مع تصاعد وتيرة الهجوم الروسي على منطقة خاركيف، الذي بدأ في 10 مايو (أيار) الحالي، تجدّد النقاش داخل الولايات المتحدة وخارجها، حول ضرورة رفع القيود التي لا تزال تفرضها إدارة الرئيس جو بايدن على أوكرانيا، وتمنعها من استهداف الأراضي الروسية بالأسلحة الأميركية.
وخلال مؤتمرهما الصحافي في أعقاب انتهاء اجتماع مجموعة الاتصال الدفاعية الأوكرانية الذي انعقد افتراضياً يوم الاثنين، كرّر وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، ورئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال تشارلز براون، إجاباتهما «المبهمة» حول هذا الموضوع. وقال براون إن دعم أوكرانيا يركز الآن على تمكينها من استخدام القدرات التي تقدم لها، وعلى الأشياء التي ستؤثر على المعركة القريبة في مختلف المجالات.
وفيما أشار إلى أنه يجري الانتباه لما يحدث في خاركيف وما حولها، لكن أضاف «لن أتحدث علناً عما قد أنصح به». وقال: «مع استمرارنا في دعمهم، سأواصل العمل مع الوزير أوستن، بينما نقدم توصياتنا للمضي قدماً. لكن النقطة الأساسية الحقيقية هي استخدام القدرات التي قدمناها لهم في المعركة القريبة في المناطق التي يوجدون فيها، وهم يفعلون ذلك على الجبهات التي يعملون عليها بالفعل، وكذلك في شبه جزيرة القرم».
استراتيجية جديدة لاستخدام الأسلحة
وفي رده على سؤال عن تصريحات فيكتوريا نولاند، القائمة بأعمال نائب وزير الخارجية التي استقالت أخيراً، حيث قالت إن ما يجري في خاركيف يظهر أن الإدارة بحاجة إلى استراتيجية جديدة لأوكرانيا، قال أوستن، إنه يتفق مع ما قاله براون. وأضاف: «من وجهة نظري، يجب أن يكون تركيزهم على القتال المباشر، والتأكد من أنهم يخدمون تلك الأهداف التي ستمكنهم من تحقيق النجاح في القتال القريب»، وأضاف: «كما تعلمون، كان هذا موقفنا طوال الوقت، وهذه وجهة نظري للمضي قدماً».
وكانت نولاند قد قالت خلال مقابلة مع محطة إخبارية أميركية، يوم الأحد: «أعتقد أنه إذا كانت الهجمات تأتي مباشرة من وراء خطوط الجبهة في روسيا، فإن هذه القواعد يجب أن تكون لعبة عادلة، وأعتقد أن الوقت قد حان لمنح الأوكرانيين مزيداً من المساعدة لضرب هذه القواعد داخل روسيا».
وجدّد أوستن القول إن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ويدعم أوكرانيا لن يتردد في مواجهة الهجوم الروسي الذي شنته أخيراً. وعدّ أوستن الهجوم الروسي، «لحظة التحدي بالنسبة لأوكرانيا»، مشيراً إلى تركيز الجهود على تسليح أوكرانيا بقدرات حيوية في الوقت الذي يحاول فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الاستيلاء على أراضٍ جديدة في خاركيف. وقال أوستن إن القوات الأوكرانية تخوض «معركة شرسة» ضد الغزاة الروس الذين «يمحون القرى الأوكرانية، ويقتلون المدنيين الأبرياء، ويقصفون البنية التحتية المدنية، بما في ذلك السدود ومحطات الطاقة».
روسيا تدفع ثمناً باهظاً
لكنه قال إن القوات الروسية «تدفع أيضاً ثمناً باهظاً لعدوان بوتين». وأضاف: «أوكرانيا تقاتل من أجل حياتها، وهو ما يمنحها ميزة استراتيجية ضخمة تتمثل في قضية عادلة». وقال: «في هذه الأثناء، يحاول بوتين شن حرب عدوانية إمبريالية تعود إلى القرن التاسع عشر في عام 2024. إنها فكرة فظيعة واستراتيجية رهيبة».
وأكد أوستن أن قضية توفير الدفاع الجوي لأوكرانيا، كانت موضوعاً رئيسياً خلال اجتماع المجموعة الدفاعية، في ظل استمرار وابل الهجمات الجوية الروسية. وأشار إلى استمرار الضغط من أجل ضمان سيطرة أوكرانيا على أجوائها، وقدرتها على الدفاع عن مواطنيها وبنيتها التحتية المدنية، بعيداً عن الخطوط الأمامية. وأكد على أن الولايات المتحدة وحلفاءها وشركاءها في جميع أنحاء العالم، يركزون بشدة على متطلبات أوكرانيا على المدى القريب في خاركيف وأماكن أخرى. وقال أوستن إن الولايات المتحدة وحلفاءها وشركاءها سيواصلون الضغط من أجل إيجاد «حلول سريعة» لتسليح أوكرانيا. وأضاف: «النتيجة في أوكرانيا حاسمة بالنسبة للأمن الأوروبي، والأمن العالمي، والأمن الأميركي... لا أحد منا يريد أن يعيش في عالم حيث يعيد الطغاة رسم الحدود بالقوة، ويشنون حروباً عدوانية في محاولة لإحياء إمبراطوريات الأمس». وقال: «لذا اسمحوا لي أن أكون واضحاً، شركاء أوكرانيا متحدون. نحن مصممون. ولن نذهب إلى أي مكان».
