معسكر ماكرون يراهن على انفجار تحالف اليسار لاجتذاب الاشتراكيين والخضر

تحقيق قضائي جديد بحق مارين لوبان بتهمة تمويل غير قانوني لحملتها الرئاسية

جان لوك ميلونشون زعيم حزب «فرنسا الأبية» اليساري المتشدد متحدثاً مساء الأحد الماضي بعد الإعلان عن نتائج الدورة الثانية للانتخابات البرلمانية (إ.ب.أ)
جان لوك ميلونشون زعيم حزب «فرنسا الأبية» اليساري المتشدد متحدثاً مساء الأحد الماضي بعد الإعلان عن نتائج الدورة الثانية للانتخابات البرلمانية (إ.ب.أ)
TT

معسكر ماكرون يراهن على انفجار تحالف اليسار لاجتذاب الاشتراكيين والخضر

جان لوك ميلونشون زعيم حزب «فرنسا الأبية» اليساري المتشدد متحدثاً مساء الأحد الماضي بعد الإعلان عن نتائج الدورة الثانية للانتخابات البرلمانية (إ.ب.أ)
جان لوك ميلونشون زعيم حزب «فرنسا الأبية» اليساري المتشدد متحدثاً مساء الأحد الماضي بعد الإعلان عن نتائج الدورة الثانية للانتخابات البرلمانية (إ.ب.أ)

لا أحد يعرف اليوم في فرنسا أو خارجها كيف ستنتهي الأزمة السياسية، التي تسبب بها الرئيس إيمانويل ماكرون عندما أفتى بحل البرلمان والدعوة إلى انتخابات جديدة الغرض منها «توضيح» المشهد السياسي في البلاد. ذلك أن نتائجها أفضت إلى قيام 3 مجموعات في البرلمان الجديد؛ تتقدمها «الجبهة الشعبية الجديدة» المشكلة من تحالف أحزاب اليسار والخضر، ويليها «ائتلاف الوسط» الذي يشمل الأحزاب الداعمة للرئيس ماكرون وعهده، بينما تتشكل المجموعة الرئيسية الثالثة من اليمين المتطرف ممثلاً بحزب «التجمع الوطني».

ماكرون وزمن المساومات

حقيقة الأمر أن النتائج النهائية أوقعت فرنسا في مشكلة حقيقية سببها فشل المجموعات الثلاث وحلفائها في فوز أي منها بالأكثرية المطلقة في البرلمان، ولن يكون أي طرف قادراً على الانفراد بالسلطة، والزمن الذي كان ماكرون قادراً خلاله على المجيء بالحكومة التي يريد والتي تتوافق مع مشروعاته ومواقفه قد انتهى، ليحل محله زمن المساومات والتنازلات.

الرئيس ماكرون وقرينته بريجيت يغادران مركز الاقتراع في منتجع «لو توكيه» بعد قيامهما بواجبهما الانتخابي الأحد الماضي (أ.ب)

تبين القراءة الموضوعية أن صيغة الحكومة الائتلافية لا يمكن أن تتحقق إلا بين المعسكر الماكروني وجبهة اليسار. والحال أن ثمة خلافات عميقة داخل كل منهما. فمن جهة، يرى جيرالد دارمانان، وزير الداخلية، أن فرنسا «تميل يميناً، وبالتالي يتعين أن يحكمها اليمين»، وهو يدعو للتحالف بين ائتلاف الوسط ونواب حزب «الجمهوريون» اليميني التقليدي الذي حصل على 63 نائباً. لكن هذا التحالف لن يوفر الأكثرية المطلقة المكونة من 289 نائباً، وبالتالي قد تسقط هذه الحكومة في البرلمان خلال أول اختبار. ويواجه اقتراح دارمانان صعوبة كبرى أخرى؛ إذ إن رئيس «الجمهوريون» الأسبق لوران فوكييز، الذي يعد الرجل القوي في الحزب، يرفض قطعاً التحالف مع ائتلاف الوسط.

أما التحالف مع اليسار فيواجه عقبة كبرى؛ إذ إن الماكرونيين الذين خسروا 89 نائباً في المجلس الجديد ما زالوا يتصرفون كأسياد الموقف، حيث إنهم لا يعارضون انضمام الاشتراكيين والخضر، وحتى الشيوعيين، لكنهم يرفضون بالإطلاق انضمام حزب «فرنسا الأبية» الذي ينفي أصلاً أي إمكانية للعمل معهم، ويطالب بأن تكون السلطة لليسار وحده. بيد أن تسريبات تفيد بأن ماكرون شخصياً ومعسكره ينتظران أن ينفجر تحالف اليسار والخضر، وأن ثمة إمكانية لاحقاً لاجتذاب عدد من نوابه للوصول إلى الأكثرية المطلوبة.

