ماكرون يمنح الأحزاب الفرنسية «وقتاً» واليسار يستعجل الإمساك بزمام الأمور

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أ.ب)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أ.ب)
TT

ماكرون يمنح الأحزاب الفرنسية «وقتاً» واليسار يستعجل الإمساك بزمام الأمور

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أ.ب)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أ.ب)

لا تزال فرنسا منشغلة بمفاوضات ما بعد الانتخابات التشريعية بين ثلاث كتل لا يملك أي منها الغالبية المطلقة، وفي حين يريد الرئيس إيمانويل ماكرون أن يمنح الأحزاب «وقتاً»، يستعجل اليسار الذي تصدر نتائج الانتخابات الإمساك بزمام الأمور.

وبحسب «وكالة الصحافة الفرنسية»، لفت ماكرون في «رسالة إلى الفرنسيين»، نشرتها الصحافة الإقليمية، الأربعاء، إلى أن «أحداً لم يفز»، الأحد، ملاحظاً أن «الكتل» التي تم التصويت لها «تمثل كلها أقليات» في الجمعية الوطنية.

من هنا، يعتزم «أن يترك بعض الوقت للقوى السياسية لبناء تسويات». وفي انتظار ذلك تتولى الحكومة الحالية ممارسة مسؤولياتها عشية استضافة باريس الألعاب الأولمبية بعد أسبوعين ونيف.

وانبثقت من الانتخابات ثلاث كتل، تحالف اليسار (190 إلى 195 مقعداً)، والمعسكر الرئاسي الذي يمثل يمين الوسط (نحو 160 مقعداً)، واليمين المتطرف (143 مقعداً) الذي حل ثالثاً مع تحقيقه اختراقاً تاريخياً، علماً بأنه لا يمكن تشكيل حكومة من دون تأييد ما لا يقل عن 289 نائباً.

ويؤيد العديد من شخصيات اليمين والوسط خيار ماكرون، على غرار رئيس مجلس الشيوخ جيرار لارشيه، المسؤول الثالث في الدولة، الذي دعا إلى أن «تجتاز البلاد المرحلة المهمة التي نستضيف فيها الألعاب الأولمبية»، على أن يتم تشكيل الحكومة الجديدة «مع بداية سبتمبر (أيلول)».

لكن خطابه لم يرق للتكتل اليساري الذي تمثله «الجبهة الشعبية الوطنية»، وخصوصاً أنها حققت مفاجأة بتصدرها النتائج من حيث عدد النواب الفائزين، وتستعجل تطبيق برنامجها.

«لويس السادس عشر في فرساي»

في هذا السياق، اتهم أوليفييه فور، رئيس الحزب الاشتراكي، ماكرون بعدم «احترام تصويت الفرنسيين»، فيما ندد زعيم حزب «فرنسا الأبية» (يسار راديكالي)، جان لوك ميلانشون، بـ«عودة الفيتو الملكي».

من جهتها، دعت نقابة «سي جي تي» النافذة إلى تجمعات في 18 يوليو (تموز) «بهدف ضمان احترام نتيجة الانتخابات»، وفق تعبير رئيستها صوفي بينيه. وأضافت: «ثمة انطباع أننا أمام لويس السادس عشر الذي يغلق على نفسه في قصر فرساي»، في إشارة إلى الملك الذي أعدمته الثورة الفرنسية عام 1793.

وماكرون موجود حتى الخميس في واشنطن للمشاركة في قمة حلف شمال الأطلسي المخصصة للحرب في أوكرانيا، حيث سيجهد لطمأنة حلفائه إلى استمرار السياسة الخارجية لفرنسا في الأشهر المقبلة، على خلفية غالبية عمالية جديدة في بريطانيا، وتساؤلات عن الحالة الصحية للرئيس الأميركي جو بايدن، ومدى قدرته على الفوز في انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) الرئاسية، في مواجهة منافسه دونالد ترمب.

وفي غياب الرئيس، يواجه قادة «الجبهة الشعبية الوطنية» صعوبة في التوافق على اسم يرشحونه لرئاسة الوزراء. وقال الشيوعي فابيان روسيل لصحيفة «ليبيراسيون»: «قلت بوضوح إن صبري بدأ ينفد»، فيما أقرت ساندرين روسو من حزب «الخضر» بـ«أننا نهدر وقتاً طويلاً».

لكن أوساط الأعمال تعبر يومياً عن قلقها حيال برنامج اليسار. وعلى فرنسا أن توفر 25 مليار يورو في 2024 لإنهاض ماليتها العامة، وفق ما أعلن وزير الاقتصاد والمال برونو لومير.

من جهته، دعا محافظ بنك فرنسا إلى «الاعتراف بمتطلبات الواقع»، وتجنب «الإفراط في أكلاف الرواتب» بالنسبة إلى الشركات.

