توغل كورسك: موسكو تزج بالآليات الثقيلة وسط معارك ضارية... وتعلن الطوارئ

كييف تُوسّع هجومها في العمق الروسي... ومسيّرات تضرب قاعدة جوية ومحطات كهرباء

مبنى مشتعل في بلدة سودزا بعد توغل القوات الأوكرانية في منطقة كورسك في 7 أغسطس (رويترز)
مبنى مشتعل في بلدة سودزا بعد توغل القوات الأوكرانية في منطقة كورسك في 7 أغسطس (رويترز)
TT

توغل كورسك: موسكو تزج بالآليات الثقيلة وسط معارك ضارية... وتعلن الطوارئ

مبنى مشتعل في بلدة سودزا بعد توغل القوات الأوكرانية في منطقة كورسك في 7 أغسطس (رويترز)
مبنى مشتعل في بلدة سودزا بعد توغل القوات الأوكرانية في منطقة كورسك في 7 أغسطس (رويترز)

مع دخول المعارك العنيفة في منطقة كورسك الروسية يومها الرابع الجمعة، بدا أن التوغل الأوكراني المباغت عبر الحدود تحول إلى هجوم منظم هو الأوسع في العمق الروسي منذ اندلاع الحرب قبل ثلاثين شهراً. ونجحت القوات الأوكرانية المهاجمة في إحداث حالة إرباك واسعة في صفوف الجيش الروسي، ما دفع موسكو إلى زج قوات وإشراك الآليات الثقيلة والطيران الحربي في الدفاع عن المنطقة الحساسة على الحدود.وتجاوز الهجوم الأوكراني كل التوقعات السابقة، التي رجّحت في البداية أن يكون قد هدف إلى إرباك موسكو ودفعها إلى سحب جزء من قواتها من محيط منطقة خاركيف الأوكرانية لتخفيف الضغط عنها. ومع أن موسكو أعلنت بعد مرور 24 ساعة على الهجوم، الذي بدأ صباح الثلاثاء، أنها سيطرت على الموقف وأوقفت تقدم القوات المتوغلة عبر الحدود، لكن استمرار المعارك الضارية لليوم الرابع، وإعلان القوات الأوكرانية عن تقدّم جديد في المنطقة لتسيطر على نحو 45 كيلومتراً مربعاً، دفعا إلى توقع الأسوأ.

«طوارئ فيدرالية»

وأعلنت وزارة الطوارئ الروسية، الجمعة، حالة «الطوارئ الفيدرالية» في منطقة كورسك، ما عكس مستوى الصعوبات التي يواجهها الجيش الروسي في هذه المنطقة.

وللتوضيح، فإن السلطات المحلية كانت أعلنت حالة طوارئ إقليمية في كورسك منذ اليوم الأول، وهو إجراء يُتخذ عادة لمواجهة مشكلات أو أوضاع طارئة تقع في المنطقة، لكن إعلان «الطوارئ الفيدرالية» التي تعني أعلى درجات التحذير من خطر داهم، يعكس اتّساع مستوى المخاوف وتحوّل الوضع إلى تهديد على سلامة الأراضي الروسية.

جانب من إجلاء سكان بلدة ريلسك في منطقة كورسك الروسية في 9 أغسطس (أ.ف.ب)

وكانت التقديرات الروسية أشارت إلى أن نحو ألف جندي أوكراني شاركوا في الهجوم، وأعلنت السلطات الأمنية الخميس أن قوات روسيا قضت على 660 منهم وأعطبت عشرات الآليات التي استهدفوها للتوغل إلى عمق يراوح بين 10 و20 كيلومتراً في مناطق عدة على طول الحدود مع منطقة كورسك.

ومع تأكيد استيلاء القوات الأوكرانية على 11 موقعاً، بينها قرى وبلدات صغيرة، انشغلت القوات الروسية بمحاولة منع المهاجمين من توسيع رقعة سيطرتهم، وضرب مواقعهم الخلفية، خصوصاً في منطقة سومي الحدودية الأوكرانية التي انطلق منها الهجوم، وتتمركز فيها نقاط الإمداد.

