نشر صواريخ أميركية بعيدة المدى في ألمانيا يحيي الحرب الباردة

زعماء «الناتو» خلال انعقاد القمة في واشنطن 9 يوليو 2024 (د.ب.أ)
زعماء «الناتو» خلال انعقاد القمة في واشنطن 9 يوليو 2024 (د.ب.أ)
TT

نشر صواريخ أميركية بعيدة المدى في ألمانيا يحيي الحرب الباردة

زعماء «الناتو» خلال انعقاد القمة في واشنطن 9 يوليو 2024 (د.ب.أ)
زعماء «الناتو» خلال انعقاد القمة في واشنطن 9 يوليو 2024 (د.ب.أ)

رغم أن الخطوة الأكثر حسماً في قمة حلف شمال الأطلسي (ناتو) في واشنطن تمت من دون ضجيج، فإنها أحدثت ضجة كبيرة على صعيد السياسة الأمنية؛ وتتمثل هذه الخطوة في معاودة الولايات المتحدة اعتباراً من عام 2026 نشر أنظمة أسلحة يصل مداها إلى الأراضي الروسية، على ما ذكرت «وكالة الأنباء الألمانية» في تقرير لها من واشنطن نشرته الاثنين.

وتتضمن هذه الأنظمة صواريخ كروز طراز «توماهوك» التي يمكن تزويدها نووياً من الناحية التقنية، وصواريخ دفاع جوي من نوع «إس إم 6»، بالإضافة إلى أسلحة أسرع من الصوت جرى تطويرها حديثاً والمنتظر أن يكون مداها أبعد من الأنظمة الأرضية المنصوبة حالياً.

وعلى هامش القمة، أعلنت الولايات المتحدة وألمانيا في ثلاث جمل فقط، أن هذه «القدرات المتقدمة» ستُظهر التزام الولايات المتحدة تجاه «الناتو» ومساهمتها في الردع الأوروبي المشترك.

جانب من اجتماع قادة «الناتو» في واشنطن (د.ب.أ)

يأتي هذا القرار بعد نحو 5 سنوات من إنهاء معاهدة الحد من الأسلحة النووية المتوسطة المدى البرية، وذلك بعد أن فسختها الولايات المتحدة بدعم من شركائها في الناتو، معتبرةً أن روسيا انتهكت المعاهدة بنشر نظام الصواريخ متوسطة المدى «إس إس سي 8».

وبدورها، اتهمت روسيا الناتو بالتصعيد، حيث نقلت وكالة أنباء «تاس» الروسية الرسمية عن سيرغي ريابكوف، نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، القول: «سنعمل على إعداد رد عسكري بالدرجة الأولى على ذلك، من دون توتر عصبي أو انفعال».

ومن المنتظر في الوقت الحالي أن تراجع موسكو العقيدة النووية الروسية. أما الصين، فردَّت على انتقادات الناتو لدورها في حرب أوكرانيا بالقول إن تصريحات الناتو مليئة بخطاب الحرب والافتراء والاستفزازات.

بايدن خلال مؤتمر صحافي في اختتام قمة «الناتو» 11 يوليو 2024 (أ.ف.ب)

في الذكرى الـ75 لتأسيس «الناتو»، عادت الحرب الباردة حيث يعمل الحلف الأطلسي على تعزيز الأمن العسكري لأوروبا، لأن القيادة الروسية بقيادة الرئيس فلاديمير بوتين، لا تريد إنهاء الحرب ضد أوكرانيا، وأنهت إجراءات متبادلة للرقابة على التسلح. وعلاوة على ذلك تزداد الدلائل، التي تشير إلى تشكيل تكتلين جديدين، حيث تتنافس الولايات المتحدة وأوروبا من جهة، مع دول مثل الصين وروسيا وكوريا الشمالية وإيران من جهة أخرى، على النفوذ في العالم.

ويحاول الناتو التصدي للانطباع القائل إن حرب أوكرانيا أنهكته، وإن الخلافات الداخلية أصابته بالضعف.

وخلال القمة في واشنطن كان هناك خلف الكواليس قدر كبير من الاستياء حيال سفر رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، من دون تنسيق مع الشركاء إلى موسكو وبكين، في جولة أطلق عليها «مهمة سلام». ومع ذلك، فإن الحلف خارج الكواليس يصف هذه الجولة التي استغلتها الدعاية الروسية بمهارة، بأنها شأن مجري خاص وغير ذي صلة.

صورة أرشيفية لترمب وستولتنبرغ خلال قمة «الناتو» في واتفورد البريطانية ديسمبر 2019 (أ.ب)

وتسير الأمور بشكل مشابه فيما يتعلق بالنقاشات الدائرة حول مدى أهلية الرئيس الأميركي، جو بايدن (81 عاماً) لقيادة الولايات المتحدة لفترة رئاسية ثانية، حيث يتجنب القادة الآخرون في الحلف التعليق على هذه القضية، التي تعد من أكثر المواضيع السياسية نقاشاً في العالم، ناهيك بالتعبير عن آرائهم في هذا الشأن.

