القمة الفرنكوفونية في فرنسا تواجه التحديدات العالمية

الرئيس إيمانويل ماكرون مستقبلاً الخميس على مدخل قصر الإليزيه ملك كمبوديا نورودوم سيهاموني قبل يوم من افتتاح القمة الفرنكوفونية (إ.ب.أ)
الرئيس إيمانويل ماكرون مستقبلاً الخميس على مدخل قصر الإليزيه ملك كمبوديا نورودوم سيهاموني قبل يوم من افتتاح القمة الفرنكوفونية (إ.ب.أ)
TT

القمة الفرنكوفونية في فرنسا تواجه التحديدات العالمية

الرئيس إيمانويل ماكرون مستقبلاً الخميس على مدخل قصر الإليزيه ملك كمبوديا نورودوم سيهاموني قبل يوم من افتتاح القمة الفرنكوفونية (إ.ب.أ)
الرئيس إيمانويل ماكرون مستقبلاً الخميس على مدخل قصر الإليزيه ملك كمبوديا نورودوم سيهاموني قبل يوم من افتتاح القمة الفرنكوفونية (إ.ب.أ)

تستضيف فرنسا ليومين القمة الفرنكوفونية الـ19، وذلك للمرة الأولى منذ ثلاثين عاماً. وبحسب مصادر المنظمة الفرنكوفونية العالمية، فإن ما لا يقل عن 55 رئيس دولة وحكومة سيشاركون في القمة التي تنتقل رئاستها الجمعة إلى فرنسا بعد عامين من رئاسة تونس لها.

وتعمل المنظمة، بدعم من فرنسا، على اجتذاب مزيد من الأعضاء، علماً أنها تحتضن حالياً 88 دولة بينها 54 دولة كاملة العضوية وسبع دول مشاركة و27 دولة تتمتع بصفة «مراقب».

ماكرون مع رئيسة جورجيا سالومي زورابيشفيلي في صورة أمام حرس الشرف بباحة القصر الرئاسي (أ.ف.ب)

وكشفت أوساط المنظمة التي ترأسها منذ بداية عام 2019 الرواندية لويز موشيكيوابو، أن أربع دول إضافية طلبت الانضمام، أبرزها أنغولا وتشيلي، وأن جمهورية كونغو الديمقراطية التي كانت راغبة في الخروج منها عدلت عن قرارها. بيد أنه تجدر الإشارة إلى أن عضوية ثلاث دول من الساحل الأفريقي (النيجر، مالي وبوركنيا فاسو) تم تجميدها بالنظر لتدهور علاقاتها في الأعوام الأخيرة مع باريس التي اضطرت إلى سحب قواتها التي كانت ترابط فيها منذ سنوات.

ويبين هذا الواقع، إلى حد كبير، تبعية المنظمة للسياسة الفرنسية رغم أن باريس تنفي ذلك تماماً كما أكدت مصادرها، بمناسبة تقديمها للقمة قبل أيام. وأشارت هذه المصادر إلى أن الفرنكوفونية «تقوم على أساس التشارك باللغة الفرنسية وعلى أساس القيم الجامعة التي تربط بين أعضائها الملتزمين بقيم الديمقراطية والتمسك بدولة القانون». والحال أن النظر عن قرب في حالة الديمقراطية في عشرات الدول الأعضاء يكشف عن هشاشة الرابط، لا، بل غيابه تماماً.

موقع أفريقيا المركزي في الفرنكوفونية

تمثل الدول الأفريقية النسبة الكبرى من أعضاء المنظمة التي تضم ست دول عربية مكتملة العضوية (لبنان، مصر، المغرب، تونس، موريتانيا وجيبوتي) ودولتين تتمتعان بصفة «شريك» وهما الإمارات وقطر. واللافت للنظر أن الجزائر، التي تفيد إحصاءات غير رسمية، بأن 15 مليوناً من مواطنيها يتكلمون الفرنسية لا تنتمي إلى المنظمة الفرنكوفونية. وبحسب مصدر جزائري، فإن احتمال انضمامها إلى البيت الفرنكوفوني كاد يحصل ثلاث مرات في العقدين الأخيرين، خصوصاً عندما كان جاك شيراك وعبد العزيز بوتفليقة رئيسَي البلدين.

