روسيا تعلن السيطرة على 12 قرية لخلق مناطق حدودية عازلة لكن مدينة خاركيف ليست هدفاً

«الناتو» لا يتوقع حدوث اختراق روسي استراتيجي... والبنتاغون على موقفه من عدم ضرب الأراضي الروسية

من عمليات نقل كبار السن من منطقة خاركيف (رويترز)
من عمليات نقل كبار السن من منطقة خاركيف (رويترز)
TT

روسيا تعلن السيطرة على 12 قرية لخلق مناطق حدودية عازلة لكن مدينة خاركيف ليست هدفاً

من عمليات نقل كبار السن من منطقة خاركيف (رويترز)
من عمليات نقل كبار السن من منطقة خاركيف (رويترز)

أعلنت روسيا، الجمعة، أن جيشها يواصل التقدم في شمال شرقي أوكرانيا وأنه سيطر على 12 قرية في منطقة خاركيف خلال أسبوع منذ إطلاق هجوم بري جديد كبير، فيما أكد قائد الجيش الأوكراني أولكسندر سيرسكي، الجمعة، أن القوات الروسية وسعت منطقة القتال المحتدم بنحو 70 كيلومتراً حين شنت هجوماً في المنطقة، إلا أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الذي حذر في اليوم السابق من «صعوبة الأوضاع» في الجهة الشمالية الشرقية، قال الجمعة إن القوات الروسية تقدمت لمسافة 10 كيلومترات لكن الوضع «استقر» اليوم.

بنايات تعرضت للقصف بسالتيفكا في خاركيف (رويترز)

ونقل موقع «آر بي سي - أوكرانيا» عن زيلينسكي قوله للصحافيين «اليوم أوقفت قواتنا الدفاعية الروس حيث هم الآن. أعمق نقطة في تقدمهم هي 10 كيلومترات». وذكر أن روسيا شنت الهجوم لإجبار أوكرانيا على إرسال كتائب إضافية من جنود الاحتياط إلى القتال. وأضاف أنه يتوقع احتدام القتال في الوقت الذي تستعد فيه القوات الأوكرانية أيضاً للدفاع عن منطقة سومي بشمال البلاد.

وقالت وزارة الدفاع الروسية إن «وحدات من مجموعة الشمال حررت 12 بلدة في منطقة خاركيف... وتواصل التقدم في عمق دفاعات العدو». وقال الرئيس فلاديمير بوتين في وقت سابق، الجمعة، إن القوات الروسية التي تتقدم في منطقة خاركيف تنشئ «منطقة عازلة» لحماية المناطق الحدودية الروسية، لكنه قال إن السيطرة على مدينة خاركيف نفسها ليست جزءاً من خطة روسيا في الوقت الراهن.

توجيه الناس داخل مترو خاركيف للاحتماء بسبب الهجوم الروسي (إ.ب.أ)

وأضاف بوتين، الذي أدلى بهذه التصريحات في مؤتمر صحافي خلال زيارة دولة للصين، كما نقلت عنه «رويترز»، أن تقدم روسيا في الآونة الأخيرة في منطقة خاركيف جاء رداً على قصف أوكرانيا لمناطق حدودية روسية مثل بيلغورود. وتابع: «بالنسبة لما يحدث في منطقة خاركيف، فهذا خطأ (أوكرانيا) لأنها تنفذ هجمات وتواصل ذلك وللأسف تقصف أحياء سكنية في المناطق الحدودية، من بينها بيلغورود».

وأردف: «المدنيون يموتون هناك. ومن الواضح أنهم يقصفون وسط المدينة بشكل مباشر فضلاً عن المناطق السكنية. وقلت علناً إذا استمر هذا الحال، فسنضطر إلى إنشاء حزام أمني أو منطقة عازلة. هذا ما نفعله الآن».

وقال بوتين عند سؤاله عما إذا كانت القوات الروسية تعتزم السيطرة على مدينة خاركيف، ثانية كبرى مدن أوكرانيا: «بالنسبة لخاركيف، لا توجد مثل هذه الخطط في الوقت الحالي».

وصرّح سيرغي شويغو، الذي تولى أخيراً منصب رئيس مجلس الأمن الروسي، بأن القوات الروسية تحرز تقدماً على الجبهات كافة دون الخوض في التفاصيل. وقد تنطوي تصريحات شويغو على احتمال توغل روسي أعمق في الأراضي الأوكرانية، سواء بهدف دفع كييف إلى سحب قواتها من خط المواجهة الساخن في دونباس شرق البلاد، أو للاستيلاء على مزيد من المناطق الأوكرانية.