أوليفيه فور (في الوسط) الأمين العام للحزب الاشتراكي الفرنسي يعرض خدماته لترؤس الحكومة المقبلة (رويترز)

وثمة صعوبة أمام تحالف الوسط واليسار واليمين؛ إذ إن لكل من مكوناته برنامجه الانتخابي وخطوطه الحمر في السياستين الداخلية والخارجية، وبالتالي من الصعوبة بمكان توصلهم إلى برنامج حكم مشترك حتى في صيغة حده الأدنى. وفي حال فشلت كل المحاولات، فإن المرجح أن يلجأ ماكرون إلى تكليف شخصية محايدة برئاسة حكومة غير سياسية تعمل على مشروعات محددة ووفق برنامج متفق عليه، بانتظار أن تتاح له مجدداً، بعد عام، فرصة حل البرلمان.

التطور المهم أمس جاء من أوليفيه فور، الأمين العام للحزب الاشتراكي، الذي سارع لعرض خدماته الحكومية، بينما «الجبهة الشعبية الجديدة» التي ينتمي إليها تعقد اجتماعات متتالية للتفاهم على اسم مرشح من داخلها تعرضه على رئيس الجمهورية. وقال فور أمس: «نحن في وضع تاريخي حقاً، حيث يشعر الشعب الفرنسي بالقلق والاضطراب من وضعٍ حيث الحرب على عتبة بابنا، والأزمات واحدة تلو الأخرى، وحيث على الجميع أن يعرف كيف يتحمل المسؤولية. في تاريخ الاشتراكيين، كل الذين سبقوني في المنصب الذي أشغله اليوم فعلوا ذلك بدافع الشعور بالواجب والرغبة في خدمة البلاد. لذلك أنا على استعداد للقيام بذلك في ظل الظروف نفسها». بيد أن عرضه مشروط؛ إذ طلب أن يتم التفاهم «من خلال الحوار مع شركائنا»، مؤكداً رفضه «أن يفرض أي شخص وجهة نظره على أي شخص».

مارين لوبن، زعيمة اليمين المتطرف تواجه، الى جانب الهزيمة الإنتخابية، القضاء في اتهامات جدية تتناول مصاريف حملتها الرئاسية للعام 2022 التي خسرتها بمواجهة الرئيس ماكرون

لوبان وصداع التحقيق القضائي

لم تكفِ مارين لوبان هزيمة الأحد، بل جاء التحقيق القضائي لحملتها الرئاسية عام 2022 ليزيد متاعبها. فقد أعلنت النيابة العامة أنه بعد تحقيق أولي حول تمويل غير مشروع لحملتها الرئاسية الأخيرة التي واجهت فيها ماكرون، فتح تحقيق قضائي بحق لوبان في 2 يوليو (تموز). ووفق تقرير للقناة الإخبارية «بي أف أم»، فإن التحقيق يتناول «قبول قرض من شخص معنوي (أي شركة) لمرشح (لوبان) خلال حملة انتخابية، وقبول مرشح خلال حملة انتخابية قرضاً من شخص معنوي، واختلاس أملاك من قبل أشخاص يمارسون وظيفة عامة، واحتيالاً ارتكب بحق شخص عام، وتزوير وثائق واستخدام وثائق مزورة».

وقد عهد بالتحقيق إلى الوحدة المالية في الشرطة القضائية الباريسية، وهو متواصل بإدارة مدّعٍ عام محقق.

وليست هذه القضية الوحيدة التي ستلاحق لوبان وحزبها، وتزيد من متاعبها القضائية إن في باريس أو بروكسل. وأفادت «وكالة الصحافة الفرنسية» بأن لوبان سوف تمثل أمام المحكمة في بروكسل مع 24 شخصاً من موظفي حزبها ومعاونيها، بتهمة اختلاس أموال أوروبية بمئات آلاف اليوروات لدفع رواتب مساعدي نواب أوروبيين من حزبها بين 2004 و2016. وقبل شهر واحد، صادقت محكمة التمييز بصورة مبرمة على إدانة «التجمع الوطني» بسبب تضخيم تكلفة اللوازم الانتخابية عام 2012، التي سددتها الدولة الفرنسية. وفي 2017، رفضت اللجنة الوطنية لحسابات الحملات الانتخابية المصادقة على 873 ألفاً و576 يورو من نفقات لوبان الرئاسية.


مقالات ذات صلة

منظمات تونسية ودولية تطالب باحترام «التعددية» في الانتخابات الرئاسية

شمال افريقيا فاروق بوعسكر يترأس اجتماعاً لهيئة الانتخابات التونسية (الهيئة)

منظمات تونسية ودولية تطالب باحترام «التعددية» في الانتخابات الرئاسية

طالبت 26 منظمة تونسية ودولية، وحوالي مائتي شخصية، في بيان مشترك، باحترام «التعددية» خلال الانتخابات الرئاسية وتطبيق القرارات الإدارية لإعادة قبول المرشحين.

