ميزانية الإليزيه تتجاوز 125 مليون مدفوعة بالرحلات الخارجية وحفلات الاستقبال

مأدبة قصر فرساي لتكريم الملك تشارلز بلغت نصف مليون يورو

بلغت تكلفة رئاسة الجمهورية الفرنسية 125.5 مليون يورو في عام 2023 (أ.ب)
بلغت تكلفة رئاسة الجمهورية الفرنسية 125.5 مليون يورو في عام 2023 (أ.ب)
TT

ميزانية الإليزيه تتجاوز 125 مليون مدفوعة بالرحلات الخارجية وحفلات الاستقبال

بلغت تكلفة رئاسة الجمهورية الفرنسية 125.5 مليون يورو في عام 2023 (أ.ب)
بلغت تكلفة رئاسة الجمهورية الفرنسية 125.5 مليون يورو في عام 2023 (أ.ب)

تعيش فرنسا منذ مساء الجمعة الماضي على وقع فعاليات أولمبياد 2024، وعيون مواطنيها منصبّة على عداد الميداليات الذهبية التي يحصل عليها رياضيوها وهم يأملون أن يكون حصاد هذا العام متفوقاً على ما عرفته البلاد في المنافسات السابقة. وفي هذا الوقت، نُحيت السياسة جانباً. فلا حكومة تحكم، مع اكتفاء حكومة غابرييل أتال، بعد استقالتها عقب الانتخابات البرلمانية الشهر الماضي، بتصريف الأعمال، ولا برلمان يجتمع لأنه في عطلة، ولا رئيس في قصر الإليزيه، لأن إيمانويل ماكرون انتقل إلى مصيفه الرسمي في حصن بريغونسون المطل على الشاطئ المتوسطي. أما الإدارة، بشكل عام، فإنها تعمل في الحدود الدنيا بفعل العطل الصيفية، باستثناء قوى الأمن الداخلي المعبأة، بكل مكوناتها للمحافظة على أمن الأولمبياد.

من ضمن هذا المشهد المتراخي، ثمة هيئة لا تعرف العطل ولا الكلل كما لا تتأثر بالضغوطات السياسية بفضل الاستقلالية التي يوفرها لها الدستور بالمناخ السائد في البلاد. إنها ديوان المحاسبة المناط به التأكد من حسن استخدام السلطات التنفيذية للأموال العامة، وإطلاع المواطنين على ما تقوم به من خلال نشر تقارير تتناول جميع شؤون الدولة المالية. وآخر ما صدر عنها تقرير تفصيلي عن مصاريف رئاسة الجمهورية وعن تكلفتها للميزانية العمومية.

125 مليون يورو سنوياً

يتناول التقرير الذي أصبح متاحاً أمام الجمهور، منذ السبت الماضي، كلفة رئاسة الجمهورية لعام 2023 التي بلغت 125.5 مليون يورو أي بزيادة 12.1 مليون يورو عن ميزانية عام 2022. ويشير التقرير إلى أن ميزانية الرئاسة عانت من عجز قيمته 8.3 مليون يورو، كما يُبيّن أن ارتفاع كلفة رئاسة الجمهورية يعود إلى عاملين رئيسيين: الأول، الزيارات الخارجية التي قام بها ماكرون وتضخّم أعداد الوفود الرسمية وغير الرسمية التي ترافقه. والثاني، كلفة حفلات الاستقبال والمآدب الرسمية بمناسبة زيارات الدولة إلى فرنسا التي نظمت في قصر الإليزيه وخارجه كما في قصر فرساي التاريخي أو في متحف اللوفر الشهير. ويُبيّن التقرير أن الزيارات الخارجية والحفلات والمآدب كلّفت الدولة الفرنسية 21 مليون يورو في عام 2023، مقابل 13.3 مليون يورو في عام 2022، و9.8 مليون يورو في عام 2021.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وزوجته بريجيت يستعدان لاستقبال ضيوف حفل افتتاح الأولمبياد في 25 يوليو (أ.ف.ب)

