من اتهامات بالعمالة للصين، إلى تلقي رشاوى من روسيا، واستخدام شعارات نازية محظورة، تلاحق الفضائح حزب «البديل لألمانيا» اليميني المتطرف قبل أسابيع قليلة على الانتخابات الأوروبية، التي تشير الاستطلاعات إلى أن الأحزاب الشعبوية الأوروبية ستحقق انتصارات كبيرة فيها.
ولم يكد يمر شهر على اعتقال مساعد النائب في البرلمان الأوروبي ماكسيمليان كراه، الذي يقود لائحة حزب «البديل لألمانيا» في الانتخابات المقبلة، بعد اتّهامه بالتجسس للصين، حتى داهمت الشرطة الألمانية منازل النائب في «البوندستاغ (البرلمان الألماني الفيدرالي)» بيتر بيسترون، بعد اتّهامه بتلقي رشاوى مالية من روسيا.
وبدأت المداهمات، فجر الخميس، بعد موافقة «البوندستاغ» على رفع الحصانة عن النائب؛ ما سمح للادعاء العام في ميونيخ، الذي بدأ الإجراءات ضد النائب البافاري، بإصدار الأوامر للشرطة بتنفيذ المداهمات. وطالت المداهمات منازل بيسترون في برلين وبافاريا ومايوركا في إسبانيا؛ بحثاً عن أدلة للاتهامات التي ساقها له المدعي العام بتلقي رشاوى وتبييض أموال.
«صوت أوروبا»
وبحسب موقع «دير شبيغل»، وافقت الأحزاب كلها في «البوندستاغ» باستثناء كتلة «البديل لألمانيا» على رفع الحصانة عن بيسترون الذي ينفي الاتهامات. وشارك في المداهمات، بحسب الموقع نفسه، 70 عنصراً من الشرطة، وتم رفع أدلة من وثائق وناقلات بيانات.
وتدور التحقيقات حول تلقي النائب رشاوى من موقع «فويس أوف يوروب (صوت أوروبا)» الذي يتخذ من براغ مقراً له، وكشفت المخابرات التشيكية نهاية مارس (آذار) الماضي ارتباطه بروسيا.
وبحسب المخابرات التشيكية، فإن موقع «صوت أوروبا» ينشر «البروباغندا الروسية بـ16 لغة»، وإنه يؤمّن «دعماً مالياً سرياً للمرشحين في الانتخابات الأوروبية التي ستُعقد في يونيو (حزيران) المقبل، ويعدّون من المرشحين الأصدقاء لروسيا». وبيسترون هو المرشح الثاني على لائحة حزب «البديل لألمانيا» في الانتخابات الأوروبية المقبلة.
وبحسب موقع «دير شبيغل»، فإن المخابرات التشيكية تملك أدلة تورط بيسترون على شكل أشرطة صوت وفيديوهات، يُسمع فيها وهو «يشتكي من فئة العملات النقدية».
ويعرض موقع «صوت أوروبا» مقابلات عدة لبيسترون، من بين نواب آخرين من حزب «البديل لألمانيا»، ينتقد فيها الحكومة الألمانية بشدة، خصوصاً لجهة دعمها أوكرانيا. ويتهم بيسترون الحكومة بأنها «لا تهتم بالمزارعين» الذي يخرجون في مظاهرات يشكون فيها من ارتفاع تكاليف المواد الزراعية. واستفاد «البديل لألمانيا» من الحركة مؤخراً بإعلان دعمه لها، ما أكسبه شعبية بين المزارعين الذين خرجوا حاملين شعاراته في كثير من الأحيان.
وفي إحدى المقابلات المنشورة على موقع «صوت أوروبا»، يقول بيسترون إن «الحكومة الألمانية لا تهتم بالمزارعين، ولكنها ترسل أسلحة بقيمة مليارات اليوروات لأوكرانيا. هناك أموال لقتل أشخاص في دول أخرى، ولكن لا أموال لمزارعينا!».
وبعد كشف تشيكيا عن ارتباط الموقع بروسيا، فرضت حظراً عليه وأضافته على اللائحة السوداء. وقبل أيام وافقت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على اتخاذ خطوات مماثلة مفترض أن يتم تطبيقها قريباً قبل انتخابات 6 يونيو.
بصمات روسية
وكشفت وسائل إعلام تشيكية، نهاية مارس، أنه يعتقد بأن فيكتور فيدفيدشوك، صديق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يقف وراء الموقع. وفيدفيدشوك كان سياسياً أوكرانيا ثرياً، وسُجن في كييف بتهمة الخيانة، وهو حالياً في روسيا بعد أن تمّ تبادله في صفقة تبادل أسرى. وبحسب المخابرات التشيكية، فإن إحدى المقربات من فيدفيدشوك هي مَن تدير موقع «صوت أوروبا».