كذلك أملت باريس أن يفضي التقارب بين الرئيس إيمانويل ماكرون ونظيره عبد المجيد تبون الذي برز خلال الزيارة التي قام بها الأول إلى الجزائر صيف عام 2022 إلى أن تخطو السلطات الجزائرية الخطوة التي تفصلها عن المنظمة الفرنكوفونية.

جاستن ترودو رئيس الوزراء الكندي متحدثا إلى مجلس العموم في أوتاوا الأربعاء سيكون أحد أبرز المشاركين في القمة (رويترز)

بيد أن التقارب الفرنسي - المغربي والرسالة التي وجهها ماكرون للملك محمد السادس بمناسبة عيد العرش وفيها تبنى المقاربة المغربية بالنسبة لملف الصحراء الغربية وأدَت تماماً، أقله لسنوات عدة، موضوع الانضمام. وفي أي حال، تجدر الإشارة إلى أن اللغة الفرنسية في الجزائر تخسر الكثير من مكانتها لصلح الإنجليزية رغم أنه ما زالت قيد الاستخدام حتى في عدد من الدوائر الرسمية.

الفرنسية خامس لغة في العالم

تنظر باريس إلى القمة على أنها «إحدى الأحداث الرئيسية التي عرفتها فرنسا في عام 2024» وآخرها الألعاب الأولمبية والبارأولمبية. بيد أنها أكثر من ذلك؛ إذ إنها توفر الفرصة للنظر في حالة اللغة الفرنسية عبر العالم والتحديات التي تواجهها في العصر الرقمي والذكاء الاصطناعي. ووفق إحصائيات المنظمة، فإن ما لا يقل عن 321 مليون نسمة، في القارات الخمس، يتحدثون بالفرنسية في حين يبلغ العدد السكاني للدول المنضوية تحت لوائها 1.2 مليار نسمة مع نسبة 16 في المائة من الثروة العالمية.

والدفاع عن الفرنسية والسعي لنشرها عبر العالم ينظر إليه على أنه «جزء من المعركة للمحافظة ولتعزيز التعددية اللغوية عبر العالم»، خصوصاً بوجه اللغة الإنجليزية.

وتعدّ الفرنسية خامس أكثر اللغات انتشاراً بعد الصينية والإنجليزية والإسبانية والعربية، كما أنها اللغة الرسمية لـ33 دولة عبر العالم. وبادرت فرنسا إلى تخصيص قصر في مدينة فيلير - كوتريه الواقعة على مسافة 90 كلم شمال شرق العاصمة ليكون مقراً لـ«المدينة الدولية للغة الفرنسية» وفيه ستجرى فعاليات اليوم الأول للقمة على أن تنتقل بعدها إلى القصر الكبير (Grand Palais) في باريس الواقع على بعد رمية حجر من قصر الإليزيه. وقالت مصادر الرئاسة إن ماكرون عمد إلى دعوة الكثير من رؤساء المنظمات الدولية إلى القمة وقادة الدول القريبة من فرنسا والراغبة في التعاون والتشارك مع المنظمة الدولية. ومن المدعوين أمين عام الأمم المتحدة أنتونيو غوتيريش الذي اعتذر عن عدم الحضور بسبب الأوضاع الدولية، لكنه سيشارك عبر كلمة مسجلة. ويقع مقر المنظمة في أحد الأحياء الراقية في باريس.

الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون ما زالت بلاده ترفض الانضمام إلى المنظمة الفرنكوفونية رغم المحاولات الفرنسية (د.ب.أ)

الإبداع... التجديد... المبادرة

يراد للمنظمة الفرنكوفونية أن تكون جامعة شاملة بمعنى أن يكون لها، إلى جانب الدفاع عن اللغة الفرنسية والترويج لها، اهتمامات ثقافية وفنية واجتماعية وعلمية، لكن أيضاً اقتصادية وسياسية. ويريد القيمون عليها إيلاء الشباب والنساء المكانة التي يستحقونها. وتنعقد القمة هذا العام تحت شعار: «الإبداع، التجديد والمبادرة»، والأهم أن حصولها يتم في ظل تحديات كبرى لغوية وجيو - سياسية واقتصادية وعلمية - تقنية. وأفادت مصادر المنظمة بأن اجتماعاً مغلقاً لرؤساء الدول والوفود سيحصل للنظر في الملفات السياسية الساخنة، ومنها الحرب في أوكرانيا والحروب في الشرق الأوسط. والجمعة، ستتم عملية التسلم والتسليم بين رئاسة القمة السابقة (تونس) والرئاسة الجديدة (فرنسا). وستلقى في اليوم الأول كلمات عدة وتختتم بمؤتمر صحافي يعقده الرئيس ماكرون ورئيس/ة الدولة للرئاسة المقبلة.

