني الوحيد الذي كان بإمكانها اتخاذه أمام صور عشرات آلاف اللاجئين السوريين الذين يحاولون العبور إلى أوروبا براً وبحراً. وقالت إنه من الناحية القانونية، كان رفض السماح لهم بالدخول إلى ألمانيا «مبرراً»، استناداً لـ«اتفاقية دبلن» التي تنظم اللجوء في دول الاتحاد الأوروبي، وتفرض على الدولة الأولى التي يدخل إليها اللاجئ أن تنظر في الطلب، ما يعني أن العبء الأساسي كان يقع آنذاك على إيطاليا واليونان.

المستشارة السابقة أنجيلا ميركل بعد إعلانها تقاعدها في مؤتمر حزبها «المسيحي الديمقراطي» عام 2017 (أ.ف.ب)

وروت في سيرتها التي كتبتها بنفسها بمساعدة سكرتيرتها القديمة وصديقتها بيته باومان، كيف شغلتها أزمة اللاجئين معظم عام 2015، وروت تلقيها اتصالاً على جوالها يوم الأحد 19 أبريل (نيسان) من ذاك العام من رئيس وزراء إيطاليا ماتيو رينزي غادة غرق مركب للاجئين قبالة سواحل ليبيا ومقتل المئات. وقالت إن يومها كان عيد ميلاد زوجها يواكيم الـ66، وكانا يعدان لقضاء يوم هادئ سوياً. ولكن اتصال رينزي ألغى كل شيء. فهو كان يستجديها مساعدة بلاده التي لم تعد قادرة على التعامل مع أزمة اللاجئين، وعقد قمة لقادة أوروبا لمناقشة الأزمة. وقالت إن رينزي كان يقول بأن الأزمة لم تعد تتعلق بإيطاليا وحدها بل باتت أزمة أوروبية، ويستجدي ألا تترك إيطاليا وحدها. وأكدت حين ذلك، بحسب روايتها، أن رينزي كان محقاً.

وبقيت أزمة اللاجئين طاغية في الأشهر التي تلت ذلك، وكانت أعداد الواصلين إلى ألمانيا تتضاعف يومياً. وتروي في كتابها عن اتصال تلقته من مستشار النمسا آنذاك فيرنر فايمان يوم الجمعة 4 سبتمبر (أيلول)، وصف لها أن الطرقات السريعة في النمسا مليئة باللاجئين الذين يعبرون الحدود من المجر ويدخلون إليها. كان فايمان يطلب بتقاسم الأعباء بين ألمانيا والنمسا. وكتبت: «لم يشأ فايمان اتخاذ القرار بنفسه. المسؤولية كانت تقع على عاتقي، وأنا كنت مصرة على قبولها. كنا نواجه كارثة إنسانية». وروت كيف تشاورت مع الحزب «الاشتراكي» الذي كان يشاركها الحكومة قبل اتخاذ القرار، وكيف لم يعارض الحزب السماح للاجئين بالدخول. ولكنها لم تتمكن من الاتصال بوزير داخليتها آنذاك هورست زيهوفر، الذي كان أيضاً زعيم الحزب «المسيحي البافاري»، وهو الحزب الشقيق لحزبها. واصطدمت آنذاك ميركل مع زيهوفر بشأن سياسة الهجرة، فهو كان معارضاً شديداً لقرارها. ولكن في تلك الليلة، قالت ميركل إنها لم تتمكن من الحديث معه، بغض النظر عن عدد المرات التي حاولت الاتصال به. وبعد أن تأكدت من قانونية «فتح الأبواب» أمام اللاجئين، أصدرت قرابة الساعة 11 ليلاً، بياناً مشتركاً مع مستشار النمسا نشراه على «فيسبوك»، يقولان فيه إنه يمكن للاجئين دخول ألمانيا والنمسا. وقالت إنهما اختارا النشر على «فيسبوك»، لأنهما اعتقدا بأن اللاجئين يعتمدون على التطبيق لجمع المعلومات.

