فرنسا تكثر من الشروط قبل الإقدام على الاعتراف بالدولة الفلسطينية

وزير خارجيتها يهاجم إسبانيا وآيرلندا ويتهمهما بالسعي وراء مكاسب انتخابية

الرئيس محمود عباس والرئيس الفرنسي خلال مؤتمر صحافي في باريس صيف 2022 (وفا)
الرئيس محمود عباس والرئيس الفرنسي خلال مؤتمر صحافي في باريس صيف 2022 (وفا)
TT

فرنسا تكثر من الشروط قبل الإقدام على الاعتراف بالدولة الفلسطينية

الرئيس محمود عباس والرئيس الفرنسي خلال مؤتمر صحافي في باريس صيف 2022 (وفا)
الرئيس محمود عباس والرئيس الفرنسي خلال مؤتمر صحافي في باريس صيف 2022 (وفا)

في شهر ديسمبر (كانون الأول) عام 2017، كان رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في زيارة رسمية لفرنسا. وكان الرئيس إيمانويل ماكرون في العام الأول من ولايته الرئاسية الأولى. وفي المؤتمر المشترك، سُئل ماكرون عن الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وجاء رده: «هل الاعتراف الأحادي بالدولة الفلسطينية سيكون مؤثراً؟ لا أعتقد ذلك، وسيُفهم على أنه ردة فعل على القرار الأميركي بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل الذي أحدث صدمة في العالم العربي وأبعد منه». وأضاف ماكرون: «لن أرتكب خطأ مماثلاً، وفرنسا لن تبني قراراتها على ردود فعل».

بعد سبع سنوات، ما زال ماكرون متردداً في الإقدام على هذه الخطوة رغم الضغوط التي يتعرض لها داخلياً وخارجياً وخصوصاً مع اعتراف دولتين من داخل الاتحاد «إسبانيا وآيرلندا» ودولة أوروبية ثالثة من خارجه «النرويج» بالدولة الفلسطينية، يضاف إليها السويد التي سبقت الآخرين في عام 2014. واليوم هناك 11 دولة أوروبية تعترف بالدولة الفلسطينية، فيما سلوفينيا ومالطا تتأهبان لذلك.

مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل يتحدث الأربعاء في مؤتمر بروكسل باتجاه موقف أوروبي موحد من الاعتراف بالدولة الفلسطينية (إ.ب.أ)

أما الدول المترددة، فأهمها، إلى جانب فرنسا: ألمانيا وإيطاليا وهولندا والدنمارك وبلجيكا. وبشكل عام، فإن دولاً في أوروبا الغربية، إضافة إلى أميركا الشمالية واليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا، ما زالت خارج اللائحة. وأكد مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، الثلاثاء، أنه «يدفع باتجاه موقف موحد» للأوروبيين.

كتابات على جدران في دبلن تقول: «النصر لفلسطين» بعد أن أعلنت آيرلندا أنها ستعترف بالدولة الفلسطينية (رويترز)

اللافت أن الرئيس الفرنسي الذي يوليه الدستور صلاحية رسم سياسة بلاده الخارجية، دأب منذ أشهر على تأكيد أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية «ليس من الممنوعات» بالنسبة إليه.

بيد أن باريس تختبئ وراء حجج وذرائع لتبرر عدم إقدامها على خطوة صوّت عليها البرلمان الفرنسي في توصية تعود لعشر سنوات خلت. وعقب محادثة هاتفية مع محمود عباس، الأربعاء، أصدر قصر الإليزيه بياناً جاء فيه أن ماكرون أكد أنه «أصبح من الملحّ للغاية إعادة إطلاق جهود السلام، ووضع حد للتأجيل المنهجي لتنفيذ حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية». وجاء في فقرة لاحقة أن فرنسا «ملتزمة بالعمل مع شركائها الأوروبيين والعرب لبناء رؤية مشتركة للسلام، توفر ضمانات أمنية للفلسطينيين والإسرائيليين، ولإدراج مسار الاعتراف بدولة فلسطين في إطار دينامية فعالة».

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ينتظر وصول رئيس موريتانيا إلى قصر الإليزيه الأربعاء (أ.ف.ب)

إلا أن ماكرون ربط بشكل غير مباشر بين إصلاح السلطة الفلسطينية والاعتراف بالدولة الفلسطينية. وجاء في البيان الرئاسي أن فرنسا «تريد سلطة فلسطينية يتم إصلاحها وتعزيزها، قادرة على ممارسة مسؤولياتها على كل الأراضي الفلسطينية، بما يشمل قطاع غزة، وبما يصب في مصلحة الفلسطينيين».

