الثلاثي بارديلا - ميلونشون - أتال يهيمن على انتخابات فرنسا

توقعات بتشكل 3 مجموعات متناحرة في برلمان تصعب إدارته

صورة مركبة لجان لوك ميلونشون، زعيم حزب «فرنسا الأبية» اليساري المتشدد، ومارين لوبن الساعية للوصول إلى رئاسة الجمهورية (أ.ف.ب)
صورة مركبة لجان لوك ميلونشون، زعيم حزب «فرنسا الأبية» اليساري المتشدد، ومارين لوبن الساعية للوصول إلى رئاسة الجمهورية (أ.ف.ب)
TT

الثلاثي بارديلا - ميلونشون - أتال يهيمن على انتخابات فرنسا

صورة مركبة لجان لوك ميلونشون، زعيم حزب «فرنسا الأبية» اليساري المتشدد، ومارين لوبن الساعية للوصول إلى رئاسة الجمهورية (أ.ف.ب)
صورة مركبة لجان لوك ميلونشون، زعيم حزب «فرنسا الأبية» اليساري المتشدد، ومارين لوبن الساعية للوصول إلى رئاسة الجمهورية (أ.ف.ب)

عندما انتخب إيمانويل ماكرون رئيساً للجمهورية الفرنسية في ربيع عام 2017، كان عمره 39 سنة، وكان بذلك أصغر رئيس عرفته فرنسا بعد نابليون بونابرت الذي توج إمبراطوراً في عام 1804 وهو في سن الـ35 عاماً. ومع تعيين غابرييل أتال رئيساً للحكومة قبل أربعة أشهر، أصبح الأخير وهو في سن الـ35 عاماً أصغر رئيس للحكومة. ولم يكن أحد يتوقع أن من سيخلفه في منصبه سيكون أكثر شباباً منه.

الحال أن الانتخابات التشريعية التي دعا إليها الرئيس ماكرون بعد حل البرلمان بسبب الهزيمة التي حلت به في الانتخابات الأوروبية الأخيرة، يمكن أن تفضي إلى وصول جوردان بارديلا، رئيس حزب «التجمع الوطني» اليميني المتطرف، إلى قصر ماتينيون، مقر رئاسة الحكومة.

وبارديلا ما زال في عامه الـ28. وتبين آخر استطلاعات للرأي أن حزبه مرشح لاحتلال المرتبة الأولى في الانتخابات التي ستجرى جولتها الأولى يوم الأحد 30 يونيو (حزيران) الحالي بحصوله على 35 بالمائة من الأصوات متفوقاً على تحالف اليسار والخضر وعلى «الائتلاف الوسطي» الداعم للرئيس ماكرون.

الرئيس إيمانويل ماكرون مودعا رئيس السنغال بشير ديوماي فاي على باب قصر الأليزيه (رويترز)

فلتة الشوط

فلتة الشوط، قطعاً، من بين الثلاثة، بارديلا. ليس فقط بسبب صغر سنه، بل للمسار الذي سلكه، والذي من المرجح أن يفضي به إلى رئاسة الحكومة وللصورة الجديدة التي يعكسها عن حزب يميني متطرف عجزت مارين لوبن، مرشحته الرئاسية لثلاث مرات متتالية، عن تهشيم «السقف الزجاجي» الذي يحول دون وصول زعماء هذا الحزب إلى أعلى المناصب في الجمهورية الفرنسية.

الطريف أن بارديلا الذي يرأس حزباً بنى صعوده السياسي على التنديد بالهجرات والمهاجرين، خصوصاً من جاء منهم من المغرب العربي وأفريقيا، وعلى تخويف الفرنسيين من الإسلام، ومن خسارة الهوية الأوروبية المسيحية، يتحدر، من جهة والده، من عائلة أصولها إيطالية، ومن جهة أمه من عائلة جزائرية - فرنسية. وإذا كان والده أوليفيه وُلد في فرنسا، فإن أمه ولدت في إيطاليا. ولا شيء كان ينبئ بتسلقه السريع لسلم السياسة عكس ماكرون أو أتال.

بارديلا لا يحمل أي شهادة جامعية، وسعى لدخول معهد العلوم السياسية الذي يخرّج، مع المعهد الوطني للإدارة، كادرات الدولة الفرنسية، لكنه فشل. وبرر تخليه عن الدراسة بالتفرغ للعمل السياسي. إلا أن الدفعة الكبرى التي مكنته من التسلق السريع أنه تعرف على نولوين أوليفيه، التي يعيش معها منذ عام 2020، والأخيرة حفيدة جان ماري لوبن، أحد مؤسسي حزب «الجبهة الوطنية» الذي تحول لاحقاً إلى «التجمع الوطني» ووالد مارين لوبن، التي تهيئ نفسها لخوض المنافسة الرئاسية للمرة الرابعة في عام 2027، وتأمل أن تُفتح، أخيراً، بوجهها أبواب قصر الإليزيه. ولاكتمال الصورة، يتعين الإشارة إلى أن ماريون مارشال، رئيسة لائحة الحزب اليميني الأكثر تطرفاً «إعادة السيطرة» الذي يرأسه أريك زيمور هي أيضاً حفيدة جان ماري لوبن، ما يبين أن اليمين المتطرف الفرنسي هو أولاً «مشروع عائلي».