وما تبع ذلك، هو رواية ميركل للردود على قرارها، من استياء وزير داخليتها، إلى الانتقادات التي تلقتها، منها من الصحافة المحافظة. وقالت إن قرارها أحدث شرخاً ليس فقط داخل حزبها، ولكن أكثر مع الحزب «المسيحي البافاري» الشقيق الذي كان على الجهة المعاكسة منها في سياستها تجاه اللاجئين. وكتبت: «لقد رأيت أن سياسة الهجرة أصبحت نقطة تحول في ولايتي... ولكن ليس فقط منذ ذلك الحين كنت أفكر فيما إذا كنت سأترشح لولاية جديدة عام 2017، بل بدأت بالتفكير في ذلك بداية عهدي الثالث عام 2013».

وروت أنها تحدثت عن هذا الموضوع مع الرئيس الأميركي آنذاك باراك أوباما، حيث تربطها علاقة شخصية قوية معه. وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 2016، زار أوباما برلين في زيارة وداعية، وقالت إنهما التقيا في فندق أدلون في 16 نوفمبر على العشاء، وأخبرته أنها تفكر في التقاعد وعدم الترشح مجدداً العام المقبل. وكتبت عن ذلك: «كنا نجلس معاً فقط، وكان يسأل سؤالاً من هنا وآخر من هناك لمساعدتي على التوصل إلى قرار، ولكن عدا ذلك احتفظ برأيه لنفسه. أحسست بأنه أراد أن يؤكد على استمراري بالمسؤولية... وقال إن أوروبا ما زالت بحاجة إلي، ولكن في النهاية علي أن أتبع حدسي».

وفي النهاية قالت ميركل إنها قررت الترشح مرة جديدة، بالفعل فاز حزبها بنسبة 33 في المائة، وهو معدل أقل من الانتخابات التي مضت، ولكنه كان ما زال فوزاً كبيراً. ولكن قرارها بالتقاعد بقي يلاحقها، والهوة بين حزبها والحزب «المسيحي البافاري» الشقيق ظلت تتسع بسبب سياسة الهجرة، حتى اتخذت القرار أخيراً وأعلنته بعد عام إثر خسائر في انتخابات محلية مُني بها حزبها، بشكل أساسي بسبب سياسة الهجرة. وكتبت: «لم أعد قادرة على الإكمال بالعمل كالعادة». ورغم قرارها عدم الترشح مرة جديدة لزعامة حزبها، فقد قالت إنها كانت واثقة في أنها كانت لتنتخب مرة جديدة، لو أنها ترشحت «وإن بأغلبية ضئيلة».

صورة أرشيفية للمستشارة السابقة أنجيلا ميركل وباراك أوباما (أ.ب)

وبالفعل، غادرت ميركل منصبها، وكانت شعبيتها لا تزال مرتفعة رغم الانتقادات التي واجهتها بسبب أزمة اللاجئين، ومساهمتها في صعود اليمين المتطرف. وقالت إنه في النهاية، كانت حجج التقاعد أقوى من البقاء، وكتبت: «تطورات أزمة اللاجئين كانت نقطة تحول في عهدي...»، واعترفت بأن قرارها هذا أسهم في زيادة حظوظ «البديل من أجل ألمانيا»، وكتبت عن ذلك: «عام 2013 تأسس (البديل من أجل ألمانيا) بوصفه حزباً معارضاً لليورو، وفشل ولم ينجح في دخول البرلمان. ولكن بعد عامين فقط، كسب زخماً جديداً مستغلاً أزمة اللاجئين».

وفي عام 2017 دخل «البديل من أجل ألمانيا» البرلمان بنسبة 12 في المائة من الأصوات، وهو اليوم حظي بنسبة تصل إلى 19 في المائة، وفق استطلاعات الرأي للانتخابات المقبلة في نهاية فبراير (شباط) المقبل.

