مداولات في فرنسا بعد الانتخابات لبناء غالبية وترشيح رئيس للوزراء

ملصقات انتخابية لمارين لوبن وجوردان بارديلا من حزب «التجمع الوطني» اليميني المتطرف بالقرب من مقر الحزب بعد يوم واحد من هزيمتهما في الجولة الثانية من الانتخابات البرلمانية بباريس (إ.ب.أ)
ملصقات انتخابية لمارين لوبن وجوردان بارديلا من حزب «التجمع الوطني» اليميني المتطرف بالقرب من مقر الحزب بعد يوم واحد من هزيمتهما في الجولة الثانية من الانتخابات البرلمانية بباريس (إ.ب.أ)
TT

مداولات في فرنسا بعد الانتخابات لبناء غالبية وترشيح رئيس للوزراء

ملصقات انتخابية لمارين لوبن وجوردان بارديلا من حزب «التجمع الوطني» اليميني المتطرف بالقرب من مقر الحزب بعد يوم واحد من هزيمتهما في الجولة الثانية من الانتخابات البرلمانية بباريس (إ.ب.أ)
ملصقات انتخابية لمارين لوبن وجوردان بارديلا من حزب «التجمع الوطني» اليميني المتطرف بالقرب من مقر الحزب بعد يوم واحد من هزيمتهما في الجولة الثانية من الانتخابات البرلمانية بباريس (إ.ب.أ)

بعد المفاجأة التي أتت بها نتائج الانتخابات التشريعية مفرزة «جمعية وطنية (برلماناً)» مشرذمة بين 3 كتل، تبدأ الطبقة السياسية الفرنسية، الاثنين، المداولات لبناء «غالبية مجهولة المعالم» وتعيين رئيس للوزراء.

كان يتوقع أن يتصدر اليمين المتطرف الدورة الثانية من الانتخابات التشريعية، إلا إنه حل ثالثاً، بعدما تشكلت «جبهة جمهورية» من جانب اليسار والوسط في الفترة الفاصلة بين الدورتين الانتخابيتين، حرمته من الوصول إلى السلطة. إلا إنه حقق تقدماً لافتاً مع توقع حصوله على ما بين 135 و145 نائباً.

ومن دون حصول أي طرف على الغالبية المطلقة وحلول تحالف يساري هش في الصدارة يتعيّن عليه الصمود أمام تحدي وحدة الصف، ومعسكر رئاسي استطاع إنقاذ ماء الوجه؛ لكنه لا يمكنه الاستمرار بمفرده، تجد فرنسا نفسها، الاثنين، في أجواء غير مسبوقة مطبوعة بعدم اليقين.

تحدت «الجبهة الشعبية الجديدة» التوقعات وأصبحت القوة الأولى في «الجمعية الوطنية» مع ما بين 177 و198 نائباً، متقدمة على المعسكر الماكروني. وإن كانت بعيدة عن الغالبية المطلقة المحددة بـ289 نائباً، إلا إنها قد تثبت سريعاً أنها قوة لا يمكن الالتفاف عليها.

إلا إن الحزب الرئيسي فيها «فرنسا الأبية»، الذي ينتمي إلى اليسار الراديكالي، هو محور توترات كثيرة، فيما زعيمه جان لوك ميلانشون الاستفزازي لكنه يتمتع بكاريزما معينة، ينفر حتى البعض في صفوف معسكره.

ودعت النائبة عن «فرنسا الأبية» كليمانتين أوتان نواب «الجبهة الشعبية الجديدة» إلى الاجتماع الاثنين «في جلسة عامة» لاقتراح مرشح لرئاسة الوزراء على ماكرون «لا يكون (الرئيس السابق الذي انتخب نائباً الأحد) فرنسوا هولاند ولا جان لوك ميلانشون».

«من يرغب في الحكم»؟

وتمنت أوتان أن «تكون (الجبهة الشعبية الجديدة)، على تنوعها، قادرة على القول إنها قبة الميزان التي تسمح بالحكم».