وبحسب «دير شبيغل»، فإن النائب الألماني بيسترون هو على معرفة شخصية بفيدفيدشوك منذ سنوات، وزاره في منزله في كييف عام 2021، عندما كان تحت الإقامة الجبرية. وكي تتم إدانة النائب بالرشوة، يجب أن يثبت المحققون أنه ارتكب جريمة بحسب القانون الألماني. وهذا يعني أن تلقيه أموالاً غير كافٍ لإثبات تلقيه رشوة، إذ يجب إثبات ارتباط الأموال بدوره نائباً وبأدائه لمنصبه.
شعارات نازية
لا تتوقف فضائح «البديل لألمانيا» عند الشبهات التي تحوم حول أعضائه وارتباطهم بروسيا والصين، بل أيضاً حول اتهامات بحملهم أفكاراً شبيهة بالنازية.
وقبل يوم، أدانت محكمة ألمانية في مدينة هاله زعيماً محلياً في حزب «البديل لألمانيا»، هو بيورغ هوكيه، المسؤول عن الحزب في ولاية تورينغن، باستخدام شعار نازي محظور، وفرضت عليه دفع غرامة مالية قيمتها 13 ألف يورو.
وكان هوكيه قد هتف «كل شيء لأجل ألمانيا» خلال خطاب أدلى به في مدينة ميزيبيرغ عام 2021. ونفى هوكيه الاتهامات الموجهة إليه، وقال إنه لم يُردّد شعاراً نازياً، وإنه قالها من دون الانتباه لأصدائها التاريخية.
و«كل شيء لأجل ألمانيا» كان شعار «وحدة العاصفة»، المعروفة بـ«SA»، وهي الوحدة شبه العسكرية التابعة للحزب النازي. ولأن شعارات النازيين محظورة في ألمانيا ويعاقب عليها القانون، عدّت المحكمة أن «كل شيء لأجل ألمانيا» يصبّ في إطار الشعارات المحظورة، نظراً لأنه شعار معروف آنذاك، ومرتبط من دون شك بالنازيين.
وكان الادعاء قد طالب بعقوبة السجن لمدة 6 أشهر مع وقف التنفيذ، وقال خلال المحاكمة إنه «من غير المفهوم أو الموثوق» أن هوكيه لم يعرف معنى الشعار الذي نطق به.
ويعدّ هوكيه من أشد المتطرفين داخل حزب «البديل لألمانيا»، وكان قد أثار جدلاً في الماضي، وهو معروف بارتباطه مع نازيين جدد. وفي عام 2017، أثار خطاب له غضب كثيرين، عندما قال في إشارة إلى نصب الهولوكوست التذكاري في برلين إن «الألمان هم الشعب الوحيد في العالم الذي زرع تذكار العار في قلب عاصمته»، وأشار آنذاك إلى أن الألمان يتعين عليهم «أن يغيروا سياسة تذكرهم 180 درجة».
وعدّ كثيرون أنه في هذه التصريحات ينكر الهولوكوست، وأنه يريد تخطّي هذه المرحلة السوداء من تاريخ ألمانيا. ووُصف آنذاك بأنه «يحمل أفكار النازيين الجدد». وحاول الزعيم السابق للحزب، يورغ مويثن، طرده من «البديل لألمانيا»؛ بسبب تطرفه الشديد، ولكنه فشل وانتهى به الأمر هو مستقيلاً في عام 2022.
التجسس لصالح الصين
وفي نهاية أبريل (نيسان) الماضي، اعتقلت السلطات الألمانية مساعد النائب الأوروبي ماكسيمليان كراه الذي يقود لائحة «البديل لألمانيا» في الانتخابات الأوروبية، بعد اتهامات له بأنه يتجسس لحساب الصين. ومساعد كراه هو مواطن صيني الأصل يحمل الجنسية الألمانية، وكان قدّم نفسه للمخابرات الألمانية قبل 10 سنوات للتجسس على الصين، ولكن المخابرات رفضت عرضه وعدّته آنذاك «لا يتمتع بمصداقية، وأنه قد يكون عميلاً مزدوجاً».
وفي نهاية العام الماضي، كشف موقع ألماني عن اجتماع سري لمجموعة من اليمينيين المتطرفين شارك فيه نواب من «البديل لألمانيا»، ناقش ترحيل ملايين المهاجرين والألمان من أصول مهاجرة، في سيناريو شبهه كثيرون باجتماع النازيين الذي ناقش «الحل الأخير»، الذي كان بداية الهولوكوست. وبدأت هذه الفضائح المتكررة تؤثر في حظوظ الحزب على ما يبدو، إذ أظهر آخر الاستطلاعات خسارته 6 نقاط منذ مطلع العام، وهو الآن يحظى بتأييد 17 في المائة من الناخبين مقابل 23 في المائة مطلع العام.