ماكرون يعجّل بالتواصل مع ترمب طارحاً نفسه ناطقاً باسم الأوروبيين

الرئيس الفرنسي يُراهن على بناء علاقة خاصة مع الرئيس المنتخب رغم محاولات سابقة لم تثمر

مصافحة بين الرئيسين الفرنسي إيمانويل ماكرون والأميركي دونالد ترمب بعد قمة مجموعة السبع بفرنسا في 26 أغسطس 2019 (د.ب.أ)
مصافحة بين الرئيسين الفرنسي إيمانويل ماكرون والأميركي دونالد ترمب بعد قمة مجموعة السبع بفرنسا في 26 أغسطس 2019 (د.ب.أ)
TT

ماكرون يعجّل بالتواصل مع ترمب طارحاً نفسه ناطقاً باسم الأوروبيين

مصافحة بين الرئيسين الفرنسي إيمانويل ماكرون والأميركي دونالد ترمب بعد قمة مجموعة السبع بفرنسا في 26 أغسطس 2019 (د.ب.أ)
مصافحة بين الرئيسين الفرنسي إيمانويل ماكرون والأميركي دونالد ترمب بعد قمة مجموعة السبع بفرنسا في 26 أغسطس 2019 (د.ب.أ)

يوم الخميس الماضي، بكَّر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في الاتصال بالمرشح الجمهوري دونالد ترمب في الساعة 8 و45 دقيقة لتهنئته بالفوز في الانتخابات الرئاسية، مستبقاً جميع القادة الأوروبيين باستثناء رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان المعروف بعلاقته الخاصة بترمب. لم ينتظر ماكرون، كغيره من قادة العالم الغربي، صدور النتائج النهائية فغرد على منصة «إكس»: «تهاني للرئيس ترمب. جاهز لكي نعمل معاً كما نجحنا في ذلك خلال أربع سنوات، وذلك وفق قناعاتك وقناعاتي، ومن أجل مزيد من السلام والازدهار».

كذلك، كان ماكرون أحد القادة الأوروبيين الأوائل الذين اتصلوا بترمب. وأفادت مصادر الإليزيه بأن الاتصال الذي دام 25 دقيقة «كان جيداً ودافئاً»، وأن الطرفين اتفقا على «العمل لعودة السلام والاستقرار»، ولمواجهة «الأزمات الدولية الكبرى» الناشبة راهناً. وأضاف الإليزيه أن ماكرون «شدد على أهمية دور أوروبا وأعرب لترمب عن استعداده لمواصلة الحوار والتعاون معه» إزاء الملفات الساخنة، منها الحرب في أوكرانيا والشرق الأوسط «منذ اللحظة التي يتسلم فيها مهامه». إلا أن ماكرون عجّل في الاتصال بالمستشار الألماني أولاف شولتس وكتب بعدها على منصة «إكس»: «اتصلت للتو بالمستشار شولتس وسنعمل (معاً) من أجل قيام أوروبا أكثر اتحاداً وقوة وسيادة في السياق الجديد وبالتعاون مع الولايات المتحدة ومن أجل الدفاع عن مصالحنا وقيمنا».

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر خلال احتفالات الذكرى الـ106 لنهاية الحرب العالمية الأولى الاثنين في باريس (أ.ب)

علاقة خاصة مع ترمب

استعجال ماكرون يُذكّر بأنه سعى، إبان ولاية ترمب الأولى (2016 - 2020)، إلى نسج علاقات خاصة معه، إذ دعاه مباشرة بعد وصوله إلى قصر الإليزيه ربيع عام 2017، ليكون ضيف الشرف بمناسبة الاحتفالات بالعيد الوطني الفرنسي. ماكرون تخطى ما يتيحه البروتوكول سعياً لكسب «صداقة» ترمب آملاً بأن توفر له العلاقة شيئاً من التأثير على سياسة سيد البيت الأبيض. بيد أن النتيجة جاءت مخيبة للآمال: ترمب خرج من اتفاقية باريس للمناخ الموقعة في عام 2015 رغم نداءات ماكرون والاتحاد الأوروبي ودول رئيسية أخرى في العالم، كذلك انسحب من الاتفاق النووي مع إيران الموقع في العام نفسه، فيما سعت باريس للمحافظة عليه، ولم يتردد في فرض رسوم باهظة على البضائع الفرنسية المصدرة إلى الولايات المتحدة، وندد بالدول الأوروبية المترددة في الاستجابة لمطالبه لجهة زيادة المخصصات المالية للحلف الأطلسي وتعامل مع النادي الأوروبي بفوقية مذلة.