جوردان بارديلا، رئيس حزب «التجمع الوطني» يتأهب لتسلم منصب رئيس الحكومة في حال فوزه المرجح في الانتخابات البرلمانية القريبة (أ.ف.ب)

يطرح اليمين المتطرف برنامجاً سياسياً شعبوياً إلى حد كبير، هوسه الأول الأمن والهجرات والقدرة الشرائية وخفض الضريبة المضافة على المحروقات وإلغاء الامتيازات الضريبية ورفع الحد الأدنى للأجور. في ما يخص الأجانب، يريد «التجمع الوطني» إلغاء حق الحصول على الجنسية الفرنسية للمولودين على أراضي الجمهورية ومنع ازدواجية الجنسية.

جان لوك ميلونشون وغابرييل أتال

عندما قرر ماكرون، بشكل مفاجئ وبعيداً عن أي منطق سياسي، حل البرلمان، كان يراهن على تشرذم اليسار وضعف اليمين. رهانه فشل في جانبه الأول، لأن اليسار نجح في تشكيل ائتلاف «الجبهة الشعبية الجديدة» التي تضم أربعة أحزاب: الاشتراكيون والشيوعيون والخضر وحزب «فرنسا الأبية» الذي يرأسه المرشح الرئاسي السابق جان لوك ميلونشون. وجاء تغلب المكونات الأربعة على انقساماتها بمثابة مفاجأة سيئة لليمين بجناحيه التقليدي والمتطرف ولـ«ائتلاف الوسط» الذي يريده ماكرون جامعاً لحزبه «التجدد» وللحزبين الآخرين المتحالفين معه، إضافة إلى ما يمكن اجتذابه من اليمين التقليدي المنهك.

غابرييل أتال، رئيس الحكومة الراهن ينشط في الحملة الانتخابية المرتبط بها مصيره السياسي (أ.ف.ب)

وسريعاً جداً، تبين أن ائتلاف اليسار سيكون القطب الثاني في الانتخابات، لا بل إنه قادر على منافسة «التجمع الوطني». وتبين استطلاعات الرأي أنه قادر على استقطاب ما بين 27 و30 بالمائة من الأصوات، متقدماً بذلك مسافة مريحة على التجمع الرئاسي. من هنا، بدأت الحملة عليه، خصوصاً على حزب «فرنسا الأبية» وعلى ميلونشون تحديداً، الذي اتُهم بمعاداة السامية وبممالأة الإرهاب وبالشعبوية والطوائفية بسبب مواقفه الداعمة للفلسطينيين، ووقوفه ضد الحرب الإسرائيلية على غزة وتنديده بـ«المجازر» التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي في القطاع. ويسعى المنتقدون إلى شق الائتلاف الذي يرونه «هجيناً». كذلك تنصب الانتقادات على برنامجه الذي ندد به رجال الأعمال وقادة الشركات الكبرى ويرون فيه كارثة للاقتصاد الفرنسي وتهجيراً للمستثمرين الأجانب.

وكانت لافتة الأصوات اليهودية بتزعمها الحركة المناهضة لائتلاف اليسار، لا بل إن شخصية بارزة مثل سيرج كلارسفيلد، الذي أمضى عقوداً من حياته في ملاحقة المجرمين النازيين، لم يتردد في إعلان مساندته لـ«الجبهة الشعبية» التي «تدافع عن اليهود» في فرنسا بعكس «الجبهة الشعبية الجديدة» المعادية لهم.

تقوم دعاية الائتلاف الوسطي على ادعاء أنه الوحيد الذي يشكل «قطب استقرار» بين الطرفين. وفي الأسبوعين المنصرمين غزا غابرييل، المولج إدارة معركة الائتلاف بدل الرئيس ماكرون، شاشات التلفزة وصفحات الجرائد تنديداً بميلونشون وبارديلا على السواء. وليس سراً أن أتال أعرب عن معارضته لحل البرلمان، وهو يعي أن خسارة ائتلافه الانتخابات (وهو الأمر الأكثر ترجيحاً) سيعوق صعوده السياسي. وتبين استطلاعات الرأي أنه يحل في المرتبة الثالثة (حوالي 20 بالمائة من الأصوات) ما يعني قيام 3 مجموعات سياسية تهيمن على المشهد السياسي. وحسب خبراء في الشأن السياسي، فإن أمل ماكرون أن يحل ائتلافه في المرتبة الثانية في الجولة الأولى، بحيث يتنافس مرشحوه مع اليمين المتطرف، ما قد يجنبه هزيمة سياسية إضافية. لكن المرجح غياب الأكثرية لأي طرف ما قد يدفع إلى حالة من الفوضى، وبالتالي صعوبة حكم البلاد.


