بعد 3 أيام من الانتخابات التشريعية الفرنسية التي أغرقت فرنسا في مجهول سياسي، خرج الرئيس إيمانويل ماكرون عن صمته قائلاً إن «أحداً لم يفز»، داعياً إلى «بناء غالبية صلبة تكون بالضرورة ذات تعددية».
وفي رسالة إلى الفرنسيين، نشرتها صحف محلية، اليوم (الأربعاء)، قال: «لم تحصل أي قوة سياسية على غالبية كافية بمفردها، والكتل والائتلافات التي ستنبثق من هذه الانتخابات كلها أقليات».ودعا «جميع القوى السياسية في مؤسسات الجمهورية ودولة القانون والحكم البرلماني (...) إلى الانخراط في حوار صادق ومخلص لبناء غالبية صلبة تكون بالضرورة ذات تعددية».
وأضاف ماكرون، الذي يشارك في واشنطن في قمة لحلف شمال الأطلسي (ناتو): «يجب أن تُبنى هذه الغالبية حول بعض المبادئ الرئيسية للبلد والقيم الجمهورية الواضحة والمشتركة ومشروع عملي وفهمه سهل». وتابع: «سأسمّي رئيساً للحكومة في ضوء هذه المبادئ»، مؤكداً أن ذلك سيحصل حين «تبني» القوى السياسية «تسويات». وأوضح: «حتى ذلك الحين، ستواصل الحكومة الحالية ممارسة مسؤولياتها، ثم ستكون مسؤولة عن تصريف الأعمال كما جرت العادة الجمهورية»، في وقت تستعد فرنسا لاستضافة الألعاب الأولمبية في أقل من 3 أسابيع.
ورغم تشكيل «جبهة جمهورية» صمدت أكثر مما كان متوقعاً في الدورة الثانية من الانتخابات التشريعية الأحد، حصل «التجمع الوطني» مع حلفائه على 143 نائباً، سيكون ما لا يقل عن 123 منهم ضمن مجموعة التجمع الوطني، التي ترأسها مارين لوبن.
وحقّق الحزب اليميني المتطرف تقدماً واضحاً، مقارنة بالانتخابات التشريعية السابقة في 2022 عندما نال 89 نائباً إلا أنه يبقى بعيداً عن الغالبية المطلقة التي كان يأمل بتحقيقها بعد نتائج الدورة الأولى في 30 يونيو (حزيران).
وبعدما وقفت كل الأحزاب الأخرى في وجهه، يبقى «التجمع الوطني» خارج المداولات الدائرة لاختيار رئيس للوزراء وتشكيل الحكومة. وسيكون تالياً في صفوف المعارضة.
ويهيمن على هذه المداولات النقاش الدائر في صفوف اليسار حول الشخصية الفضلى لمنصب رئيس الوزراء. وتصدرت «الجبهة الشعبية الجديدة»، المؤلفة من اليسار والمدافعين عن البيئة، الانتخابات من دون تحقيق الغالبية المطلقة. وترى تالياً أن عليها اختيار رئيس الحكومة.
وسيكون للكتلة اليسارية 190 إلى 195 مقعداً، أي أقل بنحو 100 نائب عن الغالبية المطلقة، لكنها تؤكد أنها قادرة على حصد تأييد غالبية من النواب على مشاريع محددة. وشدّدت على أنها ستطبق برنامج الجبهة الشعبية الجديدة.
وفيما يعتزم اليسار اقتراح رئيس للوزراء على ماكرون، يعرب قسم كبير من المعسكر الرئاسي عن رفضه لذلك. وقالت وزيرة المساواة الاجتماعية، أورور بيرجيه، التي أُعيد انتخابها نائبة الأحد: «نحن أكثر من 160 بقليل اليوم (...) وأسمع نواباً من الجمهوريين واليمين ويمين الوسط واليسار، يقولون إنهم مستعدون للانضمام إلينا، ما يعني أننا سنتمكّن من التفوق عددياً على الكتلة اليسارية».
من جهته، دعا الرئيس المنتهية ولايته لنواب المعسكر الرئاسي، سيلفان مايار، إلى «اجتماع جماعي»، اليوم، للبحث في «النواب الذين يمكن» ضمّهم إلى كتلة الوسط.
وسبق لفرنسا أن شهدت 3 حكومات تتعايش بين رئيس للجمهورية ورئيس للوزراء من معسكرين مختلفين، لكنها تواجه اليوم جمعية وطنية مشرذمة بين 3 كتل رئيسية من دون غالبية مطلقة.
وبحسب استطلاع للرأي، نُشر اليوم، فإن 7 فرنسيين من 10 «ليسوا راضين» عن التشكيلة الجديدة للجمعية الوطنية.
مساء الثلاثاء، دعا رئيس الوزراء الأسبق إدوار فيليب (يمين وسط) إلى توقيع «اتفاق فني» مع حزب الجمهوريين يهدف إلى «تطوير وإدارة شؤون البلد لمدة سنة على الأقلّ».
وبعدما أبدوا عدم مرونة حيال فرضية تشكيل ائتلاف، يبدو أن بعض قادة اليمين بدأوا ينفتحون تدريجياً على الفكرة ويطالبون بتعيين رئيس وزراء من معسكرهم على رأس «حكومة وحدة».
لكن في ظلّ المفاوضات، اتهم منسق حزب فرنسا الأبية، مانويل بومبار، الرئيس الفرنسي بـ«زيادة المناورات» لـ«خطف نتائج» الانتخابات التشريعية. والمعركة مستعرة بين التشكيلين الرئيسيين في الجبهة الشعبية الجديدة، أي «فرنسا الأبية» و«الحزب الاشتراكي».
وأمام هذه الاضطرابات، ندّدت مارين لوبن لدى دخولها مقر الجمعية الوطنية بـ«المستنقع» الذي أعقب الانتخابات التشريعية المبكرة.
وقالت لوبن: «حرمتنا بعض المناورات، ولا سيّما الانسحابات الجماعية (بعد الدورة الأولى من الانتخابات التشريعية) من الغالبية المطلقة. هذا مجرّد تأجيل (لفوزنا)».
بعد ذلك، اجتمع رئيس حزب «التجمع الوطني» جوردان بارديلا (28 عاماً) بنواب الكتلة، وطلب منهم ولاية «لا غبار عليها»، مضيفاً: «ستكون مسؤوليتكم (...) زيادة مصداقية مشروعنا».