في الوقت نفسه، يطرح معسكر ماكرون سيناريوهات عدة للاحتفاظ بالسلطة. ويعول نواب في حزبه على «تحالفات تقوم على برامج»، ضمن «ائتلاف يبدأ بالاشتراكيين الديمقراطيين وصولاً إلى يمين الحكومة».

أما اليمين المتطرف فعزا هزيمته إلى «حاجز جمهوري» أقامه اليسار والوسط واليمين في الدورة الثانية من الانتخابات التشريعية لإبعاده من السلطة. لكن زعيمته مارين لوبان لا تزال تصوب على الانتخابات الرئاسية المقبلة في 2027 بعد ثلاث هزائم منذ 2012.

ورأى رئيس «التجمع الوطني» جوردان بارديلا أن الرسالة التي وجهها ماكرون تعكس «انعدام مسؤولية»؛ لأنها تقول للجميع «تدبروا أموركم».

ورغم أنه لا يزال يحظى بتأييد البعض، فإن صورة ماكرون تضررت أكثر من أي وقت، وخصوصاً أن معسكره نفسه يأخذ عليه أنه تفرد باتخاذ قرار حل الجمعية الوطنية والدعوة إلى انتخابات مبكرة.

وقال النائب السابق في الغالبية الرئاسية جيل لوجاندر إن «الماكرونية انتهت»، لافتاً إلى أن «الائتلاف الوحيد الموجود اليوم»، هو ذلك الذي «يناهض الرئيس».


مقالات ذات صلة

بايدن وماكرون يناقشان الصراعين في أوكرانيا والشرق الأوسط

الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي جو بايدن مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بقمة دول مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل (أ.ف.ب)

بايدن وماكرون يناقشان الصراعين في أوكرانيا والشرق الأوسط

قال البيت الأبيض إن الرئيس الأميركي جو بايدن ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون ناقشا الصراعين الدائرين في أوكرانيا والشرق الأوسط.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
تحليل إخباري الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً الخميس إلى الكونغرس التشيلي بمناسبة زيارته الرسمية إلى سانتياغو (د.ب.أ)

تحليل إخباري الأسباب التي تدفع إسرائيل لإبعاد فرنسا من لجنة الإشراف على وقف النار مع «حزب الله»

لبنان: الأوراق المتاحة لفرنسا للرد على إسرائيل لإزاحتها من مساعي الحل ولجنة الإشراف على وقف النار .

ميشال أبونجم (باريس)
أوروبا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً في ريو دي جانيرو (د.ب.أ)

ماكرون يندد بموقف روسيا «التصعيدي» إزاء أوكرانيا ويدعو بوتين «للتعقّل»

ندّد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الثلاثاء، بموقف روسيا «التصعيدي» في الحرب في أوكرانيا، داعياً الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى «التعقّل».

«الشرق الأوسط» (ريو دي جانيرو)
أوروبا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في بوينس أيرس (أ.ف.ب)

ماكرون: بوتين «لا يريد السلام» في أوكرانيا

أوضح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن نظيره الروسي فلاديمير بوتين «لا يريد السلام» مع كييف و«ليس مستعداً للتفاوض».

«الشرق الأوسط» (بوينس أيرس)
أوروبا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (رويترز)

«الإليزيه»: ماكرون يزور السعودية بين 2 و4 ديسمبر القادم

يزور الرئيس إيمانويل ماكرون السعودية في الفترة بين الثاني والرابع من ديسمبر المقبل، حسبما أعلن قصر الإليزيه.

«الشرق الأوسط» (باريس)

ماذا نعرف عن الصاروخ «أوريشنيك» الذي أطلقته روسيا على أوكرانيا؟

TT

ماذا نعرف عن الصاروخ «أوريشنيك» الذي أطلقته روسيا على أوكرانيا؟

صورة نشرتها مؤسسة أوكرانية تُظهر لحظة الهجوم بالصاروخ الباليستي الروسي على مدينة دنيبرو الأوكرانية (أ.ف.ب)
صورة نشرتها مؤسسة أوكرانية تُظهر لحظة الهجوم بالصاروخ الباليستي الروسي على مدينة دنيبرو الأوكرانية (أ.ف.ب)

أشاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الخميس، بإطلاق بلاده صاروخاً جديداً فرط صوتي على مصنع أسلحة أوكراني. وهذا السلاح، غير المعروف حتى الآن، استخدمته روسيا للمرة الأولى ضد أوكرانيا ولتحذير الغرب.

