الرئيس الفرنسي يحدد اختراق روسيا لـ«خطوط الجبهة» شرطاً لإرسال قوات غربية إلى أوكرانيا

إيمانويل ماكرون يريد استغلال مبدأ «الغموض الاستراتيجي»

ماكرون خلال إلقاء خطابه في جامعة السوربون التاريخية حيث دعا لبناء دفاع أوروبي قوي في 25 أبريل (إ.ب.أ)
ماكرون خلال إلقاء خطابه في جامعة السوربون التاريخية حيث دعا لبناء دفاع أوروبي قوي في 25 أبريل (إ.ب.أ)
TT

الرئيس الفرنسي يحدد اختراق روسيا لـ«خطوط الجبهة» شرطاً لإرسال قوات غربية إلى أوكرانيا

ماكرون خلال إلقاء خطابه في جامعة السوربون التاريخية حيث دعا لبناء دفاع أوروبي قوي في 25 أبريل (إ.ب.أ)
ماكرون خلال إلقاء خطابه في جامعة السوربون التاريخية حيث دعا لبناء دفاع أوروبي قوي في 25 أبريل (إ.ب.أ)

أسبوعاً بعد أسبوع، يطل الرئيس الفرنسي بتصريحات تثير سيلاً من الجدل، خصوصاً أنها تتناول ملفات بالغة الأهمية؛ كملف الدفاع الأوروبي، واستعداد باريس لجعل قوتها النووية جزءاً من ترسانة الردع الأوروبي، أو الحرب في أوكرانيا وما يتعين على الأوروبيين القيام به لوضع حد لطموحات روسيا في أوكرانيا.

إذ أكد إيمانويل ماكرون مجدداً استعداده لإرسال قوات إلى أوكرانيا، موضحاً في مقابلة نشرتها «ذي إيكونوميست»، الخميس، أنه ينبغي «طرح هذه القضية» في حال اختراق موسكو «خطوط الجبهة»، دون أن يحدد هذه الخطوط. وقال الرئيس الفرنسي للمجلة البريطانية: «في حال اخترق الروس خطوط الجبهة، وفي حال ورود طلب أوكراني بهذا الخصوص، وهو أمر لم يحصل بعد، يجب أن نطرح هذه القضية بشكل مشروع».

الرئيس الفرنسي مع مساعده العسكري متأهباً لمؤتمره الصحافي في 18 أبريل في بروكسل (أ.ف.ب)

وما يميز المقابلة المذكورة مع التصريحات السابقة أن ماكرون يحدد الظروف والشروط التي يفترض توافرها، والتي من شأنها أن تدفع الغربيين للقيام بخطوة كهذه.

ولعل ما يثير الحيرة أنه يواظب على طرحٍ رفضتْه غالبية الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية وألمانيا، فضلاً عن تلقٍّ متهيب داخل فرنسا نفسها.

ليس سراً أن الرئيس الفرنسي، إزاء الإرباك الأميركي بخصوص الحرب الأوكرانية الذي تمثل برفض مجلس النواب، طيلة شهور، إقرار مساعدة عسكرية من 61 مليار دولار لكييف، والغموض المسيطر على النتائج المحتملة للانتخابات الرئاسية الأميركية في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، والقلق من عودة الرئيس السابق دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، يسعى لفرض نفسه «زعيماً» للمعسكر الأوروبي والغربي بشكل عام، بانتهاج السياسة الأكثر تشدداً و«هجومية» إزاء روسيا، بعد أن كان الأكثر «تساهلاً» مع الرئيس الروسي.

من هنا، تأتي تحذيراته ومواقفه الخلافية المواظب عليها والآخذة بالتحول إلى عقيدة عسكرية - دفاعية. وتجدر الإشارة إلى أنه سيطرح، خلال القمة الأوروبية المقررة يومي 27 و28 يونيو (حزيران) خطته لتعزيز الدفاع الأوروبي بكل مناحيه الكلاسيكية والنووية، وسيطالب الأوروبيين بطرح أفكارهم وخططهم.

