ماكرون يدعو القوى السياسية الفرنسية للعمل معاً لبناء غالبية نيابية صلبة

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أ.ف.ب)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أ.ف.ب)
TT

ماكرون يدعو القوى السياسية الفرنسية للعمل معاً لبناء غالبية نيابية صلبة

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أ.ف.ب)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أ.ف.ب)

بعد 3 أيام من الانتخابات التشريعية الفرنسية التي أغرقت فرنسا في مجهول سياسي، خرج الرئيس إيمانويل ماكرون عن صمته قائلاً إن «أحداً لم يفز»، داعياً إلى «بناء غالبية صلبة تكون بالضرورة ذات تعددية».

وفي رسالة إلى الفرنسيين، نشرتها صحف محلية، اليوم (الأربعاء)، قال: «لم تحصل أي قوة سياسية على غالبية كافية بمفردها، والكتل والائتلافات التي ستنبثق من هذه الانتخابات كلها أقليات».ودعا «جميع القوى السياسية في مؤسسات الجمهورية ودولة القانون والحكم البرلماني (...) إلى الانخراط في حوار صادق ومخلص لبناء غالبية صلبة تكون بالضرورة ذات تعددية».

وأضاف ماكرون، الذي يشارك في واشنطن في قمة لحلف شمال الأطلسي (ناتو): «يجب أن تُبنى هذه الغالبية حول بعض المبادئ الرئيسية للبلد والقيم الجمهورية الواضحة والمشتركة ومشروع عملي وفهمه سهل». وتابع: «سأسمّي رئيساً للحكومة في ضوء هذه المبادئ»، مؤكداً أن ذلك سيحصل حين «تبني» القوى السياسية «تسويات». وأوضح: «حتى ذلك الحين، ستواصل الحكومة الحالية ممارسة مسؤولياتها، ثم ستكون مسؤولة عن تصريف الأعمال كما جرت العادة الجمهورية»، في وقت تستعد فرنسا لاستضافة الألعاب الأولمبية في أقل من 3 أسابيع.

سبعة من عشرة «غير راضين»

وحاول معسكر ماكرون، اليوم، إيجاد بديل من اليسار لتسلم الحكم عبر التوجّه إلى اليمين المتردّد، فيما دخل نواب التجمع الوطني اليميني المتطرف، الذي حلّ ثالثاً في الانتخابات التشريعية الوطنية، إلى مقر مجلس النواب واضعين الاقتراع الرئاسي في 2027 نصب أعينهم.

ورغم تشكيل «جبهة جمهورية» صمدت أكثر مما كان متوقعاً في الدورة الثانية من الانتخابات التشريعية الأحد، حصل «التجمع الوطني» مع حلفائه على 143 نائباً، سيكون ما لا يقل عن 123 منهم ضمن مجموعة التجمع الوطني، التي ترأسها مارين لوبن.

وحقّق الحزب اليميني المتطرف تقدماً واضحاً، مقارنة بالانتخابات التشريعية السابقة في 2022 عندما نال 89 نائباً إلا أنه يبقى بعيداً عن الغالبية المطلقة التي كان يأمل بتحقيقها بعد نتائج الدورة الأولى في 30 يونيو (حزيران).

وبعدما وقفت كل الأحزاب الأخرى في وجهه، يبقى «التجمع الوطني» خارج المداولات الدائرة لاختيار رئيس للوزراء وتشكيل الحكومة. وسيكون تالياً في صفوف المعارضة.

ويهيمن على هذه المداولات النقاش الدائر في صفوف اليسار حول الشخصية الفضلى لمنصب رئيس الوزراء. وتصدرت «الجبهة الشعبية الجديدة»، المؤلفة من اليسار والمدافعين عن البيئة، الانتخابات من دون تحقيق الغالبية المطلقة. وترى تالياً أن عليها اختيار رئيس الحكومة.

وسيكون للكتلة اليسارية 190 إلى 195 مقعداً، أي أقل بنحو 100 نائب عن الغالبية المطلقة، لكنها تؤكد أنها قادرة على حصد تأييد غالبية من النواب على مشاريع محددة. وشدّدت على أنها ستطبق برنامج الجبهة الشعبية الجديدة.

وفيما يعتزم اليسار اقتراح رئيس للوزراء على ماكرون، يعرب قسم كبير من المعسكر الرئاسي عن رفضه لذلك. وقالت وزيرة المساواة الاجتماعية، أورور بيرجيه، التي أُعيد انتخابها نائبة الأحد: «نحن أكثر من 160 بقليل اليوم (...) وأسمع نواباً من الجمهوريين واليمين ويمين الوسط واليسار، يقولون إنهم مستعدون للانضمام إلينا، ما يعني أننا سنتمكّن من التفوق عددياً على الكتلة اليسارية».