وكانت القوات الأوكرانية قد توغلت أكثر من مرة في السابق إلى داخل مناطق حدودية روسية، وخصوصاً في منطقتي بيلغورود وكورسك، لكن الفارق أن التوغلات السابقة كانت خاطفة ولم تهدف إلى السيطرة على مناطق روسية، فضلاً عن أن المهاجمين في المرات السابقة كانوا من «الفيلق الروسي»، وهو يضُمّ مجموعات من المقاتلين الروس الذين يتعاونون مع كييف. لكن في هذه المرة، اتّضح أن الهجوم مُنظّم بشكل جيد وقامت به قوات نظامية أوكرانية مدعومة من بعض المجموعات التي تناهض روسيا، وبينها مجموعات من المتطوعين الجورجيين وفقاً لتقارير روسية.

تباين رسمي

بوتين مترئساً اجتماعاً حول الوضع بكورسك في 9 أغسطس (سبوتنيك - أ.ف.ب)

اللافت أن حجم الإرباك الذي أصاب موسكو بدا واضحاً من خلال تباين التصريحات على المستويين السياسي والعسكري. وفي مقابل إعلان الكرملين عن مواجهة «استفزاز واسع النطاق»، أصرّ المستوى العسكري منذ اليوم الأول على أن «الوضع تحت السيطرة».

في المقابل، بدا الجانب الأوكراني حذراً في تحديد أهداف الهجوم. واعتبر الرئيس فولوديمير زيلينسكي، الخميس، أن روسيا «جلبت الحرب» إلى بلاده، وعليها أن تشعر بتداعيات ما قامت به، مُتعهداً بتقديم معلومات إضافية في وقت لاحق. ومع استمرار المعارك الجمعة، لجأت موسكو إلى إجلاء سكان عدد إضافي من القرى والبلدات في محيط منطقة المعارك، وسط توقعات بأن الجيش الروسي يواجه صعوبات جدية في السيطرة على الموقف. كما عملت السلطات على تعزيز الأمن والقدرة على مواجهة تطورات محتملة. وعلى وجه الخصوص، قررت السلطات تجهيز جميع محطات الوقود في منطقة كورسك بمعدات الحرب الإلكترونية والدروع الواقية، في خطوة رأى فيها مراقبون تجهيزاً لمواجهات قد تمتد لفترة أطول من المتوقع.

وطلب الرئيس فلاديمير بوتين، خلال اجتماع عسكري حضره حاكم المنطقة، توسيع التحرك لمواجهة الوضع الحالي. وخاطب الحاضرين بالقول: «يجب تسريع العمل على مختلف المستويات، بالتعاون مع الزملاء من مختلف الإدارات، بما في ذلك وزارة حالات الطوارئ، يجب تنفيذ هذا العمل. وهذا يتعلق أيضاً بفقدان الممتلكات والسكن». وقال بوتين: «كل هذا يجب أن يتم على نطاق واسع».

تصعيد في سومي وليبيتسك

في الوقت ذاته، صعّدت موسكو ضرباتها الجوية الجمعة بشكل غير مسبوق على منطقة سومي، التي تنطلق منها خطوط الإمداد للمهاجمين الأوكرانيين. واستخدمت موسكو الطيران الحربي بشكل مُكثّف لضرب مواقع تجمع ومنصات دفاع صاروخية تمّ نقلها أخيراً إلى المنطقة، في إطار التحضير لهذا الهجوم.

وذكرت وزارة الدفاع أن «الضربات الجوية والقوات الصاروخية ونيران المدفعية والعمليات النشطة التي قامت بها الوحدات التي تغطي حدود الدولة لمجموعة القوات في اتجاه كورسك، منعت العدو من التقدم في عمق أراضي الاتحاد الروسي».