ولا تقتصر الأنشطة على الفعاليات الرسمية؛ إذ إن القمة تترافق مع أنشطة فنية وثقافية ومجموعة من الحوارات في إطار طاولات مستديرة ستطرح خلالها ملفات رئيسية، مثل الفرنسية في ظل التحدي الرقمي وموقع الذكاء الاصطناعي.


مقالات ذات صلة

36 قتيلاً في غرق مركب بنيجيريا ومخاوف من حصيلة تتخطى المائة

أفريقيا لقي 36 شخصاً على الأقل حتفهم حتى الآن بعدما غرق مركب يقل نحو 300 شخص في نيجيريا (رويترز)

36 قتيلاً في غرق مركب بنيجيريا ومخاوف من حصيلة تتخطى المائة

لقي 36 شخصاً على الأقل حتفهم، فيما تسري مخاوف من أن يكون 100 آخرون في عداد القتلى، بعدما غرق مركب يقلّ نحو 300 شخص في شمال وسط نيجيريا.

«الشرق الأوسط» (أبوجا)
شمال افريقيا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يستقبل الفريق الأول موهوزي موسيفيني قائد قوات الدفاع الشعبية بجمهورية أوغندا (الرئاسة المصرية)

مصر لتعزيز التعاون العسكري مع أوغندا

أكدت مصر حرصها على تعزيز التعاون الثنائي مع أوغندا، لاسيما المجال العسكري، وذلك خلال استقبال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قائد قوات الدفاع الشعبية بأوغندا.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا الوفد الجزائري خلل مشاركته في اجتماعات الجمعية العامة (الخارجية الجزائرية)

الاحتقان بين الجزائر ومالي يصل إلى ذروته

تعرف العلاقات بين الجزائر وجارتها الجنوبية مالي احتقاناً حاداً منذ إلغاء باماكو بشكل أحادي «اتفاق المصالحة والسلام»، الذي وقعته مع المعارضة.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
رياضة عالمية صامويل إيتو رئيس الاتحاد الكاميروني لكرة القدم (الشرق الأوسط)

«فيفا» يوقف إيتو لمدة 6 أشهر عن حضور مباريات الكاميرون

أعلن الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، الاثنين، إيقاف رئيس الاتحاد الكاميروني للعبة النجم الدولي السابق صامويل إيتو 6 أشهر عن حضور جميع مباريات منتخب بلاده.

«الشرق الأوسط» (باريس)
شمال افريقيا اجتماع سابق لمجلس السلم والأمن بالاتحاد الأفريقي (أرشيفية - الخارجية المصرية)

«حل سلمي» للسودان... «أولوية مصرية» خلال رئاسة «الأمن الأفريقي»

تسعى مصر، عبر رئاستها المقبلة لـ«مجلس الأمن والسلم» الأفريقي، إلى تهيئة المجلس والاتحاد الأفريقي للاطلاع على حقيقة الوضع في السودان.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

بعد أكثر من نصف قرن من الخلافات... اتفاق «تاريخي» بين بريطانيا وموريشيوس بشأن قاعدة عسكرية

صورة جوية لجزيرة دييغو غارسيا حيث تقع القاعدة العسكرية المشتركة بين بريطانيا والولايات المتحدة (أ.ب)
صورة جوية لجزيرة دييغو غارسيا حيث تقع القاعدة العسكرية المشتركة بين بريطانيا والولايات المتحدة (أ.ب)
TT

بعد أكثر من نصف قرن من الخلافات... اتفاق «تاريخي» بين بريطانيا وموريشيوس بشأن قاعدة عسكرية

صورة جوية لجزيرة دييغو غارسيا حيث تقع القاعدة العسكرية المشتركة بين بريطانيا والولايات المتحدة (أ.ب)
صورة جوية لجزيرة دييغو غارسيا حيث تقع القاعدة العسكرية المشتركة بين بريطانيا والولايات المتحدة (أ.ب)

توصلت بريطانيا، اليوم (الخميس)، إلى «اتفاق تاريخي» مع جزيرة موريشيوس بشأن السيادة على أرخبيل شاغوس في المحيط الهندي، يسمح للندن بالاحتفاظ بقاعدتها العسكرية المشتركة مع الولايات المتحدة، بعد أكثر من نصف قرن من الخلافات.