وتطرقت ميركل في كتابها لعوارضها الصحية في العامين الأخيرين من عهدها، ونوبات الرعشة التي كانت تتعرض لها. وقالت إن النوبة الأولى حصلت أثناء وقوفها إلى جانب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في برلين أثناء الاستقبال الرسمي له.

وتكرر مرتين خلال أسابيع قليلة خلال وقوفها إلى جانب زعماء آخرين. وقالت إنها خضعت آنذاك لفحوصات عصبية وداخلية مفصلة من دون أن تظهر علة. وقالت إن طبيباً في النهاية قال لها إن التوتر هو سبب تلك الرعشات. وشرحت أن والدتها كانت قد توفيت خلال تلك الفترة، وأنه لم تتح لها الفرصة لأن تحزن عليها بسبب انشغالها الدائم. وتابعت أنها منذ ذلك الحين، قررت أن تبقى جالسة في كل الاستقبالات الرسمية التي تجريها؛ تفادياً لعودة الرعشة، وهو ما حصل فعلاً.


مقالات ذات صلة

ميركل تدعو للتفكير بحلول دبلوماسية موازية لإنهاء الحرب في أوكرانيا

أوروبا المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل تتحدث على خشبة المسرح خلال تقديم كتابها «الحرية: ذكريات 1954 - 2021» في مسرح دويتشز ببرلين - 26 نوفمبر 2024 (إ.ب.أ)

ميركل تدعو للتفكير بحلول دبلوماسية موازية لإنهاء الحرب في أوكرانيا

ناشدت المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل أوكرانيا وداعميها التفكير بالتوازي في حلول دبلوماسية، في خضم معترك إنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (برلين)
العالم الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث خلال اجتماع ثنائي مع المستشارة الألمانية آنذاك أنجيلا ميركل على هامش قمة حلف شمال الأطلسي في واتفورد ببريطانيا... 4 ديسمبر 2019 (رويترز)

ميركل تعرب عن حزنها لعودة ترمب إلى الرئاسة الأميركية

أعربت المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل عن «حزنها» لعودة دونالد ترمب إلى السلطة وتذكرت أن كل اجتماع معه كان بمثابة «منافسة: أنت أو أنا».

«الشرق الأوسط» (برلين)
أوروبا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يستقبل المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في سوتشي بروسيا 18 مايو 2018 (رويترز)

ماذا قالت ميركل في مذكراتها عن بوتين وترمب وأوكرانيا؟

بعد ثلاثة أعوام على تقاعدها عادت المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل إلى الأضواء بكتاب مذكرات عن حياتها تحدثت فيه عن أوكرانيا وعلاقتها ببوتين وترمب

راغدة بهنام (برلين)
أوروبا المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل (أرشيفية - أ.ف.ب)

ميركل تشارك بلقاء لـ«الخضر» وتقاطع مؤتمر حزبها

تستمر المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل بإبعاد نفسها عن حزبها «المسيحي الديمقراطي» بعد رفضها المشاركة بمؤتمر الحزب مقابل مشاركتها في لقاء لحزب «الخضر».

راغدة بهنام (برلين)
أوروبا صورة أرشيفية لتمثال الفروسية الخاص بالمستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل (د.ب.أ)

ألمانيا: تمثال «فروسية» ميركل ينهار بعد عامين على نصبه

لم يكد يمر عامان على نصبه، حتى انهار تمثال فروسية خاص بالمستشارة الألمانية السابقة أنغيلا ميركل في منطقة بفالتس العليا جنوب ألمانيا.