باختصار، خابت آمال ماكرون بالرئيس الأميركي السابق والقادم، ولم ينفع أسلوب التودد الذي اختاره ولم يوفر له ما كان يأمل الحصول عليه، أي القدرة على التأثير على قرارات من رفع شعار «أميركا أولاً».

الرئيس الفرنسي المدافع الأول عن مبدأ الاستقلالية الاستراتيجية الأوروبية بمعية رئيس أركان الجيوش الفرنسي الجنرال تييري بوركها الاثنين في ساحة قوس النصر (رويترز)

ماكرون يحاول مجدداً

ما سبق مضى عليه 6 سنوات. وارتاحت أوروبا لغياب ترمب عن الساحة لأربع سنوات. بيد أنه عائد وعودته جاءت بمثابة إيذان لمشاكل لاحقة. من هنا، مبادرة ماكرون المزدوجة: محاولة فتح صفحة جديدة مع ترمب، والتعجيل في الدفع لبناء ما يسميه «الاستقلالية الاستراتيجية» لأوروبا منطلقاً من أنه يتعين على القارة القديمة أن تمسك مصيرها بيديها، وأن تكف عن الاعتماد على المظلة الأميركية للدفاع عن أمنها وسيادتها.

تقول مصادر الإليزيه إن لماكرون «الشرعية» في أن يطرح نفسه المحاور الأول لترمب. فهو، من جهة، رئيس الدولة الوحيد الذي عايش ترمب في ولايته الأولى باستثناء رئيس الوزراء المجري. وهو من جهة ثانية، صاحب مفهوم «الاستقلالية الاستراتيجية» الذي طرحه منذ وصوله إلى الرئاسة في عام 2017 وفي خطاب شهير له في جامعة السوربون، خريف عام 2017. وهذا المفهوم، عاد ليشدد عليه بقوة خلال القمتين الأوروبيتين اللتين استضافتهما بودابست، الخميس والجمعة الماضيين. ثم إن ماكرون يستفيد من الصعوبات السياسية التي يعاني منها شولتس، الذي انفجر تحالفه الأسبوع الماضي واضطراره للعودة إلى صناديق الاقتراع بوقت مبكر.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع ترمب بالبيت الأبيض في أبريل 2018 (أرشيفية - أ.ب)

ورغم ضعف موقع ماكرون الداخلي سياسياً، بسبب خسارته للانتخابات النيابية الأخيرة وفقدانه الأكثرية في البرلمان، فإنه يبقى، إلى حد بعيد، سيد السياسة الخارجية، وفق منطوق الدستور، ووفق العرف المعمول به منذ بداية الجمهورية الخامسة في خمسينات القرن الماضي.

وفي كلمته أمام نظرائه الأوروبيين، عدَّ ماكرون أن أوروبا تجتاز «لحظة تاريخية حاسمة»، متسائلاً: «هل سيقوم الآخرون بكتابة التاريخ عنا، أم نريد أن نكتبه بأيادينا؟»، وجوابه: «أعتقد شخصياً أن لدينا القدرة على كتابته... نحن الأوربيين، لا يمكننا أن نوكل إلى الأميركيين وإلى الأبد الدفاع عن أمننا»، معتبراً أن الدفاع عن أوروبا والمصالح الأوروبية يجب أن يكون «أولوية الأوروبيين». لذا دعا إلى «اليقظة الاستراتيجية التي تكون متلائمة مع إطار الحلف الأطلسي، ولكن تتمتع (في الوقت عينه) بالاستقلالية عنه» ما يعني عملياً «تسريع قيام أوروبا الدفاعية».

