أعلن الكرملين، الثلاثاء، أن قرار روسيا رفع عدد أفراد جيشها ليصل إلى 1.5 مليون جندي يأتي رداً على «التهديدات» على حدودها الغربية في خضم الحرب ضد أوكرانيا. وقال المتحدث باسم الرئاسة الروسية ديميتري بيسكوف الثلاثاء إن القرار «يعود إلى التهديدات التي تواجه بلادنا، والوضع العدائي جداً على حدودنا الغربية، وعدم الاستقرار على حدودنا الشرقية»، فيما رحب السفير الروسي لدى ألمانيا، سيرغي نتشاييف، من حيث المبدأ بالدعوة العلنية التي وجهها المستشار الألماني أولاف شولتس من أجل بدء عملية سلام لإنهاء الحرب في أوكرانيا.
وجاءت هذه التطورات على خلفية النقاش الدائر حول تزويد كييف بصواريخ وذخائر قادرة على ضرب العمق الروسي. وقال رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر إنه يتعين على دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) أن «تضع أوكرانيا في أفضل وضع ممكن»، وذلك رداً على سؤال عن منح المملكة المتحدة الإذن لكييف باستخدام صواريخ كروز البريطانية طويلة المدى «ستورم شادو» ضد روسيا، حسبما أفادت وكالة الأنباء البريطانية (بي إيه ميديا).
ووقّع الرئيس فلاديمير بوتين، الاثنين، مرسوماً بزيادة عدد القوات الروسية بواقع 180 ألف جندي وصولا إلى 1.5 مليون، ما يجعل الجيش الروسي ثاني أكبر جيش في العالم من حيث حجم القوات، وفقاً لوسائل إعلام. وهذه المرة الثالثة التي يأمر فيها بوتين بزيادة عدد القوات منذ بدء الحرب في أوكرانيا عام 2022، فيما يقاتل نحو 700 ألف جندي في أوكرانيا، وفقاً لتقديرات بوتين في يونيو (حزيران).
في الأسابيع الستة الماضية دفعت روسيا بقواتها لوقف هجوم أوكراني عبر الحدود في منطقة كورسك، كما صعدت هجومها في شرق أوكرانيا.
ولا ينشر أي من الجانبين بيانات منتظمة عن الخسائر العسكرية، لكن تقديرات مستقلة تشير إلى عشرات آلاف القتلى والجرحى على الجانبين منذ اندلاع الحرب في 2022.
وكثيراً ما اشتكت روسيا من التهديدات عند حدودها، ومعظمها من توسع حلف شمال الأطلسي (الناتو). ويقول الناتو إنه تحالف دفاعي، ولا يسعى للمواجهة مع موسكو، عادّاً أن «السلوك العدواني» لروسيا تجاه جيرانها هو المسؤول عن تصاعد التوتر.
والتقى ستارمر بالرئيس الأميركي جو بايدن في واشنطن يوم الجمعة الماضي، لإجراء محادثات بشأن منح أوكرانيا الإذن باستخدام صواريخ بعيدة المدى لاستهداف المطارات والقواعد العسكرية الروسية، لكن لم يتم التوصل إلى قرار.
وفي العام الماضي، زودت المملكة المتحدة أوكرانيا بصواريخ «ستورم شادو»، ولكن لا تزال الأسلحة محظورة الاستخدام خارج حدود أوكرانيا رغم طلبات كييف المتكررة.
وخلال مؤتمر صحافي مشترك مع رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، سئل ستارمر عن تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن السماح بضربات بعيدة المدى «يعني أن دول حلف الناتو والولايات المتحدة والدول الأوروبية في حالة حرب مع روسيا».
وقال ستارمر للصحافيين في روما، كما نقلت عنه الوكالة الألمانية: «أعتقد أنه من المهم بمكان لنا أن نبدأ من الموقف الأساسي، وهو أن هذه حرب غير قانونية بدأتها روسيا، ونتيجة لذلك فإنه يحق لأوكرانيا الدفاع عن نفسها، ويتعين علينا جميعاً - إيطاليا والمملكة المتحدة إضافة لحلفاء آخرين وبالأخص حلفاء الناتو - الوقوف مع أوكرانيا».
وأضاف ستارمر: «إنها حرب ضد قيم الديمقراطية والحرية وسيادة القانون، التي تنطبق علينا جميعاً في بلداننا، ولكن عبر جميع الحلفاء. هذا هو سبب تقديمنا للقدرة والتدريب والأموال، وهناك مزيد من الالتزامات تم التعهد بها مؤخراً فيما يتعلق بكل ذلك».
وفي مقابلة مع إذاعة «دويتشلاندفونك»، أبدى السفير الروسي في ألمانيا، سيرغي نتشاييف، سروره بكلام المستشار من أجل بدء عملية سلام لإنهاء الحرب في أوكرانيا، وأضاف أن هذا الأمر قد يعني في أفضل الأحوال أن هناك تفهماً يتبلور بشأن الحاجة إلى وجود خطة سلام.
في الوقت نفسه، قال الدبلوماسي إنه مع ذلك لم يطلع بعد على نص خطة السلام، وأردف: «عندها فقط يمكننا تقييم ما إذا كان الأمر يستحق الحديث على هذا الأساس». ولفت نتشاييف إلى أنه إذا كانت هذه الخطة مجرد نسخة أخرى من صيغة السلام التي قدمها الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، فإن ذلك سيكون غير مقبول إطلاقاً بالنسبة لروسيا. وتتضمن صيغة السلام التي قدمها زيلينسكي انسحاباً روسياً من الأراضي الأوكرانية، وهو ما ترفضه موسكو بشكل قاطع.