وبحسب «وكالة الصحافة الفرنسية»، يأتي الاتفاق بعد عامين من مفاوضات بدأت عقب قرار عاجل للأمم المتحدة. وأشاد الرئيس الأميركي جو بايدن بالاتفاق على الفور.

وأكد بايدن أن هذه القاعدة ذات الموقع الاستراتيجي بين أوروبا والهند والصين، تلعب «دوراً أساسياً في الأمن الوطني والإقليمي والعالمي»، لافتاً إلى أن الاتفاق سيتيح «ضمان حسن سيرها خلال القرن المقبل».

وفي إعلان مشترك صادر عن حكومتي بريطانيا وموريشيوس، اعترفت لندن بسيادة الجزيرة على أرخبيل شاغوس، على أن يتم «تفويض المملكة المتحدة بممارسة حقوق سيادية» في كبرى جزره (دييغو غارسيا) حيث تقع القاعدة المشتركة «لضمان استمرار تشغيلها»، وذلك «لفترة مبدئية مدتها 99 عاماً».

وقال وزير خارجية الجزيرة، مانيش غوبين، على موقع «إكس»، إن «3 أكتوبر (تشرين الأول) 2024 يوم لا يُنسى، يوم لإحياء ذكرى السيادة الكاملة لجمهورية موريشيوس على كامل أراضيها».

وجزر شاغوس محور نزاع قديم بدأ قبل نحو ستة عقود بقرار أصدرته بريطانيا في عام 1965 وقضى بفصل جزيرة موريشيوس عن الأرخبيل، وإقامة قاعدة عسكرية مشتركة مع الولايات المتحدة في كبرى جزره دييغو غارسيا.

وحصلت جزيرة موريشيوس على استقلالها في عام 1968. ومنذ عام 1975، قامت موريشيوس بمبادرات قضائية عديدة لاستعادة جزر شاغوس.

وبدأت المفاوضات بشأن سيادة موريشيوس على الأرخبيل في نهاية عام 2022 مع حكومة المحافظين التي كانت تتولى السلطة آنذاك في بريطانيا.

وقالت بريطانيا وموريشيوس في بيانهما المشترك: «إنها لحظة محورية في علاقاتنا، ودليل على التزامنا الدائم بالحل السلمي للنزاعات وسيادة القانون». وقالت لندن إن تحقيق هذا الاتفاق ما زال مرهوناً بوضع اللمسات النهائية على المعاهدة.

المعارضة تنتقد

وقال وزير الخارجية البريطاني، ديفيد لامي: «ورثت هذه الحكومة وضعاً كان فيه التشغيل الآمن والطويل الأمد لقاعدة دييغو غارسيا العسكرية مهدداً، مع سيادة متنازع عليها وتحديات قانونية مستمرة».

وأضاف الوزير التابع لحزب العمال، أن «اتفاق اليوم يضمن مستقبل هذه القاعدة العسكرية الأساسية».

من جهتها، انتقدت المعارضة المحافظة في بريطانيا الاتفاق ووصفته بأنه «ضعيف».

وأصدرت الجمعية العامّة قراراً غير ملزم في عام 2019 أمهل لندن ستة أشهر لتسليم جزيرة موريشيوس أرخبيل شاغوس.

وطردت المملكة المتحدة نحو ألفين من سكان الأرخبيل إلى جزر مورشيوس والسيشل لإقامة القاعدة العسكرية.

واتهمت منظمة «هيومن رايتس ووتش» في عام 2023، بريطانيا والولايات المتحدة بارتكاب «جرائم ضد الإنسانية» عبر تهجير سكان أصليين في أرخبيل شاغوس المتنازع عليه، لكن لندن رفضت «بشكل قاطع» هذا الاتهام.

وفي عام 2016، مددت المملكة المتحدة حتى عام 2036 عقداً حول استخدام القاعدة العسكرية مع الولايات المتحدة. وأدت القاعدة دوراً استراتيجياً خلال الحرب الباردة قبل استخدامها في سنوات الـ2000 في نزاعي العراق وأفغانستان.