مبنى أصيب بالقصف الأوكراني على منطقة كورسك في 6 أغسطس (أ.ب)

اللافت أن القوات الأوكرانية سعت إلى توسيع المعركة، عبر توجيه ضربات واسعة النطاق بمُسيّرات توغّلت داخل العمق الروسي لمئات الكيلومترات. ومع أن المسيّرات الأوكرانية كانت ضربت في أوقات سابقة مناطق عدة في روسيا، لكن محلّلين عسكريين ربطوا الهجوم الذي استهدف مدينة ليبيتسك (غرب) بالتوغل في منطقة كورسك الحدودية.

وأعلنت موسكو أن هجوماً «ضخماً» بطائرات من دون طيّار وقع ليل الخميس إلى الجمعة في منطقة ليبيتسك الروسيّة، التي لا ترتبط بحدود مع أوكرانيا. ووفقاً للمعطيات الأولية فقد ألحق الهجوم أضراراً بمحطّة كهربائيّة، حسبما أعلن حاكم المنطقة. وكتب الحاكم إيغور أرتامونوف على «تلغرام» أن ليبيتسك «تعرضت لهجوم ضخم بطائرات من دون طيّار». وأضاف في رسالة لاحقة أنّ «بنية تحتيّة للطاقة تضرّرت»، ما أدّى إلى انقطاعات في التيّار الكهربائي، مشيراً إلى أنّ الكهرباء عادت في وقت لاحق إلى معظم المنازل التي تأثّرت. وأعلن الحاكم حالة الطوارئ في بلديّة ليبيتسك، وأمر بإخلاء أربع قرى محيطة «لضمان سلامة السكّان». لكن الهدف الرئيسي للهجوم، كما اتضح لاحقاً، تركز على قاعدة جوية عسكرية في ليبيتسك، حسبما ذكرت وكالتا أنباء «تاس» و«نوفوستي» الروسيتان الرسميتان. ونقلت الوكالتان عن الوزارة الإقليمية لحالات الطوارئ أن «حريقاً اندلع في مطار عسكري في منطقة ليبيتسك»، من دون تحديد ما إذا كان الحريق اندلع بسبب هجوم أوكراني أم لا.

أجلت السلطات آلاف السكان من بلدات في منطقة كورسك الحدودية مع أوكرانيا في 9 أغسطس (إ.ب.أ)

وتقع مدينة ليبيتسك على بعد نحو 200 كيلومتر من الحدود مع أوكرانيا. كما أُبلِغ عن هجوم أوكراني آخر بطائرات من دون طيّار في منطقة بيلغورود، قرب الحدود الأوكرانية. ووفقاً للحاكم الإقليمي فياتشيسلاف غلادكوف، أسقط الدفاع الجوّي الروسي 29 طائرة من دون طيّار، وتسبّب الهجوم بأضرار مادّية، لكن لم تُسجّل إصابات.

وفي سيفاستوبول، في شبه جزيرة القرم التي ضمّتها روسيا عام 2014، أبلغ الحاكم ميخائيل رازفوجاييف عن هجمات بمُسيّرات جوّية وبحريّة. ورأى خبراء عسكريون أن هذه الضربات ترتبط بهدف موحد، يقوم على إرباك موسكو وهزّ معنويات الجيش الروسي، الذي كان قد حافظ خلال الأسابيع الماضية على مواقعه في محيط دونيتسك وخاركيف، وأحرز تقدماً محدوداً في بعض الحالات. ورغم أنه محدود، فإنه حمل تأثيرات رمزية بالغة الأهمية، خصوصاً لجهة تأكيد «فقدان كييف القدرة على شن هجمات مضادة».


مقالات ذات صلة

زيلينسكي: دفاع روسيا عن إيران يظهر ضرورة تشديد العقوبات

أوروبا صورة مُركّبة تُظهر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (أ.ف.ب) play-circle

زيلينسكي: دفاع روسيا عن إيران يظهر ضرورة تشديد العقوبات

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، أمس (الخميس)، إن دفاع روسيا عن السلطات الإيرانية يؤكد ضرورة تشديد العقوبات ضد موسكو.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا المفوض الأوروبي لشؤون الدفاع أندريوس كوبيليوس (حسابه عبر «فيسبوك») play-circle

مسؤول أوروبي متفائل بقدرة القارة على الدفاع عن نفسها دون واشنطن

خلال معرض لو بورجيه للطيران، قرب باريس، أعرب المفوض الأوروبي لشؤون الدفاع أندريوس كوبيليوس عن تفاؤله بقدرة أوروبا على ضمان دفاعها الذاتي «في المستقبل».

