أعمال عنف واحتجاجات... ماذا يحدث في كاليدونيا الجديدة «جزيرة النيكل»؟

قوات الدرك الفرنسية تقف مع دروعها عند مدخل منطقة فالي دو تير في نوميا (أ.ف.ب)
قوات الدرك الفرنسية تقف مع دروعها عند مدخل منطقة فالي دو تير في نوميا (أ.ف.ب)
TT

أعمال عنف واحتجاجات... ماذا يحدث في كاليدونيا الجديدة «جزيرة النيكل»؟

قوات الدرك الفرنسية تقف مع دروعها عند مدخل منطقة فالي دو تير في نوميا (أ.ف.ب)
قوات الدرك الفرنسية تقف مع دروعها عند مدخل منطقة فالي دو تير في نوميا (أ.ف.ب)

في الوقت الذي تشتعل فيه الاحتجاجات في إقليم كاليدونيا الجديدة، جنوب غربي المحيط الهادئ، اعتراضاً على تعديلات دستورية، شهدت أعمال عنف تعرضت خلالها الشرطة لهجمات. وقتل شخص بالرصاص في وقت مبكر من الساعات الأولى، اليوم الأربعاء، وأصيب اثنان في نوميا العاصمة، وفق ما أعلن المفوض السامي للجمهورية الفرنسية لوي لو فران.

وأوضح أنه تم «نقل ثلاثة مصابين إلى الطوارئ، تُوفي أحدهم بعد إصابته الرصاص. ليس برصاص الشرطة أو الدرك بل شخص أراد بالتأكيد الدفاع عن نفسه».

وكاليدونيا الجديدة واحدة من خمس مناطق جزرية تسيطر عليها فرنسا بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، وهي محور خطة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لزيادة نفوذ بلاده في المحيط الهادئ. وتسعى فرنسا لإتاحة حقوق التصويت للمهاجرين الذين عاشوا في كاليدونيا الجديدة لعشر سنوات، وفقاً لما ذكرته «وكالة الصحافة الفرنسية».

أشخاص يدفعون عربات التسوق بجوار سيارة محترقة بعد نهب سوبر ماركت وتخريب المتاجر في منطقة نجيا في نوميا (أ.ف.ب)

وتابع لو فران في تصريحاته قائلاً: «أترك لكم تصوّر ما سيحدث إذا بدأت ميليشيات إطلاق النار على أشخاص مسلّحين»، واصفاً الوضع في الأرخبيل بأنه «تمردي»، ودعا إلى الهدوء.

كذلك، أفاد لو فران بحصول «تبادل لإطلاق النار بين مثيري شغب ومجموعات دفاع مدني في نوميا وبايتا»، و«محاولة اقتحام مفرزة (درك) سان ميشال». ونفّذت الشرطة 140 عملية توقيف في منطقة نوميا، وفق حصيلة جديدة أعلنها لو فران.

لماذا نشبت الاحتجاجات؟

واندلعت احتجاجات منذ يومين بالتزامن مع مداولات في الجمعية الوطنية الفرنسية حول تعديلات في دستور كاليدونيا الجديدة. ومن شأن التعديلات المقترحة أن تسمح لعدد أكبر من السكان الفرنسيين بالتصويت في انتخابات الجزيرة، وهو ما يخشى أنصار الاستقلال من أن يقوض قدرة أصوات السكان الأصليين المعروفين باسم شعب الكاناك.

جلسة مناقشة التعديلات الجديدة أمس في الجمعية الوطنية الفرنسية في باريس (أ.ف.ب)

ويؤيد معسكر غير المؤيدين للاستقلال الإصلاح، فيما يرى معسكر الانفصاليين أن باريس تسعى من خلال ذلك إلى «مواصلة التقليل من شأن شعب الكاناك الأصلي» الذي كان يمثل 41.2 في المائة من سكان الجزيرة في تعداد عام 2019 مقابل 40.3 في المائة قبل عشرة أعوام، وفقاً لما ذكرته «وكالة الصحافة الفرنسية».

ووفقاً للمادة الـ77 من الدستور الفرنسي، تقتصر القاعدة الانتخابية على الناخبين المشتركين في قوائم استفتاء تقرير المصير لعام 1998 وأحفادهم، ما يستبعد السكان الذين وصلوا بعد عام 1998 وكثير من السكان الأصليين.

بموجب ذلك يُحرم نحو 20 في المائة من الناخبين من حق التصويت في الانتخابات الإقليمية.