يُذكر أنه منذ نهاية أغسطس (آب)، يدعو شولتس علناً إلى عملية سلام في الحرب بين روسيا وأوكرانيا. وأكد شولتس خلال زيارته لكازاخستان أنه يؤيد عقد مؤتمر سلام يشمل روسيا، لكنه أشار إلى أن روسيا يجب أن تقدم إسهاماً يتمثل في «وقف عدوانها». وحتى الآن، لم يتم الحديث عن خطة سلام مفصلة من قبل المستشار. وأشار نتشاييف إلى سماع تصريحات مختلفة من دول غربية، منوهاً بالنقاش الدائر حول السماح لأوكرانيا باستخدام أسلحة بعيدة المدى تم تسليمها من الغرب لضرب أهداف داخل عمق روسيا. وقال: «سيكون ذلك وضعاً جديداً تماماً بالنسبة لنا، مع كل العواقب المترتبة على ذلك»، وأضاف أن مثل هذا الإذن سيجعل دول حلف شمال الأطلسي (ناتو) «منخرطة بالكامل في الصراع ضد روسيا»، وستصبح طرفاً في الصراع على نحو صريح.
وعند سؤاله عن مقارنة الوضع الحالي بفترة الحرب الباردة، قال نتشاييف إن الوضع الآن «أكثر خطورة بكثير». وأوضح أنه في ذلك الوقت (فترة الحرب الباردة) كانت هناك قواعد التزم بها كلا الجانبين. وتابع نتشاييف: «الآن نرى أن هذه القواعد لا يتم الالتزام بها من جانب شركائنا الغربيين». وأعرب عن اعتقاده بأن أوكرانيا أصبحت الآن «مشبعة» بجميع أنواع الأسلحة المحتملة، وذكر أن هناك منافسة حول من يقدم لها أكثر.
تطورات ميدانية
ميدانياً قالت السلطات في منطقة سومي بشمال شرقي أوكرانيا الثلاثاء إن القوات الروسية استهدفت بنى تحتية للطاقة في المنطقة. وقالت السلطات الأوكرانية إن الجيش الروسي شنّ هجمات باستخدام 51 طائرة مسيرة على الأقل خلال الليل، وأعلنت قوات الدفاع الجوي الأوكراني إسقاط 34 طائرة من بين هذه الطائرات.
وأعلنت شركة الكهرباء المحلية في أوكرانيا أن الهجمات على مواقع للطاقة بمنطقة سومي بشمال شرقي أوكرانيا أسفرت عن انقطاع الكهرباء على نطاق واسع. وقالت الشركة إنه رغم مواصلة أعمال الإصلاح، فقد استمر انقطاع الكهرباء عن أكثر من 280 ألف منزل صباح الثلاثاء. وكانت العاصمة الإقليمية من بين المواقع التي خيم عليها الظلام بسبب الهجوم الليلي. وأضافت الشركة أنه يتم تزويد منشآت البنية التحتية الحيوية مثل المستشفيات ومحطات المياه بالكهرباء عبر أنظمة الطاقة الاحتياطية. وقال مسؤولون، كما نقلت عنهم «وكالة الصحافة الفرنسية»، إنه تم إسقاط 16 طائرة مسيرة روسية فوق سومي.
وتقع سومي على حدود منطقة كورسك الروسية التي توغلت فيها القوات الأوكرانية في بداية أغسطس الماضي. وقال مسؤولون بمناطق كونوتوب وأوختيركا وسومي عبر تطبيق «تلغرام» إن هجوم الليلة الماضية تسبب في وقوع أضرار، وأضافوا أن مرافق البنية التحتية الحيوية اعتمدت على أنظمة كهرباء احتياطية.
وقال القائم بأعمال رئيس بلدية مدينة سومي أرتيم كوبزار إن الهجمات لم تسفر عن وقوع إصابات. وذكرت وزارة الطاقة الأوكرانية أن الهجوم تسبب في اندلاع حريق في محطة كهرباء فرعية، وانقطاع التيار عن أكثر من 281 ألف مستهلك. وأضافت أن الكهرباء عادت جزئياً منذ ذلك الحين.
وفي كلمة بثها التلفزيون، قال حاكم منطقة سومي فولوديمير أرتيوك: «لم يحقق العدو هدفه بتدمير نظام الطاقة، لكننا نشعر حالياً أنه يواصل محاولة تدمير (النظام) لأنه يهاجم حالياً باستخدام الصواريخ وليس الطائرات المسيرة». وأضاف أن التقديرات الأولية تشير إلى أن القوات الروسية استخدمت أربعة صواريخ في أحدث هجوم.
وأعلنت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك خلال زيارة لمولدوفا الثلاثاء، كما نقلت عنها «رويترز»، أن ألمانيا ستقدم مساعدات إضافية بقيمة 100 مليون يورو (111 مليون دولار) لأوكرانيا هذا الشتاء. وقالت بيربوك قُبيل مؤتمر وزاري في كيشيناو إن روسيا تخطط مجدداً «لشن حرب شتوية لجعل حياة الناس في أوكرانيا مريعة قدر الإمكان».
وتشن روسيا موجات من الهجمات على البنية التحتية للطاقة في أوكرانيا مثل محطات الطاقة، وهو ما يسبب في بعض الأحيان انقطاع التيار الكهربائي في أجزاء من البلاد. وفي يونيو، قالت كييف إن هناك حاجة إلى مزيد من الدفاعات الجوية لإصلاح البنية التحتية من أجل تأمين الخدمات في فصل الشتاء عندما يبلغ الطلب على الطاقة ذروته بسبب انخفاض درجات الحرارة إلى ما دون الصفر.