ماكرون: لا يتعين استبعاد إرسال قوات أرضية

في حديثه إلى «الإيكونوميست»، يقول ماكرون: «أنا لا أستبعد أي شيء؛ لأننا نواجه شخصاً لا يستبعد أي شيء. ربما كنا مترددين أكثر من اللازم في وضع حدود لتحركنا أمام شخص لم يعد لديه أي شيء وهو المعتدي. إن قدرتنا هي أن نكون ذوي مصداقية، وأن نستمر في تقديم المساعدة، وأن نمنح أوكرانيا وسائل المقاومة. لكن مصداقيتنا تعتمد أيضاً على قدرة معينة على الردع من خلال عدم تقديم رؤية كاملة لما سنفعله أو لن نفعله؛ ولذا يجب علينا ألا نستبعد شيئاً؛ لأن هدفنا منع روسيا من تحقيق الانتصار في حربها على أوكرانيا».

ومن الحجج التي يسوقها ماكرون أن «روسيا أصبحت اليوم قوة مفرطة في التجهيز، وتواصل الاستثمار بكثافة في الأسلحة من جميع الأنواع، وتبنت موقف عدم الامتثال للقانون الدولي والعدوان الإقليمي والعدوان في جميع مناطق النزاع المعروفة، وهي اليوم أيضاً قوة لزعزعة الاستقرار الإقليمي حيثما استطاعت. وهكذا، نعم، لقد أصبحت روسيا، من خلال سلوكها وخياراتها، تشكل تهديداً لأمن الأوروبيين».

الرئيس إيمانويل ماكرون محاطاً بمساعديه خلال توجهه إلى المؤتمر الصحافي عقب انتهاء القمة الأوروبية الاستثنائية في بروكسل يوم 18 أبريل (أ.ف.ب)

واستطرد قائلاً: «لقد أضافت الحرب الهجينة وعملت على إثارة وتأجيج الصراعات التي كانت كامنة أحياناً في مناطق أخرى، وقد أضافت إليها عدواناً وتهديدات في الفضاء وفي البحر، وتهديدات وهجمات إلكترونية ومعلوماتية على نطاق غير مسبوق، وهو ما قررنا نحن وشركاؤنا الأوروبيون الكشف عنه للمرة الأولى».

ولا يهمل ماكرون التهديد النووي الروسي الصريح وأحياناً غير المباشر الذي «تلجأ إليه (موسكو) منذ عام 2022 بشكل متزايد من خلال صوت الرئيس بوتين، وقد فعلت ذلك بشكل منهجي».

يخلص ماكرون إلى القول: «لدي هدف استراتيجي واضح، وهو منع روسيا أبداً من تحقيق الانتصار على أوكرانيا؛ لأنها إذا انتصرت فإن أوروبا لن تنعم بعدها بالأمن. من يستطيع الادعاء أن روسيا ستتوقف (عند أوكرانيا)؟ وما سيكون عليه أمن الدول الجارة مثل مولدافيا ورومانيا وبولندا وليتوانيا ودول أخرى غيرها؟». وتساءل الرئيس الفرنسي: «ما ستكون عليه مصداقية الأوروبيين الذين يكونون قد صرفوا المليارات، وأكدوا أن مصير أوروبا تقرره حرب أوكرانيا، ولم يوفروا الوسائل لوقف (تقدم) روسيا؟ نعم علينا ألا نستثني شيئاً».

ولكن متى وكيف يتعين إرسال قوة غربية؟ يقول الرئيس الفرنسي، إنه «في حال اخترق الروس خطوط الجبهة، وفي حال ورود طلب أوكراني بهذا الخصوص، وهو أمر لم يحصل بعد، يجب أن نطرح هذه القضية بشكل مشروع».

وأضاف: «إن استبعاد ذلك من الآن يعني أننا لم نستخلص العبر من السنتين الماضيتين»؛ أي: عندما استبعدت دول حلف شمال الأطلسي في البداية إرسال دبابات وطائرات إلى أوكرانيا بعد بدء الغزو الروسي لها في فبراير (شباط) 2022 قبل أن تغير رأيها وتمد أوكرانيا بالأسلحة التي كانت ترفضها قطعاً تخوفاً من ردود الفعل الروسية.

