العشرات من حلفاء أوكرانيا يشاركون في قمة بسويسرا تغيب عنها موسكو وتقاطعها بكين

تمثل اختباراً لنفوذ كييف الدبلوماسي... وبرلين تخفض سقف التوقعات وترفض مقترحات بوتين

عَلم أوكرانيا يرفرف خلال مظاهرة ضد الحرب في جنيف بسويسرا التي تستضيف الشهر المقبل مؤتمراً للسلام (رويترز)
عَلم أوكرانيا يرفرف خلال مظاهرة ضد الحرب في جنيف بسويسرا التي تستضيف الشهر المقبل مؤتمراً للسلام (رويترز)
TT

العشرات من حلفاء أوكرانيا يشاركون في قمة بسويسرا تغيب عنها موسكو وتقاطعها بكين

عَلم أوكرانيا يرفرف خلال مظاهرة ضد الحرب في جنيف بسويسرا التي تستضيف الشهر المقبل مؤتمراً للسلام (رويترز)
عَلم أوكرانيا يرفرف خلال مظاهرة ضد الحرب في جنيف بسويسرا التي تستضيف الشهر المقبل مؤتمراً للسلام (رويترز)

يشارك العشرات من حلفاء أوكرانيا في قمة للسلام بسويسرا لمدة يومين تغيبت عنها روسيا، وقاطعتها حليفتها الصين. وتمثل القمة التي افتتحت السبت اختباراً لنفوذ كييف الدبلوماسي بعد أن دخلت الحرب الروسية عامها الثالث، واشتراط في اليوم السابق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين استسلام أوكرانيا فعلياً إذا كانت تريد في نهاية المطاف التفاوض مع موسكو، التي عدّت في الوقت نفسه الاجتماع مضيعةً للوقت. حتى ألمانيا التي تعدّ من أقرب حلفاء كييف خفّضت من سقف التوقعات للقاء، الذي لم تُدعِ إليه روسيا. وتقول سويسرا إن القمة تهدف لوضع أسس مبكرة لمسار سلام يشمل موسكو بنهاية الأمر.

الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي لدى وصوله إلى سويسرا في 14 يونيو 2024 (أ.ف.ب)

وكانت الصين قد دعيت للحضور، إلا أنها قررت عدم المشارَكة بعد استبعاد روسيا. ودون الصين، تلاشت الآمال في عزل موسكو، في حين وضعت الهزائم العسكرية الأخيرة كييف في موقف دفاعي. أما حليفتا روسيا في مجموعة «بريكس» (البرازيل، وجنوب أفريقيا)، فستوفدان مبعوثَين فقط. كما ستكون الهند ممثلة على المستوى الوزاري. كما حوّلت الحرب في غزة الانتباه عن أوكرانيا.

وقال مسؤول أميركي كبير إن غياب روسيا لن يؤثر في القمة، لكنه عبّر عن أسفه لقرار بكين. وأضاف المسؤول، كما نقلت عنه «وكالة الصحافة الفرنسية»: «نتمنى أن يعبّر الصينيون عن أنفسهم. إنهم يزعمون أنهم من المؤيدين بشدة للسيادة وسلامة الأراضي، وهم يسمحون لدولة يدعمونها بشدة، روسيا، بانتهاك هذه المبادئ».

وقال المسؤول للصحافيين «الأمر متروك لقادة أوكرانيا لاتخاذ القرار بشأن كيفية، وبأي شروط يمكن أن تنتهي هذه الحرب. مهمتنا، وما نحاول القيام به، هو وضعهم في موضع أفضل على ساحة المعركة لأي مفاوضات محتملة». وقال المسؤول الأميركي إن القمة ستؤكد أن نتيجة الحرب في أوكرانيا تؤثر في العالم بأسره، وستدعو إلى دعم أكبر عدد ممكن من الدول لفكرة أن غزو روسيا ينتهك المبادئ التأسيسية لميثاق الأمم المتحدة، وأنه يجب احترام سيادة أوكرانيا وسلامة أراضيها.

