بعد الهجمات الإيرانية: تضامن أوروبي مع إسرائيل وتحذير من الانزلاق إلى حرب إقليمية

بريطانيا وفرنسا شاركتا في الدفاع عن إسرائيل فيما دول أوروبية أخرى لها قوات في المنطقة امتنعت عن المشاركة

مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل دعا وزراء خارجية الاتحاد لاجتماع الثلاثاء للبحث في تطورات الشرق الأوسط (إ.ب.أ)
مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل دعا وزراء خارجية الاتحاد لاجتماع الثلاثاء للبحث في تطورات الشرق الأوسط (إ.ب.أ)
TT

بعد الهجمات الإيرانية: تضامن أوروبي مع إسرائيل وتحذير من الانزلاق إلى حرب إقليمية

مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل دعا وزراء خارجية الاتحاد لاجتماع الثلاثاء للبحث في تطورات الشرق الأوسط (إ.ب.أ)
مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل دعا وزراء خارجية الاتحاد لاجتماع الثلاثاء للبحث في تطورات الشرق الأوسط (إ.ب.أ)

انتظرت إيران أسبوعين قبل تنفيذ تهديداتها بالرد على الهجوم الذي دمر قنصليتها في دمشق، وقضى على قادة «الحرس الثوري» المكلفين التواصل مع جبهات الممانعة في سوريا ولبنان والعراق. والسؤال المطروح اليوم إقليمياً ودولياً يتناول الرد الإسرائيلي على الهجمات الإيرانية الصاروخية وبالمسيرات، ليل السبت - الأحد، التي لم تكن مفاجئة، ولم تسفر عنها أضرار مادية كبيرة، ولا خسائر بشرية.

ولأن الخسائر الإسرائيلية جاءت في الحد الأدنى، ولأن إسرائيل حظيت بغطاء جوي وصاروخي أميركي وأوروبي حال دون وصول كثير من الصواريخ والمسيرات إلى فضائها، فإن التركيز راح باتجاه معرفة طبيعة الرد الإسرائيلي، وهل سيكون على الأراضي الإيرانية، وطبيعته وأهدافه، وخصوصاً مواقف الدول مواقف الدول الأوروبية إزاء مرحلة ما بعد الضربات الإيرانية التي يمكن عدّها «ضربات الحد الأدنى».

والدليل على ذلك ما جاء على لسان وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، خلال اجتماع مع سفراء أجانب في طهران، حيث أعلمهم أن إيران أبلغت الولايات المتحدة أن هجماتها ضد إسرائيل ستكون «محدودة» وللدفاع عن النفس.

وبكلام آخر، فإن الطرف الإيراني أراد سلفاً تجنب ردة فعل إسرائيلية - أميركية، حتى غربية، أو على الأقل أن تكون محدودة.

من هنا، فإن فترة ترقب جديدة، وهذه المرة من جانب إسرائيل، أخذت تفرض نفسها، وستشهد كثيراً من الاتصالات المتداخلة مع الطرفين الإيراني والإسرائيلي لمنع انزلاق المنطقة إلى حرب واسعة، لا أحد يريدها. لذا يتزايد الترقب لما سيقرره مجلس وزراء الحرب الإسرائيلي، الذي كان منتظراً انعقاده بعد ظهر الأحد. إلا أن وزير الخارجية الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، سارع الأحد إلى تأكيد أن تل أبيب «تدرس تحركاتها بعناية»، مضيفاً: «لقد قلنا إذا هاجمت إيران إسرائيل، فسوف نهاجم إيران. وهذا الالتزام ما زال سارياً».