فيما يلي ما نعرفه عن هذا الصاروخ التجريبي الذي أُطلق عليه اسم «أوريشنيك»:

آلاف الكيلومترات

حتى استخدامه يوم الخميس، لم يكن هذا السلاح الجديد معروفاً. ووصفه بوتين بأنه صاروخ باليستي «متوسط المدى»، يمكنه بالتالي بلوغ أهداف يتراوح مداها بين 3000 و5500 كيلومتر، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

صاروخ «يارس» الباليستي الروسي قبل إطلاقه (لقطة من فيديو لوزارة الدفاع الروسية)

وحسب الرئيس الروسي، فإن إطلاق الصاروخ كان بمثابة تجربة في الظروف القتالية؛ مما يعني أن هذا السلاح لا يزال قيد التطوير. ولم يعطِ أي إشارة إلى عدد الأنظمة الموجودة، لكنه هدّد بإعادة استخدامه.

تبلغ المسافة بين منطقة أستراخان الروسية التي أُطلق منها صاروخ «أوريشنيك»، الخميس، حسب كييف، ومصنع تصنيع الأقمار الاصطناعية بيفدينماش الذي أصابه الصاروخ في دنيبرو (وسط شرق أوكرانيا)، تقريباً 1000 كيلومتر.

وإذا كان لا يدخل ضمن فئة الصواريخ العابرة للقارات (التي يزيد مداها على 5500 كيلومتر) يمكن لـ«أوريشنيك» إذا أُطلق من الشرق الأقصى الروسي نظرياً أن يضرب أهدافاً على الساحل الغربي للولايات المتحدة.

وقال الباحث في معهد الأمم المتحدة لأبحاث نزع السلاح (Unidir) في جنيف، بافيل بودفيغ، في مقابلة مع وسيلة الإعلام «أوستوروزنو نوفوستي»، إن «(أوريشنيك) يمكنه (أيضاً) أن يهدّد أوروبا بأكملها تقريباً».

وحتى عام 2019 لم يكن بوسع روسيا والولايات المتحدة نشر مثل هذه الصواريخ بموجب معاهدة القوى النووية متوسطة المدى الموقّعة في عام 1987 خلال الحرب الباردة.

لكن في عام 2019 سحب دونالد ترمب واشنطن من هذا النص، متهماً موسكو بانتهاكه؛ مما فتح الطريق أمام سباق تسلح جديد.

3 كلم في الثانية

أوضحت نائبة المتحدث باسم «البنتاغون»، سابرينا سينغ، للصحافة، الخميس، أن «(أوريشنيك) يعتمد على النموذج الروسي للصاروخ الباليستي العابر للقارات RS - 26 Roubej» (المشتق نفسه من RS - 24 Yars).

وقال الخبير العسكري إيان ماتفييف، على تطبيق «تلغرام»، إن «هذا النظام مكلف كثيراً، ولا يتم إنتاجه بكميات كبيرة»، مؤكداً أن الصاروخ يمكن أن يحمل شحنة متفجرة تزن «عدة أطنان».

في عام 2018، تم تجميد برنامج التسليح «RS - 26 Roubej»، الذي يعود أول اختبار ناجح له إلى عام 2012، حسب وكالة «تاس» الحكومية، بسبب عدم توفر الوسائل اللازمة لتنفيذ هذا المشروع «بالتزامن» مع تطوير الجيل الجديد من أنظمة «Avangard» التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، ويُفترض أنها قادرة على الوصول إلى هدف في أي مكان في العالم تقريباً.

صاروخ «يارس» الباليستي الروسي على متن شاحنة مدولبة (لقطة من فيديو لوزارة الدفاع الروسية)

حسب بوتين فإن الصاروخ «أوريشنيك» «في تكوينه غير النووي الذي تفوق سرعته سرعة الصوت» يمكن أن تصل سرعته إلى 10 ماخ، «أو 2.5 إلى 3 كيلومترات في الثانية» (نحو 12350 كلم في الساعة). وأضاف: «لا توجد أي طريقة اليوم للتصدي لمثل هذه الأسلحة».

عدة رؤوس

أخيراً، سيتم تجهيز «أوريشنيك» أيضاً بشحنات قابلة للمناورة في الهواء؛ مما يزيد من صعوبة اعتراضه.

وشدد بوتين على أن «أنظمة الدفاع الجوي المتوفرة حالياً في العالم، وأنظمة الدفاع الصاروخي التي نصبها الأميركيون في أوروبا، لا تعترض هذه الصواريخ. هذا مستبعد».

وأظهر مقطع فيديو للإطلاق الروسي نُشر على شبكات التواصل الاجتماعي، ست ومضات قوية متتالية تسقط من السماء وقت الهجوم، في إشارة -حسب الخبراء- إلى أن الصاروخ يحمل ست شحنات على الأقل. يقوم هذا على تجهيز صاروخ بعدة رؤوس حربية، نووية أو تقليدية، يتبع كل منها مساراً مستقلاً عند دخوله الغلاف الجوي.