بنايات تعرضت للقصف بسالتيفكا في خاركيف (رويترز)

ووفقاً لتقديرات كيريلو بودانوف، رئيس الاستخبارات العسكرية الأوكرانية، فإن روسيا تعتزم شن هجوم آخر عابر للحدود باتجاه مدينة سومي الواقعة شمال غربي أوكرانيا. ويعتقد بودانوف أن «مجموعة صغيرة من القوات الروسية تتركز في تلك المنطقة وجاهزة للتحرك والمضي قدماً في الهجوم المرتقب».

ويرى المحلل العسكري الروسي، أناتولي ماتفيتشوك، أن سيطرة روسيا على خاركيف ستشكل «نقطة تحول» في مسار الحرب، وستوجه ضربة قوية للقدرات الصناعية الأوكرانية.

من جانبه، يقول أولكساندر موسيينكو، رئيس مركز الدراسات العسكرية والسياسية في كييف، إن «الاستراتيجية الروسية تهدف إلى محاصرة خاركيف بعدّها مركزاً إقليمياً». وبهذه الطريقة، لن يقتصر الأمر على إنشاء منطقة عازلة بعمق 10 - 15 كم فحسب، بل سيتيح لروسيا خيار مهاجمة خاركيف في وقت لاحق.

زيلينسكي يزور جبهة خاركيف (أ.ف.ب)

قالت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، الجمعة، إن أوكرانيا بحاجة إلى مزيد من الأسلحة بعيدة المدى للتصدي للتوغل الروسي في منطقة خاركيف، إذ لا يزال الوضع «مأساوياً للغاية» في ثانية كبرى المدن في البلاد. وقالت بيربوك على هامش اجتماع في ستراسبورغ إنه من المهم قطع طرق الإمداد الروسية وتزويد أوكرانيا بأسلحة «يمكن استخدامها على مسافات متوسطة وبعيدة». وأضافت: «نعمل مع شركاء لتحقيق هذا الأمر... الوضع بشكل عام صعب للغاية». وأصبحت ألمانيا ثاني أكبر مزود بالأسلحة لأوكرانيا منذ الغزو الروسي في عام 2022، لكن المستشار أولاف شولتس يحجم حتى الآن عن تزويد أوكرانيا بصواريخ بعيدة المدى.

من عمليات نقل كبار السن من منطقة خاركيف (أ.ف.ب)

لكن يعتقد القائد الأعلى لقوات حلف شمال الأطلسي «الناتو» في أوروبا، الجنرال كريستوفر كافولي، أن أوكرانيا يمكنها «الحفاظ على خطوطها» في مواجهة الهجوم الروسي في منطقة خاركيف. وأشار كافولي، خلال حديثه في مقر الحلف بعد اجتماع لرؤساء أركان الدول الأعضاء بحلف شمال الأطلسي، إلى أن «الروس ليست لديهم الأعداد اللازمة لتحقيق اختراق استراتيجي».

وقال الجنرال الأميركي إن الجيش الروسي يحاول استعادة الأراضي التي خسرها في خاركيف، مع تحقيق بعض المكاسب المحلية، لكن موسكو لم تحشد بعد ما يكفي من القوات للقيام بهجوم واسع. وأضاف: «الأهم من ذلك، أنهم لا يملكون المهارة ولا القدرة على العمل بالنطاق الواسع اللازم للاستفادة من أي اختراق لتحقيق ميزة استراتيجية».

زيلينسكي يزور جبهة خاركيف (أ.ف.ب)

وخلال زيارته لخاركيف وصف الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الوضع في المنطقة بأنه مستقر. وكتب زيلينسكي عبر صفحته على منصة «تلغرام»، الخميس: «الوضع بشكل عام يمكن السيطرة عليه، ومقاتلونا يلحقون خسائر ملحوظة بالمحتلين». وقال إن التعزيزات قادمة. وقالت هيئة الأركان الأوكرانية في أحدث تقاريرها عن الوضع إن هناك نجاحاً في إبطاء الهجوم الروسي الكبير الجاري منذ أسبوع تقريباً. وتابع التقرير، كما نقلت عنه «الوكالة الألمانية» أنه تم إحباط «خطط العدو للتوغل إلى مواقع أعمق بقدر الإمكان في فوفشانسك وتحصين نفسه هناك». ويجري القتال في الجزء الشمالي من المدينة. وأعلنت هيئة الأركان الأوكرانية أيضاً أن الوضع تحت السيطرة.