ترى باريس أن الوقت اليوم ملائم أكثر من أي زمن مضى للذهاب في اتجاه ما يدعو إليه ماكرون، خصوصاً أن أوروبا تتخوف من تخلي ترمب عن أوكرانيا، كما تتخوف من الفراغ الأمني في حال خففت واشنطن من انخراطها في الحلف الأطلسي.

لكن ثمة من يرى العكس، ومنهم جيرار آرو، السفير الفرنسي الأسبق في واشنطن (2014 - 2019) الذي يتوقع أن يهرول الأوروبيون إلى ترمب ليطلبوا منه معاملة خاصة لبلدانهم مختلفة عن معاملة الأوروبيين الآخرين. ثم إن هناك دولاً أخرى مثل دول البلطيق التي لا تريد التخلي عن المظلة الأميركية لصالح مظلة أوروبية غير موجودة اليوم وستكون صعبة الوجود غداً.


مقالات ذات صلة

ماكرون وروته يؤكدان ضرورة بقاء الدعم لأوكرانيا «أولوية مطلقة»

أوروبا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته يتصافحان في أثناء إلقائهما بياناتهما خلال اجتماعهما في قصر الإليزيه في باريس 12 نوفمبر 2024 (إ.ب.أ)

ماكرون وروته يؤكدان ضرورة بقاء الدعم لأوكرانيا «أولوية مطلقة»

أكد كل من الرئيس الفرنسي والأمين العام لحلف الناتو، اليوم الثلاثاء، أهمية أن يبقى الدعم العسكري لأوكرانيا في مواجهة روسيا «أولوية مطلقة».

«الشرق الأوسط» (باريس)
أوروبا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مستقبلاً أمين عام الحلف الأطلسي مارك روته في زيارته الأولى لباريس منذ تسلمه منصبه الجديد (إ.ب.أ)

أوكرانيا والحلف الأطلسي محور الاتصالات الغربية استباقاً لخطط ترمب

المخاوف الغربية من خطط ترمب القادمة بالنسبة لأوكرانيا والحلف الأطلسي تهيمن على الاتصالات الراهنة.

ميشال أبونجم (باريس)
أوروبا وزير الدفاع البريطاني جون هيلي (أ.ف.ب)

وزير الدفاع البريطاني يتوقع أن يظل ترمب داعماً لأوكرانيا و«الناتو»

قال وزير الدفاع البريطاني جون هيلي، اليوم (الاثنين)، إنه يتوقع أن تظل الإدارة الأميركية القادمة ملتزمة تجاه حلف شمال الأطلسي وأوكرانيا في حربها مع روسيا.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الولايات المتحدة​ دونالد ترمب متحدثاً بـ«خطاب النصر» في ويست بالم بيتش بفلوريدا صباح الأربعاء الماضي (أ.ب)

البنتاغون أمام اختبار ولاية ترمب الثانية

أكد ترمب أن مهمته الآن لا تقل عن «إنقاذ بلادنا»، التي تتضمن أجندة موسعة من شأنها إعادة تشكيل الحكومة، والسياسة الخارجية، والأمن القومي، والاقتصاد.

إيلي يوسف (واشنطن)
أوروبا زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون يراجع إحدى الخطط القتالية خلال زيارته لأحد معسكرات الجيش (وكالة أنباء كوريا الشمالية)

«الناتو» يدين التدخل الكوري الشمالي في أوكرانيا

أدان حلف شمال الأطلسي (ناتو) وشركاؤه في آسيا (كوريا الجنوبية واليابان وأستراليا ونيوزيلندا) «بشدة» تدخُّل كوريا الشمالية إلى جانب روسيا في حربها.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)

ماكرون وروته يؤكدان ضرورة بقاء الدعم لأوكرانيا «أولوية مطلقة»