بوتين مع شي... الصين لن تحضر مؤتمر السلام في سويسرا (رويترز)

وقال الرئيس الروسي (الجمعة) إن بلاده لن تنهي الحرب في أوكرانيا إلا إذا تخلت كييف عن طموحاتها بالانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، وتنازلت عن 4 مناطق تطالب بها موسكو، وهما مطلبان رفضتهما كييف سريعاً وعدّتهما بمثابة استسلام. ويبدو أن شروط بوتن تعبّر عن ثقة موسكو المتزايدة في أن قواتها لها اليد العليا في الحرب. وردّ المستشار الألماني أولاف شولتس قائلاً إن زعماء مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى لم يناقشوا مقترحات الرئيس الروسي للسلام في أوكرانيا لأنهم جميعاً يرونها غير جادة. ورفض زيلينسكي «إنذار» بوتين الذي قال إنه «على طريقة هتلر»، كما رفض حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة على الفور تلك الشروط.

وفي تصريحات من إيطاليا قبيل مغادرته إلى سويسرا، قال شولتس إن مقترحات بوتين، المتمثلة في تخلي أوكرانيا عن 4 أقاليم تسيطر عليها روسيا، ووقف كييف القتال، وتخليها عن طموحها في الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، تهدف فقط إلى صرف الانتباه عن المؤتمر. وأضاف في مقابلة مع تلفزيون «زد دي إف»: «الجميع يعلم أن هذا الطرح لا يمكن أخذه على محمل الجد، وأنه مرتبط بشكل ما بمؤتمر السلام في سويسرا».

وأضاف شولتس في تصريحات لشبكة «إيه آر دي» الألمانية الإعلامية (السبت): «ما نحتاجه ليس سلاماً يُملى علينا، بل نحتاج سلاماً عادلاً ومنصفاً يحترم سلامة وسيادة (الأراضي الأوكرانية)». وبحسب ما أوردته وكالة «بلومبرغ» للأنباء، اتهم شولتس بوتين بمحاولة تقويض الدعم بين الدول الأوروبية لأوكرانيا من خلال التظاهر بالانفتاح على محادثات السلام. وقال: «اقتراح بوتين يستهدف بشكل رئيسي الجماهير المحلية في مختلف الدول، وهو يعلم جيداً أن هناك كثيراً من المواطنين الذين يريدون تطوراً سلمياً. ولهذا السبب يريد إخفاء حقيقة أنه هو مَن بدأ هذه الحرب الوحشية». ويعتزم شولتس التوجه إلى سويسرا (السبت) للمشاركة في المؤتمر.

ولم يرغب شولتس في استبعاد إجراء محادثات مع بوتين في المستقبل، مشيراً إلى أنه ذكر مراراً أنه سيفعل ذلك مرة أخرى، ولكن يجب اختيار الوقت المناسب لذلك. وأضاف: «إجراء مثل هذه المحادثة لا يكون سديداً إلا إذا كان هناك شيء محدد تتعين مناقشته». لكن المستشار الألماني خفّض من سقف التوقعات بشأن المؤتمر الدولي بشأن إنهاء حرب أوكرانيا. وقال شولتس في مقابلة أخرى مع القناة الثانية بالتلفزيون الألماني (زد دي إف)، على هامش قمة مجموعة السبع في جنوب إيطاليا، إن الأمر يتعلق «بوضع أسس لمؤتمر لاحق... وبعد ذلك سيتوقف الأمر أيضاً على مشاركة روسيا فيه... لذلك فإن هذا بمثابة نبتة دبلوماسية نسقيها الآن حتى تنمو بشكل أكبر».

وتعدّ موسكو ما تسميها «العملية العسكرية الخاصة» في أوكرانيا جزءاً من صراع أوسع نطاقاً مع الغرب، الذي تقول إنه يريد إخضاع روسيا. وترفض كييف والغرب هذا، ويتهمان روسيا بشنّ حرب غير قانونية.

وتريد سويسرا، التي تولت استضافة القمة بناء على طلب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، تمهيد الطريق لعملية سلام مستقبلية تشمل روسيا.