«الشرق الأوسط» (برلين)

المفوضية الأوروبية الجديدة تباشر مهامها وسط هواجس أمنية واقتصادية

فون دير لاين بعد مصادقة البرلمان الأوروبي على تشكيلة المفوضية الجديدة بستراسبورغ في 27 نوفمبر (رويترز)
فون دير لاين بعد مصادقة البرلمان الأوروبي على تشكيلة المفوضية الجديدة بستراسبورغ في 27 نوفمبر (رويترز)
TT

المفوضية الأوروبية الجديدة تباشر مهامها وسط هواجس أمنية واقتصادية

فون دير لاين بعد مصادقة البرلمان الأوروبي على تشكيلة المفوضية الجديدة بستراسبورغ في 27 نوفمبر (رويترز)
فون دير لاين بعد مصادقة البرلمان الأوروبي على تشكيلة المفوضية الجديدة بستراسبورغ في 27 نوفمبر (رويترز)

بعد أسابيع من المفاوضات المُعقّدة بين الكتل السياسية، والعراقيل التي كادت تعيدها إلى نقطة الصفر في البرلمان الأوروبي، تبدأ اليوم المفوضية الأوروبية الجديدة نشاطها، وعينها على مسافة 6 آلاف كيلومتر من بروكسل، حيث سيعود دونالد ترمب للجلوس في البيت الأبيض لولاية ثانية ترتعد لها فرائص الأوروبيين الذين يواجهون أصعب المراحل التي مرّ بها الاتحاد منذ تأسيسه، في حال من الانقسام غير المسبوق تحت وطأة الانحسار الاقتصادي والسياسي في ألمانيا وفرنسا.

تحديات ضخمة تنتظر هذه المفوضية الأكثر جنوحاً نحو اليمين في تاريخ الاتحاد، في قارة شديدة الاستقطاب، تعاني من تراجع إنتاجيتها وقدرتها على المنافسة، ومن ضمور نفوذها على الساحة الدولية التي تغلي على وقع الحروب في أوكرانيا والشرق الأوسط، وإعادة تشكيل المحاور في انتظار العاصفة التي قد تهبّ بعد شهر ونصف الشهر من واشنطن، وتحمل معها بوادر حرب تجارية جديدة.

عودة ترمب تفاقم التحديات

صورة لبعض أعضاء المفوضية الأوروبية الجديدة في البرلمان الأوروبي بستراسبورغ في 27 نوفمبر (إ.ب.أ)

القلق على أشدّه في المؤسسات الأوروبية من حساسية ترمب المفرطة حيال المؤسسات متعددة الأطراف، ومن استعداده للتعاون مع الاتحاد، أو إذا كان سيدير ظهره للحلف الأطلسي الذي، حتى إشعار آخر، يشكّل مظلة الدفاع الأساسية للأوروبيين. كل ذلك يحدث بينما المحرك الفرنسي - الألماني، الذي قاد الاتحاد عقوداً، يعاني من أعطال يخشى أن تصبح مزمنة، ويتقدم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على الجبهة الأوكرانية.

وضعت رئيسة المفوضية أورسولا فون در لاين برنامج ولايتها الثانية تحت عنوان مزدوج، قوامه الأمن والازدهار، مشددة على ضرورة النهوض بالصناعات الدفاعية الأوروبية التي أهملتها بلدان الاتحاد طوال عقود، اعتمدت خلالها على مظلة الحليف الأميركي، لكن التوافق على ضرورة الإسراع في إعادة التسليح يواجه انقساماً عميقاً حول كيفية تمويله، بعد أن رفضت ألمانيا وهولندا فكرة اللجوء إلى السندات الأوروبية، وتحميل الدول الأعضاء مزيداً من الأعباء المالية.