وحذر زيلينسكي أوروبا من أن تهاجم روسيا منظومة الغاز. وقال الزعيم الأوكراني يوم الخميس لنظيره البولندي، إن أوروبا تحتاج إلى أن تكون متيقنة من أنها مستعدة لأي هجمات صاروخية روسية محتملة على منظومة نقل الغاز. وقال زيلينسكي في خطابة المسائي يوم الخميس إنه تحدث مع رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك بهذا الشأن.

وقبل اندلاع الحرب، كان عدد سكان مدينة خاركيف يبلغ 1.4 مليون نسمة، ما يجعلها ثالث أهم مدينة في أوكرانيا من الناحية الاقتصادية بعد العاصمة كييف ومدينة دنيبرو.

ونظراً لقربها الشديد من الحدود الروسية، تفتقر المدينة إلى دفاعات جوية كافية، وقد تعرضت مراراً لقصف روسي مدمر بصواريخ باليستية وصواريخ مضادة للطائرات معدلة وقنابل انزلاقية. كما أن عدم تمكن الجيش الأوكراني من استخدام أسلحته الصاروخية بعيدة المدى، لاستهداف القوات الروسية المحتشدة خلف الحدود، بسبب القيود التي تفرضها الولايات المتحدة، يضاعف من الخطر على المدينة.

دبابة أوكرانية مدمرة في خاركيف (رويترز)

ورغم ذلك، لا تزال واشنطن متمسكة بموقفها. ومساء الخميس، جددت نائبة المتحدث باسم البنتاغون، سابرينا سينغ، خلال مؤتمرها الصحافي القول إن الولايات المتحدة لم تغير موقفها، وإنها لا تزال تعتقد أن المعدات والقدرات التي تمنحها مع دول أخرى لأوكرانيا: «يجب أن تستخدم لاستعادة الأراضي ذات السيادة الأوكرانية».

ورداً على سؤال عمّا إذا كان هذا طلب الأوكرانيين أو أنه شرط ملزم مصاحب لتسليم الأسلحة، قالت سينغ: «لقد جعلنا طلباتنا علنية جداً في هذا الشأن. مرة أخرى، أود أن أكرر أنه خلال كل اجتماعات مجموعة الاتصال الدفاعية عن أوكرانيا التي يعقدها الوزير لويد أوستن، يؤكد فيها أن الأسلحة المقدمة، مخصصة للاستخدام في ساحة المعركة». وأضافت: «يتحدث الوزير مع نظيره الأوكراني، عن أفضل السبل لاستخدام هذه القدرات، ونعتقد أن ذلك يقع داخل الأراضي الأوكرانية».

هذا، وقد قالت شركة «ماكسار» الأميركية للأقمار الاصطناعية التجارية، إن ضربة أوكرانية بعيدة المدى على قاعدة بيلبك الجوية التي تسيطر عليها روسيا في شبه جزيرة القرم دمرت ثلاث طائرات حربية روسية ومنشأة للوقود قرب مدرجها الرئيسي. واستندت الشركة إلى صور أقمار اصطناعية التقطت الخميس، وأظهرت تدمير طائرتين مقاتلتين من طراز ميغ - 31 ومقاتلة من طراز سو - 27. وأضافت أن الهجوم أسفر أيضاً فيما يبدو عن إلحاق أضرار بمقاتلة من طراز ميغ - 29. ولم تعلن أوكرانيا صراحة مسؤوليتها عن ضرب القاعدة الجوية.

وأعلنت وزارة الدفاع الروسية أنها اعترضت الجمعة أكثر من 100 مسيّرة أطلقتها أوكرانيا خلال الليل على جنوب البلاد، فوق البحر الأسود وشبه جزيرة القرم. وقالت الوزارة في بيان إنها اعترضت 51 طائرة مسيّرة وست مسيّرات بحرية في شبه جزيرة القرم و44 مسيّرة فوق منطقة كراسنودار وست طائرات مسيّرة أخرى فوق منطقة بيلغورود. وأضافت: «خلال الليل، دمّر الطيران البحري وزوارق دورية تابعة لأسطول البحر الأسود ست مسيّرات بحرية في مياه البحر الأسود».