لكن الانقسامات الجيوسياسية بشأن أعنف صراع أوروبي منذ الحرب العالمية الثانية تعكر صفو القمة. واتهم زيلينسكي بكين بمساعدة موسكو في تقويض القمة، وهو الاتهام الذي نفته وزارة الخارجية الصينية.

وكانت الصين قد قالت إنها ستفكر في المشاركة، لكنها رفضت في نهاية الأمر بسبب عدم توجيه دعوة لروسيا. ومن المقرر مشاركة نحو 90 دولة ومنظمة في القمة التي تستمر يومين في منتجع بورجنشتوك الواقع على قمة جبلية في وسط سويسرا.

وفي فندق فاخر على بحيرة لوسيرن، تعتزم الوفود مناقشة جوانب مثل صادرات الحبوب الأوكرانية، وأمن محطة زابوريجيا للطاقة النووية التي تحتلها روسيا، إضافة إلى قضايا إنسانية مثل تبادل الأسرى.

وقال ريتشارد جوان، مدير الأمم المتحدة في مجموعة الأزمات الدولية، كما نقلت عنه «رويترز»: «القمة تخاطر بإظهار حدود الدبلوماسية الأوكرانية. ومع ذلك، فهي أيضاً فرصة لأوكرانيا لتذكير العالم بأنها تدافع عن مبادئ ميثاق الأمم المتحدة».

ولن يحضر الرئيس الأميركي اللقاء، وستنوب عنه نائبته كامالا هاريس في الافتتاح، حيث ستلتقي الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وتلقي كلمة أمام زعماء العالم. وأعلنت نائبة الرئيس الأميركي (السبت) تقديم مساعدات تزيد قيمتها على 1.5 مليار دولار مخصصة لقطاع الطاقة والشؤون الإنسانية والأمن المدني في أوكرانيا. وأوضحت هاريس أن المساعدات تشمل 500 مليون دولار من الأموال الإضافية لقطاع الطاقة. كما ستتم إعادة توجيه 324 مليون دولار من المساعدات التي أعلنت عنها بالفعل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، لتلبية احتياجات الطاقة العاجلة.

كامالا هاريس نائب رئيس الولايات المتحدة تصل إلى منتجع بورجنشتوك خلال قمة السلام بأوكرانيا في ستانسستاد بالقرب من لوسيرن بسويسرا (رويترز)

وقالت هاريس في بيان: «سيُستخدم هذا التمويل لإصلاح منشآت الطاقة التي دمرتها الحرب، وزيادة إنتاج الطاقة، وتشجيع استثمارات القطاع الخاص، وحماية البنى التحتية للطاقة». وتتضمن حزمة المساعدات الجديدة المقدمة من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية ووزارة الخارجية الأميركية كذلك 379 مليون دولار للمساعدات الإنسانية. وأضافت أن هذه الأموال «ستسهم في تلبية الاحتياجات العاجلة للاجئين والنازحين والمجتمعات المتضررة من العدوان الروسي الوحشي على الشعب الأوكراني». وستمنح وزارة الخارجية مدعومة من الكونغرس، مبلغاً إضافياً قدره 300 مليون دولار يُخصص للأمن المدني الأوكراني. وأكدت هاريس أن هذه الأموال «ستساعدهم على العمل بأمان على الخطوط الأمامية للدفاع عن الأراضي الأوكرانية، وإغاثة المدنيين الذين تستهدفهم هجمات الكرملين، وحماية المنشآت الحيوية للبنية التحتية الحيوية، والتحقيق في أكثر من 120 ألف حالة من جرائم الحرب، وغيرها من الفظائع المسجلة».

وتصل هاريس ظهر اليوم (السبت)، ولن تقضي سوى ساعات عدة تغادر بعدها إلى واشنطن. وسيمثل مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض جيك سوليفان الولايات المتحدة في القمة الأحد.

وسيركز المجتمعون على موضوعات محددة تستند إلى أرضية مشتركة بين خطة زيلينسكي للسلام المكونة من 10 نقاط وطرحها أواخر 2022، وقرارات الأمم المتحدة بشأن الحرب. وتسعى القمة لإيجاد مسارات نحو سلام دائم لأوكرانيا على أساس القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، ووضع إطار ممكن لتحقيق هذا الهدف وخريطة طريق تُمكّن الطرفين من الوصول إلى عملية سلام مستقبلية.