الرئيس ماكرون والمستشار الألماني شولتس في حديقة قصر ميسيبيرغ الثلاثاء (أ.ف.ب)

بيد أن أوضح موقف للرئيس الفرنسي جاء، الثلاثاء، في إطار المؤتمر الصحافي المشترك مع المستشار الألماني أولاف شولتس، حيث أكد أولاً أنه «جاهز تماماً للاعتراف بالدولة الفلسطينية»، قبل أن يضيف ما حرفيته: «أعتبر أن هذا الاعتراف يجب أن يحصل في لحظة مفيدة، أي أن يندرج في مسار حيث دول المنطقة وإسرائيل تكون ملتزمة بالسلام»، ما سيتيح، استناداً إلى عملية إصلاح السلطة الفلسطينية، أن يفضي إلى نتيجة مفيدة». وما لا يريده ماكرون أن يكون الاعتراف بفعل «التأثر العاطفي».

وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه (الأول يمين) في اجتماع وزراء خارجية «مثلث ويمار» في ألمانيا 22 مايو: اعتراف إسبانيا وإيرلندا بالدولة الفلسطينية وراءه دوافع انتخابية (د.ب.أ)

ما لم يقله ماكرون صراحة تكفل به وزير الخارجية ستيفان سيجورنيه، وذلك في رده، مساء الأربعاء، على سؤال في مجلس الشيوخ عن تردد باريس في الاحتذاء بما قامت به إسبانيا وآيرلندا. ولم يتردد سيجورنيه في مهاجمة مدريد ودبلن وقال: «فرنسا تريد حل الدولتين، وهذا يعني أن الاعتراف سيحين وقته بطبيعة الحال. ولكن السؤال المطروح هو ما قلته لوزيري خارجية إسبانيا وإيرلندا: ما الفائدة الدبلوماسية من الاعتراف اليوم؟».

وأردف سيجورنيه: «فرنسا تبحث عن حلول دبلوماسية لهذه الأزمة، وأنا آسف لأن عدداً من الدول الأوروبية فضلت التموضع السياسي في إطار حملة الانتخابات الأوروبية، ولكن هذا لا يأتي بأي حلول. أسألكم: ما الذي تغير في وضع غزة بعد الاعتراف الإسباني؟ نحن نعمل في إطار مجلس الأمن من أجل الحل السياسي». وبحسب سيجورنيه، فإن الاعتراف «يجب أن يفضي إلى إحراز تقدم حاسم على المستوى السياسي».

رئيس الوزراء الإسباني ووزير خارجيته مع أعضاء اللجنة الوزارية المشتركة العربية - الإسلامية بشأن غزة في مدريد الأربعاء (رويترز)

ليس تركيز الوزير الفرنسي على إسبانيا محض صدفة؛ إذ إن الدبلوماسية الإسبانية، وفق مصادر أوروبية في باريس، سعت لإقناع فرنسا بمواكبتها في عملية الاعتراف، ما من شأنه أن يوفر «زخماً دبلوماسياً مهماً من شأنه دفع الدول الأوروبية المترددة إلى اللحاق بهما». بيد أن باريس «رفضت وفضلت التريث وعادت إلى الحجج المعروفة، فيما الحرب في غزة وما ينتج عنها تستدعي موقفاً شجاعاً». وفي أي حال، فإن اتهام مدريد باستخدام الاعتراف وسيلة لكسب أصوات في الانتخابات الأوروبية المقبلة، خطير وأمر غير مسبوق، علماً بأن سياسة الحكومة الإسبانية - وكذلك الآيرلندية - تجاه ملف النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي، معروفة منذ زمن طويل.

بكلام آخر، فإن الوزير الفرنسي يرفض كافة الحجج التي دفعت 147 دولة للاعتراف بدولة فلسطين والتي تعدّ ذلك تنفيذاً لقرارات الأمم المتحدة العائدة لـ75 عاماً، والتي بموجبها ولدت دولة إسرائيل. كذلك يحجم الوزير أهمية الاعتراف وكونه «وسيلة لتسريع الحل السياسي»، علماً بأن الحكومة الإسرائيلية الحالية التي يسيطر عليها اليمين الديني المتطرف، ترفض قطعاً ولادة دولة فلسطينية، وهي تسعى، كما غيرها من الحكومات السابقة، إلى توسيع الاستيطان وتهجير الفلسطينيين في الضفة باللجوء إلى العنف.