ورداً على سؤال حول ما إذا كان القادة الآخرون سيقتنعون بموقفه في نهاية المطاف، أجاب ماكرون: «ينبغي ألا نمارس السياسة التخيلية أبداً، لكنني مقتنع بشيء واحد، وهو أن هذا هو الشرط الأساسي للأمن الأوروبي والمصداقية العسكرية الأوروبية. لذلك إذا قررت روسيا الذهاب إلى أبعد من ذلك، فسيتعين علينا جميعاً أن نسأل أنفسنا هذا السؤال. لهذا السبب أردت هذا التنبيه الاستراتيجي لنظرائي، ولكن أيضاً لدولنا. ففرنسا بلد عمد إلى التدخل عسكرياً بما في ذلك في الآونة الأخيرة؛ إذ نشرنا عدة آلاف من القوات في منطقة الساحل لمكافحة الإرهاب الذي يمكن أن يهددنا. وقد فعلنا ذلك بناءً على طلب دول ذات سيادة».

الغموض الاستراتيجي

يريد الرئيس الفرنسي مبدأ «الغموض الاستراتيجي» المعروف في العلوم العسكرية؛ بمعنى جعل العدو في حيرة إزاء ما يمكن أن يقوم به الطرف المقابل. وسبق له أن أشار إلى هذا المبدأ في شهر فبراير الماضي. كذلك يراهن ماكرون على مبدأ آخر عنوانه «الحركية الديناميكية» في سعيه لحمل الرافضين لطروحاته على ملاقاته فيما يسعى إليه، وقد شرح ذلك سابقاً بقوله: «اليوم، ليس هناك إجماع على إرسال قوات أرضية إلى أوكرانيا بشكل رسمي، لكن الدينامية تعلمنا أن لا شيء مستبعداً».

وعلى أي حال، فإن الرئيس الفرنسي يرى أن «العدائية» التي وسمت ردة الفعل الروسية العنيفة على تصريحاته السابقة بشأن إرسال الجنود إلى أوكرانيا تبين أن الرسالة قد وصلت وعنوانها: «لن نتوقف عند حد في اتخاذ الإجراءات الميدانية إن لم تتوقفوا أنتم».

وكان نائب رئيس الدوما الروسي بيوتر تولستوي، المقرب من بوتين، قد حذر، في حديث للقناة الإخبارية الفرنسية «بي إف إم تي في» أُجري في 23 مارس (آذار)، فرنسا من التسبب بحرب عالمية ثالثة بقوله: «أنتم الفرنسيين، تريدون إرسال جنود إلى أوديسا، ولكنكم لا تدرون أنكم تدفعون نحو اندلاع حرب عالمية ثالثة». وأضاف تولستوي: «لو أرسلت فرنسا 300 أو 400 جندي، فإنهم سيقتلون، وسيقع ماكرون في الفخ، وعليه عندها، إما أن يرسل مزيداً من القوات، وإما أن يسحب من بقي منهم».

وأكد تولستوي وقتها أن 13 ألف مرتزق يقاتلون في أوكرانيا، بينهم 367 فرنسياً قُتل منهم 147 عنصراً». ودعا المسؤول الروسي باريس لأن «تعي العواقب» المترتبة على خطوة كالتي يدعو إليها ماكرون.

القادة الأوروبيون في صورة جماعية قبل بدء قمتهم الاستثنائية في بروكسل مساء الأربعاء (رويترز)

حقيقة الأمر أن ما يدعو إليه الرئيس الفرنسي لا يمكن أن تقوم به باريس بشكل منفرد، وهي بالتالي بحاجة لدعم أوروبي وأميركي وأطلسي حتى يكون العمل مؤثراً وجماعياً. والحال أن هذا الدعم غير متوفر اليوم، رغم أن ماكرون مصيب بقوله إن الغربيين دأبوا على التردد لأسابيع وأشهر، قبل أن يقرروا الاستجابة لكييف وتزويدها بالأسلحة الثقيلة والهجومية منها على وجه الخصوص.

لكن إرسال السلاح شيء وإرسال قوات ميدانية شيء آخر؛ لأن أمراً كهذا يعني المواجهة المباشرة بين الحلف الأطلسي النووي وروسيا النووية. ثم إن تذكير ماكرون بأن باريس أرسلت قوات إلى بلدان الساحل لمواجهة الإرهاب والقيام ربما بالشيء نفسه في أوكرانيا لا يقوم، وليس حجة كافية؛ إذ لا يمكن مقارنة الجيش الروسي، وهو أحد أكبر الجيوش في العالم، وله إمكانيات لا حدود لها بمجموعات إرهابية. وكما الخارج الأوروبي لا يبدو متحمساً لطروحات ماكرون فيما الجانب الأميركي لن يقدم على خطوة كهذه قبل أشهر قليلة على استحقاق انتخابي رئيسي، فإن دعوة ماكرون تبقى محدودة الأثر في الوقت الراهن. ولعل ما تعكسه هو الخوف الغربي من هزيمة تلحق بكييف في الحرب التي انطلقت قبل أكثر من عامين.