ونبه مراقبون إلى عدم توقع نتائج كبيرة من القمة. وقال مركز أبحاث مجموعة الأزمات الدولية إن «المفاوضات المجدية التي يمكن أن تضع حقاً حداً للحرب المدمرة في أوكرانيا لا تزال بعيدة المنال، إذ تتمسك كل من كييف وموسكو بنظريات الانتصار وتغلب إحداهما على الأخرى»، مضيفاً، كما نقلت عنه «وكالة الصحافة الفرنسية»، «ستواجه كييف وداعموها ضغوطاً شديدة للخروج بنتائج ملموسة من الاجتماع... عدا عن إعادة التأكيد على وحدة وسلامة الأراضي المنصوص عليها في مبادئ ميثاق الأمم المتحدة».

أمين عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي مع رئيس الاتحاد السويسري إيغناسيو كاسيس خلال زيارة له إلى سويسرا قبل يومين (إ.ب.أ)

وستُناقش (الأحد) 3 موضوعات بالتفصيل في مجموعات عمل هي: السلامة النووية، وحرية الملاحة والأمن الغذائي، ومسائل إنسانية. وستنظر مجموعات العمل في مسألة الشحن في البحر الأسود، وأسرى الحرب، والمعتقلين المدنيين والأطفال المرحّلين. ويُرتقب عقد قمة ثانية. وقال رئيس مكتب الرئاسة الأوكرانية أندري يرماك (الثلاثاء) إن كييف تأمل في أن تحضرها روسيا، وتتسلم «خطة مشتركة» يقدمها مشاركون آخرون.


مقالات ذات صلة

بوتين يهدد بتسليح كوريا الشمالية ويصعّد التوتر مع الغرب بشأن أوكرانيا

أوروبا بوتين يقود سيارة «ليموزين» من طراز «أوروس» أهداها لكيم الذي يجلس إلى جانبه (إ.ب.أ)

بوتين يهدد بتسليح كوريا الشمالية ويصعّد التوتر مع الغرب بشأن أوكرانيا

حذّر الرئيس الروسي الأميركيين وحلفاءهم بشكل مباشر من أنه على استعداد لتسليح كوريا الشمالية إذا استمروا في إمداد كييف بالأسلحة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا أحد السكان المحليين يسير أمام مبنى تضرر في مدينة ماريوبول الساحلية الجنوبية بأوكرانيا في 20 مايو 2022 (رويترز)

أوكرانيا تستهدف مصافي النفط الروسية... وموسكو تؤكد

شن الجيش الأوكراني هجوماً بطائرات مسيّرة بعيدة المدى، في الساعات الأولى من صباح (الجمعة)، استهدف خلاله 4 مصافي نفط روسية.

«الشرق الأوسط» (كييف) «الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض جون كيربي خلال مؤتمر صحافي (إ.ب.أ)

البنتاغون لـ«الشرق الأوسط»: منح الأولوية لتسليم أوكرانيا أنظمة الدفاع الجوي مخطط له مسبقاً

ستُمنح أوكرانيا الأولوية خلال الأشهر الستة عشر المقبلة وسيتم تسليم الصواريخ إلى كييف فور خروجها من خط التجميع.

إيلي يوسف (واشنطن)
الولايات المتحدة​ أرشيفية لزيلينسكي أثناء زيارته منطقة لتدريب الجنود الأوكرانيين على نظام الدفاع الجوي باتريوت شرق ألمانيا (ا,ف,ب)

واشنطن تمنح «الأولوية» لتسليم أوكرانيا أنظمة الدفاع الجوي

أعلن البيت الأبيض أن الولايات المتحدة ستعطي «الأولوية» لتسليم أوكرانيا أنظمة الدفاع الجوي، وسترسل الأسلحة التي ثمة حاجة ماسة اليها لأوكرانيا قبل دول أخرى.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
تكنولوجيا لن تتمكن كاسبرسكي بعد الآن من بيع برامجها في الولايات المتحدة أو تقديم تحديثات للبرامج الجاري استخدامها (رويترز)