صورة للبرلمان الأوروبي بستراسبورغ في يوم 27 نوفمبر (د.ب.أ)

وكانت فون در لاين قد وعدت بتقديم اقتراح مفصل للتمويل الدفاعي المشترك بحلول مارس (آذار) المقبل، واستحدثت في التشكيلة الجديدة للمفوضية منصبَ مفوَّض متفرِّغ لشؤون الدفاع يتولاه الليتواني أندريوس كوبيليوس، لكن المراقبين لا يتوقعون انطلاقة في القريب المنظور لهذا المشروع؛ لأن الاقتراح ما زال في مراحله الأولى، والصلاحيات الدفاعية ما زالت حصراً بيد الدول الأعضاء. يُضاف إلى ذلك أن ثمة مخاوف حقيقية من أن يبقى الاتحاد الأوروبي وحده في تقديم الدعم الاقتصادي والعسكري لأوكرانيا إذا قرر ترمب وقف الدعم الأميركي، وهناك مخاوف أيضاً من إقصاء الأوروبيين عن طاولة الحوار الدبلوماسي المحتمل لإنهاء الحرب.

الهاجس الاقتصادي

لا يقلّ الهاجس الاقتصادي بالنسبة للأوروبيين خطورة عن المخاوف الأمنية، لكن لم تتمكن الدول الأعضاء من التوافق حتى الآن حول تحديد المسار العام الذي يجب أن تندرج ضمنه جهود الإنعاش، ولا يزال الجدل قائماً حول المفاضلة بين الإنتاجية والقدرة التنافسية، رغم أن التشخيص الذي وضعه ماريو دراغي، الرئيس السابق للحكومة الإيطالية وللبنك المركز الأوروبي، في تقريره الشهير، يُشدّد على أن الفجوة القائمة بين أوروبا من جهة، والولايات المتحدة والصين من جهة أخرى، هي القفزة التكنولوجية التي ما زالت متعثرة في بلدان الاتحاد.

وبدأت هذه الفجوة تتعمّق مع مطلع القرن الحالي، إلى أن بلغ نمو دخل الأسرة الأميركية ضعف ما بلغه في أوروبا، ومن أصل أكبر 50 شركة تكنولوجية في العالم هناك أربع أوروبية فحسب. وكان دراغي قد اقترح، لمجاراة الولايات المتحدة والصين، خطة استثمارية حتى نهاية العقد الحالي بمقدار 800 مليار يورو سنوياً.

رئيستا المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين (يسار) والبرلمان الأوروبي روبيرتا ميتسولا بستراسبورغ في 27 نوفمبر (إ.ب.أ)

لكن الهواجس الأوروبية لا تقف عند هذا الحد، والاتحاد ما زالت على أبوابه 9 دول مرشحة للانضمام إلى النادي، من بينها أوكرانيا، وهذا يقتضي سلسلة من الإصلاحات الداخلية الكبرى في المؤسسات، من شأنها أن تُغيّر الملامح الجغرافية والاجتماعية والاقتصادية للمشروع الأوروبي. وفي طليعة هذه الإصلاحات تعديل نظام اتخاذ القرارات في المجلس لاستبدال الإجماع بالأغلبية.

رغم كل ذلك، لا يزال النقاش العام في بلدان الاتحاد يدور حول محاور أخرى، مثل الهجرة وصعود القوى اليمينية المتطرفة والقوميات الشعبوية، علماً أن تدفقات المهاجرين غير الشرعيين إلى البلدان الأوروبية تراجعت بنسبة 42 في المائة خلال الأشهر التسعة الأولى من هذا العام، بينما تواصل الدول الأوروبية تشديد تدابير مراقبة الهجرة، وتتراجع نسبة النمو الديموغرافي في معظمها.

ولتكتمل صورة الأزمات والتحديات التي تنتظر المؤسسات الأوروبية خلال السنوات الخمس المقبلة، تواجه المفوضية الجديدة صعوبة كبيرة في العمل ضمن مشهد سياسي ترسّخ فيه صعود القوى المناهضة للمشروع الأوروبي، والتي تلقى تجاوباً كبيراً في أوساط الرأي العام الذي يستمد معلوماته بنسبة كبيرة من وسائط التواصل الاجتماعي التي تتدفق فيها بشكل كبير الأنباء المُضلِّلة.