أما النائب فرنسوا روفان؛ الذي انفصل نهائياً عن «فرنسا الأبية»، فدعا من جهته إلى الحكم «بلطف»، في انتقاد مبطن لميلانشون الذي سبق أن ترشح 3 مرات للانتخابات الرئاسية والذي يصفه بأنه من أنصار «الغوغاء والغضب».

وتشير كريستيل كرابليه؛ من معهد «بي في إيه» لاستطلاعات الرأي في هذا الإطار إلى «عدد من نقاط عدم اليقين... هل هناك هيمنة لـ(فرنسا الأبية)؟ هل هناك إعادة ضبط في صفوف الاشتراكيين؟ من يرغب في الحكم وعلى أساس أي برنامج؟».

وحققت الغالبية الرئاسية التي حلت ثانية، بعدما صمدت بشكل غير متوقع، ما بين 152 و169 نائباً.

وأعلن «قصر الإليزيه»، مساء الأحد، أن ماكرون؛ الذي لم يعلق رسمياً بعد، سينتظر «تشكيلة» الجمعية الوطنية ليقرر من سيعين في منصب رئيس الوزراء.

وقال رئيس الوزراء غابريال أتال إنه سيقدم استقالته الاثنين لكنه مستعد للبقاء في منصبه «ما دام الواجب يستدعي ذلك»، خصوصاً مع استضافة باريس دورة الألعاب الأولمبية قريباً. ورحب بنتائج الانتخابات قائلاً: «لا يمكن لأي من المتطرفين قيادة غالبية مطلقة».

وحذر وزير الخارجية الفرنسي، ستيفان سيجورنيه، بأن الغالبية المنتهية ولايتها ستضع «شروطاً مسبقة لأي نقاش» من أجل تشكيل غالبية جديدة، ذاكراً العلمانية، والبناء الأوروبي، ودعم أوكرانيا.

وختم بقوله إن ميلانشون «والبعض من حلفائه لا يمكنهم حكم فرنسا».

«نصر مؤجل»

أما «التجمع الوطني» فقد حقق تقدماً في البرلمان، إلا إنه تخلف كثيراً عن الغالبية النسبية أو المطلقة التي كان يحلم بها.

وأعلنت مارين لوبن، زعيمة اليمين المتطرف الفرنسي: «نصرنا مؤجل فحسب. المد يرتفع. لم يرتفع بالمستوى الكافي هذه المرة، لكنه يستمر في الصعود»، مضيفة: «لديّ خبرة كبيرة تكفي لكيلا أشعر بخيبة أمل بنتيجة ضاعفنا فيها عدد نوابنا».

أما رئيس «التجمع الوطني»، جوردان بارديلا، فقد حمل على «تحالف العار» الذي شكلته «الجبهة الجمهورية» في وجه معسكره.

و«التجمع الوطني» هو القوة الوحيدة التي حسمت الاثنين أنها ستكون في معسكر المعارضة، لكن مع صوت أقوى داخل «الجمعية الوطنية». ولا تزال مارين لوبن تضع نصب عينيها الانتخابات الرئاسية في عام 2027. لكن عليها في الوقت الراهن أن تدرك أن غالبية من الفرنسيين لا تزال ترفض أن يتولى اليمين المتطرف الحكم.

ومساء الأحد تجمع آلاف الأشخاص في «ساحة الجمهورية» بباريس للاحتفال بهزيمتها في أجواء فرح مع إطلاق ألعاب نارية واحتفالات صاخبة، فيما غنى البعض النشيد الوطني.

وفي ساحة أخرى شرق باريس، عبر ناشطون ومناصرون لليسار عن فرحتهم وارتياحهم، وقد بكى بعضهم.

وقال دليل دياب؛ الموظف في النقل اللوجيستي، خلال تجمع لـ«فرنسا الأبية»: «ما زلت متأثراً. الأمر لا يصدق. ثمة أمل كبير في مستقبل فرنسا. ما يحدث تاريخي؛ إنه بمثابة تحرر».