واشنطن تحظر برنامج مكافحة الفيروسات الروسي «كاسبيرسكي»

أعلنت واشنطن، اليوم، حظر برنامج مكافحة الفيروسات الروسي «كاسبيرسكي» في الولايات المتحدة، ومنع الأميركيين في أماكن أخرى من العالم من استخدامه.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

بوتين يهدد بتسليح كوريا الشمالية ويصعّد التوتر مع الغرب بشأن أوكرانيا

صاروخ باليستي عابر للقارات يعرض في بيونغ يانغ (الوكالة المركزية الكورية)
صاروخ باليستي عابر للقارات يعرض في بيونغ يانغ (الوكالة المركزية الكورية)
TT

بوتين يهدد بتسليح كوريا الشمالية ويصعّد التوتر مع الغرب بشأن أوكرانيا

صاروخ باليستي عابر للقارات يعرض في بيونغ يانغ (الوكالة المركزية الكورية)
صاروخ باليستي عابر للقارات يعرض في بيونغ يانغ (الوكالة المركزية الكورية)

حذّر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الولايات المتحدة وحلفاءها، بشكل مباشر، من أنه على استعداد لتسليح كوريا الشمالية إذا استمر إمداد كييف بالأسلحة المتطورة التي استخدمتها بالفعل في ضرب الأراضي الروسية، مما رفع المخاطر بالنسبة للقوى الغربية التي تدعم أوكرانيا.

أطلق بوتين التهديد في تعليقات لصحافيين رافقوه في رحلته في وقت متأخر من مساء الخميس إلى فيتنام، قبل أن يعود إلى روسيا بعد رحلة شملت أيضاً كوريا الشمالية.

الزعيمان الكوري الشمالي والروسي (أ.ف.ب - سبوتنيك)

كان الرئيس الروسي قد أطلق تهديداً مماثلاً، وإن كان أقل صراحة، قبل يوم واحد في بيونغ يانغ، حيث أحيا اتفاقية للدفاع المشترك تعود إلى حقبة الحرب الباردة مع زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون. وتتطلب الاتفاقية من كل دولة تقديم المساعدة العسكرية للدولة الأخرى «بكل الوسائل المتاحة لها» في حالة وقوع هجوم.

وأطلق بوتين تهديده بتسليح بيونغ يانغ، رغم مخالفة ذلك للعقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة، كرد فعل على القرارات التي اتخذتها الولايات المتحدة وحلفاؤها في الأشهر الأخيرة بالسماح لأوكرانيا بتوجيه ضربات محددة إلى الأراضي الروسية باستخدام أسلحتها.

اتخذ البيت الأبيض هذا القرار، الشهر الماضي، لكنه استمر في حظره للهجمات الأبعد مدى في عمق البلاد باستخدام الأسلحة الأميركية. وقال بوتين: «إن أولئك الذين يزودون هذه الأسلحة يعتقدون أنهم ليسوا في حالة حرب معنا. حسناً، كما قلت، فإننا نحتفظ بالحق في توريد الأسلحة إلى مناطق أخرى من العالم، بما في ذلك في بيونغ يانغ».

وتساءل بوتين عن وجهة الأسلحة قائلاً: «وأين ستذهب بعد ذلك؟»، مشيراً إلى أن كوريا الشمالية قد تبيع الأسلحة الروسية إلى جهات مارقة أخرى معادية للولايات المتحدة وحلفائها في جميع أنحاء العالم.

ورغم أن بوتين لم يحدد الأسلحة التي سوف يعطيها لكوريا الشمالية، فإن كيم يسعى إلى تطوير الرؤوس النووية والصواريخ والغواصات والأقمار الاصطناعية، وهي جميعها مجالات تمتلك فيها روسيا بعضاً من أكثر التقنيات تطوراً وخطورةً في العالم.

جاءت زيارة الزعيم الروسي إلى بيونغ يانغ لتؤكد كيف أصبحت الحرب في أوكرانيا المبدأ التوجيهي لسياسته الخارجية، متجاوزة أولويات أخرى لطالما سعى الكرملين إلى تحقيقها لسنوات.