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي شاركت قوات بلاده في إسقاط المقذوفات الإيرانية التي تستهدف إسرائيل متحدثاً إلى الصحافة الجمعة بمناسبة زيارة رئيس وزراء ألبانيا لباريس (إ.ب.أ)

دعوات لكبح التصعيد

إذا كان الانخراط الأميركي إلى جانب إسرائيل قد جاء كاملاً وشاملاً، عسكرياً وسياسياً وأمنياً واستخبارياً، فإن الدول الأوروبية لعبت دورين متلازمين: الأول سياسياً، من خلال الإجماع على إدانة الهجوم الإيراني على إسرائيل والإعراب عن التضامن التام معها من جهة، ومن جهة ثانية التحذير من تصعيد الصراع في الشرق الأوسط.

ولم يكن مستغرباً الموقف الأوروبي، خصوصاً بعدما أعلنت الولايات المتحدة على أعلى المستويات، على لسان جون كيربي، الناطق باسم مجلس الأمن القومي الأميركي، أن واشنطن «لا تريد التصعيد مع إيران، ولا تريد حرباً موسعة معها». وتضمن بيان وزارة الدفاع دعوة إيران لـ«تهدئة التوترات»، محذراً إياهاً من أن الولايات المتحدة «لن تتوانى عن التدخل لحماية قواتها والدفاع عن إسرائيل».

ولم يشذ أي مسؤول أوروبي عن هذه القاعدة العامة. وجاءت البيانات الرسمية الأوروبية متشابهة في مضمونها وصياغاتها. فالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون كتب في رسالة على منصة «إكس»: «أدين بأشد العبارات الهجوم غير المسبوق الذي شنّته إيران على إسرائيل، والذي يهدّد بزعزعة الاستقرار في المنطقة. وأعرب عن تضامني مع الشعب الإسرائيلي، وحرص فرنسا على أمن إسرائيل وشركائنا والاستقرار الإقليمي».

وختم ماكرون رسالته بتأكيد أن بلاده «تعمل مع شركائها على خفض التصعيد وتدعو إلى ضبط النفس». وفي السياق نفسه، كتب وزير الخارجية ستيفان سيجورنيه على المنصة نفسها أن «إيران عبر قرارها تنفيذ هذا العمل غير المسبوق، إنما تتجاوز عتبة جديدة في أفعالها الهادفة إلى زعزعة الاستقرار، وتُجازف بحصول تصعيد عسكري»، مضيفاً أن «فرنسا تكرر تمسكها بأمن إسرائيل وتؤكد تضامنها» معها.

ثمة ما يميز باريس عن غيرها من عواصم الاتحاد الأوروبي، وهو مشاركتها في صد الهجمة الجوية الإيرانية عسكرياً، وهو ما أشار إليه الناطق باسم الجيش الإسرائيلي في مؤتمر صحافي، صباح الأحد، حيث أكد أن «فرنسا قدمت مساهمة هامة» في الدفاع عن إسرائيل.

وامتنعت باريس حتى عصر الأحد عن تأكيد مشاركتها، بعكس بريطانيا. بيد أن صحيفة «لو موند» نقلت عن مصدر فرنسي لم تكشف هويته أن «فرنسا تتمتع بإمكانات دفاع صاروخي أرض ــ جو لحماية قواتها، وقد استخدمت لإسقاط المقذوفات (الإيرانية) التي طارت فوقها».

ومن المعروف أن لفرنسا حضوراً عسكرياً ثلاثياً في المنطقة. في أبوظبي، حيث تشغل قاعدة بحرية جوية، وفي الأردن، حيث يرابط سرب من طائراتها القتالية، وفي البحر الأحمر، حيث لها فرقاطة في إطار القوة البحرية الأوروبية لحماية الممر البحري الهام من الهجمات الحوثية، فضلاً عن قاعدة عسكرية في جيبوتي هي الكبرى لفرنسا خارج حدودها. وما قامت به فرنسا قامت به أيضاً بريطانيا. وقال رئيس وزرائها ريتشي سوناك: «إننا نعمل إلى جانب حلفائنا بشكل حثيث لضمان استقرار الوضع والحؤول دون تصعيد إضافي»، مندداً بالهجوم الإيراني «المتهوّر»، ومؤكداً أنّ بريطانيا «ستواصل الدفاع عن أمن إسرائيل».