ليس سرّاً أن الرئيس ماكرون يهوى الزيارات الخارجية؛ خصوصاً ما اندرج منها تحت اسم «زيارة دولة» التي هي أرقى بروتوكولياً. وبعد أن تراجعت زياراته الخارجية في عامي 2021 و2022 بسبب وباء «كوفيد 19»، وفّر له العام الماضي الفرصة للقيام بزيارات رئيسية، شملت الصين واليابان والهند وبنغلاديش وعدداً آخر من بلدان أوقيانيا وأفريقيا، وزيارات رسمية أخرى بمناسبة القمم التي تشارك فيها فرنسا، مثل الحلف الأطلسي ومجموعة السبع ومجموعة العشرين، فضلاً عن قمم واجتماعات الاتحاد الأوروبي. ويفيد التقرير بأن كلفة الزيارات الخارجية بلغت 17.24 مليون يورو، مقابل 12 مليون في 2022، يضاف إليها 6 ملايين يورو للزيارات الداخلية.

في شهر أبريل (نيسان)، قام ماكرون ووفد وزاري واقتصادي كبير بزيارة للصين من ثلاثة أيام، حظي خلالها بتكريم خاص من قبل نظيره شي جينبينغ. وبما أن الطائرة الرئاسية لم تكف لنقل الوفد الكبير، فقد تم استئجار طائرة خاصة من طراز «إيرباص 330». ويُبيّن تقرير ديوان المحاسبة أن هذه الزيارة وحدها كلّفت خزينة الدولة 1.8 مليون يورو. كذلك، فإن الوفد الرسمي الذي رافق ماكرون في زيارته للهند بمناسبة قمة العشرين بلغ 74 مسؤولاً، كما بلغ 140 شخصاً خلال جولته الأفريقية اللاحقة. وجاءت ملاحظة ديوان المحاسبة كالتالي: «بالنظر للحاجة للتوازن في ميزانية الرئاسة، يبدو ضرورياً خفض حجم الوفود الرسمية وغير الرسمية».

تشارلز الثالث ضيف قصر فرساي

تعاني فرنسا منذ أشهر طويلة من تراجع صحة ماليتها العامة؛ حيث إن عجز ميزانيتها يصل إلى 154 مليار يورو، ما يشكل 5.5 في المائة من إنتاجها الداخلي الخام. كما أن ديونها تتخطى 3 آلاف مليار يورو. ودأب وزير الاقتصاد، برونو لو مير، على المطالبة بأن تعمد الدولة إلى خفض مصاريفها لعام 2024 بما لا يقل عن 10 مليارات يورو. ومع ذلك، لا يبدو أن الإليزيه يعمل بشكل خاص على خفض مصاريفه الخاصة. ولعلّ أبرز مثال على ذلك حفلات الاستقبال التي أقامها في عام 2023، في قصر الإليزيه أو خارجه.

تشارلز الثالث وماكرون وعقيلتاهما أمام النصب البريطاني الذي يكرم مشاركة القوات البريطانية في «إنزال النورماندي» في 6 يونيو 2024 (أ.ب)

في 20 سبتمبر (أيلول) من العام الماضي، كان الملك تشارلز الثالث ضيفاً على الدولة الفرنسية التي فرشت له وللملكة كاميليا السجاد الأحمر، وسعت لإبراز تاريخ فرنسا وإرثها الثقافي والفني، ومن بينه تفوق مائدتها ومطبخها. ومن ضمن الأنشطة التي حضرتها الرئاسة، يندرج العشاء الرسمي في قصر فرساي، بحضور 150 مدعواً من كبار الشخصيات السياسية والثقافية والفنية والرياضية، وقد عبأ له الإليزيه 4 من أشهر طهاة فرنسا الذين حضروا مأدبة تليق بالضيف الملكي، الذي يجيد كوالدته اللغة الفرنسية ويهوى مرابع البلاد. وبعكس الأرقام التي نُشرت والتي تحدثت عن كلفة بلغت 6 ملايين يورو، فإن تقرير ديوان المحاسبة يؤكد أن كلفة المأدبة بلغت نحو نصف مليون يورو، يضاف إليها مبلغ 80 ألف يورو التي دفعتها الرئاسة للتعويض عن إلغاء حجز سابق بسبب المظاهرات التي عرفتها فرنسا في ربيع عام 2023. ورغم أن الدولة لم تدفع كلفة حجز قصر فرساي، وأن الطهاة الأربعة قدموا خدماتهم مجاناً، فإن كلفة كل فرد من الذين حضروا حفل العشاء بلغت 3666 يورو. وبلغت كلفة الشمبانيا والخمور التي استهلكت في العشاء المذكور 42 ألف يورو.

