مزيد من الانغماس الغربي في توفير الدعم العسكري لأوكرانيا

ملف الحرب على طاولة المباحثات في فرنسا بحضور بايدن وزيلينسكي يومي 6 و7 يونيو

منظومة «باتريوت» المضادة للطيران التي زُوِّدت بها أوكرانيا لتعطيل فاعلية الطيران الروسي (د.ب.أ)
منظومة «باتريوت» المضادة للطيران التي زُوِّدت بها أوكرانيا لتعطيل فاعلية الطيران الروسي (د.ب.أ)
TT

مزيد من الانغماس الغربي في توفير الدعم العسكري لأوكرانيا

منظومة «باتريوت» المضادة للطيران التي زُوِّدت بها أوكرانيا لتعطيل فاعلية الطيران الروسي (د.ب.أ)
منظومة «باتريوت» المضادة للطيران التي زُوِّدت بها أوكرانيا لتعطيل فاعلية الطيران الروسي (د.ب.أ)

مع التحاق الولايات المتحدة الأميركية بركب الدول التي سمحت للقوات الأوكرانية باستخدام الأسلحة الغربية، ضمن شروط محددة، لاستهداف الأراضي الروسية، يكون الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قد حصل على مبتغاه، وتكون الضغوط المتواصلة على حلفائه الغربيين قد أثمرت أخيراً.

وتقول مصادر أوروبية في باريس إن نجاح القوات الروسية في تحقيق اختراقات في جبهات شمال وشرق أوكرانيا «أقنعت القادة الغربيين بأن تقييد القوات الأوكرانية، ومنعها من استخدام الأسلحة التي في حوزتها، ستكون لهما نتائج بالغة السوء عسكرياً وسياسياً، وأن المخاطر المترتبة على هذا السماح، رغم التهديدات الروسية، تبقى محدودة، وبالتالي لا خوف من التهويل الروسي الذي اعتدنا عليه منذ شهور».

الرئيس ماكرون والرئيس زيلينسكي في قصر الإليزيه بعد التوقيع على اتفاقية أمنية مشتركة يوم 16 فبراير الماضي (رويترز)

وبانضمام الولايات المتحدة، تكبر دائرة الدول التي استجابت لنداءات زيلينسكي، وتضم بريطانيا وبولندا وإستونيا وهولندا وكندا وفرنسا، وأيضا ألمانيا التي كانت من أكثر البلدان الأوروبية تحفظاً.

وبرر المتحدث باسم الحكومة الألمانية شتيفن هيبشترايت، الجمعة، قرار برلين بالإشارة إلى أنه «خلال الأسابيع الأخيرة أعدت روسيا، ونسقت ونفذت، هجمات من مواقع في منطقة الحدود الروسية المتاخمة مباشرة، استهدفت منطقة خاركيف على وجه الخصوص».

الرئيس الأميركي جو بايدن سمح للقوات الأوكرانية في 31 مايو باستهداف الأراضي الروسية بأسلحة أميركية (إ.ب.أ)

وبكلام آخر، بما أن روسيا تقصف ثاني أكبر مدينة أوكرانية من داخل أراضيها، فمن حق الجانب الأوكراني الرد بالمثل، بما في ذلك استخدام الصواريخ الغربية بعيدة المدى. ولا شك أن كرة الثلج المتدحرجة سوف تجتذب دولاً إضافية مثل ليتونيا ولاتفيا والسويد وغيرها، خصوصاً بعد أن دخلت الولايات المتحدة على الخط، وهي الجهة الأكبر التي تساعد أوكرانيا عسكرياً واقتصادياً.

سقوط «الممنوعات»

يعكس قرار الدول الغربية المعنية سقوط ما تبقى من «الممنوعات» التي كانت قد تقيدت بها فيما خص توفير الدعم العسكري لكييف. وللجرأة الغربية، وفق ما تفسير المصادر المشار إليها، سببان: الأول، منع القوات الروسية من تحقيق إنجازات ميدانية أساسية أو تراجع وانهيار الجيش الأوكراني، انطلاقاً من مبدأ أنه يتعين منع روسيا من تحقيق الانتصار في الحرب الدائرة منذ 25 شهراً.

ووفق القراءة الأوروبية، وهو الأمر الذي تشدد عليه كييف، فإن القوات الأوكرانية تدافع عن أوروبا وليس فقط عن الشعب الأوكراني، ولأن روسيا، إذا فازت في هذه الحرب، فإنها لن تتوقف عندها.