وقالت وزارة الدفاع البريطانية، في بيان: «أرسلنا عدة طائرات إضافية تابعة لسلاح الجو الملكي، ووحدات للتزود بالوقود في الجو إلى المنطقة»، مضيفة أن «هذه الطائرات البريطانية ستعترض أي هجوم جوي في نطاق بعثاتنا الموجودة إذا لزم الأمر». وتشارك بريطانيا في العملية البحرية في البحر الأحمر، التي تقودها الولايات المتحدة.

بيد أن لدول أوروبية أخرى حضوراً بحرياً في البحر الأحمر كألمانيا وإيطاليا واليونان... ولم يعرف أنها ساهمت في إسقاط المقذوفات الإيرانية. وجاءت ردة الفعل الألمانية على لسان رئيس الجمهورية والمستشار ووزيرة الخارجية، جاءت بالغة التشدد. فقد أكد فرانك فولتير شتاينماير، عقب اتصال أجراه بالرئيس الإسرائيلي للإعراب عن «تضامنه الكامل» مع إسرائيل، متحدثاً عن أمله في إمكانية تجنب حدوث تصعيد واسع النطاق. أما المستشار شولتس، الموجود في زيارة رسمية للصين، فقد رأى أن الهجوم الإيراني «لا يمكن تبريره... ولا يمكن تفهمه أو تقبله». وأضاف شولتس: «لا يسعنا إلا أن نحذر الجميع، ولا سيما إيران، من المضي قدماً على هذا النحو»، مؤكداً مرة أخرى على تضامن بلاده مع إسرائيل، التي «لها كل الحق في الدفاع عن نفسها».

المستشار الألماني أولاف شولتس في محطته الأولى لزيارة الصين يطالب بكين بالمساعدة على خفض التصعيد في الشرق الأوسط (د.ب.أ)

وقال شولتس لاحقاً: «سنبذل قصارى جهدنا لوقف مزيد من التصعيد... ولا يسعنا إلا أن نحذر الجميع، ولا سيما إيران، من (مغبة) الاستمرار على هذا النحو». وفهم أنه سيطلب المساعدة من القادة الصينيين. أما وزيرة الخارجية أنالينا بايربوك فقد تساءلت عن «الكيفية» التي سترد بها إسرائيل على الهجوم، محذرة من أن «اندلاع حريق إقليمي ستكون له تبعات لا يمكن التنبؤ بها». وشدّدت بايربوك على «عزلة إيران بسبب سلوكها العدواني»، داعية «جميع الأطراف الفاعلة في المنطقة إلى التصرف بحكمة» لتجنب حرب واسعة و«لكسر دوامة التصعيد، ووضع حد للعنف».

اجتماع لوزراء الخارجية الأوروبيين الثلاثاء

يبدو بوضوح أن الاتحاد الأوروبي رغب في تخطي ما حصل الليلة الماضية سريعاً. فمسؤول السياسة الخارجية جوزيب بوريل سارع إلى دعوة وزراء الخارجية الأوروبيين إلى اجتماع استثنائي، الثلاثاء، للعمل على خفض التصعيد.

وجاء في كلمة له على منصة «إكس»: «هدفنا هو المساهمة في وقف التصعيد وتحقيق الأمن في المنطقة». بيد أن المنتظر أن تحصل مشاورات أوروبية الإثنين بمناسبة المؤتمر، الذي تنظمه فرنسا لصالح السودان، والذي سيحضره ما لا يقل عن 20 وزير خارجية، بينهم كثير من الأوروبيين.

وأدانت رئيسة المفوّضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين من جهتها «بأشدّ العبارات الهجوم السافر وغير المبرّر لإيران على إسرائيل»، عبر منصة «إكس».