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته يتصافحان في أثناء إلقائهما بياناتهما خلال اجتماعهما في قصر الإليزيه في باريس 12 نوفمبر 2024 (إ.ب.أ)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته يتصافحان في أثناء إلقائهما بياناتهما خلال اجتماعهما في قصر الإليزيه في باريس 12 نوفمبر 2024 (إ.ب.أ)
TT

ماكرون وروته يؤكدان ضرورة بقاء الدعم لأوكرانيا «أولوية مطلقة»

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته يتصافحان في أثناء إلقائهما بياناتهما خلال اجتماعهما في قصر الإليزيه في باريس 12 نوفمبر 2024 (إ.ب.أ)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته يتصافحان في أثناء إلقائهما بياناتهما خلال اجتماعهما في قصر الإليزيه في باريس 12 نوفمبر 2024 (إ.ب.أ)

أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والأمين العام لحلف شمال الأطلسي (ناتو) مارك روته، اليوم الثلاثاء، من باريس، أهمية أن يبقى الدعم العسكري لأوكرانيا في مواجهة روسيا «أولوية مطلقة»، في وقت يثير فيه فوز دونالد ترمب بانتخابات الرئاسة بالولايات المتحدة، مخاوف من تراجع الدعم الأميركي لأوكرانيا.

وقال ماكرون قبل غداء عمل مع روته إن «دعم هذا البلد المعتدى عليه من قبل روسيا يبقى أولوية مطلقة»، وفق ما نقلته «وكالة الصحافة الفرنسية».

ولفت إلى أن «نشر (الجنود) الكوريين الشماليين على خط الجبهة مؤخراً هو تصعيد خطير. ونحن سنواصل الدفع من أجل أن يوفر (الناتو) وحلفاؤه كل دعمهم للجيش الأوكراني ما دام الأمر يستلزم ذلك».

وشدد ماكرون على أن ذلك هو «السبيل الوحيد نحو المفاوضات. وأريد أن أكون واضحاً، متى حان الوقت، لا يمكن اتخاذ أي قرار بشأن أوكرانيا من دون الأوكرانيين، ولا بشأن أوروبا من دون الأوروبيين».

وفاز ترمب بالانتخابات الرئاسية الأميركية، الأسبوع الماضي، وسيعود إلى البيت الأبيض في مطلع عام 2025 عندما يتولى منصبه رسمياً في 20 يناير (كانون الثاني). وكرر الجمهوري خلال حملته التعهد بالسعي إلى السلام لا الحروب، وبأنه سيضع حداً لحرب أوكرانيا خلال 24 ساعة، من دون أن يحدد كيفية السبيل لذلك.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يستقبل الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته لدى وصوله إلى قصر الإليزيه في باريس 12 نوفمبر 2024 (إ.ب.أ)

بدوره، شدد روته على ضرورة أن يكون دعم الحلفاء الغربيين لأوكرانيا أكبر من مجرد تزويدها بما يتيح لها القتال.

وأوضح: «علينا الحفاظ على قوة تحالفنا عبر الأطلسي. التحدي المباشر الذي نواجهه هو دعم أوكرانيا»، لافتاً إلى أن البلاد تستعد «للشتاء الأقسى» منذ بدء الغزو الروسي مطلع عام 2022.

ورأى أن الدعم الكوري الشمالي المباشر لروسيا يُظهر أهمية أن يتواصل دعم أوكرانيا من قبل الولايات المتحدة؛ لأن المسألة باتت ترتبط بأمنها أيضاً.

وأشار روته إلى أن روسيا من خلال التعاون مع دول مثل الصين وإيران وكوريا الشمالية «لا تهدد أوروبا فقط، بل تهدد أيضاً السلام والأمن في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وأيضاً في أميركا الشمالية».

وشدد ماكرون على الأهمية التي يوليها لبناء «ركيزة أوروبية لأمننا عبر الأطلسي»، مشيراً إلى أن هذا «هو أيضاً ما ينتظره الأوروبيون ضمن التحالف من الإدارة الأميركية عن وجه حق».

وأكد روته «الحاجة إلى تعاون دفاعي أكثر صلابة عبر الأطلسي والمزيد من الاستثمارات الدفاعية».