مقالات ذات صلة

إطلاق صافرات الإنذار في أنحاء أوكرانيا تحسباً لوقوع هجمات جوية وصاروخية

أوروبا رجال إطفاء أوكرانيون يعملون في مكان ما بعد هجوم جوي في دنيبرو وسط الغزو الروسي لأوكرانيا (أ.ف.ب)

إطلاق صافرات الإنذار في أنحاء أوكرانيا تحسباً لوقوع هجمات جوية وصاروخية

دوت صافرات الإنذار من إمكانية وقوع هجمات جوية وصاروخية في جميع أنحاء أوكرانيا في الساعات الأولى من صباح الخميس.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا «أتاكمز» صاروخ موجَّه بعيد المدى يبلغ مداه نحو 300 كيلومتر (رويترز)

تحليل: صواريخ أتاكمز التي تطلقها أوكرانيا على روسيا ستنفجر في وجه أميركا

دخلت الحرب الروسية الأوكرانية مرحلة بالغة الخطورة من بعد استخدام كييف للصواريخ بعيدة المدى التي حصلت عليها من أميركا وبريطانيا لضرب أهداف في العمق الروسي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (أ.ب)

زيلينسكي: لا يمكن استعادة القرم إلا بالدبلوماسية

أقر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بأنه لا يمكن استعادة شبه جزيرة القرم التي استولت عليها روسيا في عام 2014 إلا من خلال الدبلوماسية.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا بوتين يوقع على النسخة المحدثة للعقيدة النووية الروسية (رويترز)

موسكو تتأهب للرد... ومخاوف من استهداف مركز القرار في كييف

تصاعدت المخاوف لدى أوكرانيا والغرب، بعد بروز معطيات، أمس (الأربعاء)، عن تحضيرات روسية لشن هجوم قوي على العاصمة كييف رداً على قيامها قبل يومين، باستهداف منشآت

رائد جبر (موسكو)
أوروبا سكان أمام منزل متضرر بهجوم طائرة مسيّرة في منطقة أوديسا جنوب أوكرانيا (أ.ف.ب)

الكرملين يؤكد استعداده لحوار مع واشنطن ولا يستبعد استهداف كييف

شهدت التطورات مساراً متسارعاً بعد مرور يومين على أول هجوم أوكراني في العمق الروسي باستخدام صواريخ أميركية بعيدة المدى.

رائد جبر (موسكو) «الشرق الأوسط» (كييف) «الشرق الأوسط» (سول)

فون دير لاين تسعف راكباً على متن رحلة إلى زيوريخ

أورسولا فون دير لاين عملت طبيبة مساعدة لعدة أعوام (رويترز)
أورسولا فون دير لاين عملت طبيبة مساعدة لعدة أعوام (رويترز)
TT

فون دير لاين تسعف راكباً على متن رحلة إلى زيوريخ

أورسولا فون دير لاين عملت طبيبة مساعدة لعدة أعوام (رويترز)
أورسولا فون دير لاين عملت طبيبة مساعدة لعدة أعوام (رويترز)

قدّمت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين خدماتها بصفتها طبيبة، عندما شعر أحد الركاب بتوعك على متن رحلة جوية من بروكسل إلى زيوريخ، حسبما قالت المتحدثة باسم الاتحاد الأوروبي لـ«وكالة الأنباء الألمانية»، اليوم (الخميس).

وقالت: «كما هو متعارف عليه في مثل هذه الحالات، فإن أحد أفراد طاقم الطائرة سأل ما إذا كان هناك راكب على متن الطائرة لديه خبرة طبية».

وساعدت فون دير لاين التي عملت بصفتها طبيبة مساعدة لعدة أعوام بعد التأهل، الراكب لحين الوصول إلى بروكسل، وبعدها تولّى أفراد الطاقم الطبي في المطار المهمة.