مقالات ذات صلة

رئاسيات تونس: سعيد نحو فوز كاسح وسط أدنى معدل مشاركة شعبية

شمال افريقيا الرئيس التونسي قيس سعيّد يدلي بصوته في مركز اقتراع (د.ب.أ)

رئاسيات تونس: سعيد نحو فوز كاسح وسط أدنى معدل مشاركة شعبية

أعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس أن نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية التي جرت، الأحد، بلغت 27.7 في المائة، في أدنى نسبة منذ عام 2011.

«الشرق الأوسط» (تونس)
شمال افريقيا شبان تونسيون يتظاهرون في تونس العاصمة يوم 4 أكتوبر 2024 (أ.ف.ب)

شباب محبط من السياسة في تونس يرى الحلّ في الهجرة

بحسب دراسة أجراها «الباروميتر العربي» صدرت قبل أكثر من شهر، فإن 7 من كل 10 شباب تونسيين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عاما يريدون الهجرة.

«الشرق الأوسط» (تونس)
شمال افريقيا مزارعات من فريانة أكدن أنهم سيشاركن في الانتخابات لتحسين أوضاعهن وأوضاع أسرهن (أ.ف.ب)

مزارعات تونس المهمشات مصرّات على التصويت لمحاربة الفقر والتهميش

مزارعات تونس المهمشات يؤكدن مشاركتهن في الانتخابات الرئاسية لتحسين أوضاعهن في ظل تدهور اقتصادي واجتماعي كبير.

«الشرق الأوسط» (فرنانة - تونس)
الولايات المتحدة​ صورة مدمجة تظهر المرشحين الرئاسيين كامالا هاريس ودونالد ترمب (أ.ف.ب)

أزمة الشرق الأوسط تخيّم على الانتخابات الرئاسية الأميركية

خيّم النزاع في الشرق الأوسط إلى حد كبير على حملة الانتخابات الرئاسية الأميركية، ومع تصاعد حدة التوتر، يمكن أن يغيّر هذا النزاع نتيجة انتخابات الرئاسة في نوفمبر.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي السابق والمرشح الرئاسي الجمهوري دونالد ترمب يتحدث خلال تجمع انتخابي في ولاية بنسلفانيا بالولايات المتحدة في 23 سبتمبر 2024 (أ.ف.ب)

تقرير: ترمب رفض تقديم مساعدات حرائق الغابات في كاليفورنيا قبل معرفة من سيصوت له

قال تقرير لموقع «بوليتيكو» إنه في السنوات الأربع التي جلس فيها دونالد ترمب في البيت الأبيض، فضّل أحياناً اعتماد التفضيل السياسي في الاستجابة للكوارث.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

القضاء الفرنسي ينظر في طلب جديد للإفراج عن اللبناني جورج عبدالله

جورج إبراهيم عبدالله (أرشيفية)
جورج إبراهيم عبدالله (أرشيفية)
TT

القضاء الفرنسي ينظر في طلب جديد للإفراج عن اللبناني جورج عبدالله

جورج إبراهيم عبدالله (أرشيفية)
جورج إبراهيم عبدالله (أرشيفية)

ينظر القضاء الفرنسي الاثنين في طلب جديد للإفراج المشروط عن اللبناني جورج إبراهيم عبدالله الذي يقبع في السجن منذ 40 عاماً بعد إدانته بالتواطؤ في اغتيال دبلوماسي أميركي وآخر إسرائيلي، علما أنه قانونيا أهل للإفراج عنه منذ 25 عاما.

وقال محاميه جان-لوي شالانسيه الذي سيجلس إلى جانب موكله الاثنين في الجلسة لوكالة الصحافة الفرنسية: «جورج إبراهيم عبدالله هو أقدم سجين في العالم مرتبط بالصراع في الشرق الأوسط... حان الوقت لإطلاق سراحه»، مطالبا بالإفراج عنه وترحيله إلى لبنان، إذ يخشى عبدالله على سلامته إذا بقي في فرنسا.