مقالات ذات صلة

موسكو: إسقاط 56 مسيرة أوكرانية فوق مناطق روسية

أوروبا مسيرة أوكرانية (رويترز)

موسكو: إسقاط 56 مسيرة أوكرانية فوق مناطق روسية

أكدت وزارة الدفاع الروسية في ساعة مبكرة من صباح اليوم (السبت)، أن أنظمة الدفاع الجوي أسقطت 56 مسيرة أوكرانية فوق مناطق روسية خلال الليل.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
العالم فافا شبانوفا ناجية من حادثة تحطم طائرة الخطوط الجوية الأذربيجانية في كازاخستان (رويترز)

ناجون من طائرة أذربيجان: سمعنا دوي انفجارات قبل السقوط

قال أحد ركاب طائرة الخطوط الجوية الأذربيجانية التي تحطمت في كازاخستان، لوكالة «رويترز»، إنه سمع دوي انفجار قوي لدى اقتراب الطائرة من وجهتها في مدينة غروزني.

«الشرق الأوسط» (باكو)
أوروبا رجلان يقفان بجوار جثمان قريب لهما قُتل في قصف صاروخي على منطقة دونيتسك 21 يناير (كانون الثاني) 2024 (أ.ف.ب)

سلوفاكيا تؤكد استعدادها لاستضافة مباحثات سلام بشأن أوكرانيا

أعربت سلوفاكيا عن استعدادها لاستضافة مباحثات سلام في أوكرانيا، بعدما أبدى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين موافقته على أن تصبح براتيسلافا «منصة» للحوار بشأن الحرب.

«الشرق الأوسط» (براتيسلافا)
أوروبا جنود أوكرانيون من كتيبة «دافنشي» خلال تدريب في منطقة دنيبروبيتروفسك في 12 ديسمبر 2024... وسط الغزو الروسي لأوكرانيا (أ.ف.ب)

ازدياد عمليات الفرار يثير القلق في صفوف الجيش الأوكراني

مع استمرار الحرب في أوكرانيا بشراستها منذ أكثر من عامين، يختار آلاف الجنود الأوكرانيين الفرار من الجيش في محاولة للنجاة من أهوال القتال على الجبهة.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا أفراد من وحدة مدفعية أوكرانية بمنطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية في خط المواجهة - أوكرانيا 25 ديسمبر 2024 (رويترز)

الاستخبارات الأوكرانية: قوات كوريا الشمالية تتكبد خسائر ميدانية فادحة

قالت المخابرات العسكرية الأوكرانية إن القوات الكورية الشمالية تتكبد خسائر فادحة في القتال في منطقة كورسك الروسية، وتواجه صعوبات لوجيستية نتيجة هجمات أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (كييف)

الطائرة الأذربيجانية: تدخل خارجي

متخصصو طوارئ يعملون في موقع تحطم طائرة الركاب الأذربيجانية بالقرب من أكتاو بكازاخستان 25 ديسمبر 2024 (إ.ب.أ)
متخصصو طوارئ يعملون في موقع تحطم طائرة الركاب الأذربيجانية بالقرب من أكتاو بكازاخستان 25 ديسمبر 2024 (إ.ب.أ)
TT

الطائرة الأذربيجانية: تدخل خارجي

متخصصو طوارئ يعملون في موقع تحطم طائرة الركاب الأذربيجانية بالقرب من أكتاو بكازاخستان 25 ديسمبر 2024 (إ.ب.أ)
متخصصو طوارئ يعملون في موقع تحطم طائرة الركاب الأذربيجانية بالقرب من أكتاو بكازاخستان 25 ديسمبر 2024 (إ.ب.أ)

وقعت حادثة تحطّم طائرة الخطوط الجوّية الأذربيجانية أثناء رحلة إلى العاصمة الشيشانية غروزني، وأسفرت عن 38 قتيلاً، بسبب «تدخّل خارجي»، وفق النتائج الأولية للتحقيق، أمس (الجمعة)، في حين تبادلت كل من موسكو وكييف الاتهامات بالمسؤولية.

وكتب مدير هيئة الطيران الروسية (روسافياتسيا)، دميتري يادروف، عبر «تلغرام»، إن «مسيّرات عسكرية أوكرانية كانت في ذاك الوقت تشنّ هجمات إرهابية على منشآت مدنية في مدينتي غروزني وفلاديكافكاز».

في المقابل، وجه أندري يرماك، رئيس مكتب الرئاسة الأوكرانية، أصابع الاتهام إلى موسكو، مشدّداً على ضرورة أن «تحاسب روسيا».

ولم يؤكّد بعد أيّ من البلدان المعنية رسمياً فرضية الصاروخ الروسي التي تغذّيها صور لآثار بادية على هيكل الطائرة، التي غيرت وجهتها إلى كازاخستان حيث تحطّمت.