وظهر المستشار الألماني أولاف شولتس، في واشنطن بثقة كبيرة، وأكد أن ألمانيا تعتزم الوفاء بمسؤولياتها كأكبر اقتصاد في أوروبا حتى في الأوقات الصعبة. وقال شولتس: «ألمانيا هي أكبر دولة في أوروبا ضمن حلف الناتو. من هذا المنطلق، تنشأ مسؤولية خاصة علينا. ويمكنني أن أقول هنا على نحو شديد الوضوح إننا سنتحمل هذه المسؤولية، وأنا كذلك».

ونادراً ما تُسمع مثل هذه النغمات الواضحة من شخص يفضل تقديم ألمانيا على أنها «قوة متوسطة».

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مع المستشار الألماني أولاف شولتس 11 يونيو 2024 (أ.ف.ب)

ومع ذلك، فإن قرار معاودة نشر أسلحة أميركية على الأراضي الألمانية يمكنها أن تصل إلى روسيا، لا يخلو من حساسية بالنسبة له، إذ إن الخوف من أن تصبح ألمانيا هدفاً للأسلحة الروسية، ينتشر على نحو واسع في ألمانيا.

وجدير بالذكر أن شولتس نفسه كان قد احتجّ في الثمانينات، عندما كان سياسياً شاباً في الحزب الاشتراكي، على قرار مزدوج لحلف شمال الأطلسي كان يتضمن، ضمن أمور أخرى، نشر صواريخ متوسطة المدى من نوع «بيرشينغ 2» التي جرى سحبها مرة أخرى بعد نهاية الحرب الباردة حتى عام 1991.

ورداً على سؤال عما إذا كان يتوقع أن تكون هناك معارضة كبيرة لعودة مثل هذه الأسلحة ذات المدى البعيد إلى ألمانيا، بما في ذلك من داخل حزبه الاشتراكي الديمقراطي، كان شولتس قد قال في واشنطن: «أُعدّ هذا القرار منذ وقت طويل، ولن يكون هذا مفاجأة حقيقية بالنسبة لكل من يشتغلون بسياسات الأمن والسلام»، لافتاً إلى أن قرار نشر الصواريخ الأميركية في ألمانيا يتماشى تماماً مع استراتيجية الأمن للحكومة الاتحادية الألمانية، التي تمت مناقشتها علناً.

احتجاجات في واشنطن ضد «الناتو» (د.ب.أ)

ويؤكد بايدن مراراً وتكراراً، أن الولايات المتحدة تلتزم بشكل ثابت بواجباتها في التحالف العسكري وستدافع عن كل شبر من أراضي الناتو. وفي المقابل، كان ترمب ينتقد باستمرار ما يعده تدنياً في نفقات الدفاع من جانب أعضاء أوروبيين في الحلف، وهدد في بعض الأحيان بانسحاب الولايات المتحدة من الناتو.

وخلال حملته الانتخابية الحالية، قال ترمب إنه لن يضمن الحماية الأميركية لدول الناتو، التي لا تفي بالتزاماتها المالية، مشجعاً روسيا على «فعل ما تريد» مع هذه الدول. ولا توحي تصريحات ترمب بأنه يعتزم تعزيز دور الولايات المتحدة في حلف الناتو أو في جهود الردع الأمني في أوروبا.

ومع ذلك، فمن الممكن أن يحقق ترمب شيئاً ما من نشر أنظمة أسلحة بعيدة المدى في ألمانيا، إذ إن الرجل، البالغ من العمر 78 عاماً، هو شخص يحب استعراض العضلات. وبالنسبة إلى «الناتو»، قد يكون عدم القدرة على التنبؤ بخطوات ترمب ميزة، حيث يمكن لهذا الأمر أن يردع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أيضاً عن اتخاذ خطوات استفزازية أخرى، لأنه لا يمكنه التنبؤ بالكيفية التي سيردّ بها ترمب.

وفي غضون ذلك، أوضح شولتس أنه من وجهة نظره، لا يوجد خيار آخر سوى القرار الذي اتُّخذ الآن، وقال: «نعلم أن هناك تسلحاً هائلاً في روسيا بأسلحة تهدد الأراضي الأوروبية».


مقالات ذات صلة

ستولتنبرغ: كان بوسع الناتو القيام بالمزيد لمنع حرب أوكرانيا

أوروبا الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ (أ.ف.ب)

ستولتنبرغ: كان بوسع الناتو القيام بالمزيد لمنع حرب أوكرانيا

قال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ إنه كان بوسع الحلف أن يفعل المزيد لتسليح أوكرانيا في محاولة لمنع الغزو الروسي عام 2022.