ولن يُتَّخذ القرار قبل 15 يوما على الأقل، وفق تقديرات شالانسيه الذي أوضح أنه في حال رفض طلب إطلاق السراح المشروط، سيقدّم استئنافا.

يبلغ عبدالله من العمر 73 عاما، وكان في الثالثة والثلاثين عندما دخل مركزا للشرطة في مدينة ليون (وسط شرق) يوم 24 أكتوبر (تشرين الأول) 1984، طالبا الحماية ممن كان يعتقد أنهم عملاء لجهاز الاستخبارات الخارجية الإسرائيلي (الموساد) يلاحقونه.

في الواقع، كان يلاحقه عملاء فرنسيون لأنه كان يعيش في ذلك الوقت في شقة باسم شخص قبض عليه في إيطاليا وبحوزته ستة كيلوغرامات من المتفجرات، وفق ما روى لصحيفة «لوموند» لويس كابريولي، الرئيس السابق لمديرية المراقبة الإقليمية، وهو أحد أجهزة الاستخبارات الفرنسية.

المحامي جان-لوي شالانسيه (أرشيفية - أ. ف. ب)

ورغم أنه كان يحمل جواز سفر جزائريا، سرعان ما أدركت المديرية أن هذا الرجل الذي يجيد اللغة الفرنسية ليس سائحا، بل أحد مؤسسي «الفصائل المسلحة الثورية اللبنانية»، وهي مجموعة ماركسية موالية لسوريا ومعادية لإسرائيل أعلنت مسؤوليتها عن خمسة اعتداءات سقط في أربعة منها قتلى في 1981 و1982 في فرنسا.

وقد أوقف في ليون في 24 أكتوبر (تشرين الأول) 1984 وحكم عليه بالسجن مدى الحياة بعد إدانته بالتواطؤ في اغتيال الدبلوماسي الأميركي تشارلز راي والدبلوماسي الإسرائيلي ياكوف بارسيمانتوف في باريس عام 1982، ومحاولة اغتيال القنصل العام الأميركي روبرت أوم في ستراسبورغ في 1984.

وبعد أربعين عاما، ما زال عبدالله ينتظر قرار القضاة بشأن طلبه بالإفراج المشروط، وهو الحادي عشر بحسب محاميه، الذي قدمه قبل أكثر من عام.

كان من الممكن إطلاق سراحه منذ العام 1999، بموجب القانون الفرنسي، لكن طلبات الإفراج المشروط التي تقدَّم بها رُفضت.

ووافق القضاء في 2013 على طلب إفراج شرط أن يخضع لقرار طرد من وزارة الداخلية الفرنسية لم يصدر يوما.

في 2020، حاول مرة جديدة مع وزير الداخلية جيرالد دارمانان، لكن رسائله بقيت من دون ردّ.

ويرى محاميه ومناصروه أن للحكومة الأميركية يداً في رفض الإفراج عنه، ويذكّرون بأن واشنطن، وهي إحدى الجهات المدّعية في محاكمته عام 1987، عارضت بشكل منهجي طلباته بالإفراج عنه.

وقالت ريتا، وهي ناشطة لبنانية في الحملة المطالِبة بالإفراج عن عبدالله «هذا لا يعني أننا لن نخوض المعركة لأننا مقتنعون بأن العدالة ليست هي التي ترفض. اليوم، هو مخطوف من الدولة الفرنسية، لذلك سيتوجّب على الدولة الفرنسية إطلاق سراحه عندما يكون هناك ضغط سياسي كافٍ».

وفي مايو (أيار) 2023، كتب 28 نائبا فرنسيا من اليسار مقالا مؤيدا لطلب عبدالله. وبعد مرور عام، ما زال يتجمع متظاهرون أمام سجن لانميزان (جنوب غرب) حيث يقبع، للتعبير عن دعمهم.

وصرح شالانسيه «من الواضح أن هناك معارضة لإطلاق سراحه وإرادة بأن يموت في السجن، وهو أمر يتعارض مع كل الاتفاقات الأوروبية».