الرئيس الفرنسي ماكرون والمستشار الألماني شولتس بمناسبة الاجتماع الوزاري المشترك في ألمانيا يوم 28 مايو (أ.ب)

والثاني: انحسار المخاوف من ردة فعل روسية. وعبر عن ذلك بوضوح أمين عام الحلف الأطلسي ينس ستولتنبرغ، الجمعة، في اجتماع غير رسمي للحلف في براغ، بإشارته إلى أن السماح باستخدام أسلحة غربية لضرب أهداف في روسيا «ليس بالأمر الجديد»؛ إذ سبق أن أرسلت بريطانيا صواريخ كروز من طراز «ستورم شادو» لكييف دون شروط. وأضاف ستولتنبرغ: «هكذا هو الأمر في كل مرة يقدم أعضاء (الناتو) الدعم لأوكرانيا، يهددوننا حتى لا نقوم بذلك».

مسيرات تم تسليمها للقوات الأوكرانية في كييف (إ.ب.أ)

وبنظره، فإن ما تسعى إليه موسكو هو «لمنع أعضاء (الناتو) من دعم أوكرانيا». وكان المسؤول الأطلسي يشير بذلك إلى تحذير الرئيس فلاديمير بوتين من «عواقب خطيرة» في حال سمحت دول الغرب لأوكرانيا باستخدام أسلحتها لضرب أهداف في روسيا. وكما لدى كل مناسبة، لم يتردد ديميتري ميدفيديف، الرئيس السابق ونائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي راهناً، في التلويح مجدداً باللجوء إلى السلاح النووي لردع الغربيين.

بيد أن الغربيين لم يعطوا كييف «ضوءاً أخضر مفتوحاً»، بل حصروا السماح فقط بضرب المواقع التي تنطلق منها النيران باتجاه خاركيف ومحيطها. ووفق ما نقله موقع «بوليتيكو» عن مسؤول أميركي، فإن الرئيس بايدن وجّه مؤخراً فريقه «لتمكين أوكرانيا من استخدام الأسلحة الأميركية لأغراض الرد على مصادر النيران الروسية في خاركيف واستهداف القوات الروسية التي تضربها أو تستعد لضربها».

أمين عام الحلف الأطلسي ينس ستولتنبرغ في براغ (أ.ف.ب)

والأهم أن المسؤول الأميركي الذي لم يحدد «بوليتيكو» هويته، كرر أن سياسة عدم السماح بضربات بعيدة المدى داخل روسيا لم تتغير. ووفق تقارير صحافية في باريس، فإن الرئيس بايدن حسم الخلاف المستعر داخل إدارته منذ أسابيع بين جناحين: الأول، يمثله وزير الخارجية أنتوني بلينكن، والداعي إلى فتح الباب أمام تمكين أوكرانيا من استخدام الصواريخ الأميركية بعيدة المدى، والثاني يمثله مستشار الأمن القومي جيك سوليفان الذي دأب على التنبيه من أخطار التصعيد مع موسكو. من هنا، «السماح المشروط» أقله العلني الذي أقره الرئيس بايدن حلاً وسطاً.

الغربيون: لسنا في حالة حرب مع روسيا

رغم قناعة الغربيين أن تهديدات روسيا فقاعات من الصابون، فإنهم يبدون حريصين على عدم استفزازها بشكل كبير، وإدراج ما يقومون به في إطار مساعدة أوكرانيا في الدفاع عن نفسها، وليس الاعتداء على روسيا، أو انتهاك سيادتها على أراضيها. وأكثر من ذلك، فإنهم ما زالوا مصرّين على أنهم ليسوا «في حالة حرب» معها.

وسبق للرئيس إيمانويل ماكرون، بمناسبة مؤتمر صحافي مشترك مع المستشار الألماني أولاف شولتس يوم 28 مايو (أيار)، أن حدد شروط استخدام الصواريخ الفرنسية بعيدة المدى من طراز «سكالب» التي سلمت بالعشرات لكييف بقوله: «يتعين أن نتيح للأوكرانيين ضرب المواقع العسكرية التي تنطلق منها الصواريخ الروسية؛ أي المواقع التي منها يحصل الاعتداء الروسي على أوكرانيا».