مأزق ماكرون والحكومة

حقيقة الأمر أن الرئيس ماكرون وحكومته واقعان في مأزق بين ضغوط الشارع والطلاب واليسار بشكل عام من جهة، وأصدقاء إسرائيل واليمين بجناحيه التقليدي والمتطرف من جهة أخرى. وصدرت في الصحف عدة دعوات من أساتذة جامعيين وأكاديميين ومن دبلوماسيين سبق لهم أن عملوا في المنطقة، تشدد على أهمية إقدام فرنسا على الاعتراف اليوم بالدولة الفلسطينية.

رئيس وزراء آيرلندا (يسار) ووزير خارجيته خلال إعلان الاعتراف بالدولة الفلسطينية (أ.ف.ب)

والأربعاء، طلب سفير إسرائيل السابق لدى فرنسا، إيلي بارنابي، في حديث لإذاعة «فرانس إنفو»، من الحكومة الفرنسية أن تتوقف عن المماطلة، وأن تذهب إلى الاعتراف اليوم وقبل الغد، مؤكداً أن قيام دولة فلسطينية هو الحل الوحيد الممكن الذي يخدم الفلسطينيين والإسرائيليين معاً. من هنا، يأتي التركيز على أهمية الاعتراف «في الوقت المناسب الذي لن يأتي أبداً»، بحسب بارنابي. وثمة قناعة مفادها أن ماكرون والحكومة يسعيان إلى «كسب الوقت». من هنا، فإن تكاثر الشروط التي يضعانها للإقدام على ما يحجمان عنه اليوم، يوفر لهما الحجج للتنصل من الاعتراف الفوري ويدفعهما إلى الاحتماء بخط وسطي ملخصه: «نعم للاعتراف ولكن ليس الآن».

بيد أن ثمة مسألة أخرى تتعين الإشارة إليها، وهي وجود خطين في إطار الأكثرية الرئاسية النسبية، والدليل على ذلك أن وزير الخارجية الأسبق جان إيف لودريان المقرب من ماكرون، رأى أن الاعتراف «لا بديل عنه إذا أردنا المحافظة على حل الدولتين حياً». كذلك، فإن النائب الأوروبي عن حزب «النهضة» الماكروني برنار غيتا، دعا بدوره إلى الاعتراف الفوري وإلى دفع الطرفين للجلوس إلى طاولة المفاوضات. بيد أن فاليري هاير، رئيسة اللائحة التي يحتل فيها المرتبة الثانية، رأت أن «الشروط الضرورية للاعتراف غير متوافرة». وتساءلت: «من سيكون سعيداً باعتراف إسبانيا وإيرلندا؟ أليست حماس مجموعة إرهابية مسلحة؟».

الواضح أن هاير تتبنى قراءة وآيديولوجيا بنيامين نتنياهو حرفياً. فقد اتهم إسرائيل كاتس، وزير خارجية إسرائيل، مدريد بأنها أصبحت «شريكة في الدعوة إلى القضاء على اليهود»، وهاجم الدول الثلاث، واستدعى سفراءها لـ«تأنيبهم» بسبب الاعتراف.


مقالات ذات صلة

إسرائيل تُركز على «عش الدبابير» في الضفة

المشرق العربي فلسطينيون يقفون في طابورجنب عربات مصفحة للجيش الإسرائيلي خلال عملياته في مخيم جنين أمس (أ.ب)

إسرائيل تُركز على «عش الدبابير» في الضفة

قرر الجيش الإسرائيلي مواصلة الهجوم في الضفة الغربية، باليوم الرابع للعملية الواسعة، التي بدأها الأربعاء، ضد مخيمات شمال الضفة، وتركزت، أمس في مخيم جنين الذي

كفاح زبون (رام الله)
العالم العربي صورة بالأقمار الاصطناعية تُظهر حريقاً على سطح ناقلة النفط «سونيون» التي استهدفها الحوثيون في البحر الأحمر (أ.ف.ب)