«الشرق الأوسط» (تونس)
أميركا اللاتينية إدموندو غونزاليس مع زعيمة المعارضة ماريا كورينا ماتشادو (أ.ف.ب)

كاراكاس تنتقل من الدفاع عن «فوز» مادورو إلى شن هجوم واسع على قادة المعارضة

بعد مضي شهر على الانتخابات الرئاسية الفنزويلية التي ما زالت نتائجها موضع خلاف عميق، وقد تسببت في أزمة تهدد بانفجار اجتماعي جديد.

شوقي الريّس (مدريد)
الولايات المتحدة​ الأميركية كريستال غرير تلتقط صورة شخصية في تعاونية كينكت بعد فعالية فحص صحة الناخبين في 17 أغسطس 2024 في أتلانتا - جورجيا بالولايات المتحدة (أ.ف.ب)

السود في ولاية جورجيا مفتاح فوز انتخابي إذا أقبلوا على الاقتراع

تحتاج الديمقراطية كامالا هاريس إلى استقطاب الناخبين الشباب السود مثل جوليان روبرتس، إذا أرادت تحقيق الفوز في جورجيا بالانتخابات الرئاسية.

أوروبا رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر (رويترز)

ستارمر: هاريس غيّرت حملة الانتخابات الرئاسية «بشكل عميق»

اعتبر رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر أن حلول كامالا هاريس مكان جو بايدن مرشحة عن الحزب الديمقراطي قد «غيّر بشكل عميق» حملة انتخابات الرئاسة الأميركية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
أميركا اللاتينية المعارض الفنزويلي إدموندو غونزاليس أوروتيا في كاراكاس فنزويلا - 23 مايو 2024 (أ.ف.ب)

مرشح المعارضة الفنزويلية لانتخابات الرئاسة مهدد بالسجن

بات مرشح المعارضة الفنزويلية إدموندو غونزاليس أوروتيا الذي يدعي الفوز على نيكولاس مادورو في الانتخابات الرئاسية مهدداً بالاعتقال إذا لم يمثل أمام القضاء.

«الشرق الأوسط» (كاراكاس)

«أبتي علاء دينوف» أبرز المعلقين العسكريين على هجوم كورسك

القائد العسكري الشيشاني أبتي علاء دينوف (لقطة من فيديو)
القائد العسكري الشيشاني أبتي علاء دينوف (لقطة من فيديو)
TT

«أبتي علاء دينوف» أبرز المعلقين العسكريين على هجوم كورسك

القائد العسكري الشيشاني أبتي علاء دينوف (لقطة من فيديو)
القائد العسكري الشيشاني أبتي علاء دينوف (لقطة من فيديو)

بات القائد العسكري الشيشاني أبتي علاء الدينوف وجهاً مألوفاً للروس على شبكات التواصل الاجتماعي، حيث يطل عليهم معتمراً خوذة أو قبعة عسكرية ليقدم أخباراً إيجابية دائماً حول سير المعارك ضد القوات الأوكرانية المتوغلة في منطقة كورسك.

وقال في اليوم الأول من هذا الهجوم المباغت عبر الحدود في مطلع أغسطس (آب): «فلنهدأ، ونتناول بعض الفشار، ونشاهد بهدوء رجالنا وهم يدمرون العدو».

بعد ثلاثة أسابيع من بدء العملية، يفضّل كبار ضباط الجيش الروسي التزام الصمت بسبب عدم قدرتهم على صد القوات الأوكرانية.

القائد العسكري الشيشاني أبتي علاء دينوف (لقطة من فيديو)

ويملأ أبتي علاء الدينوف (50 عاماً) هذا الفراغ عبر نشر مقاطع فيديو بشكل منتظم يبدو أنه تم تصويرها قرب الجبهة.

يبلغ عدد متابعي العسكري الشيشاني 275 ألف مشترك على تطبيق «تلغرام»، ما يجعله بعيداً عن أن يكون نجماً على الإنترنت، لكن مداخلاته تنقلها وسائل الإعلام الروسية، وخصوصا التلفزيون.

يرأس أبتي علاء الدينوف «قوات أحمد» الشيشانية المشكلة من قوات خاصة، وقد أرسل الرئيس الشيشاني رمضان قديروف العديد من عناصرها للقتال في أوكرانيا.

وبالاعتماد على وضعه العسكري، يسعى إلى طمأنة الروس من خلال التأكيد أن «العدو أوقف تقريباً» أو أن الوضع «يستقر»، بينما يواصل الأوكرانيون التقدم.