واشنطن زوّدت كييف بصواريخ «أتاكمز» طويلة المدى (رويترز)

وبحسب وزير الدفاع الفرنسي سيباستيان لوكورنو، فإن القوات الأوكرانية «لم تبدأ»، وفق المعلومات التي بحوزته، «باستخدام الصواريخ الفرنسية» لضرب أهداف داخل روسيا. وقال لوكورنو، في حديث لإذاعة «فرانس إنفو» الإخبارية، صباح الجمعة، إن قانون الحرب «يعطي الدولة المعتدى عليها الحق في استهداف المواقع التي تنطلق منها الاعتداءات»، مضيفاً أن ذلك يندرج أيضاً في إطار «الدفاع عن النفس». وفي أي حال، يرى الوزير الفرنسي أن روسيا هي «المسؤولة عن هذا التطور» العسكري، وأن تزويد كييف بالصواريخ المتطورة «لا يجعل فرنسا شريكاً في الحرب»، و«لا معتدية على روسيا».

مركبات عسكرية سُلمت للقوات الأوكرانية في العاصمة كييف

الملف الأوكراني إلى الواجهة يومي 6 و7 يونيو

سيكون الملف الأوكراني رئيسياً خلال الاجتماعات التي ستحصل في فرنسا، بمناسبة الاحتفالات بمرور ثمانين عاماً على إنزال الحلفاء في منطقة النورماندي، الذي تحررت فرنسا بفضله من الاحتلال النازي.

وسيشارك الرئيس بايدن الذي سيقوم في الفترة عينها بـ«زيارة دولة» إلى فرنسا، كما سيكون حاضراً المستشار الألماني، ورئيس الوزراء البريطاني، والرئيس الأوكراني الذي دعاه ماكرون للمشاركة في الاحتفالات، وبالتالي في اللقاءات رفيعة المستوى التي ستحصل.

آثار الدمار في خاركيف بعد الضربات الروسية ليل الجمعة (أ.ف.ب)

وفي هذه المناسبة، سيطرح ماكرون الذي تحول إلى «صقر» بسبب تشدده في التعامل مع روسيا، بعد أن كان الأكثر ميلاً للتفاهم مع بوتين، مشروعه الداعي لقيام «تحالف» لإرسال مدربين عسكريين غربيين لتدريب القوات الأوكرانية على الأراضي الأوكرانية. وسبق له أن طرح في 26 فبراير (شباط) إشكالية الحاجة إلى إرسال قوات إلى أوكرانيا في حال نجحت روسيا في اختراق الجبهات القتالية، وصدر طلب رسمي من سلطات كييف بهذا الخصوص.

وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الداعي إلى فتح الباب أمام تمكين أوكرانيا من استخدام الصواريخ الأميركية بعيدة المدى (إ.ب.أ)

بيد أن التحفظات الداخلية والخارجية جعلت المشروع الأساسي أكثر تواضعاً، بحيث تحول إلى إرسال مدربين وليس قوات قتالية. ونقلت صحيفة «لو موند» الفرنسية المستقلة في عددها ليوم الجمعة، أن باريس تسعى لإقامة تحالف من دول «متطوعة»، بحيث يتاح للرئيس الفرنسي أن يعلن ذلك رسمياً بمناسبة وجود زيلينسكي في فرنسا يومي 6 و7 يونيو (حزيران). وحتى اليوم، هناك دول مثل بريطانيا وإستونيا وليتوانيا، أبدت استعدادها للمشاركة في هذا التحالف الموعود الذي يمكن أن يتوسع سريعاً، ويعد امتداداً طبيعياً للبرنامج الذي أطلقه الاتحاد الأوروبي في عام 2022 لتدريب القوات الأوكرانية خارج أوكرانيا، والذي بموجبه تم تدريب 52 ألف رجل، خصوصاً في بولندا.


مقالات ذات صلة

شولتس مرشح حزبه للانتخابات المبكرة في ألمانيا

أوروبا أولاف شولتس يتحدث بعد اختياره مرشحاً للانتخابات المبكرة في برلين الاثنين (رويترز)

شولتس مرشح حزبه للانتخابات المبكرة في ألمانيا

قرر الاشتراكيون الديمقراطيون دعم أولاف شولتس رغم عدم تحسن حظوظ الحزب، الذي تظهر استطلاعات الرأي حصوله على نحو 15 في المائة فقط من نوايا التصويت.