أكد الرئيس الروسي وزعيم كوريا الشمالية على أن الشراكة بين البلدين تعزز «السلم والاستقرار» في منطقة آسيا والمحيط الهادي (أ.ف.ب)

وتقول واشنطن وسيول إن كوريا الشمالية أرسلت عشرات الصواريخ الباليستية وأكثر من 11 ألف حاوية شحن من الذخيرة إلى روسيا لاستخدامها في حربها ضد أوكرانيا، مما ساعد بوتين على التغلب على نقص الذخيرة. وقد نفت كل من روسيا وكوريا الشمالية أي تبادل للأسلحة، وهو ما من شأنه أن ينتهك عقوبات الأمم المتحدة.

لسنوات، شاركت روسيا في جهود الأمم المتحدة لكبح برنامج كيم للأسلحة النووية والصواريخ، حيث وافقت على قرار تلو الآخر في مجلس الأمن يهدف إلى الحد من قدرة نظامه على الحصول على الأسلحة والتكنولوجيا والموارد. وتزامن فرض القيود مع إجراء كوريا الشمالية لست تجارب نووية وتطوير برنامج صاروخ باليستي عابر للقارات.

الرئيسان الفيتنامي والروسي في القصر الرئاسي بهانوي أمس (أ.ب)

لكن الآن عمل بوتين على تغيير مساره بدرجة كبيرة، إذ دعا إلى رفع العقوبات نفسها التي وافق عليها، مدفوعاً برغبته في زيادة تكلفة دعم الولايات المتحدة لأوكرانيا، وحاجة روسيا إلى مخزونات كوريا الشمالية الهائلة من الذخيرة والأسلحة التقليدية لاستخدامها في ساحة المعركة.

وقال بوتين: «يزود الغرب أوكرانيا بالأسلحة ويقولون لا يهم كيف يتم استخدامها. يمكننا نحن أيضاً أن نقول إننا سلمنا شيئاً لشخص ما، ثم لم يعد لدينا سيطرة على أي شيء. دعهم يفكرون في ذلك».

أثار إحياء بوتين لمعاهدة الدفاع المشترك مع كوريا الشمالية التي تعود إلى زمن الحرب الباردة، وإشاراته بأنه قد يسلح نظام كيم، المخاوف في كوريا الجنوبية واليابان، اللتين تستضيفان عشرات الآلاف من القوات الأميركية. وقال مسؤولون كوريون جنوبيون إنهم سيفكرون في تقديم مساعدة لأوكرانيا رداً على ذلك. وحذرهم بوتين في تصريحاته الخميس قبل مغادرة المنطقة من مغبة تنفيذ ذلك.

وقال بوتين: «سيكون هذا خطأ كبيراً جداً. آمل ألا يحدث ذلك. وإذا حدث، فسنتخذ أيضاً إجراءات غالباً لن ترضي القيادة الكورية الجنوبية الحالية». وقال إن اتفاقية الدفاع المشترك لا ينبغي أن تقلق كوريا الجنوبية، لأنها تدعو إلى تدخل روسيا عسكرياً فقط في حالة العدوان على كوريا الشمالية، وقال إن سيول ليست لديها أي نية لشن مثل هذا الهجوم.

كما قارن الزعيم الروسي، الذي جعل من انتقاد «العقوبات الخانقة» محور رسالته الدولية، القيود المفروضة على كوريا الشمالية بحصار لينينغراد من قبل النازيين خلال الحرب العالمية الثانية، الذي تسبب في وفاة أخيه الأكبر الذي كان يبلغ من العمر آنذاك عاماً واحداً. وأكد بوتين في تصريحاته الخميس أن تلك العقوبات يجب أن يُعاد تقييمها، خصوصاً تلك التي تتعلق بهجرة العمالة، قائلاً إن الأسر الكورية الشمالية غير قادرة على كسب المال وإطعام أطفالها. وتساءل: «هل يذكرك هذا بأي شيء؟»، في إشارة إلى الحرب العالمية الثانية، متسائلاً: «وهل هذا إنساني؟».

* خدمة «نيويورك تايمز»