«الشرق الأوسط» (لو بورجيه (فرنسا))
أوروبا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال جلسة صحافية على هامش المنتدى الاقتصادي في سان بطرسبرغ 18 يونيو (إ.ب.أ) play-circle

بوتين يؤكد على «إيجاد حل» ينهي الصراع الأوكراني - الروسي على المدى الطويل

بوتين يريد وضع حد للنزاع ويبدي استعداده للقاء زيلينسكي في «المرحلة الأخيرة» ويحذر ألمانيا من تسليم كييف صواريخ تاوروس ولا يعتبر تسليح الناتو «تهديداً» لموسكو

«الشرق الأوسط» (سانت بطرسبرغ)
أوروبا الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث إلى الصحافيين على متن طائرة الرئاسة بعد مغادرته مبكراً قمة «مجموعة السبع» في كندا (رويترز) play-circle

​واشنطن ترفض تشديد الضغوط على روسيا في قمة «السبع»

على الرغم من التوصل إلى توافق في بعض القضايا، فإن قمة «مجموعة السبع» في كندا، التي كان من المفترض أن تظهر وحدة الموقف بشأن القضايا العالمية الكبرى، لم تصدر أي…

«الشرق الأوسط» (كاناناسكيس (كندا) )
أوروبا عمليات البحث مستمرة عن أحياء بين الأنقاض (أ.ف.ب) play-circle

ترمب يجدّد دعمه لبوتين وسط خلافات مستمرة مع الحلفاء

ترمب يجدّد دعمه لبوتين وسط خلافات مستمرة مع الحلفاء… انسحابه مبكراً من قمة مجموعة السبع يثير الشكوك بمستقبل التحالف.

إيلي يوسف ( واشنطن)

زيلينسكي: دفاع روسيا عن إيران يظهر ضرورة تشديد العقوبات

صورة مُركّبة تُظهر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (أ.ف.ب)
صورة مُركّبة تُظهر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (أ.ف.ب)
TT

زيلينسكي: دفاع روسيا عن إيران يظهر ضرورة تشديد العقوبات

صورة مُركّبة تُظهر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (أ.ف.ب)
صورة مُركّبة تُظهر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (أ.ف.ب)

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، أمس (الخميس)، إن دفاع روسيا عن السلطات الإيرانية يؤكد ضرورة تشديد العقوبات ضد موسكو.

وأضاف زيلينسكي أن نشر روسيا لطائرات مسيرة من طراز شاهد التي صممتها إيران وذخائر من كوريا الشمالية دليل على أن حلفاء كييف لا يمارسون ضغوطا كافية على موسكو.

وتابع قائلاً: «الآن تحاول روسيا إنقاذ البرنامج النووي الإيراني... عندما يفقد أحد المتواطئين معهم القدرة على تصدير أدوات الحرب، تضعف روسيا وتحاول التدخل. هذا يثبت مجدداً أنه لا يمكن السماح للأنظمة العدوانية بالاتحاد وإقامة شراكة».

وقال إنه عندما تستخدم روسيا أسلحة من طهران وبيونغ يانغ «فهذه علامة واضحة على أن التضامن العالمي والضغط العالمي ليسا قويين بما فيه الكفاية».

ووقعت روسيا شراكة استراتيجية مع إيران هذا العام. ونددت موسكو بالضربات الإسرائيلية ضد إيران وعرضت الوساطة.

وقال نائب وزير الخارجية الروسي إن موسكو تحث واشنطن على الامتناع عن التدخل المباشر.

وقال وزير الخارجية الأوكراني أندريه سيبيها، إن الصراع بين إسرائيل وإيران كشف النفاق الروسي إذ تدافع موسكو عن برنامج إيران النووي وتندد بالضربات على طهران بينما تهاجم أوكرانيا «بلا رحمة».