من جهته، دعا الرئيس المنتهية ولايته لنواب المعسكر الرئاسي، سيلفان مايار، إلى «اجتماع جماعي»، اليوم، للبحث في «النواب الذين يمكن» ضمّهم إلى كتلة الوسط.

وسبق لفرنسا أن شهدت 3 حكومات تتعايش بين رئيس للجمهورية ورئيس للوزراء من معسكرين مختلفين، لكنها تواجه اليوم جمعية وطنية مشرذمة بين 3 كتل رئيسية من دون غالبية مطلقة.

وبحسب استطلاع للرأي، نُشر اليوم، فإن 7 فرنسيين من 10 «ليسوا راضين» عن التشكيلة الجديدة للجمعية الوطنية.

«المستنقع»

جرياً على العادة منذ عام 2022، يتطلّع المعسكر الرئاسي بشكل أساسي إلى اليمين للبحث عن حلفاء. وقال وزير الداخلية جيرالد دارمانان: «من الممكن أن يكون هناك رئيس وزراء يميني، وهذا لن يزعجني على الإطلاق». ويؤيد عدد كبير من النواب هذا التوجه، إذ يريدون أن يتجنبوا «بأي ثمن» حكومة تضمّ أعضاء من حزب فرنسا الأبية.

مساء الثلاثاء، دعا رئيس الوزراء الأسبق إدوار فيليب (يمين وسط) إلى توقيع «اتفاق فني» مع حزب الجمهوريين يهدف إلى «تطوير وإدارة شؤون البلد لمدة سنة على الأقلّ».

وبعدما أبدوا عدم مرونة حيال فرضية تشكيل ائتلاف، يبدو أن بعض قادة اليمين بدأوا ينفتحون تدريجياً على الفكرة ويطالبون بتعيين رئيس وزراء من معسكرهم على رأس «حكومة وحدة».

لكن في ظلّ المفاوضات، اتهم منسق حزب فرنسا الأبية، مانويل بومبار، الرئيس الفرنسي بـ«زيادة المناورات» لـ«خطف نتائج» الانتخابات التشريعية. والمعركة مستعرة بين التشكيلين الرئيسيين في الجبهة الشعبية الجديدة، أي «فرنسا الأبية» و«الحزب الاشتراكي».

وأمام هذه الاضطرابات، ندّدت مارين لوبن لدى دخولها مقر الجمعية الوطنية بـ«المستنقع» الذي أعقب الانتخابات التشريعية المبكرة.

وقالت لوبن: «حرمتنا بعض المناورات، ولا سيّما الانسحابات الجماعية (بعد الدورة الأولى من الانتخابات التشريعية) من الغالبية المطلقة. هذا مجرّد تأجيل (لفوزنا)».

بعد ذلك، اجتمع رئيس حزب «التجمع الوطني» جوردان بارديلا (28 عاماً) بنواب الكتلة، وطلب منهم ولاية «لا غبار عليها»، مضيفاً: «ستكون مسؤوليتكم (...) زيادة مصداقية مشروعنا».


مقالات ذات صلة

انقسامات اليسار الفرنسي تتعمق وتخدم مصالح ماكرون

أوروبا غابرييل أتال رئيس الحكومة الفرنسية المستقيل (إ.ب.أ)

انقسامات اليسار الفرنسي تتعمق وتخدم مصالح ماكرون

انقسامات جبهة اليسار تخدم مصالح ماكرون السياسية وتوفر له هامشاً من المناورة لتشكيل «جبهة جمهورية» من غير الأطراف المتشددة.

ميشال أبونجم (باريس)
أوروبا رئيس الوزراء الفرنسي غابرييل أتال 16 يوليو 2024 (أ.ف.ب)

ماكرون يقبل استقالة حكومة أتال... ماذا يعني ذلك؟

قبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون استقالة رئيس الوزراء غابرييل أتال وحكومته هذا اليوم الثلاثاء.

«الشرق الأوسط» (باريس)
أوروبا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء غابرييل أتال (أ.ف.ب)

فرنسا أسيرة جمود برلماني... وأتال يتعهد «حماية» البلاد من المتطرفين

لا تزال أحزاب فرنسا السياسية تسعى إلى كسر الجمود البرلماني الناجم عن الانتخابات غير الحاسمة، في حين تعهد رئيس الوزراء المنتهية ولايته حماية البلاد من المتطرفين.

«الشرق الأوسط» (باريس)
أوروبا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أ.ب)

ماكرون يمنح الأحزاب الفرنسية «وقتاً» واليسار يستعجل الإمساك بزمام الأمور

لا تزال فرنسا منشغلة بمفاوضات ما بعد الانتخابات التشريعية بين ثلاث كتل لا يملك أي منها الغالبية المطلقة.