وكتبت فون دير لايين: «أدعو إيران ووكلاءها إلى وقف هذه الهجمات فوراً. وينبغي لكلّ الأطراف الآن الإحجام عن أيّ تصعيد جديد، والعمل على إعادة الاستقرار إلى المنطقة».

من جانبها، عبّرت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني عن «القلق العميق بشأن حدوث مزيد من زعزعة الاستقرار في المنطقة، ونواصل العمل لمنع ذلك». وهو ما أشار إليه رئيس وزراء بلجيكا دي كرو، مستخدماً العبارات نفسها، وداعياً «جميع الأطراف لضبط النفس» و«لوقف فوري لإطلاق النار» في المنطقة، بما يشمل غزة. وتتميز بلجيكا وآيرلندا عن غيرهما من دول الاتحاد الأوروبي بتوجيه انتقادات حادة لحرب إسرائيل على غزة، والاستعداد للاعتراف بالدولة الفلسطينية. وجاءت تصريحات رئيس الوزراء الهولندي سايمون هاريس مطابقة لتصريحات نظيره البلجيكي.

لم يبقَ البابا فرنسيس بعيداً عما يحصل. ففي كلمة له، الأحد، أمام الحشود في ساحة القديس بطرس، وجّه «نداء صادقاً لوقف أي عمل يمكنه أن يغذي دوامة من العنف تهدد بجرّ الشرق الأوسط إلى صراع أكبر». وتابع: «لا ينبغي لأي طرف أن يهدد وجود الطرف الآخر. ويجب على جميع الدول أن تسعى لإحلال السلام، وتساعد الإسرائيليين والفلسطينيين على العيش في دولتين (مستقلتين) في أمان». وختم قائلاً: «كفى حرباً، كفى هجمات، كفى عنفاً. نعم للحوار، نعم للسلام». أما حلف الأطلسي فقد استنكر تصعيد إيران، ودعا إلى «ضبط النفس». وكتبت المتحدثة باسمه، فرح دخل الله، في بيان: «من الضروري ألا يصبح النزاع في الشرق الأوسط خارجاً عن السيطرة».

يبقى أن عدة دول أوروبية تتخوف من مزيد من التصعيد، ولذا فإنها سارعت لمطالبة مواطنيها بالرحيل عن إيران أو عدم التوجه إليها، وهو حال ألمانيا وهولندا وفرنسا والنمسا وغيرها، مع توقف كثير من شركات الطيران الأوروبية تسيير رحلات إلى طهران.


مقالات ذات صلة

أوروبا ترفض دواء لألزهايمر وافقت عليه أميركا بسبب أعراضه الجانبية

أوروبا المقر الرئيسي للشركة الأميركية «بايوجين» (Biogen) في ماساتشوستس التي ساهمت في ابتكار دواء «ليكيمبي» مع شركة «إيساي» اليابانية (أ.ب)

أوروبا ترفض دواء لألزهايمر وافقت عليه أميركا بسبب أعراضه الجانبية

اتخذت وكالة الأدوية الأوروبية أمس (الجمعة) قراراً برفض دواء لداء ألزهايمر في الاتحاد الأوروبي؛ لأنه غير آمن.

«الشرق الأوسط» (لندن)
أوروبا أوراق نقدية من فئة 20 و50 يورو (د.ب.أ)

الاتحاد الأوروبي يحول لأوكرانيا 1.5 مليار يورو من عائدات الأصول الروسية

أعلن الاتحاد الأوروبي تأمين 1.5 مليار يورو (1.6 مليار دولار) لدعم أوكرانيا، وهي أول دفعة من الأموال المكتسبة من الأرباح على الأصول الروسية المجمدة.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
أوروبا جوزيب بوريل مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي (د.ب.أ)

بوريل: قرار إسرائيل تجريم الأونروا «هراء»

حثّ جوزيب بوريل مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي إسرائيل على إبطال قرارها تجريم وكالة «الأونروا».