ماكرون يتدخل على خط الأزمة

دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، اليوم الأربعاء، إلى اجتماع لمجلس الدفاع والأمن القومي؛ للبحث في أعمال الشغب في كاليدونيا الجديدة.

وألغى ماكرون رحلة إلى منطقة فرنسية كانت مقررة صباح الأربعاء، من أجل التعامل مع الأزمة في الأرخبيل الواقع في المحيط الهادئ، كما أُرجئ الاجتماع الأسبوعي لمجلس الوزراء إلى فترة ما بعد الظهر. وبالنسبة لباريس، يعد إقليم كاليدونيا مهماً من الناحية الجيوسياسية والعسكرية، وأيضاً بسبب مخزون النيكل فيه.

وفرضت السلطات الفرنسية حظر تجول في العاصمة نوميا، وعبّأت قوات الأمن وأغلقت مطارها الدولي بعد الاحتجاجات التي شهدت أعمال عنف.

وطالبت حكومة كاليدونيا بالهدوء، ونددت بتدمير الممتلكات. وقالت، في بيان الثلاثاء إن «كل أسباب السخط والإحباط والغضب لا يمكن أن تبرر تقويض أو تدمير ما تمكنت البلاد من بنائه على مدى عقود».

وأظهر مقطع فيديو الشرطة وهي تقوم بدوريات في الشوارع وسط سيارات محترقة وتصاعد لأعمدة الدخان، بعد أن أقام محتجون حواجز على طرق رئيسية، الاثنين.

موقع الإقليم

وتقع كاليدونيا الجديدة، الغنية بمعدن النيكل، على بعد 20 ألف كم من فرنسا، ويبلغ عدد سكانها 270 ألف نسمة؛ 41 في المائة منهم ميلانيزي، و24 في المائة من أصل أوروبي، معظمهم فرنسيون.

وساعد اتفاق نوميا لعام 1998 على إنهاء عقد من الصراع أودى بحياة 80 شخصاً من خلال تحديد مسار للحكم الذاتي التدريجي، وقَصَر التصويت بالانتخابات على سكان الكاناك الأصليين والمهاجرين الذين يعيشون في كاليدونيا الجديدة منذ عام 1998، وفقاً لما ذكرته «مونت كارلو».

وتتمتع المنطقة بدرجة كبيرة من الاستقلالية، ولكنها تعتمد بشكل كبير على فرنسا في أمور مثل الدفاع والتعليم. وما زالت تتلقى إعانات كبيرة من باريس. وتحظى الهوية الفرنسية بحضور طاغ بين السكان من العرق الأوروبي في كاليدونيا الجديدة الذين يمثلون نحو 27.1 في المائة من السكان.

الأمم المتحدة

وأدرجت كاليدونيا الجديدة في قائمة الأمم المتحدة للأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي من عام 1946 إلى عام 1947، بعد أن أحالت فرنسا معلومات بشأنها والأقاليم التابعة لها بموجب المادة 73 (هـ) من ميثاق الأمم المتحدة.

خريطة جزيرة كاليدونيا الجديدة (الموقع الرسمي للأمم المتحدة)

وفي عام 1986، أعادت الجمعية العامة إدراج كاليدونيا الجديدة في القائمة؛ إذ رأت أن «كاليدونيا الجديدة إقليم غير متمتع بالحكم الذاتي في إطار المعنى الوارد في الميثاق»، وفقاً لما ذكره موقع الأمم المتحدة.

وجرى انتخاب رئيس كاليدونيا الجديدة لوي مابو في 2021 ليكون أول زعيم من السكان الأصليين المؤيدين للاستقلال. وتم تأجيل الانتخابات البرلمانية، والتي كان من المقرر إجراؤها في مايو (أيار)، حتى نهاية العام.

أهمية الإقليم لفرنسا

الإقليم يقع تحت السيادة الفرنسية منذ عام 1853، ومهمٌّ من الناحية الجيوسياسية والعسكرية؛ حيث استخدمته بوصفه مستعمرة عقابية يُنفى إليها المخالفون للقوانين أو النظم الفرنسية. وأيضاً بسبب مخزون النيكل فيه الذي يمثل نحو 25 في المائة من إجمالي النيكل العالمي. وتشهد هذه المنطقة الكثير من التوترات منذ فترة طويلة بين السكان الأصليين المؤيدين للاستقلال المعروفين بـ«الكاناك»، والمستوطنين الموالين لفرنسا.