«الشرق الأوسط» (برلين)
شؤون إقليمية وزير الخارجية التركي هاكان فيدان (الخارجية التركية)

تركيا تعيد للواجهة المبادرة العراقية للتطبيع مع سوريا بعد موقف روسيا

أعادت تركيا إلى الواجهة مبادرة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني للوساطة مع سوريا بعد التصريحات الأخيرة لروسيا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
أوروبا المرشح المؤيّد لروسيا كالين جورجيسكو يتحدث للإعلام بعدما ترشح بوصفه مستقلاً للانتخابات الرئاسية في بوخارست 21 أكتوبر 2024 (أ.ب)

رومانيا: مفاجأة روسية في الانتخابات الرئاسية

تُعد نتيجة الانتخابات بمثابة زلزال سياسي في هذا البلد الذي يبلغ عدد سكانه 19 مليون نسمة، وبقي إلى الآن في منأى عن المواقف القومية على عكس المجر أو سلوفاكيا.

«الشرق الأوسط» (بوخارست)
أوروبا أوكراني في منطقة دمّرها هجوم صاروخي في أوديسا الاثنين (رويترز) play-circle 01:26

الكرملين: دائرة ترمب تتحدّث عن سلام وبايدن يسعى للتصعيد

أكد الكرملين أن الرئيس فلاديمير بوتين أشار مراراً إلى أن روسيا مستعدة للحوار بشأن أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (موسكو - كييف)
شؤون إقليمية إردوغان خلال استقباله الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته بالقصر الرئاسي في أنقرة الاثنين (الرئاسة التركية)

إردوغان بحث مع روته القضايا الأمنية والإقليمية المهمة لـ«الناتو»

بحث الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مع الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (ناتو) مارك روته عدداً من الملفات الأمنية والقضايا التي تهم الحلف.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

رومانيا: مفاجأة روسية في الانتخابات الرئاسية

المرشح المؤيّد لروسيا كالين جورجيسكو يتحدث للإعلام بعدما ترشح بوصفه مستقلاً للانتخابات الرئاسية في بوخارست 21 أكتوبر 2024 (أ.ب)
المرشح المؤيّد لروسيا كالين جورجيسكو يتحدث للإعلام بعدما ترشح بوصفه مستقلاً للانتخابات الرئاسية في بوخارست 21 أكتوبر 2024 (أ.ب)
TT

رومانيا: مفاجأة روسية في الانتخابات الرئاسية

المرشح المؤيّد لروسيا كالين جورجيسكو يتحدث للإعلام بعدما ترشح بوصفه مستقلاً للانتخابات الرئاسية في بوخارست 21 أكتوبر 2024 (أ.ب)
المرشح المؤيّد لروسيا كالين جورجيسكو يتحدث للإعلام بعدما ترشح بوصفه مستقلاً للانتخابات الرئاسية في بوخارست 21 أكتوبر 2024 (أ.ب)

فجّر المرشح المؤيّد لروسيا كالين جورجيسكو، الاثنين، مفاجأة مدوية بتصدّره الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية في رومانيا، حسب النتائج شبه النهائية، وسينافس سياسية مغمورة في الجولة الثانية من الانتخابات المقررة في 8 ديسمبر (كانون الأول).

وبعد فرز أكثر من 99 في المائة من الأصوات، حصل كالين جورجيسكو (62 عاماً) المنتمي إلى اليمين المتطرف، والمعارض لمنح أوكرانيا المجاورة مساعدات والمناهض لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، على 22.94 في المائة من الأصوات، متقدماً على إيلينا لاسكوني (52 عاماً)، وهي رئيسة بلدية مدينة صغيرة تترأس حزباً من اليمين الوسط وحلّت في المركز الثاني بـ19.17 في المائة من الأصوات في الانتخابات التي أُجريت، الأحد.

إيلينا لاسكوني (52 عاماً) التي ستخوض الجولة الثانية في أثناء إدلائها بصوتها الأحد (إ.ب.أ)

وتراجع رئيس الوزراء المؤيّد لأوروبا مارسيل شيولاكو الذي كان المرشح الأوفر حظاً، إلى المركز الثالث، بفارق نحو ألف صوت فقط عن لاسكوني (19.15 في المائة).

وحقّق جورجيسكو هذه النتيجة المفاجئة بعد أن أطلق حملة عبر تطبيق «تيك توك» ركزت على ضرورة وقف كل مساعدة لكييف، وحقّقت انتشاراً واسعاً خلال الأيام الماضية.

وعلّق جورجيسكو، الأحد، بالقول: «هذا المساء، هتف الشعب الروماني من أجل السلام، وهتف بصوت عالٍ للغاية».

وكان من المتوقع أن يبلغ الجولة الثانية جورج سيميون (38 عاماً)، زعيم تحالف اليمين المتطرف من أجل وحدة الرومانيين (أور)، لكنه حلّ رابعاً بـ13.87 في المائة من الأصوات. وهنّأ خصمه، معرباً عن سعادته بأن «سيادياً» سيترشح للجولة الثانية.