«الشرق الأوسط» (برلين)
الولايات المتحدة​ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (الكرملين - د.ب.أ)

البيت الأبيض يندد بتصريحات «بالغة الخطورة» لبوتين بشأن «حرب مع الناتو»

ندّد البيت الأبيض بتصريحات «بالغة الخطورة» أدلى بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي اعتبر أن حلف «ناتو» سيكون منخرطاً في حرب مع موسكو.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا طائرة مقاتلة من طراز «إف-16» تحلق في أوكرانيا (أ.ب)

أوكرانيا قد تحصل على مقاتلة سويدية متعددة المهام

يبدو الآن أن السويد قد تنقل إلى كييف قريباً مقاتلات متعددة المهام تعمل في كل الأحوال الجوية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن مع نظيريه البريطاني والأوكراني في كييف (أ.ب)

بلينكن يعلن مساعدة جديدة لأوكرانيا بقيمة 717 مليون دولار... ولندن تسلمها «مئات» الصواريخ

أعلن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، اليوم (الأربعاء)، من كييف مساعدة اقتصادية وإنسانية جديدة لأوكرانيا بقيمة 717 مليون دولار.

«الشرق الأوسط» (كييف)
شؤون إقليمية استعراض للصواريخ الباليستية الإيرانية خلال حفل للقوات المسلحة في طهران في أغسطس 2023 (رويترز)

واشنطن لحلفائها: إيران أرسلت صواريخ باليستية إلى روسيا

أبلغت أميركا حلفاءها أن إيران أرسلت صواريخ باليستية قصيرة المدى إلى روسيا، في خطوة ستمنح موسكو «أداة عسكرية قوية» أخرى لاستخدامها في الحرب ضد كييف.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

السويد تعرض على المهاجرين 34 ألف دولار ليعودوا إلى بلدانهم

مهاجرون يستعدون للصعود على متن قطار متجه إلى السويد في محطة بادبورج بجنوب الدنمارك (رويترز)
مهاجرون يستعدون للصعود على متن قطار متجه إلى السويد في محطة بادبورج بجنوب الدنمارك (رويترز)
TT

السويد تعرض على المهاجرين 34 ألف دولار ليعودوا إلى بلدانهم

مهاجرون يستعدون للصعود على متن قطار متجه إلى السويد في محطة بادبورج بجنوب الدنمارك (رويترز)
مهاجرون يستعدون للصعود على متن قطار متجه إلى السويد في محطة بادبورج بجنوب الدنمارك (رويترز)

أعلنت الحكومة السويدية أنها ستبدأ بعرض ما يصل إلى 350 ألف كرونة سويدية (34 ألف دولار) على بعض المهاجرين مقابل العودة إلى بلدانهم الأصلية بداية من عام 2026، وفق مجلة «نيوزويك».

أعلن وزير الهجرة يوهان فورسيل عن ذلك، يوم الخميس، معلقاً: «نحن في خضم تحول نموذجي في سياسة الهجرة لدينا».

أصبحت الهجرة مثيرة للجدل بشكل كبير في السويد على مدار السنوات الأخيرة، حيث جاء الديمقراطيون في المرتبة الثانية في أحدث انتخابات في السويد في سبتمبر (أيلول) 2022.

وفي حين لم يتمكنوا من تشكيل حكومة بأنفسهم، فقد دعم الديمقراطيون السويديون منذ ذلك الحين إدارة بقيادة رئيس الوزراء أولف كريسترسون، من حزب «الوسط» اليميني المعتدل الذي جاء في المرتبة الثالثة في الانتخابات.

وأشار فورسيل إلى أن هناك بالفعل برنامجاً حكومياً سويدياً يقدم للمهاجرين أموالاً لمساعدتهم على العودة إلى ديارهم، لكن المبالغ المدفوعة أقل كثيراً بحد أقصى 10000 كرونة (976 دولاراً) لكل شخص بالغ و5000 كرونة لكل طفل، مع حد أقصى 40000 كرونة (3903 دولارات) لكل أسرة. ومع ذلك، قال إن العرض قليل الاستخدام؛ إذ لم يستخدمه سوى مهاجر واحد في عام 2023.

وفي حديثه إلى الصحافيين، اقترح لودفيغ أسبلنغ، وهو مشرع ومتحدث باسم الديمقراطيين السويديين بشأن الهجرة، أن السياسة ستجذب بشكل أكبر المهاجرين العاطلين عن العمل فترة طويلة، أو المعتمدين على الرعاية الاجتماعية من الدولة.

كما أشار أسبلنغ إلى مخطط الحكومة السويدية الحالي الذي يعرض على المهاجرين مبالغ أقل كثيراً للعودة إلى بلدهم الأصلي.

وقال: «كانت المنحة موجودة منذ عام 1984، لكنها غير معروفة نسبياً، وهي صغيرة وقليل من الناس يستخدمونها».

ومن غير الواضح ما هي المعايير الدقيقة لتلقي المبالغ الجديدة.

جاء قرار الحكومة السويدية بزيادة المبلغ المدفوع للمهاجرين الذين يغادرون بشكل كبير على الرغم من انتقاد السياسة، الشهر الماضي، في تقرير من لجنة تحقيق معينة من الحكومة، والتي زعمت أن الفوائد لا تبرر التكاليف.

ووفقًا لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، فإن عدداً من الدول الأوروبية الأخرى لديها بالفعل خطط تدفع للمهاجرين للعودة إلى بلدانهم الأصلية، مع عروض تبلغ نحو 2000 دولار في ألمانيا، و2800 دولار في فرنسا، و1400 دولار في النرويج وأكثر من 15000 دولار في الدنمارك.