عناصر من الشرطة في شوارع المدينة عام 2021 (أ.ب)

انخرط سكان كاليدونيا في محاولة الاستقلال عن باريس منذ ثمانينات القرن الماضي، عندما شهدت أراضيهم التي استعمرتها فرنسا في القرن التاسع عشر، فترة اضطرابات بلغت ذروتها في عملية احتجاز رهائن وهجوم على كهف أوفيا في مايو 1988. وقد أدت إلى مقتل 19 من الناشطين الكاناك وستة عسكريين. وبعد أقل من شهرين على هذه المأساة، نجح الاستقلاليون والموالون لفرنسا في إبرام اتفاقات «ماتينيون» التي أعادت توزيع السلطات في كاليدونيا الجديدة. وبعد عشر سنوات، أطلق توقيع اتفاق نوميا عملية لإنهاء الاستعمار تستمر عشرين عاماً.


مقالات ذات صلة

ماكرون يزور لبنان الجمعة

المشرق العربي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أ.ف.ب)

ماكرون يزور لبنان الجمعة

يزور الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الجمعة لبنان على ما أعلن البلدان الثلاثاء في أول زيارة لرئيس دولة لبيروت منذ وصول جوزيف عون إلى سدّة الرئاسة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
أفريقيا قائد المجلس العسكري الحاكم في بوركينا فاسو إبراهيم تراوري (أرشيفية - أ.ب)

رئيس المجلس العسكري في بوركينا فاسو: ماكرون «أهان كل الأفارقة»

وردّا على تصريح الرئيس الفرنسي، قال الكابتن تراوري الإثنين إنّ ماكرون «أهان كلّ الأفارقة. (...) هكذا يرى هذا الرجل أفريقيا، هكذا يرى الأفارقة».

«الشرق الأوسط» (أبيدجان)
أوروبا لقاء سابق بين ماكرون وزيلينسكي في باريس (رويترز)

زيلينسكي يناقش مع ماكرون «نشر وحدات» أجنبية في أوكرانيا

أعلن الرئيس الأوكراني، الاثنين، أنه ناقش مع نظيره الفرنسي دعم أوكرانيا واحتمال «نشر وحدات» من العسكريين الأجانب في البلاد، وهي فكرة طرحها حلفاء كييف مؤخراً.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مجتمعاً مع رئيس وزراء بريطانيا  كير ستارمر في المقر الريفي للأخير في تشيكرز في التاسع من الشهر الحالي (أ.ف.ب)

استقالة المستشار الدبلوماسي الرئيس لماكرون تثير تساؤلات

استقالة المستشار الدبلوماسي الرئيس للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تثير تساؤلات حول أسبابها ومعلومات تشير إلى حنقه بسبب تدخلات خارجية في مهامه.

ميشال أبونجم (باريس)
شمال افريقيا وزير العدل الفرنسي جيرالد درامانان خارجاً من قصر الإليزيه في 8 الجاري ويتبعه وزير الدفاع سيباستيان لو كورنو (رويترز)

فرنسا تبحث خيارات الرد على ما تعده «إذلالاً» جزائرياً

فرنسا تبحث خيارات الرد على ما تعده «إذلالاً» جزائرياً، وزراء وسياسيون فرنسيون يعرضون مروحة واسعة لـ«الانتقام من الإهانة» التي لحقت ببلادهم.

ميشال أبونجم (باريس)

روسيا لا نستبعد أي رد على العقوبات النفطية الأميركية

المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف (د.ب.أ)
المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف (د.ب.أ)
TT

روسيا لا نستبعد أي رد على العقوبات النفطية الأميركية

المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف (د.ب.أ)
المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف (د.ب.أ)

ذكر الكرملين، اليوم (الأربعاء)، أن تركيز روسيا على العقوبات الأميركية الجديدة التي تستهدف قطاع النفط يهدف إلى الحد من تداعياتها، مضيفاً أن موسكو لا تستبعد أي احتمال من جانبها فيما يتعلق بالرد على تلك العقوبات.

وقال المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف: «نحلل الموقف بعناية. الهدف هو اتخاذ إجراءات من شأنها تقليل عواقب تلك الإجراءات غير القانونية وخدمة مصالح بلدنا، أولاً وقبل كل شيء، وشركاتنا».

ورداً على سؤال حول رد روسي محتمل على العقوبات الأميركية، قال بيسكوف: «لا يمكن استبعاد أي شيء. سنفعل الأفضل لمصلحة بلدنا».

وفرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات أوسع نطاقاً على النفط الروسي في العاشر من يناير (كانون الثاني) استهدفت «جازبروم نفت» و«سورجوتنفت جاز»، فضلاً عن 183 سفينة شحنت النفط الروسي.