مقالات ذات صلة

البيت الأبيض: بايدن لا يعتزم «أبداً» الانسحاب من الانتخابات الرئاسية

الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي جو بايدن خلال مناظرة رئاسية مع المرشح الرئاسي الجمهوري الرئيس السابق دونالد ترمب الخميس 27 يونيو 2024 في أتلانتا (أ.ب)

البيت الأبيض: بايدن لا يعتزم «أبداً» الانسحاب من الانتخابات الرئاسية

أكّد البيت الأبيض أن الرئيس الأميركي جو بايدن لا يعتزم «أبداً» الانسحاب من الانتخابات الرئاسية المقررة في نوفمبر بل هو «ماضٍ قدماً» في حملته.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا زعيمة اليمين المتطرف في فرنسا مارين لوبان (رويترز)

فرنسا: تيار اليمين المتطرف بزعامة مارين لوبان يعاني في ظل اتحاد منافسيه ضده

سحب منافسو مارين لوبان مرشحين من 223 جولة إعادة في الانتخابات الفرنسية المقررة يوم الأحد المقبل، لتجنب تفتيت الأصوات ضد حزبها «التجمع الوطني» اليميني المتطرف.

«الشرق الأوسط» (باريس)
شمال افريقيا الرئيس التونسي قيس سعيّد (الرئاسة)

تونس: الانتخابات الرئاسية في 6 أكتوبر

سعيّد خبير دستوري انتُخب ديموقراطياً في أكتوبر (تشرين الأول) 2019، قبل أن يعلن في 25 يوليو (تموز) 2021، إجراءات تمثلت بإقالة رئيس الوزراء وتجميد عمل البرلمان...

«الشرق الأوسط» (تونس)
شمال افريقيا الرئيس الجزائري مستقبلاً عميد مسجد باريس بقصر الرئاسة في 10 يونيو 2024 (الرئاسة الجزائرية)

«مسجد باريس» الممول جزائرياً يحضّ الفرنسيين على التصدي لليمين المتطرف

بحسب مصادر جزائرية مهتمة بالانتخابات في فرنسا، «يعكس موقف مسجد باريس، بخصوص توجهات الناخب الفرنسي، رأي وموقف الجزائر من مجريات الأحداث عند المستعمر السابق».

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
أوروبا جانب من مناظرة انتخابية بين ستارمر وسوناك في 26 يونيو (د.ب.أ)

بريطانيا: «العُمّال» إلى فوز ساحق... وفاراج يهدّد تماسك «المحافظين»

يتجه ملايين الناخبين البريطانيين إلى صناديق الاقتراع، الخميس، في انتخابات تشريعية قد تشهد عودة «العمال» إلى السلطة بعد 14 عاماً من حكم المحافظين

نجلاء حبريري (لندن)

بوتين وشي يشاركان في قمة إقليمية شعارها «تعدد الأقطاب»

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (رويترز)
TT

بوتين وشي يشاركان في قمة إقليمية شعارها «تعدد الأقطاب»

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (رويترز)

أشاد الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والصيني شي جينبينغ، أمس (الأربعاء)، بالعلاقات بين بكين وموسكو، وذلك خلال لقائهما في كازاخستان التي ستشهد انعقاد «قمة منظمة شنغهاي للتعاون» اليوم (الخميس)، والتي يرى فيها الطرفان ثقلاً موازناً «للهيمنة» الأميركية في الشؤون الدولية، كونها تضم عدة دول تربطها علاقات متوترة مع الغرب.

ومن المقرر أن يدعو الرئيسان خلال القمة الإقليمية إلى نظام عالمي عادل ومتعدد الأقطاب.

وعُقد اجتماع بوتين وشي بعد شهر ونصف الشهر من قمة جمعتهما في الصين في منتصف مايو (أيار)، حاول حينها الزعيم الروسي نيل دعم إضافي للحرب في أوكرانيا.

وقال بوتين خلال اللقاء مع شي: «تمر العلاقات الروسية ـ الصينية، وشراكتنا الشاملة وتعاوننا الاستراتيجي، بأفضل فترة في تاريخهما».

وفي تصريح مقتضب، وصف شي بوتين بأنه «صديق قديم»، وقال إن العلاقات الصينية - الروسية على «مستوى عال». وأضاف: «في مواجهة الوضع الدولي المضطرب والبيئة الخارجية، يتعين على الجانبين مواصلة التمسك بتطلعهما الراسخ لصداقة تدوم لأجيال مقبلة».