تكريم خاص لمودي

حرص الرئيس ماكرون، الذي تسعى بلاده لعلاقة خاصة مع الهند، على أن يكرم رئيس وزرائها ناريندرا مودي خلال زيارته لفرنسا الصيف الماضي من خلال حفل عشاء في متحف اللوفر، الذي أقفل أبوابه أمام الزوار، كما فعل قصر فرساي، مع ما يعني ذلك من خسائر مالية للمؤسستين. ورغم المظاهرات التي كانت تعرفها فرنسا في تلك الفترة بسبب تعديل قانون سن التقاعد، فإن مأدبة اللوفر التي حضرها نحو مائة مدعو بلغت كلفتها الإجمالية 412 ألف يورو. ورد الإليزيه على ذلك بتأكيده أن فرنسا «تقيم علاقات دبلوماسية متينة مع عدد كبير من الدول التي تنظم مناسبات مماثلة لما تقوم به فرنسا عندما تستقبل رؤساء الدول».

ماكرون وزوجته بريجيت ومودي يحضرون العرض العسكري السنوي لعيد الباستيل في باريس في 14 يوليو 2023 (أ.ب)

ثمة فوارق كبيرة في كلفة المآدب الرسمية إذا ما جرت في قصر الإليزيه أو خارجه. فعلى سبيل المثال، أقام ماكرون حفل عشاء على شرف رئيس منغوليا في القصر الرئاسي، ولم تتجاوز كلفته 62 ألف يورو. كما أن العشاء الرسمي على شرف الرئيس الصيني شي جينبينغ في شهر مايو (أيار) بقي دون سقف 140 ألف يورو، وكذلك بمناسبة زيارة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في فبراير (شباط) 2023، حيث بلغت الكلفة 90 ألف يورو.

ميزانية السيدة الأولى

ثمة ميزانية على علاقة بالإليزيه لا يتم تناولها كثيراً، وتتعلق بكلفة سيدة فرنسا الأولى أي بريجيت ماكرون، عقيلة الرئيس. وتقوم مهامها الأربع، بتمثيل فرنسا إلى جانب رئيس الجمهورية خلال القمم والزيارات الرسمية، والاستماع لمطالب الفرنسيين، والإشراف على الحفلات الرسمية، وأخيراً دعم الأعمال الخيرية والثقافية والاجتماعية.

ويُبيّن تقرير ديوان المحاسبة أن ميزانية السيدة الأولى تبلغ 310 آلاف يورو سنوياً، ما يساوي 0.25 في المائة من ميزانية الإليزيه العامة، ويضم هذا المبلغ مرتبات الأشخاص المولجين بمكتبها، ومشاركتها في الزيارات الرسمية وتنظيم الفعاليات الرئاسية الاجتماعية. وخلال عام 2023، رافقت بريجيت ماكرون الرئيس في 11 زيارة داخل فرنسا وخارجها، وقامت بـ16 زيارة داخلية بمفردها. بيد أن أرقام ديوان المحاسبة لا تغطي جميع مصاريف السيدة الفرنسية الأولى، إذ لا تحتسب كلفة رجال الأمن الذين يتولون حمايتها، ولا كلفة مزينة شعرها، كما لا يتحدث التقرير عن كلفة الثياب التي ترتديها والتي كلها من تصميم وتنفيذ كبار المبدعين الفرنسيين.