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
أوروبا مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل (د.ب.أ)

بوريل: المجر لن تستضيف اجتماع وزراء الخارجية

قال مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، أمس (الاثنين)، إن المجر لن تستضيف اجتماع وزراء خارجية الاتحاد.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
أوروبا جوزيب بوريل الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية (أ.ب)

بوريل يقاطع اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في بودابست

أعلن جوزيب بوريل الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، الاثنين، مقاطعة الاجتماع غير الرسمي لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي المزمع.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)

أوروبا ترفض دواء لألزهايمر وافقت عليه أميركا بسبب أعراضه الجانبية

المقر الرئيسي للشركة الأميركية «بايوجين» (Biogen) في ماساتشوستس التي ساهمت في ابتكار دواء «ليكيمبي» مع شركة «إيساي» اليابانية (أ.ب)
المقر الرئيسي للشركة الأميركية «بايوجين» (Biogen) في ماساتشوستس التي ساهمت في ابتكار دواء «ليكيمبي» مع شركة «إيساي» اليابانية (أ.ب)
TT

أوروبا ترفض دواء لألزهايمر وافقت عليه أميركا بسبب أعراضه الجانبية

المقر الرئيسي للشركة الأميركية «بايوجين» (Biogen) في ماساتشوستس التي ساهمت في ابتكار دواء «ليكيمبي» مع شركة «إيساي» اليابانية (أ.ب)
المقر الرئيسي للشركة الأميركية «بايوجين» (Biogen) في ماساتشوستس التي ساهمت في ابتكار دواء «ليكيمبي» مع شركة «إيساي» اليابانية (أ.ب)

اتخذت وكالة الأدوية الأوروبية أمس (الجمعة) قراراً برفض طرح دواء لداء ألزهايمر في الاتحاد الأوروبي يهدف إلى الحد من التدهور المعرفي للمرضى؛ إذ اعتبرت أن هذا العقار المرتقب جداً غير آمن.

ورأت الوكالة الناظمة أن النتائج التي يحققها الدواء المطروح باسم «ليكيمبي» (Leqembi) والمُجاز له في الولايات المتحدة «غير متوازنة مع خطر الآثار الجانبية الخطيرة المرتبطة به»، وأبرزها «احتمال حصول نزف في أدمغة المرضى».

وتوقع الخبراء «خيبة أمل» لدى عدد كبير من المرضى من هذا الرأي الذي تأخذ به عادة المفوضية الأوروبية صاحبة القرار النهائي.

وأكدت شركة الصناعات الدوائية اليابانية «إيساي» (Eisai) التي ابتكرت «ليكيمبي» بالتعاون مع الأميركية «بايوجين» (Biogen) أنها ستتقدم بطلب لـ«إعادة النظر في رأي» وكالة الأدوية الأوروبية، معربةً عن «خيبة أمل شديدة».

ونقل بيان عن المديرة السريرية في «إيساي» لين كرايمر قولها إن «ثمة حاجة كبيرة لا تتم تلبيتها لخيارات علاجية جديدة ومبتكرة تستهدف السبب الكامن وراء تطور المرض».

ورخّصت إدارة الغذاء والدواء الأميركية في مايو (أيار) 2023 لعقار «ليكيمبي» الذي يشكل ليكانيماب (lecanemab) مكوّنة للمرضى الذين لم يصلوا إلى مرحلة متقدمة من المرض. وأشارت «إيساي» إلى أنه يباع أيضاً في اليابان والصين.

وفشل الباحثون طوال عقود في إحراز تقدّم فعلي في محاربة مرض ألزهايمر الذي يصيب عشرات الملايين من الناس في كل أنحاء العالم.

ويعاني نحو ثمانية ملايين شخص في الاتحاد الأوروبي شكلاً من أشكال الخرف، ويمثل مرض ألزهايمر أكثر من نصف هذه الحالات، وفقاً لموقع «ألزهايمر أوروبا». ولا يتوافر إلى اليوم أي دواء يحقق الشفاء.