من ناحيته، قال الجنرال براون، إن دعم التحالف ليس «مجرد عمل تضامني، بل هو عمل استراتيجي، وضرورة لتعزيز الأمن الدولي الأوسع». وأضاف: «إذا لم يتم التصدي للعدوان الروسي، فقد يشجع الأنظمة الاستبدادية الأخرى على تحدي الأعراف الدولية وانتهاك سيادة جيرانها. وهذا يسلط الضوء على أهمية الاستجابة القوية والموحدة».
نزوح 14 ألفاً من منطقة خاركيف
وقالت منظمة الصحة العالمية، الثلاثاء، إن أكثر من 14 ألف شخص نزحوا بسبب القتال المستمر في منطقة خاركيف. وقال ممثل المنظمة في أوكرانيا، يارنو هابيت، خلال مؤتمر صحافي: «نزح أكثر من 14 ألف شخص في بضعة أيام، ولا يزال نحو 189 ألفاً آخرين يعيشون على بعد أقل من 25 كيلومتراً من الحدود مع روسيا، ويواجهون أخطاراً كبيرة بسبب القتال المستمر». وأشار إلى أن منظمة الصحة العالمية حصلت على هذه الأرقام بعد التواصل مع السلطات المحلية، لافتاً إلى أن بعض النازحين ذهبوا إلى خاركيف ثاني أكبر مدن أوكرانيا فيما فرّ آخرون إلى أماكن أخرى.
وسمح هجوم الجيش الروسي في منطقة خاركيف، الذي بدأ في 10 مايو بعد تكثيف الغارات الجوية، لموسكو بتسجيل أهم مكاسبها الإقليمية خلال عام ونصف العام.
وتؤكد كييف أن التقدّم الروسي توقّف، وهو ما تنفيه موسكو. وأعربت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين الثلاثاء عن «قلقها البالغ» إزاء «تزايد الحاجات الإنسانية والنزوح القسري» جرّاء الغزو الروسي. وتخشى الوكالة الأممية أن «تصبح الظروف في خاركيف التي تستضيف بالأساس نحو مائتي ألف نازح داخلياً، أكثر صعوبة إذا استمر الهجوم البري والهجمات الجوية المتواصلة»، حسبما قالت الناطقة شابيا مانتو خلال مؤتمر صحافي في جنيف. وأضافت: «يمكن أن يجبر ذلك كثيراً من الأشخاص على مغادرة خاركيف لأسباب تتعلق بالأمن والبقاء على قيد الحياة، وعلى البحث عن الحماية في أماكن أخرى».
وقتل 11 شخصاً على الأقل في قصف روسي، الاثنين، طال مشارف مدينة خاركيف، بعدما قتل 6 مدنيين بينهم امرأة حامل، الأحد، فيما أصيب 27 آخرون عندما قُصف مركز ترفيهي على مشارف خاركيف، وذلك بضربات مصدرها منطقة بيلغورود الروسية. وبحسب مسؤولين أوكرانيين، فإن من بين الجرحى شرطياً ومسعفاً، أتيا لتقديم المساعدة للناس بعد الهجوم الأول، متهمين موسكو باللجوء «مجدداً» إلى تكتيك الضربات المتتالية. وقالت الشرطة إن المكان نفسه استُهدف بعد 20 دقيقة على وصول قوات الأمن وفرق الإنقاذ.
وتعرضت روسيا لانتقادات متكررة لتنفيذها ضربات مزدوجة، عبر قصف المكان مرة ثانية عندما تصل إليه فرق الإنقاذ والإسعاف. وفي وقت لاحق، أفاد حاكم منطقة خاركيف، أوليغ سينيغوبوف، بمقتل خمسة مدنيين وإصابة تسعة آخرين على الأقل بجروح في قصف استهدف قريتي نوفوسينوف وكيفتشاريفكا.
وعد الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، أن القوات الروسية تسعى من خلال الضربات المتتالية إلى «ترويع» السكان، مطالباً بـ«نظامَيْ دفاع من طراز باتريوت من أجل خاركيف»، قائلا: «إنهما سيغيران الوضع بشكل جذري». وأكد أن قواته «اكتسبت مواقع أقوى في منطقة خاركيف في الأيام الأخيرة».