الحوثيون يعلنون استهداف السفينة «جروتون» في خليج عدن للمرة الثانية

قالت جماعة الحوثي اليمنية المتمردة، السبت، إنها هاجمت السفينة «جروتون» التي ترفع علم ليبيريا في خليج عدن للمرة الثانية، وفق ما ذكرته وكالة «رويترز» للأنباء.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
المشرق العربي كامالا هاريس مرشحة الحزب الديمقراطي للانتخابات الرئاسية الأميركية متحدثة خلال تجمع في سافانا  (أ.ب)

مساعد لهاريس معارض لاستراتيجية إسرائيل في غزة سيؤدي دوراً رئيسياً في تحديد سياسات واشنطن

قالت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية إنه من المتوقع أن تستعين نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس بمساعدها فيل جوردون ليكون مستشاراً للأمن القومي في البيت الأبيض.

«الشرق الأوسط» (واشنطن )
المشرق العربي دمار هائل في خان يونس بجنوب قطاع غزة نتيجة القصف الإسرائيلي (رويترز)

«صحة غزة»: ارتفاع ضحايا القصف الإسرائيلي إلى 40 ألفاً و691 قتيلاً

أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة، السبت، ارتفاع حصيلة ضحايا القصف الإسرائيلي إلى 40 ألفاً و691 قتيلاً، إلى جانب أكثر من 94 ألفاً و60 إصابة.

تحليل إخباري قوات إسرائيلية تعمل على الأرض في قطاع غزة (أ.ف.ب)

تحليل إخباري «هدنة غزة»: المفاوضات تترقب «اقتراحاً نهائياً»

جولة مفاوضات جديدة مرتقبة هذا الأسبوع بشأن وقف إطلاق النار في غزة تشمل «مقترحاً أميركياً نهائياً» لوقف الحرب، وفق إعلام إسرائيلي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

حزب «فرنسا الأبية» يسعى إلى تأمين دعم برلماني لعزل ماكرون

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (رويترز)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (رويترز)
TT

حزب «فرنسا الأبية» يسعى إلى تأمين دعم برلماني لعزل ماكرون

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (رويترز)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (رويترز)

طلب حزب «فرنسا الأبية» اليساري، السبت، من المجموعات البرلمانية الأخرى دعم محاولته، التي يبدو أنها بعيدة المنال، لعزل الرئيس إيمانويل ماكرون بسبب «إخفاقات خطيرة» في تأدية واجباته الدستورية.

ويدور خلاف بين ماكرون وحزب «فرنسا الأبية» وحلفائه من الخضر والاشتراكيين والشيوعيين؛ بسبب رفضه تسمية مرشحتهم لوسي كاستيه رئيسة للوزراء بعد الانتخابات البرلمانية غير الحاسمة في يوليو (تموز).

ورغم أن تحالفهم «الجبهة الشعبية الجديدة» فاز بأكبر عدد من المقاعد، فإن النتائج لم تمنح أي كتلة الأغلبية في الجمعية الوطنية المنقسمة إلى حد كبير بين اليسار، ووسطيي ماكرون، والتجمع الوطني اليميني.

وكتب نواب «فرنسا الأبية» في مشروع قرار العزل، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، أن «الجمعية الوطنية (المجلس الأدنى) ومجلس الشيوخ يمكنهما، ويجب عليهما الدفاع عن الديمقراطية ضد ميول الرئيس الاستبدادية».

وقالت زعيمتهم البرلمانية ماتيلد بانو إنهم أرسلوا الوثيقة إلى نواب آخرين لجمع التوقيعات. وتواجه أي محاولة لعزل إيمانويل ماكرون من خلال المادة 68 من الدستور الفرنسي عقبات كبيرة، إذ تتطلب موافقة ثلثَي أعضاء الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ مجتمعين.

ويقول حزب «فرنسا الأبية» إن الأمر لا يعود إلى الرئيس «لإجراء مقايضات سياسية»، مشيراً إلى جهود ماكرون منذ يوليو للعثور على رئيس وزراء يحظى بإجماع.

لكن العديد من الخبراء الدستوريين يرون أن دستور الجمهورية الخامسة الذي أقر عام 1958 وكتب على افتراض أن النظام الانتخابي سينتج أغلبية واضحة، غامض بشأن المسار الذي يجب اتخاذه في حال تعطل العمل البرلماني.

وبرر ماكرون رفضه تسمية كاستيه رئيسة للوزراء بقوله إنه من واجبه ضمان «الاستقرار المؤسسي».