مقالات ذات صلة

ماكرون: الوضع في غزة «لا يُحتمل» وآمل مناقشته مع نتنياهو وترمب

المشرق العربي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (إ.ب.أ) play-circle

ماكرون: الوضع في غزة «لا يُحتمل» وآمل مناقشته مع نتنياهو وترمب

أكد الرئيس الفرنسي، الجمعة، أن الأزمة الإنسانية في قطاع غزة غير مقبولة، وأضاف أنه يأمل مناقشة الأمر قريباً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي والرئيس الأميركي.

«الشرق الأوسط» (باريس)
أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يقف بجانب نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال قمة المجموعة السياسية الأوروبية في تيرانا بألبانيا يوم 16 مايو 2025 (أ.ف.ب)

ماكرون: روسيا لا تريد وقف إطلاق النار

قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الجمعة، إنّ روسيا «لا تريد» التوصل إلى وقف لإطلاق النار في أوكرانيا، وأكد الحاجة إلى ممارسة «مزيد من الضغوط» على موسكو.

«الشرق الأوسط» (باريس)
المشرق العربي رزم من الأوراق النقدية السورية مكدسة بينما يقوم موظف بعدّ النقود في المصرف المركزي السوري 12 يناير 2025 (رويترز)

وثيقة أوروبية تقترح تخفيفاً للعقوبات على سوريا تشمل الدفاع والداخلية

أظهرت وثيقة اطلعت عليها «رويترز» أن مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي كايا كالاس، اقترحت مزيداً من التخفيف للعقوبات الأوروبية المفروضة على سوريا.

«الشرق الأوسط» (بروكسل - لندن)
شمال افريقيا مصافحة بين الرئيسين الجزائري والفرنسي قبل تدهور العلاقات بين البلدين (أ.ف.ب)

فرنسا تطرد مسؤولين جزائريين تطبيقاً لمبدأ «المعاملة بالمثل»

استدعت وزارة الخارجية الفرنسية الأربعاء دبلوماسياً جزائرياً رفيع المستوى لإبلاغه بأن باريس قررت طرد جزائريين يحملون جوازات سفر دبلوماسية.

«الشرق الأوسط» (باريس)
شؤون إقليمية وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس (رويترز) play-circle

كاتس: على ماكرون ألا يعطينا دروساً في الأخلاق

أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، الأربعاء، أن على إيمانويل ماكرون «ألا يعطينا دروساً في الأخلاق».

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

اتفاق روسي ــ أوكراني على عملية تبادل واسعة للأسرى

جانب من الاجتماع الروسي - الأوكراني برعاية تركية في إسطنبول أمس (أ.ب)
جانب من الاجتماع الروسي - الأوكراني برعاية تركية في إسطنبول أمس (أ.ب)
TT

اتفاق روسي ــ أوكراني على عملية تبادل واسعة للأسرى

جانب من الاجتماع الروسي - الأوكراني برعاية تركية في إسطنبول أمس (أ.ب)
جانب من الاجتماع الروسي - الأوكراني برعاية تركية في إسطنبول أمس (أ.ب)

بعد مخاض عسير، عقدت في مدينة إسطنبول التركية أول محادثات مباشرة بين روسيا وأوكرانيا برعاية تركية، بحثت وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب المستمرة بينهما لأكثر من 3 سنوات. وأعلن وزير الدفاع الأوكراني رستم عمروف أن الاجتماع ناقش قضايا وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى واجتماع محتمل على مستوى القادة. من جانبه، قال رئيس الوفد الروسي فلاديمير ميدينسكي إنهم راضون عن نتائج المفاوضات ومستعدون لمواصلة المحادثات.

وأضاف أن المفاوضات المباشرة مع الجانب الأوكراني، التي بدأت بمكالمة من الرئيس فلاديمير بوتين، قد انتهت، وستجري عملية تبادل واسعة للأسرى. وتابع ميدينسكي: «طلب ​​الجانب الأوكراني إجراء محادثات مباشرة على مستوى القادة. وقد سجلنا هذا الطلب».