رئيس الوزراء المؤيّد لأوروبا مارسيل شيولاكو يلقي خطاباً وهو محاط بكبار المسؤولين في بوخارست الأحد (إ.ب.أ)

وعوّل سيميون المعجب بالرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، على خطاباته القومية، للاستفادة من غضب مواطنيه الذين يعانون الفقر بسبب التضخم القياسي.

كما أراد أن يُظهر نفسه معتدلاً؛ لكن ذلك «انعكس عليه سلباً بين الأكثر تطرفاً»، وفق ما قاله المحلل السياسي كريستيان بيرفوليسكو لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

تصويت مناهض للنظام

وأشار المحلل بيرفوليسكو إلى أن «اليمين المتطرف هو الفائز الأكبر في هذه الانتخابات»؛ إذ نال أكثر من ثلث الأصوات، متوقعاً أن تنعكس هذه النتائج لصالح اليمين المتطرف في الانتخابات التشريعية المقررة الأحد المقبل. لكن حصول ذلك يؤشّر إلى مفاوضات صعبة لتشكيل ائتلاف.

جورج سيميون (38 عاماً) زعيم تحالف اليمين المتطرف يتحدّث للإعلام في بوخارست الأحد (إ.ب.أ)

ويحكم الديمقراطيون الاشتراكيون، ورثة الحزب الشيوعي القديم الذي هيمن على الحياة السياسية في البلاد لأكثر من ثلاثة عقود، حالياً في ائتلاف مع الليبراليين من حزب التحرير الوطني الذي هُزم مرشحه أيضاً.

وبات الرومانيون يعوّلون على المرشحين المناهضين للنظام، في ظل صعود الحركات المحافظة المتشددة في أوروبا، بعد عقد من حكم الليبرالي كلاوس يوهانيس، وهو من أشد المؤيدين لكييف. وتراجعت شعبيته لا سيما بسبب رحلاته المكلفة إلى الخارج المموّلة بالمال العام. ويرى خبراء أن اليمين المتطرف استفاد من مناخ اجتماعي وجيوسياسي متوتر في رومانيا المنضوية في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (الناتو).

وبات لهذه الدولة الواقعة على حدود أوكرانيا دور استراتيجي منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا؛ حيث ينتشر على أراضيها أكثر من 5 آلاف جندي من حلف «الناتو»، وتشكّل ممراً لعبور الحبوب الأوكرانية.

وتُعد نتيجة الانتخابات بمثابة زلزال سياسي في هذا البلد الذي يبلغ عدد سكانه 19 مليون نسمة، وبقي إلى الآن في منأى عن المواقف القومية على عكس المجر أو سلوفاكيا المجاورتين. ويشغل رئيس الجمهورية منصباً فخرياً إلى حد كبير، لكنه يتمتع بسلطة معنوية ونفوذ في السياسة الخارجية. وتباينت المواقف حيال هذه النتائج في شوارع بوخارست، الاثنين. ورأى البعض فيها مفاجأة سارّة، مثل المتقاعدة ماريا شيس (70 عاماً) التي عدّت أن جورجيسكو «يبدو رجلاً نزيهاً وجاداً ووطنياً وقادراً على إحداث التغيير». وأوضحت أنها أُعجبت بمقاطع الفيديو التي نشرها على «تيك توك» مشيراً فيها إلى موقفه من الحرب في أوكرانيا وتعهّده بـ«السلام والهدوء». وأضافت: «انتهى الخنوع للغرب، وليُفسح المجال لمزيد من الاعتزاز والكرامة».

في المقابل، أعرب آخرون، مثل أليكس تودوز، وهو صاحب شركة إنشاءات، عن «الحزن وخيبة الأمل أمام هذا التصويت المؤيّد لروسيا بعد سنوات عدة في تكتلات أوروبية أطلسية». وعدّ أنه بمثابة تصويت ضد الأحزاب التقليدية التي لحقت بها حملة «تضليل» على الشبكات الاجتماعية أكثر من كونه موقفاً مؤيداً لـ«الكرملين». وحول الجولة الثانية، فقد أعرب عن خشيته من أن «الرومانيين ليسوا مستعدين لانتخاب امرأة (لاسكوني)»؛ لصد اليمين المتطرف في هذا البلد؛ حيث لا تزال النعرات الذكورية راسخة.