كما ادعى مؤخراً أن الحرب في أوكرانيا ستنتهي في غضون شهرين إلى ثلاثة أشهر.

«الكرملين يحركه»

يتعجب الصحافي تيخون دزيادكو من وسيلة الإعلام الروسية المستقلة «دوزد»، لبروز أبتي علاء الدينوف.

وكتب على «تلغرام»: «جزء من روسيا تحت سيطرة دولة أخرى (...) والمعلق الرئيسي على ما يحدث في منطقة كورسك هو هذه الشخصية المضحكة علاء الدينوف».

وأكد خبراء لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» أن مثل هذا الحضور الإعلامي يحظى بالضرورة بموافقة السلطات العليا.

تقول سارة أوتس، المتخصصة في الدعاية الروسية في الجامعة الأميركية في ميريلاند: «أنا مقتنعة بأن الكرملين هو الذي يحركه».

ويرى جورجي بوفت، المحلل السياسي المقيم في موسكو، أنه «من الواضح أنه ينال رضا القادة حتى الآن».

ويبدو أن أبتي علاء الدينوف يحظى على غرار رمضان قديروف بقدر غير عادي من حرية التعبير، حتى إن مراقبين قدموه خليفة محتملاً للزعيم الشيشاني الذي يشاع أنه يعاني مشكلات صحية.

القائد العسكري الشيشاني أبتي علاء دينوف (لقطة من فيديو)

عندما أعربت عائلات عن قلقها من تعبئة أبنائها البالغين 18 عاماً للقتال ضد الجيش الأوكراني، وهو موضوع حساس للغاية في روسيا، لم يُظهر أبتي علاء الدينوف أي تعاطف معها.

وقال في مقطع فيديو إنه إذا كان هؤلاء الشباب «لا يدافعون عن الوطن (...) فلماذا يحتاج وطنكم إليكم وإلى أطفالكم؟».

«جيش تيك توك»

يتناقض الأسلوب الواقعي والتقني البحت للمتحدث الرسمي باسم وزارة الدفاع الروسية، إيغور كوناشينكوف، بشكل جذري، مع أسلوب أبتي علاء الدينوف.

ويعتقد جورجي بوفت أن الأخير «يقدم المعلومات بطريقة أكثر عاطفية، ربما يكون من الأسهل على الجمهور استيعابها».

رئيس الشيشان رمضان قديروف والقائد العسكري الشيشاني أبتي علاء دينوف (قناة دينوف عبر «تلغرام»)

وترى سارة أوتس أن تصريحات أبتي علاء الدينوف التي تصفها بـ«الفجة» تذكر بأسلوب الرئيس فلاديمير بوتين في أيام حكمه الأولى، عندما وعد «بمطاردة الإرهابيين وقتلهم حتى في المراحيض». وتضيف: «أعتقد أنه متحدث فعّال في نشر الدعاية».

نشأ أبتي علاء الدينوف في منطقة ستافروبول في جنوب روسيا. وقُتل والده وأحد إخوته في الشيشان التي شهدت حربين ضد القوات الاتحادية الروسية في التسعينات والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

وأصبح فيما بعد قائد الشرطة الشيشانية ونائب وزير الداخلية.

وقد فرضت دول عدة عقوبات عليه، من بينها الولايات المتحدة، بتهمة الخطف والتعذيب.

كتبت صحيفة «نوفايا غازيتا» الروسية المستقلة عام 2016 أن أبتي علاء الدينوف «القوي والخطير»، كان منذ فترة طويلة جزءاً من «الحرس المقرب من قديروف».

القائد العسكري الشيشاني أبتي علاء دينوف (لقطة من فيديو)

وأقيل من الحكومة الشيشانية بقرار من فلاديمير بوتين عام 2021، وهو ما عُدّ مؤشر خلاف مع رمضان قديروف.

لكن في الأسابيع الأولى من الغزو الروسي لأوكرانيا عام 2022، أعلن قديروف أن «أخاه العزيز» سيقود المقاتلين الشيشانيين.

وحصل أبتي علاء الدينوف على ميدالية بطل روسيا المرموقة، لكن «قوات أحمد» التي يقودها يُطلق عليها أحيانا اسم «جيش تيك توك» في ظل اتهامات بأنها تعطي الأولوية للدعاية على الشبكات الاجتماعية على حساب الفاعلية القتالية في ميدان المعركة.

وكانت «قوات أحمد» تساعد في حماية كورسك عندما هاجمت القوات الأوكرانية المنطقة الروسية. وفي مقطع فيديو، اعترف أبتي علاء الدينوف بنبرة حزينة على غير عادته بأن جنود كييف «قاموا بعمل جيد»، لكن «الشيء الوحيد الذي لم يأخذوه في الاعتبار هو أن الله يحب روسيا».