«الشرق الأوسط» (باريس)
أوروبا السكرتير الأول للحزب الاشتراكي اليساري الفرنسي أوليفييه فور (يمين) يلقي كلمة بعد الإعلان عن النتائج الأولية للانتخابات (أ.ف.ب)

فرنسا: انقسام في المعسكر اليساري حول اختيار رئيس الوزراء

يسعى الائتلاف اليساري الواسع، الذي وحّد صفوفه لهزيمة اليمين المتطرف في فرنسا، جاهداً لاختيار مرشح لرئاسة الوزراء.

«الشرق الأوسط» (باريس)

لندن: موسكو تعتزم منع هجرة المجندين المحتملين

روسيا تجنّد 250 ألف مجند كل عام ويتعين عليهم أداء الخدمة العسكرية لمدة سنة (رويترز)
روسيا تجنّد 250 ألف مجند كل عام ويتعين عليهم أداء الخدمة العسكرية لمدة سنة (رويترز)
TT

لندن: موسكو تعتزم منع هجرة المجندين المحتملين

روسيا تجنّد 250 ألف مجند كل عام ويتعين عليهم أداء الخدمة العسكرية لمدة سنة (رويترز)
روسيا تجنّد 250 ألف مجند كل عام ويتعين عليهم أداء الخدمة العسكرية لمدة سنة (رويترز)

أعلنت وزارة الدفاع البريطانية أن الكرملين يستعد لمنع المجندين المحتملين من مغادرة روسيا.

وفي تحديثها اليومي الخاص بالحرب في أوكرانيا، اليوم (الثلاثاء)، أشارت وزارة الدفاع البريطانية إلى تقرير لمؤسسة «ميدوسا» الإعلامية الروسية المستقلة. وأشار التقرير إلى أن وزارة الدفاع الروسية تتعاون مع جهاز الاستخبارات الروسية لتطوير نظام لتبادل المعلومات بشأن المجندين المحتملين.

ومن المتوقع أن يبدأ تشغيل النظام قبل بدء عام التجنيد في الخريف.

يذكر أن روسيا تقوم بتجنيد 250 ألفاً كل عام، يتعين عليهم أداء الخدمة العسكرية لمدة 12 شهراً. وقد فر مئات الآلاف من الشباب الذين تلقوا تعليماً جيداً بعد الإعلان عن حملة تعبئة جزئية في عام 2022.

وتنشر وزارة الدفاع البريطانية بشكل منتظم معلومات بشأن مسار الحرب بناء على معلومات استخباراتية منذ بدء الحرب الروسية ضد أوكرانيا في فبراير (شباط) عام 2022. وتتهم موسكو لندن بنشر معلومات مضللة.

في سياق متصل، أفاد تقرير إعلامي بأن 650 ألف روسي على الأقل سافروا من بلادهم إلى الخارج للإقامة بشكل دائم هناك منذ نشوب الحرب في أوكرانيا.

وذكر موقع «ذا بيل» الإخباري المستقل على الإنترنت، أن معظم اللاجئين هاجروا إلى أرمينيا بواقع 110 آلاف شخص، وكذلك إلى كازاخستان وإسرائيل بواقع 80 ألف شخص لكل دولة من الدولتين. ولا يحتاج المواطنون الروس إلى تأشيرة لدخول هذه الدول.

وتعدّ ألمانيا أيضاً من الدول المفضلة بالنسبة للاجئين الروس، فقد قصدها أكثر من 36 ألف شخص.

ولم تصدر بيانات رسمية من روسيا بشأن عدد الأشخاص الذين غادروا البلاد.

وذكر موقع «ذا بيل» أنه توصل إلى هذه الأرقام استناداً إلى بيانات من سلطات الهجرة. وشملت الحسابات بيانات من أكثر من سبعين دولة مثل أعداد تأشيرات الإقامة الجديدة أو طلبات الحصول على اللجوء.

غير أن الموقع أشار إلى أن هذه البيانات ليست مكتملة؛ نظراً لأن بعض الدول التي يفضل الروس التوجه إليها مثل تايلاند وأذربيجان وقبرص لم تستجب للاستفسارات التي وجهت لها في هذا الشأن.

ومن المرجح أن الروس الذين غادروا بلادهم ليسوا فقط من المعارضين للحرب، بل أيضاً ممن لهم أعمال في دول أخرى ويريدون تجنب العقوبات المفروضة على موسكو.

ويعدّ عدد اللاجئين جراء الحرب الذين لاذوا بالفرار إلى أوروبا محدوداً نسبياً، ويرجع السبب في ذلك جزئياً إلى أن الاتحاد الأوروبي سارع بإغلاق حدوده مع روسيا. ومن بين الدول الأعضاء في الاتحاد، جاءت إسبانيا التي استقبلت أكثر من 16 ألف روسي، وألمانيا ضمن أبرز عشر وجهات للمهاجرين الروس.