أعراض جانبية مثيرة للجدل

ولم يتوصل الطب بعد إلى فهم وافٍ للسبب الدقيق لمرض ألزهايمر، إلّا أن مراقبة أدمغة المرضى تُظهر وجود لويحات أميلويد تتشكل حول الخلايا العصبية وتدمرها على المدى البعيد.

ويؤدي ذلك إلى فقدان الذاكرة الذي يُعدّ أبرز تجليات المرض. وفي المراحل الأخيرة منه، لا يعود المرضى قادرين على القيام بالمهام والأنشطة الحياتية اليومية أو على الانخراط في أحاديث.

ويتيح دواء «ليكيمبي» الذي يؤخَذ عن طريق الوريد مرة كل أسبوعين، تقليل عدد لويحات الأميلويد، وفق ما أظهرت التجارب السريرية. لكن الرأي السلبي لوكالة الأدوية الأوروبية لاحظ «بشكل خاص الظهور المتكرر في الصور الطبية لتشوهات مرتبطة بالأميلويد (...) من بينها تورم ونزف محتمل في أدمغة المرضى».

ورأت اختصاصية التنكس العصبي بجامعة أدنبره البروفيسورة تارا سبايرز جونز أن هذا الرأي الذي أصدرته وكالة الأدوية الأوروبية «سيكون مخيباً لآمال الكثيرين». لكنّها اعتبرت في بيان أن «ثمة أسباباً تدعو إلى الاستمرار في التفاؤل»؛ إذ أظهر ليكانيماب أنه «من الممكن إبطاء تطور المرض». وأضافت: «نحن الآن بحاجة إلى تكثيف جهودنا لاكتشاف أدوية جديدة وأكثر أماناً»، حسبما أفاد تقرير لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

«فوارق ثقافية»

أما الأستاذ في مستشفى «يو سي إل» الجامعي في لندن بارت دي ستروبر، فرأى أن قرار وكالة الأدوية الأوروبية «مؤسف ولكنه ليس غير متوقع». واعتبر أن «هذه النتيجة تُظهر التباين الثقافي الكبير في الطريقة التي يُنظر بها إلى المخاطر والابتكار في مختلف المناطق»، ملاحظاً أن «أوروبا تميل إلى النظر لنصف الكوب الفارغ، في حين تنظر دول كالولايات المتحدة والصين واليابان إلى النصف الممتلئ».

وأعطت إدارة الغذاء والدواء الأميركية الضوء الأخضر مطلع شهر يوليو (تموز) الفائت لطرح دواء جديد آخر لمرض ألزهايمر توصلت إليه شركة «إلاي ليلي» الأميركية يتوقع أن يبطئ تطور المرض.

وباتت القرارات المتعلقة بالأدوية ضد مرض ألزهايمر تخضع لمراقبة من كثب منذ الجدل في شأن «أدوهيلم» (Aduhelm) الذي جرت الموافقة عليه في يونيو (حزيران) 2021، وابتكرته أيضاً شركتا «إيساي» و«بايوجين» ويستهدف لويحات الأميلويد كذلك.

وكان «أدوهيلم» أول دواء معتمد في الولايات المتحدة ضد المرض منذ عام 2003. إلا أنّ هذا العلاج أحدث جدلاً كبيراً؛ إذ عارضت وكالة الأدوية الأميركية رأي لجنة خبراء اعتبروا أن العلاج لم يثبت فاعليته بشكل كافٍ خلال التجارب السريرية. وقيّدت الوكالة في وقت لاحق استخدامه، حاصرة إياه بالأشخاص الذين يعانون حالات خفيفة من المرض.

وأكّد تقرير للكونغرس الأميركي أخيراً أنّ سعر الدواء مرتفع (56 ألف دولار في السنة)، في حين أعلن نظام التأمين الصحي الفيدرالي «ميديكير» المخصص لكبار السن، أنه لن يغطي تكاليفه إلا إذا أُخذ في إطار تجارب سريرية.